ثقافة و فنونعربي سارتر يكشف عن دافعه إلى كتابة “سيناريو فرويد” لجون هستون by admin 22 فبراير، 2023 written by admin 22 فبراير، 2023 18 الفيلسوف الوجودي يعترف قبل رحيله بأنه نصب فخاً للسينما الأميركية طلباً للرزق اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب كتب كثر من المؤرخين والنقاد حكاية السيناريو الذي وضعه جان بول سارتر بدءاً من ربيع عام 1958 عن حياة رائد التحليل النفسي سيغموند فرويد، ولا سيما عن المرحلة التي اكتشف فيها هذا الأخير وجود “اللاوعي”، بحيث لم يعد ثمة ما يمكن إضافته سوى نوع من الإشارة إلى العامل الذي دفع الفيلسوف الوجودي الفرنسي إلى محاولة الدنو من السينما الأميركية، ولكن من طريق مشروع يتماشى مع اهتماماته الفلسفية وتحديداً المتعلقة بالتحليل النفسي. فسارتر لم يكن قد أفصح بوضوح عن ذلك الدافع الذي حدا به إلى ولوج تلك المحاولة، وهو الذي لم يستسغ أبداً ما تنتجه هوليوود حتى وإن كان له إلمام ببعض الإنتاج السينمائي العالمي، وربما تقبل جدي لبعض الأفلام الفرنسية، إضافة إلى كونه قد كتب تحليلاً معمقاً للفيلم السوفياتي “طفولة إيفان”، الذي كان أول إطلالة لشاعر السينما الروسية أندريه تاركوفسكي على العالم السينمائي، لم يكن قد فعل ذلك حتى سنوات قليلة قبل رحيله فكان جوابه مفاجئاً ومسلياً، بحيث قطع الطريق على كل التفسيرات السابقة التي كانت قد اعتادت “فلسفة” المسألة. حوار على شكل اعتراف ففي مجرى حوار مع الباحث والناقد الفرنسي ميشال كونتا أجراه معه وبدا كأنه يشكل نوعاً من جردة حياة صاحب “الوجود والعدم” سأل كونتا سارتر عما إذا كان قد حدث له خلال حياته أن أنتج أعمالاً غير مقتنع بها لمجرد أن يحصل بفضلها على بعض المال في لحظات حرجة من حياته، فابتسم سارتر مجيباً بـ”أجل لقد حدث لي ذلك مرات عدة، لعل أشهرها كانت حين كتبت ذلك السيناريو الذي بات شهيراً بعد ذلك حين لم يتحول إلى فيلم، والذي كان من المفترض أن يخرجه السينمائي الأميركي جون هستون”. سأله كونتا “أتقصد مشروع فرويد، (شغف سري) الذي لم يحبه مخرج (المنحرفون) و(موبي ديك) وشرائط عديدة أخرى مستقاة في معظمها من أمهات الكتب العالمية؟”. فعرضت ابتسامة سارتر هنا وأردف “بالطبع لا أقصد غيره”. وكان من الواضح تحديداً أن سارتر تناول هذا المشروع بالتحديد لأسباب عدة في مقدمتها أن السيناريو الذي لم يرَ النور إلا على شكل كتاب حين كان ذلك الحوار يجري، وبعد ذلك لأن الجواب كان ينطوي بكل دقة على ما جاء في سؤال كونتا. فسارتر أعطى هذا المثل لأن المبلغ الذي دفعه منتجو هستون كان من أضخم المبالغ التي نالها سارتر حتى ذلك الحين عن أي عمل قام به – 25 مليون فرنك فرنسي بعملة نهايات سنوات الخمسين. مع أن هستون وضع السيناريو جانباً ونحى سارتر عن المشروع وهو يقول غاضباً لمن حوله “يا لها من ثرثرة فرنسية! هل يعتقد السيد سارتر أن في إمكان سيناريو في 800 صفحة أن يجتذب إلى صالات السينما جمهوراً يزيد على 800 متفرج؟ يمضون ثماني ساعات وهم يشاهدون فيلماً لا يحدث فيه أي شيء حقيقي؟”. المخرج جون هيستون (الموسوعة البريطانية) أزمنة صعبة روى سارتر إذاً لكونتا هذه الحكاية التي كانت على أية حال معروفة، ثم صمت قليلاً قبل أن يجيب هذه المرة عن السؤال الأول الذي طرحه عليه محاوره قائلاً “لقد حدث ذلك في وقت عند بدايات عام 1958 حين كان هستون في فرنسا يسعى إلى تحقيق مشروع كان أشبه بحلم بالنسبة إليه”. فالرجل كان ذا نهم إلى المعرفة وكان من كبار المهتمين، في هوليوود في الأقل، بالجمع بين الأدب والسينما، ومن المعروف أنه خلال تصوير فيلم سابق له هو (دع النور يشع) قد استثار فضوله ذلك الفيلم تجاه التحليل النفسي (الذي سيكتشف هستون علاقته باللاوعي الذي وجهه مباشرة نحو فرويد وبدايات اشتغال هذا الأخير على اللاوعي) وكان هستون نفسه خلال مرحلة اهتم فيها بالإخراج المسرحي قد حقق عرضاً لمسرحية سارتر (خلف أبواب مغلقة) التي قدمها على إحدى خشبات نيويورك في عام 1946، بالتالي لم يكن غريباً حين داعب خياله بعد سنوات مشروعه عن فرويد واللاوعي، أن يتوجه إلى فرنسا بالتوافق مع منتجيه للتعاقد مع سارتر على أن يتولى هذ الأخير كتابة الحكاية وتحويلها إلى سيناريو. ولسوف يقول سارتر لكونتا في الحوار المشار إليه إنه، من دون حماس فكري أو جمالي مبالغ فيه، ومن دون حتى أن يعلن أية “مصالحة مع هوليوود” أو مع السينما نفسها التي دائماً ما خيبت آماله، هرع لملاقاة هستون مدفوعاً إذاً بأوضاعه المالية السيئة، وهو يعرف أن هوليوود سخية في مثل هذه الحالات، وهي التي يغريها بالتأكيد أن يحمل ملصق الفيلم أسماء ثلاثة من أصحاب الأسماء الشهيرة وكل في ميدانه: فرويد وهستون وسارتر. “خاصة أنني كنت من البؤس بحيث اضطرت أمي إلى مدي بـ12 مليون فرنك كي أدفع ضرائبي. صحيح أنني بعد دفعها شعرت بالراحة إذ لم أعد مديناً لأحد، لكني كنت قلقاً لأنني بقيت خالي الوفاض تماماً. وفي تلك اللحظة بالذات أتاني من يخبرني أن جون هستون يريد مقابلتي. سررت بذلك طبعاً حتى ولو لم يخبروني عن موضوع اللقاء (في ذلك الحين كان كل حديث مع واحد من أهل السينما الأميركية يتحول بالتأكيد إلى حديث مالي!)”. مشهد من الفيلم الذي كتبه سارتر عن فرويد (موقع الفيلم) جواب سريع من سارتر وهكذا جرى اللقاء بالفعل “من فوره، تابع سارتر حديثه، بادرني هستون قائلاً، إنني أقترح عليك كتابة سيناريو لفيلم عن فرويد وسأدفع لك 25 مليوناً ثمناً له. كان جوابي الطبيعي والسريع أنني حاضر ومن فوري قبضت الـ25 مليوناً”. وكان سؤال كونتا التالي هنا “لو كان من عرض عليك المشروع سينمائياً أقل من هستون ثقافة وأهمية فكرية… هل كان من شأنك أن تقبل؟”. أبداً بالتأكيد. وليس فقط لأن حظي مع الفن السابع كان دائماً في منتهى التعاسة، بل بنوع من التوقع بأن هذا المشروع الثقافي من أوله إلى آخره لن يكون مصيره أفضل من مصير من سبقه في علاقتي مع هذا الفن. والحقيقة أن توقعي كان في محله. تصور أنني منذ البداية، ومنذ اللقاء الأول مع هستون طلب مني هذا المبدع المثقف الكبير بأن أركز في السيناريو على مسألة اللاوعي معتبراً إياها ذات شأن كبير في حلمه الفرويدي. ومن يعرفني ويطلع على أفكاري سيضحك هنا كثيراً، إذ يعرف كم أن طلب هستون هذا يبدو مضحكاً، وكشف عن أن ذلك المبدع الكبير الذي قطع ألوف الكيلومترات ليطلب مني كتابة مشروع عن اللاوعي في فكر فرويد لا يعرف أنني لا أهتم كثيراً بهذا البعد في الحياة الإنسانية، أنا الذي أمضيت حياتي كلها أنادي بعدم وجود شيء يسمى لا وعي! لكن الملايين التي قبضتها كانت تمنعني من الخوض مسبقاً في الموضوع نقاشاً مع صاحب العلاقة. قررت أن أكتب ثم أناقش. وهكذا كتبت ولا ريب أن هستون لم يستسغ ما كتبت حول هذا الموضوع بالذات. وهكذا انتهى به الأمر إلى رفض ما كتبته جملة وتفصيلاً”. فرماه جانباً وكتب مع تشارلز كوفمان وآخرين ذلك السيناريو الذي لا يتحدث ومنذ عنوانه إلا عن اللاوعي. فخ محتمل؟ والحقيقة أن ما يقوله سارتر هنا عن شرارة الخلاف الذي جعل هستون يرفض سيناريو سارتر لا يبدو دقيقاً هنا من وجهة نظر تاريخية. فالمؤرخون والنقاد بمن فيهم أولئك الذي يناصرون سارتر في عزو الشقاق بين المبدع الأميركي والكاتب الفرنسي الفيلسوف. يقولون إن هستون وبصرف عن مسألة اللاوعي اعترض عما كتبه سارتر فقط بسبب طوله و”ثرثرته” غير مبالٍ بفقرة جزائية في العقد مع سارتر تقول إن ليس من حق المخرج أو المنتج إجراء أي اختصار أو تبديل جذري في ما يقدمه الكاتب وإلا فإن أي تبديل سيعتبر رفضاً للسيناريو من قبل المنتجين، رفضاً لا يستدعي إعادة ما سبق دفعه إلى الكاتب. فهل يعني هذا أن الأخير قد نصب فخاً للأميركيين، مما جعله يفوز بالمال ويستنكف عن تبديل نظرته الخاصة إلى سيد التحليل النفسي. ثمناً لذلك؟ المزيد عن: جان بول سارتر\سيغموند فرويد\التحليل النفسي\اللاوعي\أندريه تاركوفسكي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post هكذا صور فيلمان بمهرجان برلين أهوال التعذيب في سجون إيران next post نوري الجراح يعصرن الشعر الملحمي في “الأفعوان الحجري” You may also like نظرية فوكوياما عن “نهاية التاريخ” تسقط في غزة 29 نوفمبر، 2024 لماذا لا يعرف محبو فان غوخ سوى القليل... 29 نوفمبر، 2024 جائزة الكتاب النمساوي لرواية جريمة وديوان شعر ذاتي 29 نوفمبر، 2024 طفولة وبساطة مدهشة في لوحات العراقي وضاح مهدي 29 نوفمبر، 2024 استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024