واحد من رسوم زينت طبعات متلاحقة من روبنسون كروزو (غيتي) ثقافة و فنون “روبنسون كروزو” وأعمال أخرى ولدت من رحمها تناست أصلها الأندلسي by admin 3 أكتوبر، 2023 written by admin 3 أكتوبر، 2023 35 رواية ديفو تخلق نوعاً أدبياً خاصاً لتزدحم بحيوانات منقرضة وتغزو أبعد البحار وصحارى المريخ اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب على رغم الشبه الغريب الذي يصل في مواطن كثيرة إلى حد التطابق بين رواية الكاتب الإنجليزي دانييل ديفو المؤسسة “روبنسون كروزو“، والنص الفلسفي العربي المعروف بـ”حي بن يقظان” الذي يدين خاصة للفيلسوف الأندلسي ابن طفيل بإعطائه الشكل الروائي البديع الذي نعرف، وأعيدت كتابته مرات عدة قبل ما لا يقل عن نصف ألفية من الزمن الذي كتبت فيه تلك الرواية الإنجليزية التي ستلحقها كما سنرى روايات عدة تنحو منحاها بل تتطابق معها أحياناً. لم يذكر ديفو (1660– 1731) أبداً دين روايته لنص ابن طفيل. وحدهم المستشرقون ذكروا ذلك مؤكدين أن “الرواية الفلسفية” المعنونة بـ”حي بن يقظان” كانت معروفة في أوروبا من خلال ترجمات لاتينية لها منذ زمن بعيد. ومهما يكن من أمر هنا، لا بد دائماً من التذكير بأن رواية ديفو لا يمكن أن تكون قد ولدت من عدم حتى وإن كان طابعها روائياً بينما طابع النص العربي الأندلسي فلسفياً. فالتماثل، في الشكل والمحتوى يبدو دائماً أعمق من أن يتم التركيز عليه. لكننا إذ نفعل هذا هنا، فإنما لأننا نتحدث عن “روبنسون كروزو” باعتبارها أسست لنوع أدبي سار كثر من الكتاب الأوروبيين على خطاه وبالتالي لا يمكن الاستفاضة في هذا هنا من دون تلك الإشارة التي قد تعني، إنصافاً أنه إذا كان ثمة نوع أدبي ولد بالفعل من رحم رواية دانيال ديفو، فإن نص ابن طفيل كانت له مساهمة أساسية في ذلك. جذر تاريخي ما يقيناً ظهور رواية “روبنسون كروزو” للمرة الأولى في عام 1719 كان حدثاً كبيراً في تاريخ الأدب العالمي. ولعل اللافت في الأمر أن مؤرخي الأدب يعزون للرواية خلفية تاريخية تتحدث عن بحار عاش عند بدايات القرن الثامن عشر وقبل سنوات من كتابة ديفو روايته، مغامرة قادته وحيداً مهجوراً إلى جزيرة تدعى “خوان فرنانديز” غير بعيد من سواحل الشيلي، وهناك وبعد أن أمضى 4 سنوات وحيداً في منطقة بحرية خالية من البشر، تمكن البحار المستكشف القبطان روجرز من العثور عليه وإنقاذه ما شغل يومها الرأي العام الإنجليزي. وحينها نشر روجرز كتاباً يصف فيه الحكاية كلها. كان اللافت في الأمر ما ذكر من أن القراء لم يهتموا من بين كل ما في الكتاب إلا بالطريقة التي تمكن بها البحار سيلكريك، وهذا هو اسمه، من البقاء حياً متمسكاً بإيمانه، طوال تلك السنوات الأربع. من هنا، كما تقول الحكاية، وسيقول ديفو، ولدت رواية “روبنسون كروزو”. ومعها ولد ذلك النوع الأدبي الذي يطلق عليه عادة اسم “الروبنسونية” الذي أنتج أعداداً كبيرة من الروايات طوال القرون التالية، ليعود في القرن العشرين وينتج أفلاماً ومسلسلات تلفزيونية، وشرائط مصورة، ما يدفعنا هامشياً هنا إلى التساؤل عما أنتجته “حي بن يقظان” من أدب وفن في حياتنا الثقافية العربية؟ الكاتب الإنجليزي دانيال ديفو (غيتي) في انتظار إجابات شافية هنا، في انتظار إجابات شافية على هذا التساؤل الذي نعتقده مشروعاً، نستعرض ولو بصورة مختصرة عدداً من الأعمال التي نتجت من المكانة التي احتلتها رواية دانيال ديفو في تاريخ الأدب الأوروبي والعالمي، وكذلك لاحقاً في تاريخ السينما. ولعل ما يلفت النظر أول الأمر هنا أن رواية ديفو انتظرت قرابة قرن بأكمله قبل أن تنتقل من حيز العمل الذي يقبل مئات الألوف من القراء على قراءته، إلى مكانة العمل الأدبي الذي يسعى مبدعون متنوعون إلى محاكاته. وكانت المبادرة الأولى التي وصلتنا رواية الكاتب جوهان دافيد فايس المعنونة “آل روبنسون السويسريون” (1812) وحققت نجاحات كبيرة قبل أن يأتي النصف الثاني من القرن العشرين ليحولها إلى فيلم سينمائي أميركي حقق من ناحيته نجاحاً كبيراً ربما فاق نجاح أي من الأفلام التي كانت حققت انطلاقاً من رواية ديفو منذ بدايات الفن السابع. ومهما يكن من أمر فإن جول فيرن (الفرنسي) كاتب الخيال العلمي والنصوص الغرائبية الكبير الذي جدد في هذين النوعين بشكل لا ينكر خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ما كان في مقدوره ألا يلتفت إلى موضوع كهذا. ومن هنا نراه يصدر في عام 1875 روايته “الجزيرة الغامضة” التي لم يلبث أن اتبعها بجزء ثان لها في عام 1900. ولادة صنف جديد وحتى من قبل تلك الشهرة الجديدة التي لا شك أن فيرن قد أسبغها على رواية سلفه الإنجليزي الكبير، لا شك أن عالم النقد والتاريخ الأدبيين كان قد بدأ بخلق ذلك التصنيف الذي جعل تلك النصوص تنضوي ضمن نوع أدبي اعتبر جديداً غير أن الأمر لم يخل من مؤرخين عادوا بجذوره إلى بعض أجمل فصول الإلياذة والأوديسة ومغامرات يوليسيس حين كان يضيع ويكاد يهلك في أماكن توصله أقداره إليها، ولكن من دون أن “يتنبهوا” إلى ذلك النص الأندلسي الذي كان دائماً أمام أبصارهم! لقد ذهب أولئك المؤرخون بعيداً في بحثهم وحتى المناطق النائية من المحيط الهادئ إلى حيث وجدوا رواية لجيمس فينيمور كوبر تتحدث عن “روبنسون في الباسفيك” (1835) ليضموها إلى النوع واعتبروها مأثرة أدبية كبرى لصاحب “آخر الموهيكان”. غاصوا أيضاً في أجواء عالم الغرابة ليعثروا على نص، رائع على أية حال، للسير آرثر كونان دويل ابتعد فيه عن مغامرات تحريه الشهير شرلوك هولمز ليغوص في “العالم الضائع” (1912) في تلك الرواية التي تحولت بدورها وأكثر من مرة إلى فيلم بديع، مليء بحيوانات ما قبل التاريخ وأناس يعيشون بأطول مما يسمح لهم بذلك التاريخ نفسه. ولعل الدرس الناجح الذي قدمه دويل هنا، معطوفاً دائماً على الرغبة في محاكاة دانيال ديفو بشكل أو بآخر، كان في خلفية الانزياح المحمود للحكاية كلها إلى عالم الخيال العلمي بصورة أكثر مباشرة، إذ ها هو الكاتب الإنجليزي ويليام غولدنغ يصدر في عام 1954 روايته التي ستضحي أشهر أعماله، وربما ستكون هي تحديداً ما سيبرر فوزه بجائزة نوبل، “صاحب جلالة الذباب”، وهي الرواية التي لا شك أنها ستكون في بال الفرنسي روبير ميرل وهو يكتب رواية مشابهة سيعنونها “ماليفيل” لتصدر عام 1972، من دون أن ننسى إصدار ميشال تورنييه وهو الكاتب الفرنسي الأكثر معاصرة لنا روايته “ماردي” التي لم تكن في الحقيقة محاكاة لرواية ديفو، بل تنويعاً عليها تتماثل في ذلك مع رواية بنفس العنوان للأميركي هيرمان ميلفيل (صاحب “موبي ديك” طبعاً). الصورة السينمائية على الخط من هنا لا بد أن نعود إلى حديث السينما مع ذلك “النوع الأدبي” بمجمله، لنذكر مرة أخرى أن كل الأعمال التي ذكرناها هنا عرفت طريقها إلى الشاشة. ولكن الشاشة عرفت في الوقت نفسه كيف تخلق “روبنسونات” خاصة بها، وتبعتها في ذلك التلفزة، مثلاً بالنسبة إلى هذه الأخيرة برنامج تلفزيون الواقع، “ضائع” من إنتاج وإخراج (ج. ج أبرامز). وأفلام شديدة الخصوصية مثل “العدو” لفولفغانغ بيترسون (1985) و”وحيد في العالم” لروبرت زيميكيس (2000) من تمثيل توم هانكس. ناهيك عن أفلام أمعنت في تغريب بطل ديفو مثل فيلم “المريخي” الذي بعث بمات ديمون إلى كوكب المريخ مجبراً إياه على العيش وحيداً هناك ريثما يصل منقذوه، أو حتى فيلم “روبنسون على المريخ” أيضاً من إخراج بايرون هاسكنز في عام 1964، من دون أن ننسى طبعاً كيف أن الممثل الشكسبيري الكبير بيتر أوتول وبعد 15 عاماً من ارتياده وادي رام في الصحراء الأردنية للقيام بدور لورانس العرب في الفيلم الذي يحمل اسم هذا الأخير عنواناً له، وجد نفسه في عام 1975 معزولاً وحيداً في فيلم جزيرة بديع عنوانه “الرجل فرايداي” مستوحى من مغامرة روبنسون كروزو ولكن هذه المرة من إخراج جاك غولد وبروح لا تخلو من مرح إنجليزي يصل في بعض لحظاته إلى مرح شديد السواد. على سبيل مسك الختام قد يكون من المفيد أن نذكر كيف أن السينما الروائية وفي تجل مبكر لها وتحديداً على يد رائدها الفرنسي جورج ميلياس أفلمت رواية دانيال ديفو باكراً منذ عام 1902 ولكن في شريط شديد الاختصار بلغت مدته 11 دقيقة لا أكثر لرواية تقع أصلاً في 400 صفحة. المزيد عن: الأندلسالشرق والغربروبنسون كروزوحي بن يقظانابن طفيل 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post خالد خليفة روى أحوال الموت السوري والخراب الشامل next post كيف حقق فيلم “وجه الندبة” نجاحاً شعبياً لاحقاً رغم طابعه العنيف؟ You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024