السبت, نوفمبر 23, 2024
السبت, نوفمبر 23, 2024
Home » سليمان المعمري في “نوافذ العمانية” : شاعر عُماني يكتب الرواية

سليمان المعمري في “نوافذ العمانية” : شاعر عُماني يكتب الرواية

by admin

جريدة عمان \ سليمان المعمري – كاتب وروائي عماني

للوهلة الأولى سيظن القارئ أن موضوع هذا المقال هو زهران القاسمي، الذي كان نجم الأسبوع الماضي، بعد فوزه المستحق بجائزة البوكر العربية للرواية. ورغم أن زهران وروايته «تغريبة القافر» يستحقان الحديث المستفيض عنهما، إلا أنني آثرتُ هذا الأسبوع أن أحيي الذكرى الخامسة لرحيل الشاعر العُماني الآخر محمد الحارثي، التي وافقت السابع والعشرين من مايو 2018م، وهو الأديب الذي جرّب كثيرًا من الأجناس الأدبية، ومن بينها الرواية، والمفارقة أنها -أي الرواية- الجنس الأدبي الوحيد الذي كتب فيه الحارثي دون أن يحظى بالتقدير المستحق، على عكس كتابته للشعر وأدب الرحلات، والمقالات، بل حتى تحقيقه المهم للأعمال الشعرية لشاعر عُمان الكبير أبي مسلم البهلاني الذي احتُفي به غير مرة.

صدرت رواية «تنقيح المخطوطة» لمحمد الحارثي عن دار الجمل عام 2012م، وتسرد حكاية كاتب كهل يحاول كتابة رواية بتشجيع من ابنته الوحيدة وأحد أصدقائه النقاد. فإذا استحضرنا أن هذا الكاتب كان يكابد مرضًا عضالًا فلن يستعصي علينا استنتاج أن الحارثي – الذي كان يعاني من مرض القلب وقت كتابة الرواية – إنما كان يكتب حكايه نفسه على شكل رواية، محاولًا اختراع حياة أخرى، أبطالها «تفاحة»، و«مسمار»، والصيرفي، والناقد، وابنة الراوي، والحُلم، وكل شخصية من هؤلاء تسرد حكايتها فيما يعطي الكاتب نفسه حق «تنقيح» الرواية في النهاية.

كما أن هذا الكاتب يجلس على «مقهى الأبدية» في العالم الآخر مع أعظم أدباء العالم من أمثال دستيوفسكي وكزانتزاكيس وفرجينيا وولف وبارجاس يوسا وهيمنجواي وغيرهم ممن يحضرون في الرواية ويتحاور معهم حول آرائهم في فنّ الكتابة.

وفي رأيي الشخصي فإن الحارثي لم يكن مهتمًّا بكتابة رواية فنّية بقدر اهتمامه بإعادة ترميم حياته التي يبدو أنه شعر باقتراب نهايتها، وأنه لا سبيل لاستعادتها إلا بالكتابة. يظهر ذلك في إجابته في كتاب «حياتي قصيدة وددتُ لو أكتبها» (الذي أعده سعيد بن سلطان الهاشمي وصدر عن دار سؤال اللبنانية عام 2016) عن سؤال حول الحضور الكثيف للجيولوجيا وطبقاتها في روايته.

يقول الحارثي: «أشار لي كثيرون ممن راجعوا «تنقيح المخطوطة» أن الفصل الأول طويل و«مُملّ»، ويكاد يكون منفصلًا عن أحداث الرواية اللاحقة، فضلًا عن معلوماته العِلمية «الثقيلة» حول تأريخ تاريخ نشأة الأرض وأحقابها التي قد لا تهم القارئ في شيء».

ولكن لماذا فعل محمد ذلك؟ إن السبب – كما يقول – هو «محاولة التخلص سيكولوجيًّا وإبداعيًّا من سِيزيفيَّة أحقاب الأرض بطرح ثقلها في الفصل الأول من تنقيح المخطوطة»، وهنا كان يتحدث عن تخصصه في علم الجيولوجيا وطبقات الأرض من جامعة قطر، الذي أفضى به بعد التخرج إلى العمل في مركز العلوم البحرية والسمكية التابع لوزارة الزراعة والأسماك في وظيفة لم يرتح لها، وقدم استقالته منها بعد ثلاث سنوات فقط. ويرى هنا أنه فشل في الجيولوجيا مرتين: الأولى بصعوبة الحصول على وظيفة تناسب تخصصه، واستكمال الدراسات العليا بشهادته العِلمية. أما الثانية فهي تعويض هذه الجيولوجيا روائيًّا.

وأيًّا يكن الأمر، فإنه لا يمكن الجزم بأن رواية «تنقيح المخطوطة» فاشلة فنيًّا بالاعتماد على ما طرحه الحارثي من أسباب، ليس فقط لأن الكاتب بعد صدور كتابه ليس هو الشخص المناسب للحكم على نجاح عمله أو فشله، ولكن أيضًا لأن عددًا غير قليل من الروايات الناجحة اليوم كانت فصولها الأولى «مملة» وذات إيقاع بطيء (نذكر على سبيل المثال لا الحصر «اسم الوردة» لإمبرتو إيكو، و«مائة عام من العزلة» لماركيز)، كما أن حضور الكاتب وحياته الخاصة في الرواية ليس اختراعًا جديدًا من محمد الحارثي، ولا سببا في فشل الروايات، وإلا لما فاز بيتر هاندكه وآني آرنو بجائزة نوبل. كل ما في الأمر في تصوّري هو أن «تنقيح المخطوطة» ظهرت في عصر «التسونامي الروائي» العربي، بحيث لم يعد بمستطاع القراء (ناهيك عن النقاد) متابعة كل هذا الكم الهائل من الروايات. لذا، لم تحظ الرواية بعد بما تستحقه من القراءة.

فمتى إذن سنتمكن من الحكم على «تنقيح المخطوطة» باطمئنان؟ الإجابة نجدها لدى الروائي الراحل بهاء طاهر في كتابه «في مديح الرواية»؛ إذ يرى أن كل رواية تحتاج لكي نعتبرها ناجحة إلى اجتياز اختبارين مهمين؛ هما: اختبار الجمهور واختبار الزمن. فيما يخصّ الأول يرى طاهر أن حكم الجمهور قد يصيب وقد يخطئ؛ بمعنى أنّ بعض الروايات قد تلقى بعد صدورها رواجًا جماهيريًّا ونجاحًا كبيرًا لأسبابٍ لا علاقة لها بالفن، في حين أن روايات أخرى عظيمة قد تفشل لدى جمهور قرائها المعاصرين، وقد يعجز عن تذوّقها. لكن المعوّل عليه لدى بهاء طاهر هو اختبار الزمن؛ «فمع مرور السنين تسقط من ذاكرة الجمهور والأدب الروايات التي لا تستحق الاعتبار، في حين تصبح الروايات الحقيقية جزءًا من الذخيرة الباقية للفن الروائي، وتكتسب حياة متجدّدة مع الأجيال المتتابعة من القرّاء».

وسواء حَكَمَ الزمن في النهاية لصالح «تنقيح المخطوطة» أو ضدها، فإنه سيحفظ لمحمد الحارثي أنه «زاوج بين حياته وكتابته، بشكل منقطع النظير، حتّى لتجد إحداها مرآة للأخرى، وسُلّما يصل الأولى بالثانية» كما جاء في بيان لجنة تحكيم جائزة الإبداع الثقافي المتميز لعام 2014، التي نالها الحارثي عن جدارة واستحقاق.

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00