روبنز وزوجته الثانية هيلين في الحديقة (موقع الفن الكلاسيكي) ثقافة و فنون روبنز فنان الفلاندر يجد سعادته في الحياة العائلية by admin 14 أغسطس، 2024 written by admin 14 أغسطس، 2024 98 بعدما عمل طويلاً في سبيل المجد عثر على خلاصه الأخير بزواجه من مراهقة حسناء كرس لها نهاية حياته وفنه اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب كان الفنان بيار بول روبنز ابن ما كان يسمى حينها “البلاد الواطئة” التي تضم اليوم ما يعرف بهولندا وبلجيكا أو بأجزاء منهما في الأقل وينتمي حينها إلى الفنون والفكر الهولندية، في الـ57 من عمره، حين اتخذ قراره بأن “يهدأ” أخيراً ويمضي بقية ما تبقى له من سنوات حياته في كنف عائلة جديدة محبة قوامها زوجة جديدة هي هيلين فورمان ابنة الفلاندر التي كان الناس يعتبرونها أجمل فتاة في تلك البلاد وأثيرت دهشتهم حين رضيت وكانت في الـ16 من عمرها بأن تقترن بذلك الفنان الذي يكبرها بأكثر من 40 سنة ما إن عرض عليها ذلك. لم تكن المراهقة فقيرة ولم تكن من النوع اللعوب كما سيتبين لاحقاً. بل تبدى أنها كانت تحب الفنان حقاً وستكون مخلصة له. أما هو فإنه كان قد اتخذ قراره بأن يكوّن تلك العائلة الجديدة وأن يترك كل ما يعرض عليه من مشاريع كبرى مكرساً كل وقته لهيلين وللأطفال الذين ستنجبهم له. والحقيقة أن هيلين لم تكن زوجة روبنز الأولى بل الثانية بزواج شرعي كما أن الفنان ارتبط قبلها بعلاقات عدة مع حسناوات كان يصورهن في بورتريهات. أو يستخدمهن باعتبارهن موديلاً. غير أنه منذ اللحظة التي اقترن فيها بهيلين كرس فنه وحياته لها حتى وإن ظل بين الحين والآخر يستجيب لمطلب من ملك البلاد أو من سلطاتها الكنسية لتحقيق أعمال فنية ضخمة كان يقبل على العمل عليها بشيء من المضض بالنظر إلى أنها كانت تسرق منه ومن حياته العائلية وقتاً كان يفضل أن يكرسه لتلك الحياة ولكن خاصة لهيلين التي باتت امرأته المحبة ومصدر إلهامه وموديله وركيزة حياته العائلية في الأقل طوال الأعوام الـ10 التي عاشها بعد ذلك. وعاشها كما سيقول هو نفسه حتى على فراش الموت، عيشاً سعيداً من الصعب أن تضاهيه سعادة أي فنان في نهاية حياته. الرسالة الكاشفة وهنا قد يكون حسبنا وقبل أن نبحث عن تلك السعادة في فن روبنز نفسه، حسبنا أن نجده في تلك الرسالة الشهيرة التي بعث بها الفنان إلى صديقه الحميم الناشر وجامع التحف نيقولاس كلود فابري دي بيريسك يشرح له فيها حياته الجديدة التي بات فنه الجديد يخضع لها قائلاً “أنا اليوم وبفضل الله الذي أبجله أعيش حياة وديعة هانئة مع زوجتي وأطفالي كي أستمتع بأعوام تقاعدي استمتاعاً تاماً”. والحقيقة أنه كان معروفاً في ذلك الحين أن العقود الأخيرة من حياة الفنان في القرن الـ17 كانت قد بدأت لديه تحديداً عام 1630 عام اقترانه بهيلين فورمان والمسرة تغمره. فالعروس كانت مراهقة في الـ16 ومع ذلك فضلته كما قال على كل الذين كانوا يتدافعون لطلب يدها لجمالها وأخلاقها وذكائها الذي كان يميزها حتى عن كل جميلات مدينة أنفير الأخريات. ومن هنا يتابع روبنز في رسالته المذكورة مسرّاً لصديقه بـ”إنني لذلك يا صديقي اتخذت قراري بأن أتزوج من جديد، إذ وجدتني غير ناضج كفاية كي أعيش من جديد حياة العزوبية. ومن هنا اتخذت زوجة شابة من عائلة شريفة على رغم أنها برجوازية، وكل معارفي راحوا ينصحونني بأن أبحث عن طلبي في البلاط. فأنا كنت أعرف تماماً أنني إنما أريد امرأة لا يحمر وجهها غضباً وهي تراني أمسك بفرشاتي كي أرسم. امرأة تفهم أنني مولع بالحرية أكثر من ولعي بأي شيء آخر. وكان ولعي بالحرية يمنعني من أن أرضى بالتضحية بها في مقابل بضع قبلات أنالها من امرأة أكثر نضجاً وأكبر سناً”. بورتريه هيلين كما صورها روبنز في العام التالي لزواجهما (موقع الفن الكلاسيكي) صارت موديله الأثير لقد صور بيار بول روبنز (1577 – 1640) هيلين في عدد كبير جداً من لوحات أنجزها خلال السنوات الـ10 الأخيرة من حياته ناهيك بأنه صورها في مشاهد عدة أخرى مع أطفالهما بل حتى مع أطفاله الآخرين وفي لوحات اجتماعية صورت بصورة مفعمة بالسعادة، الحياة العائلية والاجتماعية التي عاشاها معاً في سعادة لا تقارن. غير أن اللوحة الأجمل التي رسمها وحدها فيها كانت تلك التي حملت عنوان “بورتريه هيلين فورمان” التي كانت من أولى اللوحات التي صورها فيها وكان ذلك عام 1631 التالي لزواجهما وتعتبر في المقاييس جميعها واحدة من أجمل البورتريهات التي أنجزها خلال تلك المرحلة الأخيرة من حياته. وربما لأنها تحمل في طياتها صورة صادقة ليس فقط عن حبه لها بل كذلك وبالتأكيد عن حبها له. ذلك الحب الذي تمكنت خطوط روبنز وألوانه من أن تعكسه بصورة عميقة. غير أن اللوحة تذهب إلى أبعد من ذلك في عدد لا بأس به من تفاصيلها. ولعل أول ما تخبرنا به اللوحة أمر لا يبدو واضحاً للوهلة الأولى. ولكنه يتضح بسرعة لأهل تلك البلاد وتحديداً من خلال زهرة الليمون التي تشبكها هيلين بشعرها معلنة عبرها عن خبر سعيد كانت تتوق هي، كما يتوق زوجها إلى إعلانه، إنها حامل بطفلهما الأول. ففي التقاليد الاجتماعية للفلاندر تعلن زهرة الليمون وأغصانها عن الخصوبة إعلاناً صريحاً، وحتى قبل التصريح لفظياً أو كتابياً بذلك. وهكذا، حتى لو كانت الزهرة بالكاد تبدو إذ إنها لا تشغل سوى زاوية من اللوحة فإنها تقول تلك الرسالة بكل فرح وفخر. وتشي بأن الزوج السعيد وعلى رغم تقدمه في السن، قد بدأ بالفعل في تكوين تلك العائلة التي يتطلع إلى تكوينها مع زوجته الخارجة لتوها من سن المراهقة. نظرات تقول كل شيء رسم روبنز هيلين هنا في مشهد طولي يستوعبها من أخمص قدميها إلى أعلى رأسها بعض الشيء، مشهد في دارتهما يطل على الخارج والسماء ولو إلى حد ما وهي جالسة بخفة الفراشة في لفتة ثلاثة أرباع في اتجاه الناظر إلى اللوحة وهي تجابه الرسام بوجه منتعش ونظرة مشعة منفتحة ومرحبة تكشف عن مدى السرور الذي يعتريها من خلال اقترانها بهذا الفنان المبدع والرجل الحنون الذي اختارت عن كل قناعة أن تربط به حياتها وستنجب منه أربعة أولاد من الواضح في اللوحة أنها حامل بأولهم. ولعل الناظر إلى اللوحة حتى في ذلك الزمن المبكر ولم يمض بعد على اتحاد ذينك الكائنين الجميلين عام أو بعض العام، يمكنه أن يخمن ذلك المستقبل من وجه هيلين كما رسمه روبنز. لكنه سيخمن بسهولة كذلك كم سيستخدم الرسام ملامح وجسد زوجته موديلاً له في عدد من لوحاته المقبلة بدءاً من لوحة العيد القروي التي ستجمعهما معاً. ولكن أيضاً في رسمها حتى في واحدة من لوحاته المتأخرة كناية عن فينوس في أبهى تألقها بل حتى في لوحة أخرى بوصفها سوزان المستحمة مع العجائز تبعاً للأسطورة العتيقة. سيمفونية السعادة وهنا منى دون أن ننسى كم أن روبنز قد صور نفسه إلى جانب هيلين وهو يتأملها بكل حب واحترام في لوحة “حديقة الحب أو المحادثة على الموضة السائدة”. وهي على أية حال واحدة من لوحات عدة كرسها روبنز في تلك المرحلة الأخيرة من حياته لرسم هيلين في مختلف حالاتها، وحدها أحياناً ومعه في أحيان أخرى وبين أطفال العائلة في مرات عدة ولوحات لم يتوقف عن رسمها خلال السنوات الأخيرة من حياته وقد تعمد، دون ريب، أن يترك لهيلين التي لم يكن يشك في أنها ستبقى من بعده حاملة رسالة الحب والجمال والسعادة الزوجية، وصية حب دائم يبقى حياً بعد رحيله يذكرها دائماً بحضوره الدائم في حياتها. ولعل في مقدورنا في هذا السياق أن نشير إلى أن العدد الأكبر من تلك اللوحات، لا سيما العائلية منها كان يعبق بتلك السعادة التي لم يستطع أن ينهي حياته إلا وقد عبر عنها خير تعبير مؤكداً في الوقت نفسه أن ذلك النوع من السعادة التي يصنعها شخصان كما تصنعها عائلة محبة، هي السعادة الحقيقية الوحيدة التي تدوم وجديرة حقاً بأن تدوم مما جعل واحداً من كتاب سيرة روبنز يطلق على تلك اللوحات مجتمعة عنوان “هيلين وسيمفونية السعادة”. المزيد عن: الفلاندرالفن التشكيليالرسام الهولندي بيار بول روبنز 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post كيف يمكن الذهاب إلى صالونات التجميل ببال مطمئن؟ next post “ريبلي” بالأبيض والأسود… قاتل يستوطن الشاشة منذ عقود You may also like مهى سلطان تكتب عن: جدلية العلاقة بين ابن... 27 ديسمبر، 2024 جون هستون أغوى هوليوود “الشعبية” بتحف الأدب النخبوي 27 ديسمبر، 2024 10 أفلام عربية وعالمية تصدّرت المشهد السينمائي في... 27 ديسمبر، 2024 فريد الأطرش في خمسين رحيله… أربع ملاحظات لإنصاف... 27 ديسمبر، 2024 مطربون ومطربات غنوا “الأسدين” والرافضون حاربهم النظام 27 ديسمبر، 2024 “عيب”.. زوجة راغب علامة تعلق على “هجوم أنصار... 26 ديسمبر، 2024 رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري… الراسخ في... 26 ديسمبر، 2024 محمد حجيري يكتب عن: جنبلاط أهدى الشرع “تاريخ... 26 ديسمبر، 2024 دراما من فوكنر تحولت بقلم كامو إلى مسرحية... 26 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يتابع الكتابة عن العودة إلى دمشق:... 26 ديسمبر، 2024