راقصو الباليه على المسرح خلال العرض الأول لفيلم "بوليرو" الذي صممه الإيطالي إنريكو موريلي على موسيقى موريس رافيل (أ ف ب) ثقافة و فنون رقصة رافيل الأندلسية… دقائق شيطانية تعادل الزمن by admin 16 ديسمبر، 2024 written by admin 16 ديسمبر، 2024 24 معرض باريسي عن العمل الأكثر شعبية لصاحب “البوليرو” الأشهر في تاريخ الموسيقى بمناسبة الذكرى الـ50 بعد المئة لولادته اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب من ناحية مبدئية لم يكن منطقياً أن تبدأ سلسلة الاحتفالات الفرنسية وربما غير الفرنسية أيضاً بالذكرى الـ50 بعد المئة لولادة الموسيقي موريس رافيل (1875 – 1925) إلا بعد أشهر من الآن. ومع ذلك ها هي الاحتفالات قد بدأت منذ الثالث من هذا الشهر وربما لأسباب لا تبدو واضحة بما فيه الكفاية، ففي ذلك اليوم افتتحت مجمل النشاطات بقص شريط المعرض الضخم والاستثنائي الذي يقام في قاعة بالغة الأناقة من قاعات فيلهارمونية باريس تحت عنوان “رافيل بوليرو”، وبوليرو رافيل هو كما يعرف هواة الموسيقى الرومانسية بالتأكيد أشهر أعمال هذا الموسيقي الفرنسي الكبير، ناهيك بأنه منذ العام الذي ظهر فيه، 1928، أي قبل رحيل مبدعه بأعوام عدة، يعتبر قمة ما توصلت إليه نتاجات ذلك التيار في الموسيقى الفرنسية المتأثر بجذور إسبانية ربما كانت في حقيقتها نابعة من جذور أندلسية كما يقترح كثر من المؤرخين الإسبان، غير أن هذا ليس موضوعنا هنا، موضوعنا الاحتفالات التي أشرنا إليها أول هذا الكلام ولذا نعود إليها على أن نستعيد الحديث عن البوليرو نفسه بعد سطور. كتاب على مقياس استثنائي طبعا لا يمكننا منذ الآن أن ندخل في تفاصيل البرامج الاحتفالية ولا على ردود فعل الهواة وربما أيضاً ردود فعل من هم من غير الهواة لكنهم لن يتوانوا عن المشاركة في هذا الجانب من جوانب الاحتفالات أو ذاك، على اعتبار أن رافيل قيمة قومية في هذا البلد، الذي من شيمه شعباً ومؤسسات، أن يلبي النداء في كل مناسبة من هذا النوع، ويعرف كيف يحول كل مناسبة إلى نقطة انعطاف تاريخية تعرف كيف تجعل العالم يتوقف عندها بإعجاب إن لم يكن بذهول، وما رافق الألعاب الأولمبية في باريس الصيف الماضي من صخب وبهاء، ليس بالبعيد عنا في سياق هذا الكلام، لذا نعرف في الأقل أن الفيلهارمونية لم تكن مغالية في خوضها سباق المبادرة إلى بدء العام الاحتفالي قبل أوانه، ولئن كان الوقت بالنسبة إلينا أبكر من أن يمكننا من متابعة ذلك المعرض الخاص بالبوليرو وبما يمكن أن يدور من حوله، فإنه أتاح لنا، في الأقل، فرصة ذهبية للاطلاع على ما بات يعتبر منذ ما قبل انتشاره انطلاقاً من يوم افتتاح المعرض نفسه، أجمل كتاب ظهر عن أي عمل فني موسيقي على الإطلاق، علماً أن موضوعه هو موضوع المعرض نفسه إنما دون أن يبدو وكأنه كاتالوغ له، مع أنه يحمل منذ غلافه المميز طابع الكتالوغ الذي من العادة أن يصدر ليرافق هذا النوع من المناسبات الضخمة. تمثال نصفي لموريس رافيل (1875- 1937) معروض قبيل افتتاح معرض “رافيل بوليرو” (أ ف ب)a bust of French composer Maurice Ravel (1875- 1937) displayed during a press visit ahead of the opening of the exhibition ‘Ravel Bolero’. – Maurice Ravel’s Boléro started out as an avant-garde work, but has since become a worldwide success. An exhibition at the Cite de la Musique in Paris, starting on December 3, 2024 until June 15, 2025, plunges visitors into its history, through a journey of previously unseen objects, images and music. (Photo by ALAIN JOCARD / AFP) حياة من خلال ثغرة حسناً سنبادر الآن إلى تفسير العبارة السابقة، فالثغرة التي نعنيها هنا هي البوليرو نفسه الذي لا يشغل في حياة رافيل وفي لائحة مؤلفاته الموسيقية سوى ما يقل عن 20 دقيقة ينتشر على مداها 18 تنويعاً على جملة موسيقية واحدة، لا يتبدل تنويع السابقة على التالية لها، إلا عبر تزايد عدد وتبدل الضخامة الصوتية بين تنويع وآخر حيث يبدأ الأداء الأوركسترالي بالتصاعد من إيقاع بالغ الهدوء ربيعي المزاج، ليصل إلى ذروة في ذلك الأداء تخترق الأذهان والعواطف والأفئدة بصورة نادرة، لتكون الخاتمة أشبه بعاصفة خريفية لا سابق لها حتى لو في تصوير فاغنر لأعاصير البحار في أعظم أعماله، والحقيقة أن ما يلعب الدور الأساس في عظمة هذا العمل واستثنائيته هو ذلك التصعيد الذي يبدو وكأنه يسير على هدى هندسة شيطانية لا شك أنها هي التي جعلت منه نوعاً من “موسيقى إباحية” تنتزع من الموسيقى أي أبعاد روحية تبدو عادة جزءاً من تكوينها، ومن هنا، ما يحيلنا للعودة إلى حكاية هذه القطعة التي تقول إن رافيل إنما لحنها بعد عودة من واحدة من رحلاته التي كان يكثر منها إلى إسبانيا انبهر خلالها بالتعرف إلى رقصة “بوليرو” إسبانية كانت ظهرت أول ما ظهرت عام 1870 من ابتكار الراقص الشهير في ذلك الحين، كاريسو، وترقص على مقياس 3 على 4 في إيقاع تصاعدي يصحبه غناء صاخب وإيقاع عشرات الكاستانيات. ولعل من أشهر قطع البوليرو، ذلك البوليرو الإسباني الجبلي الذي لحنه الراقص خوان مارغولا جاعلاً الغناء فيه لصوتين، ومن المعروف أن عشرات الراقصين وشراكة مع من يوازيهم من الموسيقيين قد ابتكروا خلال تلك الأعوام عدداً كبيراً من البوليروات التي زادت انبهار رافيل انبهاراً. بين الراقصة والموسيقي ومن هنا كان من الطبيعي لرافيل حين قصدَته ذات يوم الراقصة الشهيرة في ذلك الحين إيدا روبنشتاين وقد سمعت على لسانه كلاماً جيداً في حقها كان أهم ما فيه أنه يصفها بكونها “راقصة إسبانية”، بسبب عنف حركات أدائها على المسرح – وكان هذا الوصف في مجال الرقص يعتبر مدحاً في هذا السياق -، أتت طالبة منه أن يخصها برقصة لا تكون باهظة السعر لأنها هي التي ستمول الاستعراض بنفسها، ابتسم وأخبرها أنها ستكون ذات كلفة لا تتعدى الحدود الدنيا لأنها لن تتجاوز كونها جملة موسيقية واحدة تتكرر مرات عدة، قبلت إيدا وكتب موريس القطعة، والحقيقة أن الحكاية تتوقف هنا بالنسبة إلى رافيل، ففي النهاية ربما تكون، الحكاية، نوعاً من الدعاية في ذلك الحين وقد لا تكون صحيحة على الإطلاق، بل ربما لا تكون الرقصة قد قدمت من إيدا روبنشتاين في حياة رافيل… ليس هذا هو المهم، المهم هو أن التاريخ أعطى للبوليرو، كما لحنه رافيل، مكانة تاريخية وشهرة شعبية لا تضاهيان، والمهم أيضاً أنه ليس من الغريب اليوم أن تكون للبوليرو حصة الأسد من احتفالات عام 2025، بل أن تخص القطعة بـ”كاتالوغ” له هذا الحجم وهذه الاستثنائية التي تسم هذا الكتاب الذي يفتتح الاحتفالات… المقبلة وهي على أية حال استثنائية من النوع الذي تخص به الظواهر التاريخية وهو تصرف عادل ومنطقي من حيث أن القطعة كلها إنما تعتمد في تنويعاتها الـ18 على الدور الذي يلعبه العازفون في التصعيد الأوركسترالي كما أشرنا أول هذا الكلام. امرأة تستمع إلى مقطوعة “بوليرو” التي أبدعها رافيل عام 1928 وتعزفها أوركسترا باريس (أ ف ب) وفي هذا السياق كان من المنطقي أن يكون عدد فصول الكتاب الـ18 فصلاً على عدد التنويع المتصاعد، وأن يعهد بكتابة فصل عن كل تنويع لعازف أعطيت فيه حرية التفسير له كممثل عن كل آلة موسيقية تقوم بالدور الأساس في كل تنويع على التوالي، وفي النهاية كان مسك الختام لقارعي الطبول الذين ركز ممثلهم في نصوص الكتاب على حرص رافيل في نوتاته المدونة بخطه والمعروضة في قاعة الفيلهارمونية اليوم كجزء من المعرض الاستعادي التذكاري على التشديد المطلق، على أن الدور الأساس في الأداء الأوركسترالي في أي حفل يقدم فيه البوليرو سواء كان تقديماً راقصاً أم مجرد تقديم موسيقي، يجب أن يكون للآلات الإيقاعية في سابقة، ربما تزامن رافيل في التركيز عليها مع زميله الروسي تشايكوفسكي في عمله الكبير “العاصفة” (1872). المزيد عن: الموسيقى الرومانسيةموريس رافيلالألعاب الأولمبيةرقصات إسبانيةتشايكوفسكيالفيلهارمونية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post قصص عالمية مترجمة تطرح أسئلة تقلق العصر next post مؤسس العمران الغربي الحديث يكشف عن فضل معلمه برامانتي عليه وعلى الهندسة العمرانية You may also like محمود الزيباوي يكتب عن: حُلي من مدافن البحرين... 18 ديسمبر، 2024 الباليه الفرنسي الذي انتظر 60 عاما ليوقظه الحريق 18 ديسمبر، 2024 (23) ممثلا كرهوا أفلاما قاموا ببطولتها 18 ديسمبر، 2024 استعادة فرنسية لإرث ابن خلدون المغاربي في سياقه التاريخي... 17 ديسمبر، 2024 فيصل دراج يكتب سيرة الذات والجماعة في “كأن... 17 ديسمبر، 2024 ما الذي بقي من إرث المسلمين الأفارقة في... 17 ديسمبر، 2024 “الطاولة السوداء”: حوار الألوان والتناقض في رؤية ماتيس 17 ديسمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 16 ديسمبر، 2024 الشاعر المغربي جواد الهشومي يكتب صرخة جيل الشباب 16 ديسمبر، 2024 مؤسس العمران الغربي الحديث يكشف عن فضل معلمه... 16 ديسمبر، 2024