عربي زمن الفكر الليبرالي الروسي كما وصفه كاتب من أهله by admin 20 فبراير، 2023 written by admin 20 فبراير، 2023 21 “مدونات الزمن الفائت” لسالتيكوف شيدرين انتفاضة فكرية في ذروة النجاح اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب عرف الفيلسوف البريطاني من أصل روسي إيزايا برلين بكتبه التي يتناول فيها مفهوم الحرية بمعظم أبعاده. وكان ذلك طبيعياً لمفكر بارح عالمه الروسي في موقف ضد الثورة البلشفية التي نظر إليها مبكراً من خلال “إساءتها المطلقة للحرية، حرية الأفراد وحرية المجتمعات معاً”. ومن هنا لم يدهش كثر حين اكتشفت له في وقت متأخر مجموعة محاضرات نشرت تحت عنوان يلتقي مع منظومته الفكرية حول الليبرالية بعنوان يعني الكثير “المفكرون الروس”. وتقول مقدمة الكتاب أن الأوان قد حان لنفض الغبار عن محاضرات ومقالات كانت منسية بعد نشرها في مجموعات الصحف والمذكرات الشخصية وما إلى ذلك. وكان أهم ما في هذا الكتاب أنه بدراساته المتعددة والعميقة بالطبع يتناول عدداً لا بأس به من كبار مفكري وأدباء القرن التاسع عشر وليس بالتحديد من خلال إبداعاتهم الأدبية ولا سيما من خلال الرواية التي ازدهرت بشكل هائل في ذلك الزمن، بل أهم من ذلك، من خلال الفكر الذي عبرت عنه تلك الروايات التي حملت تواقيع تولستوي ودوستويفسكي وتورغينيف بين الروائيين وحتى بلنسكي وهرتزن وباكونبن وسواهم من بين الذين عرفوا كمفكرين ثوريين ووصلوا إلى التعبير عن أفكارهم التحررية والتقدمية من خلال محاولاتهم الروائية. ومن الواضح أن عمل برلين قد تركز في معظمه على الذين عاشوا وعملوا بين 1838 و1843 خلال المرحلة الذهبية للفكر الليبرالي الروسي. كبار الكتاب الروس هل كانوا كاذبين؟ (موقع الأدب الروسي) تأثير مستديم ويرى إيزايا برلين في مجمل تلك النصوص أن أولئك الكتاب “عرفوا كيف يجعلون من سمات تلك السنوات الزاهية فكراً يؤثر تأثيراً هائلاً في الفكر الروسي في زمنهم وحتى عند بدايات القرن العشرين، ويقول “تخيلوا إذاً، مجموعة من شبان عاشوا في زمن القيصر نيكولا الأول فانطبعوا بحسّ تحرري في وقت واحد تقريباً، وبشكل لا يضاهيه في تجديديته وتقدميته أي جيل في أي تاريخ فكري في أية منطقة من العالم. شبان يرتمون من دون أدنى تردد ليتمسكوا بحماسة هائلة ملتقطين تلك الأفكار التي كانت تصلهم من الغرب فتغريهم بالعمل على وضعها فوراً موضع التطبيق. لو فعلتم ستدركون على الفور ما الذي يجب أن تعنيه عبارة “الإنتلجنسيا الروسية” والدور الذي لعبه أفرادها في تاريخ الفكر الحديث”. ومن الواضح أن هذه الحماسة التي أبداها برلين في محاضرات ألقاها على مدى 30 عاماً، كان أبلغ الردود العملية على الخواء الفكري والغياب الذي راح المجتمع الروسي يعاني منه بانتحار أو نفي كبار مبدعيه ما إن وصل ستالين إلى السلطة في روسيا، وقد تحولت إلى اتحاد سوفياتي وراح يضطهدهم هم الذين راحوا يسعون إلى المزج المستحيل بين أفكارهم الليبرالية الموروثة من أواسط القرن السابق، وبين تطلعاتهم الثورية. ومهما يكن من أمر هنا، لا بدّ من أن نذكر أن حماسة برلين لأساطين الفكر الليبرالي الروسي في القرن العشرين، إنما تأتي وكأنها ردّ على حماسة مضادة ذاعت عند نهاية القرن السابق عليه، ولكن ضدّ أولئك الكبار من مفكرين وأدباء، وهي الحماسة المضادة التي حملها كتاب لواحد منهم، عرف بكونه كاتباً ساخراً كبيراً ينتمي إلى عصرهم نفسه وهو ميخائيل سالتيكوف شيدرين صاحب الكتاب الذي تبدّى الأكثر قسوة في تعامله مع أولئك المبدعين. إنهم يكذبون! يخبرنا هذا الكاتب “أن الهدف الوحيد الذي أرمي إليه والغرض الفريد لأعمالي الأدبية، إنما هو الاحتجاج على الجشع والنفاق والزيف والسرقة والغش والحماقة التي تميز حياتنا اليومية في روسيا المعاصرة، أي حياة الروس في أيامنا هذه”. تلك هي إذاً غايته من ممارسة ذلك النشاط الفكري الذي ظل يشغله طوال أكثر من نصف قرن، هو عمره الأدبي. إذ، صحيح أن هذا الكاتب قد عاش 63 عاماً فقط، ولكن صحيح أيضاً أنه بدأ الكتابة باكراً حيث أنه نشر الشعر وهو بعد على مقاعد الدراسة الثانوية، وظل يكتب حتى الأيام الأخيرة من حياته. غير أنه، حتى وإن اعتبر روائياً وقاصاً، لم ينشر طوال حياته سوى رواية طويلة واحدة هي “آل غولوفليوف” التي لا يختلف جوهرها، على أي حال، عن بقية كتاباته التي كانت في معظمها مقالات صحافية، تنتمي إلى أدب المقالة الساخرة. وهو وصل إلى ذروة إبداعه في هذا المجال، من خلال سلسلة مقالات نشرها بين عامي 1879 و1889، لتصدر مجموعة في كتاب واحد في العام الذي رحل فيه، عام 1889، تحت عنوان “مدونات الزمن الفائت” ليكون هذا الكتاب آخر ما يصدر له في حياته، ما جعل مقالاته أشبه بوصية اجتماعية – أخلاقية، لكاتب كبير “أمضى حياته كلها يرصد المجتمع الروسي”. ويمكننا أن نقول إن هذا الكتاب يكاد يختصر الخلاصة التي تبدت نتفاً وأجزاء في أعماله الأخرى، لكنها تتخذ هنا شكلاً جامعاً موحداً أتى أشبه برد متكامل على تلك الصورة الزاهية، “المزيفة” في رأي الكاتب، إذ كان كتاب كبار من طينة تولستوي وتورغينيف وغونتشاروف يصورون بها الريف الروسي باعتباره جنة الله على أرضه، وعلى الأقل مقارنة بالحياة في المدن “هذا ليس صحيحاً”، قال سالتيكوف شيدرين على صفحات هذا الكتاب: “إنه الجحيم وليس الفردوس”، وإن ما أصفه في هذه النصوص، أضاف الكاتب، “هو هذا الجحيم، بيد أنني لم آت بشيء من عندي، إن في وسعي أن أضع يدي على مكان القلب في جسمي وأقسم بأن ما أرويه إنما هو صورة طبق الأصل لما يحدث حقاً”. ضد الحياة الريفية البائسة في شكل عام، إذاً، يوجه الكاتب سهام نقده هنا، إلى مجريات الحياة الاجتماعية في روسيا، ولا سيما في أريافها، وذلك من خلال حكايات واقعية يكتفي هو بسردها، من دون أن يسعى إلى التعليق عليها. ولعل الحصة الكبيرة من هذه القصص، تعود إلى ممارسة الاستعباد (الرقيق)، ناهيك باهتمامه بالحياة العائلية، وتفكك العائلة، والتجارة التي أصبحت سرقة، والضرائب التي تنهب، والنفاق المستشري بين البشر. وبالنسبة الى سالتيكوف شيدرين، لا بدّ من أن نذكر أن طريقته أثمرت حقاً، ذلك أن دائرة قرائه توسعت كثيراً خلال الزمن الذي كان ينشر فيه مثل هذه النصوص، بالتالي كان لأفكاره التحررية – الأخلاقية تأثير كبير في مواطنيه ولا سيما الراديكاليون الثوريون منهم، الذين، لكثرة ما يذكرونه في كتاباتهم وأعمالهم، يخيل إلى المرء أنه كان كاتباً غزير الإنتاج. لكن العكس هو الصحيح، فهو ما انصرف إلى الكتابة في شكل نهائي ومنتظم إلا بعدما ترك الوظائف الحكومية التي كان يشغلها، منذ مطلع شبابه وبعدما تخرج في معهد في موسكو وآخر في سانت بطرسبرغ. علّم نفسه بنفسه وهو من قبل تخرجه، كان بدأ ينشر أشعاراً، ويترجم أعمالاً أوروبية إلى اللغة الروسية (ترجم بخاصة أشعاراً للورد بيرون ولهاينرش هاينه)، وقد ظلت الرقابة تتساهل معه، حتى نشر في عام 1854، نصاً عنوانه “قضية معقدة” رأت فيه السلطات الرقابية، إشارات إيجابية إلى الحركات الثورية التي كانت مندلعة في ألمانيا وفرنسا في ذلك الحين، وافترضت، عن حق على أي حال، أن في النص دعوة ما، للاقتداء بتلك الحركات، فما كان منها إلا أن أبعدته، إذ كان موظفاً مرموقاً في وزارة الحربية، إلى مدينة ريفية نائية، أمضى فيها ثماني سنوات يعمل في وظائف حكومية تافهة. والحقيقة أن ذلك المنفى كان ذا أثر كبير في حياته، إذ وضعه على تماس مباشر بحياة الناس وأفكارهم وتناقضاتهم، كما كشف له بؤس حياة الموظفين، وبؤس حياة العبيد والأرياف. وكان هذا ما عبّر عنه في النصوص التي راح يكتبها بعد ذلك، ثم، حتى، في روايته الكبيرة الوحيدة. بقي أن نذكر أن ميخائيل سالتيكوف شيدرين، ولد عام 1826، لعائلة من النبلاء، غير أن هذا لم يحصنه ضد الإهمال في صغره، حيث يقال إن المشكلات بين والديه جعلتهما غير مهتمين بتربيته وتعليمه، فما كان منه إلا أن علّم نفسه بنفسه، قبل أن يلتحق بالدراسة الثانوية في مدارس أبناء النبلاء، إذ صار واعياً لحقوقه، وغير محتاج لأبويه حتى يرسلاه إلى المدرسة ثم إلى الجامعة. كذلك، فإن وضعه العائلي كابن نبلاء وفّر له إمكانية التوظف لدى الحكومة، غير أنه سرعان ما تخلى عن ذلك كله لينصرف إلى الصحافة والتأليف، حتى رحل عن عالمنا عام 1889. المزيد عن: ميخائيل شيدرين سالتيكوف\إيزايا برلين\الثورة البولشفية\المفكرون الروس\تولستوي\الفكر الليبرالي الروسي\القيصر نيكولا الأول\المجتمع الروسي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الرياض وبغداد توقعان مذكرة أمنية هي الأولى من نوعها منذ 1983 next post أينشتاين وسر القنبلة الذرية في مسرحية تمنعها موسكو You may also like قصة الطائرة الفرنسية المخطوفة على يد جزائري عام... 29 أبريل، 2024 هكذا هرب جنرال إيراني إلى أحضان “سي آي... 25 أبريل، 2024 هل تقف أوروبا “عاجزة” أمام التجسس الصيني؟ 25 أبريل، 2024 أحمد عبد الحكيم يكتب عن: قصة تحول عقود... 24 أبريل، 2024 “حزب الله”… من النشأة إلى حكم الدويلة والسلاح 23 أبريل، 2024 يوليوس قيصر… هل اغتال نفسه؟ 19 أبريل، 2024 من قتل الفرعون الصغير توت عنخ آمون؟ 12 أبريل، 2024 ماذا تبقى من “حزب البعث” في الذكرى الـ77... 10 أبريل، 2024 هل لدى روسيا حلفاء في مواجهتها الضارية مع... 1 أبريل، 2024 هل يدفع “المركزي البرازيلي” فاتورة تأييد الاستعباد في... 28 مارس، 2024