لدى فلاديمير بوتين أنواع مغايرة من أدوات الهجوم كفيلة بإلحاق الضرر الكبير والكثير بالمجتمع الأميركي (أ ف ب) X FILE سلاح الكرملين السري في سباق البيت الأبيض by admin 18 سبتمبر، 2024 written by admin 18 سبتمبر، 2024 52 من يدعم فلاديمير بوتين في انتخابات 2024… هاريس كما أعلن أم ترمب؟ اندبندنت عربية هل أعلن الكرملين حرباً جديدة، علنية وليست خفية على الولايات المتحدة الأميركية، لا سيما في الأشهر الأخيرة، إذ الصراع يجري على قدم وساق بهدف الوصول إلى البيت الأبيض؟ العلم الروسي مرتفعاً قرب أحد أبراج الكرملين في موسكو (أ ف ب) غالب الظن أن في الأمر بالفعل شيئاً ما، فالعداء الأيديولوجي يتصاعد من جديد في أعلى عليين، كما أن اتجاهات واشنطن في الأيام الأخيرة تجاه الأزمة الأوكرانية، إذ ستسمح غالباً باستخدام صواريخ عالية الدقة لمهاجمة أهداف روسية، أمر يشعل نيران الحرب. والثابت أنه كما يمكن لـ”القيصر” فلاديمير بوتين أن يرد بأدوات الحرب المتوافرة لديه من صواريخ مماثلة، وقاذفات قنابل بعيدة المدى، ناهيك بغواصات مرعبة تطاول أوروبا وأميركا، فإن لديه على ما يبدو في السنوات الأخيرة، وبفضل التكنولوجيا المتقدمة، أنواعاً مغايرة من أدوات الهجوم، كفيلة بإلحاق الضرر الكبير والكثير بالمجتمع الأميركي المتشظي شكلاً وموضوعاً لأسباب مختلفة. ماذا عن سلاح بوتين السري هذا؟ المثير أنه ليس سرياً، بل يكاد يكون معروفاً للقاصي والداني، وإنما نطاق السرية موصول بالطرق التي يعمل بها، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. إنها الميديا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، تلك الآلية التي باتت تشكل العقول، وتصنع الاتجاهات، أي إنها صارت المعادلة أو المكافئة الموضوعية للخبز في زمن الإمبراطورية الرومانية، فقد كان القادر على إعطاء الخبز، هو من يستطيع أن يفرض شريعته كما يريد. فما الذي يريده بوتين من الداخل الأميركي؟ وهل الأمر حقاً يتعلق بنتيجة الانتخابات الأميركية المقبلة فحسب؟ بوتين – “القيصر” الذي لا ينسى بهدوء أعصاب يليق برجل استخبارات عتيد، من زمن الاتحاد السوفياتي، وبقدرات سيد من أسياد الـ KGB القدامى، عطفاً على ملامح وجه بارد، تشعر وكأنه من عالم آخر بعيد من تفاعلات الأحياء، وبالضبط كما وجه لاعب البوكر المحترف، الذي لا يمكنك قراءته، يبدو الرئيس الروسي حين يطل على العالم . لا يمكنك أن تفك شيفرات هذا الرجل، أو تخوض في أعماق نفسه، وقد أخفقت جيوش علماء النفس في الغرب، في توقع خطواته، والدليل ما جرى في أوكرانيا قبل قرابة ثلاثة أعوام. علاقة بوتين بالغرب عامة، وبالولايات المتحدة بخاصة، علاقة مثيرة وخطرة في الوقت ذاته، فالرجل يحمل في عقله وقلبه ثأراً قديماً، وغالب الظن أنه يود أن ينتقم لبلاده مما جرى لها على أيدي النخبة الليبرالية، التي أذاقت شعوب الجمهوريات السوفياتية السابقة الهوان، قبل ثلاثة عقود. لم يوار أو يدار بوتين في تصريحات سابقة أسفه لما جرى في نهاية فترة ميخائيل غورباتشوف، وقد اعتبر أن تفكيك الاتحاد السوفياتي، بل في واقع الأمر تفخيخه، إنما كان الخطيئة الأصلية الكبرى في القرن الـ20. حين أعلن فوز بوتين في انتخابات الرئاسة الروسية عام 2012 هاجمت هيلاري كلينتون نتيجة تلك الانتخابات (غيتي) هل لا يزال بوتين يسعى جاهداً لرد الصاع صاعين؟ مؤكد أنه يسعى في هذا السياق، بقدر ما تسمح له الأدوات المتوافرة، وربما بعيداً من الصواريخ النووية العابرة للقارات، وإن كان لن يوفرها عن مرحلة معينة، غير أنه من رحمة القدر بالنسبة إليه، أن الاختراعات الحديثة، ربما مكنته من آليات هجومية قاتلة وفتاكة، لكن من غير أن يطلق رصاصة واحدة، أو يدخل في اشتباك عسكري. حين أعلن فوز بوتين في انتخابات الرئاسة الروسية عام 2012، بعد غياب قليل، هاجمت وزيرة الخارجية الأميركية، في ذلك الوقت، هيلاري كلينتون، نتيجة تلك الانتخابات، واعتبرتها مزورة، ولم تكن تصريحات كلينتون تغير الشيء كثيراً على الأرض، غير أن الفرصة قد حانت للرجل، بصورة مباشرة، في انتخابات الرئاسة الأميركية 2016، حين قارعت دونالد ترمب، وعلى رغم أن التوقعات كافة كانت تقطع بفوز هيلاري، فإن اختراقاً، بعينه، لحلمتها الانتخابية غير الأوضاع وبدل الطباع. لم يستطع أحد في الداخل الأميركي أن يثبت علاقة روسيا بما جرى رسمياً، لكن الجميع يقطع بأن “القيصر” خلف، من ورائه، عمداً، ما يشير إلى أنه موجود وأن الهجوم عليه أمر مكلف، فهل سيعاود الرجل الكرَّة هذه الأيام؟ في قراءة لمركز “بيو” للاستطلاعات في واشنطن أن 18.8 في المئة من البالغين في الولايات المتحدة يحصلون على أخبارهم السياسية في المقام الأول من خلال وسائل التواصل الاجتماعي (رويترز) “السوشيال ميديا” سلاح الانتخابات الجديد قبل الجواب المباشر، ربما يمكن لنا أن نجيب عن السؤال الأكثر أهمية “هل باتت وسائل التواصل الاجتماعي سلاحاً فاعلاً، وبقوة، في سياق تحديد الفائز بالرئاسة الأميركية المقبلة؟”، لم يعد هناك شك في أن وسائل/ وسائط التواصل الاجتماعي قد أصبحت وسيلة أساس في الحملات الانتخابية، إذ ابتعد المرشحون عن منهجية المصافحة وتقبيل الأطفال التقليدية، وكان تأثيرها في طليعة المحادثات مع اقترابنا من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وعند البروفيسورة إيمي بيكر أستاذة الاتصالات في جامعة “لويولا”، المتخصصة في عالم الترفيه السياسي أن “الانتخابات الرئاسية الأميركية تكتسب أهمية إضافية في ضوء التهديدات الأخيرة للديمقراطية، وتزايد انعدام الثقة في الساسة ووسائل الإعلام”، وتضيف “أعتقد أننا نشهد خياراً حقيقياً بين المعايير الديمقراطية والاستبداد في جميع أنحاء العالم”، وتؤكد، في الوقت عينه، أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت أداة جديدة ووسيلة محدثة لمخاطبة الجمهور أثناء الحملات الانتخابية، “فهي تسمح للمرشحين بتوزيع المعلومات والقيام بالحملات الانتخابية، فضلاً عن كونها مصدراً للأخبار للناخبين”. هل يحصل بعض الناخبين البالغين، بالفعل، على معلوماتهم من خلال المواقع الإلكترونية وبقية وسائط التقنيات الحديثة؟ في قراءة لمركز “بيو” للاستطلاعات في واشنطن، أجري في الفترة بين أكتوبر (تشرين الأول) 2019 ويونيو (حزيران) 2020، أن 18.8 في المئة من البالغين في الولايات المتحدة يحصلون على أخبارهم السياسية، في المقام الأول، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ولعل الأكثر إثارة هو أن وسائل التواصل لم تصبح المصدر الرئيس فحسب، بل باتت المؤثرة، أيضاً، على نتائج الانتخابات السابقة. كانت إدارة بايدن تعلن إجراءات لمعالجة ما قالت إنه جهود كبيرة تدعمها روسيا للتأثير في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 (أ ب) ووفقاً لدراسة أجرتها جامعة “برينستون”، “خفض ’تويتر‘ تصويت الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية لعامي 2016 و2020، لكن تأثيره في انتخابات الكونغرس والانتخابات الرئاسية السابقة كان محدوداً”، وتشير الأدلة المستمدة من بيانات الاستطلاعات والانتخابات التمهيدية وتحليل النصوص لملايين التغريدات إلى أن المحتوى الليبرالي نسبياً، لـ”تويتر” ربما أقنع الناخبين ذوي الإرادة المعتدلة بالتصويت ضد دونالد ترمب. وبناء على هذه النتائج، أصبح من الواضح أن المحتوى الذي يقدمه المرشحون قد يؤدي إلى نجاح أو فشل آمال أي مرشح في الفوز بالرئاسة. وعطفاً على ذلك، فإن وسائل التواصل الاجتماعي باتت تشكل مصدراً مهماً للمعلومات بالنسبة إلى الناخب العادي، بخاصة بالنسبة إلى الشباب الذين يفضلون الحصول على معلوماتهم من تلك الوسائل بدلاً من مصادر الأخبار التقليدية، وعندها فقط ترى مصادر الأخبار والمحتوى الذي يتفق مع وجهة نظرها، إضافة إلى ذلك، هناك كثر ممن يفتقرون إلى القدرة على فصل الحقيقة عن المعلومات المضللة أو المزيفة. وفي كل الأحوال، فإن من الصعب، بصورة عامة، فك رموز المعلومات المضللة والمغلوطة، لكن القيام بذلك عبر سائل التواصل الاجتماعي قد يكون أكثر صعوبة، وعليه، فإنه عند مشاهدة المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، تقع على عاتق الفرد مسؤولية إجراء أي بحث خارجي. الكرملين وحب وسائل التواصل الاجتماعي في الأسبوع الأول من سبتمبر (أيلول) الجاري، نشرت مجلة “بوليتيكو” السياسية الأميركية الشهيرة تقريراً مطولاً لكاثرين كيم “عن الحب الجارف والغامر من جانب الكرملين لوسائل التواصل الاجتماعي والسر وراء ذلك”، ويحتوي المقال على ما يشبه المقابلة مع بيكا كاليونيمي المتخصص في مجال التضليل، الذي يقر بأن المؤثرين الذين لديهم أتباع متعصبون أكثر نجاحاً في نشر المعلومات المضللة المؤيدة للكرملين من الروبوتات والمتصيدين. وبحسب بيكا الفنلندي الأصل الباحث في مجال التضليل ومؤلف كتاب “حساء فاتنيك”، وهو كتاب عن حروب المعلومات الروسية، فإن مزارع المتصيدين والروبوتات على وسائل التواصل الاجتماعي قد أصبحت من الطراز القديم، وهذه باتت الطريقة المفضلة للكرملين للتأثير في الانتخابات الأميركية في نوفمبر المقبل، أي استخدام ما يعده عديد من الأميركيين هواية غير ضارة، من خلال تتبع المحتوى الذي ينشئه المؤثرون على تلك الوسائل. على أن السؤال “هل الأمر مجرد أدوات تقنية فقط يتم التلاعب بها؟ أم أن هناك لدى القيصر من يعرف كيف يفكر الأميركيون في هذه الآونة ومقدار التشظي المجتمعي الذي يعيشونه، وعلى هذا الأساس يعزف على المتناقضات؟”. مؤكد أن هناك عقولاً روسية متقدمة تعرف جيداً أن المؤثرين الأميركيين من اليمينيين المتطرفين والموجودين على وسائل التواصل الاجتماعي هم أهداف سهلة لاختراقهم من جانب الكرملين وصحبه. والسبب الرئيس هو أنهم يشتركون مع نظرائهم اليمينيين الروس في أيديولوجية مماثلة، وهذا النوع من التقليدية والمحافظة هو شيء ترغب روسيا أيضاً في تعزيزه، فهما يظهران بوتين باعتباره تجسيداً للتقليدية والقيم الأسرية، وهذا مشابه جداً بالطبع في السياسة الأميركية اليمينية، التي تعمل جاهدة لمقاومة انحرافات وانجرافات التيار اليساري الديمقراطي المتطرف بدوره. هل تغيرت بالفعل أساليب الدعاية والتأثير الروسيين في العقد الأخير، وبطريقة تتعامل مع الولايات المتحدة بصورة أكثر ضرراً من إطلاق الرصاص؟ بالعودة إلى الوراء وبالتحديد عام 2013 نجد أن روسيا كانت قد أطلقت وكالة أبحاث الإنترنت، ومن خلالها بدأوا في إنتاج الدعاية عبر الإنترنت بكميات كبيرة، واستخدموا ما يسمى مزارع المتصيدين، والعهدة على “بوليتيكو”، وفي وقت لاحق بدأوا أيضاً في استخدام الروبوتات الآلية. وإضافة إلى ذلك فإنهم يستخدمون حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الضخمة التي تسمى “الناشر الفائق”، والتي استخدمت لنشر السرد على نطاق واسع، وقد جاء هذا المصطلح من دراسات “كوفيد-19″، إذ كانت هناك دراسة أظهرت أن 12 حساباً كانت مسؤولة عن معلومات التضليل حول لقاح “كوفيد” روسية الأصل. هل يمكن القول إن صعود وسائل التواصل الاجتماعي يساعد في حملة التضليل الروسية؟ بالطبع نعم، فقبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي كان الروس يواجهون كثيراً من الصعوبات في اختراق وسائل الإعلام الغربية عامة والأميركية بخاصة، غير أن السهولة واليسر والتخفي وراء شاشات الهواتف الذكية والحواسب الشخصية أضحت طريقاً محبوباً ومرغوباً من الروس للوصول إلى عقول الأميركيين وتغيير مواقفهم، وبناء رؤى سياسية جديدة لديهم. هنا ينبغي القول إن حب روسيا لوسائل التواصل الاجتماعي سيحدث، حكماً، أثراً هائلاً في الزمن المنظور، لا سيما في ظل تقدم أدوات الذكاء الاصطناعي، ومن ثم السوبر ذكاء اصطناعي. فهل ما جاءت به “بوليتيكو” مجرد إرهاصات وهواجس؟ أم حقائق بات مجمع الاستخبارات الأميركية يطاردها خوفاً وهلعاً من ارتداداتها الكارثية؟ إجراءات لمواجهة الاختراقات الروسية لم تتوقف الشكاوى الأميركية من محاولات الاختراق الروسية لواقع السياسة الأميركية، وسواء كان الأمر يحدث خلال مواسم الانتخابات الرئاسية أو التجديد النصفي للكونغرس، أو غيرها من الانتخابات الداخلية وصولاً إلى أصغر مدينة، غير أنه، ومنذ عام 2016، والشكوك تتصاعد بصورة مخيفة في الدور الروسي على الصعيد الداخلي الأميركي. في أوائل يوليو (تموز) الماضي، قالت وزارة العدل الأميركية إنها عطلت عملية روسية استخدمت حسابات وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي معززة بالذكاء الاصطناعي لنشر رسائل مؤيدة للكرملين سراً في الولايات المتحدة والخارج. وحصلت وزارة العدل على موافقة المحكمة لمصادرة اسمي نطاق والبحث في ما يقارب 1000 حساب على وسائل التواصل الاجتماعي يشتبه في ارتباطها بالجهود المبذولة، ويومها قال المدعى العام الأميركي ميريك غارلاند، في بيان “بهذه الإجراءات عطلت وزارة العدل حملة دعائية مدعومة من الحكومة الروسية، ومعززة بالذكاء الاصطناعي لاستخدام مزرعة روبوتات لنشر معلومات مضللة في الولايات المتحدة والخارج”. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تتهم فيها الولايات المتحدة دولة أجنبية علناً باستخدام الذكاء الاصطناعي في عملية التأثير الأجنبي. وبحسب الادعاء العام، تم تنظيم العملية المزعومة من خلال منظمة استخباراتية خاصة مقرها في روسيا يعمل بها ضباط استخبارات روس وموظف كبير في مؤسسة الأخبار الممولة من الحكومة ومقرها موسكو RT. وبالوصول إلى أوائل سبتمبر الجاري، كانت إدارة الرئيس جو بايدن تعلن سلسلة من الإجراءات لمعالجة ما قالت إنه جهود كبيرة تدعمها الحكومة الروسية للتأثير في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024، بما في ذلك الكشف عن اتهامات جنائية ضد مواطنين روس، وعقوبات على 10 أفراد وكيانات ومصادرة 32 نطاقاً على الإنترنت. فهل بدأت روسيا موجة تسونامية من الهجمات السيبرانية، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبآليات الذكاء الاصطناعي التي تصعب من عملية اكتشافها؟ بحسب نائبة المدعي العام الأميركي ليزا موناكو، في بيان لها، أن ثلاث شركات روسية استخدمت حسابات وهمية للترويج لروايات كاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي بتوجيه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتظهر الوثائق الداخلية التي أعدتها إحدى هذه الشركات الروسية أن أحد أهداف جهود الدعاية كان تعزيز ترشيح دونالد ترمب أو أي شخص ظهر كمرشح جمهوري للرئاسة، وفقاً لإفادة مكتب التحقيقات الاتحادية. هل يعني هذا الاتهام أن بوتين بالفعل يعضد ترمب؟ وإذا كان ذلك كذلك، فكيف نتفهم ما فاه به من عزمه دعم كامالا هاريس؟ هل يدعم بوتين هاريس بالفعل علناً؟ أم ترمب في الواقع سراً؟ (أ ف ب) بوتين والاختيار بين هاريس وترمب هل أثار سيد الكرملين لغطاً حين تحدث، ساخراً غالباً، خلال أعمال المنتدى الاقتصادي الشرقي في فلاديفوستوك، أخيراً، حين قال “كان المرشح المفضل لدينا، إذا جاز لنا أن نسميه كذلك، هو الرئيس الحالي السيد جو بايدن، لكنه أبعد من السباق، وأوصى جميع أنصاره بدعم السيدة هاريس. حسناً، سنفعل ذلك، سندعمها “. ويومها أضاف بوتين “أنها تضحك بشكل معبر ومعد لدرجة أن هذا يعني أنها بخير”. كما انتقد بوتين في التصريحات عينها الرئيس السابق والمرشح الجمهوري الحالي ترمب لفرضه “كثيراً من القيود والعقوبات ضد روسيا لم يفرضها أي رئيس من قبله”. وهنا علامة الاستفهام “كيف تستقيم هذه التصريحات التي تبدو منافية ومجافية لعلاقات بوتين مع إدارة بايدن من جهة، وترمب من جهة ثانية؟”. ليس سراً أن بوتين يواجه أزمات متفاقمة مع إدارة بايدن، بلغت حد التهديد بإعادة قراءة العقيدة النووية الروسية، أي التهديد بالأسلحة الفتاكة، حال تهددت روسيا من الداخل، وهو أمر يبدو بالفعل قريب، بل على الأبواب، في وقت الكيمياء مع الرئيس السابق ترمب، تبدو جيدة بصورة كبيرة، بل إن ترمب كان قد أثنى على بوتين أخيراً، حين أفرج عن بعض الرهائن الأميركيين في روسيا. فهل يدعم بوتين هاريس بالفعل علناً؟ أم ترمب في الواقع سراً؟ أم أنه يتلاعب بالاثنين لإحداث أكبر وأخطر صخب وجلبة داخليين في تاريخ انتخابات رئاسية أميركية؟ الثابت أنه عندما يتعلق الأمر بتحديد موقف الزعيم الروسي اليوم، فلا توجد إجابة سهلة. غير أن مجمع الاستخبارات الوطنية الأميركي، متأكد من أن بوتين يريد عودة ترمب إلى البيت الأبيض، ومن ناحية أخرى، يتلذذ بوتين بالإدلاء بتعليقات غامضة غالباً ما تكون بمثابة ملاحظات مزعجة، كإشادته المشار إليها بهاريس. على أنه وفي تقرير أخير لوكالة “بلومبيرغ” الأميركية يتحدث خمسة أشخاص (لم تكشف الوكالة عن أسمائهم)، مطلعين على مسارات التفكير في الكرملين، ويجمعون على أن الرأي السائد في موسكو أخيراً هو أنه لا يوجد حقاً كثير من الأسباب لرفع الكأس هذه المرة إذا عاد ترمب. وقال اثنان من المصادر إنه لو كان الكرملين قادراً على اختيار السيناريو المثالي، لكان من الممكن أن يختار ولاية أخرى لبايدن لأنه كان أكثر قابلية للتنبؤ وأسهل قراءة، وهذا يعني أنه إذا كانت هناك أي جهود لإنهاء حرب روسيا على أوكرانيا، فإن الأمر سيكون أسهل مع بايدن مقارنة بشخص له تاريخ في تمزيق الصفقات. هل يعني ذلك أن بوتين غير مهتم بالفعل بمن يفوز في الداخل الأميركي؟ غالب الظن أن الأمر كذلك، لكن هذا لا يعني أنها غير مبالية بالنتيجة، فعلى سبيل المثال إذا فازت هاريس بفارق ضئيل، وطعن ترمب في النتيجة، فمن المرجح أن يكون الشلل الذي قد ينجم عن ذلك خبراً ساراً. وتقول الروايات الاستخباراتية الأميركية إنه في نهاية انتخابات 2016، والتغيير المثير الذي دفع هيلاري كلينتون العتيدة سياساً خارج البيت الأبيض، فتح اثنان من عملاء الاستخبارات الروسية زجاجة شمبانيا، وصرخا بصوت عال جداً، وفي مشهد قريب من الهستيريا “لقد جعلنا أميركا أمة عظيمة”، في تندر واضح على فوز ترمب. كيف يمكن أن يكون المشهد هذه المرة حال خسارة ترمب؟ قد تكون الإثارة الحقيقية في الطريقة التي يعزف بها الروس في الداخل الأميركي. ماذا عن تلك الطريقة؟ نجوم التواصل وزرع فيروسات الداخل يبدو أن الروس يتعاطون هذه المرة، عبر الكيف الفاعل والمؤثر، لا الكم المتراكم من دون جدوى. ماذا نعني بذلك؟ باختصار، من الواضح أن موسكو تتجه بصورة متزايدة إلى نجوم وسائل التواصل الاجتماعي الأميركية للتأثير سراً في الناخبين قبل الانتخابات. وفي تصريحات صحافية قبل أيام لوكالة “رويترز”، أفاد مسؤول استخباراتي أميركي كبير بأن “ما نراه يفعلونه هو الاعتماد على الأميركيين المتعمدين وغير المتعمدين لزرع وتعزيز وإضافة الصدقية إلى الروايات التي تخدم مصالح هذه الجهات الفاعلة الأجنبية”، وأضاف “تحسب هذه الدول الأجنبية عادة أن الأميركيين أكثر ميلاً إلى تصديق آراء الأميركيين الآخرين”. هل هذا نهج وتكتيك روسي جديد؟ غالب الظن هذا ما تعتقد فيه الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأميركية، لا سيما في هذه الدورة الانتخابية غير المسبوقة من حيث التنافس برسم الصراع والصدام، ومن أجل جعل الأمر يمضي ضمن عمليات ضغط نفسي خارجي. هنا يقول عدد من الخبراء الاستخباريين أن هذه المهام تسعى عادة إلى إثارة غضب الأميركيين، وتسليط الضوء على الانقسامات المجتمعية، وتأكيد نقاط الحديث الحزبية، في حين تشكك في فعالية الحكومة الأميركية ودورها في الأمن العالمي. لكن كيف يحدث ذلك بشيء من التفصيل؟ المؤكد أن الروس لا يظهرون على أي من شبكات التلفزيون الكبرى، ولكن لديهم ملايين المتابعين والمشاهدين، والآن تزعم وزارة العدل أن بعض أكبر النجوم في وسائل التواصل الاجتماعي ذات التوجه اليميني، كانت عن غير قصد جزءاً من عملية روسية شريرة للتأثير في الانتخابات المقبلة. ولم تتم تسمية الشخصيات بصورة مباشرة أو اتهامها بارتكاب مخالفات من قبل وزارة العدل، لكن وثائق المحكمة التي كشف عنها الرابع من سبتمبر الجاري، كشفت عن أن منتجي وسائل الإعلام الحكومية الروسية حولوا ما يقارب 10 ملايين دولار إلى شركة إعلامية عبر الإنترنت لم يتم ذكر اسمها ومقرها تينيسي، وتفتخر الشركة التي حددتها شبكة “سي أن أن” باسمTenet Media، بقائمة من المعلقين اليمينيين البارزين باعتبارهم “موهوبين” بما في ذلك تيم بول وبن جونسون ولورين ساوثرن وتايلور هانسن ومات كريستيانسن وديف روبين، ويمتلكون ملايين المتابعين عبر منصات التواصل الاجتماعي . وتكشف المدفوعات السرية الستار عن بعض الشخصيات اليمينية الأكثر شعبية الذين حصلوا على ملايين الدولارات من الكرملين من دون علمهم وفقاً لوزارة العدل للترويج لروايات محافظة تعزز المصالح الروسية. وبينما تزدهر صناعة المؤثرين ومقدمي البث الصوتي ومنشئي المحتوى عبر الإنترنت، فإن لائحة الاتهام تظهر مدى انفتاح النظام البيئي الجديد للإعلام على التسلل، إذ إن المبدعين المستقلين مع القليل من الحواجز والشفافية. زعزعة الاستقرار هدف بوتين الماورائي، وما الذي يبغيه في نهاية المطاف؟ يبدو واضحاً جداً أن هناك رغبة روسية داخلية تنبع من عند سيد الكرملين، وتمتد إلى بقية “جماعة السيلوفيكي” التابعة له، في الثأر من الولايات المتحدة للماضي من جهة، ولردعها أو محاولة تعطيلها داخلياً مستقبلياً من ناحية ثانية، وذلك عبر استراتيجية أوسع نطاقاً تتلخص بوضوح في زعزعة استقرار البلاد من خلال تضخيم الانقسامات القائمة. ما أصبح واضحاً هو أن المتصيدين الروس والروبوتات لم يروجوا فقط لرسائل مؤيدة صراحة لدونالد ترمب، بل استخدموا أيضاً وسائل التواصل الاجتماعي لزرع الانقسامات الاجتماعية في أميركا من خلال تأجيج الخلاف والانقسام حول مجموعة كبيرة من المواضيع المثيرة للجدل مثل الهجرة وكراهية الإسلام. والأمر الأكثر أهمية هو أنه من الواضح أن هذه التدخلات مستمرة مع قيام العملاء الروس بتأجيج الانقسام حول مواضيع حديثة مثل مسيرات العنصريين البيض، وقيام لاعبي دوري كرة القدم الأميركي بالركوع احتجاجاً على عنف الشرطة. وعند جوناثان مورغان المستشار السابق لوزارة الخارجية الأميركية في مجال الاستجابات الرقمية للإرهاب، الذي تقوم شركته بتحليل التلاعب بالخطاب العام “فإن الهدف الشامل للروس أثناء الانتخابات والآن هو توسيع واستغلال الانقسامات، ومهاجمة النسيج الاجتماعي الأميركي إذ هو الأكثر ضعفاً، على طول خطوط العرق والجنس والطبقة والعقيدة”. ما الذي يتبقى قبل الانصراف؟ تساؤل بسيط “هل ما يجري من جانب الروس هو رهان ضد الديمقراطية في الداخل الأميركي؟ أم ديالكتيك تاريخي فيه يجب على واشنطن أن تدفع ديناً سابقاً لها طرف الروس؟ إلى قراءة أخرى مقبلة. المزيد عن: سلاح الكرملين فلاديمير بوتين دونالد ترمبكامالا هاريسالانتخابات الأميركيةاالاتحاد السوفياتيميخائيل غورباتشوفهيلاري كلينتونوسائل التواصل الاجتماعيجماعة السيلوفيكي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post لماذا مددت تونس العمل بـ “المنطقة العسكرية العازلة” مع ليبيا؟ next post مواجهات نارية بين نجوم هوليوود ومخرجيهم You may also like “إسرائيل الكبرى”… حلم صيف يميني أم مشروع حقيقي؟ 12 نوفمبر، 2024 الشرق الأوسط الكبير حلم أم كابوس؟ 7 نوفمبر، 2024 “في رحيل زاهر الغافري” ملف جديد من مجلة... 3 نوفمبر، 2024 محمد أبي سمرا يكتب عن: سحر عالم “حزب... 2 نوفمبر، 2024 محمد أبي سمرا يكتب عن: وقائع محو أثر... 1 نوفمبر، 2024 محمد أبي سمرا يكتب عن: الضاحية قبل “حزب... 1 نوفمبر، 2024 محمد أبي سمرا يكتب عن: “ساحل النصارى” قبل... 31 أكتوبر، 2024 كيف تغير اسم المدينة التاريخي من القسطنطينية إلى... 29 أكتوبر، 2024 الرجل الذي كاد يقتل هتلر وينقذ حياة 70... 17 أكتوبر، 2024 ماذا لو أصيبت إسرائيل بالجنون وضربت منشآت إيران... 14 أكتوبر، 2024