ثقافة و فنونعربي رسائل صاخبة بين زعيم السوريالية وسيد التحليل النفسي by admin 9 يونيو، 2021 written by admin 9 يونيو، 2021 26 بريتون يفضح “سرقاته” وفرويد يجيبه: لم أفهم ما تريدون! اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب بشكل عام كان هناك، لا سيما في العقد الأخير من حياة سيغموند فرويد، نوع غامض ويصعب تبريره من الود المفقود بينه وبين الفرنسيين، على الرغم من أن هؤلاء سوف يكونون من دون باقي الأوروبيين الأكثر حفاظاً على تراثه والأكثر سيراً على خطاه. وكان ذلك الود المفقود ينسحب بخاصة على النظرة إلى مارسيل بروست، ابن الأدب الفرنسي المدلل الذي قال فرويد مراراً إنه لم يقرأه، ولا يجد مبرراً لقراءته، مفضلاً عليه كتاباً فرنسيين أيضاً، إنما كوزموبوليتيين من أمثال رومان رولان وأناتول فرانس، وذلك مع أن عدداً من الباحثين قالوا، إن ثمة عناصر فرويدية كثيرة تلوح في ثنايا رواية بروست الكبرى “البحث عن الزمن الضائع”. بريتون على الخط الحقيقة، إن مثل هذه التحليلات لم تكن لتثير اهتمام فرويد. في المقابل أثار اهتمامه يوماً ما ذكره أندريه بريتون في نص له حول الحلم والأدب عنوانه “الأواني المستطرقة” نشره عام 1932 في “الدفاتر الحرة”، و”تجرّأ” على إرساله إلى المحلل النفسي الشهير بكل احترام ومودة. يومها لم يغضب فرويد فقط لأن بريتون تجرأ على الدنو من أراضيه الخاصة وإعلانه ذلك بقوة، بل أيضاً لأن بريتون ارتكب ما اعتبره جريمة كبرى في حقه، وهو عبارة عن “زعمه” في المقال نفسه، بأن فرويد لم يكن الرائد الحقيقي في كتابه العمدة “تفسير الأحلام” للفكرة التأسيسية المتحدثة عن التفسير الرمزي للحلم، بل هو أتى بها من الكاتب فولكلت الذي كان “أول من تحدث عنها” ومع ذلك، بحسب ما جاء في مقالة بريتون، “لم يأت فرويد على ذكر فولكلت لا في سياق كتابه، ولا في البيبليوغرافيا”. وحتى إن لم يوضح بريتون “محضر الاتهام” هنا، فإن فرويد فهم أن “هذا الفرنسي” يتهمه بالسرقة. أندريه بروتون (غيتي) غلطة المترجم على الفور بعث فرويد إلى بريتون رسالة شديدة القسوة والترفع ينبهه فيها إلى أن من سها عن ذكر فولكرت إنما هو المترجم الفرنسي للكتاب “علماً” بأن فولكرت وإسهامه مذكوران في الأصل الألماني، ولكن “علماً” أيضاً بأن أصل الفكرة لا يعود إلى هذا الأخير، بل إلى عالم ألماني آخر هو شلنر “الذي سبق فولكرت إلى الحديث عن الأمر بسنوات عديدة” ما يعني أن فولكرت الذي يذكره السيد بريتون أخذ الفكرة من زميله ومواطنه الذي يذكره فرويد دون مواربة في كتابه “تفسير الأحلام” كما يذكر فرويد، أن بعض زملائه كانوا قد تنبهوا إلى السهو عن ذكر فولكلت في الترجمة الفرنسية، ومن هنا طلب من الناشر الفرنسي أن يزيل الالتباس في مراجعة جرت للترجمة الفرنسية، لكن هذا الناشر تغاضى عن الأمر مرة أخرى وبقي اسم فولكرت غائباً، ولكن…. ليس لصالح فرويد كما يزعم بريتون “الذي يبدو أنه لم يقرأ الترجمة الفرنسية كما يجب” بل لصالح شلنر الذي لم يفت فرويد ذكر ريادته، لا في سياق كتابه ولا في سياق البيبليوغرافيا. تفسير سريع تال والحقيقة، إن هذه الرسالة التي أسرع فرويد بإرسالها إلى الكاتب الفرنسي كتبت يوم 13 ديسمبر (كانون الثاني) 1932 بعد أيام قليلة من وصول المقالة المذكورة إلى فرويد. لكننا نراه في اليوم التالي يرسل بطاقة جديدة إلى بريتون يمعن فيها تفسيراً للأمر، موضحاً أن أكثر ما أثار استياءه في المقالة، هو ما يؤكده بريتون من أن “إغفال كتاب فرويد لذكره تم بطريقة ذات دلالة” مشيراً إلى أن سوء النية يكمن في هذا التوصيف الأخير بالتحديد، بدلاً من الحديث عن إهمال من قبل مترجم الكتاب إلى الفرنسية إغناس مييرسون. غير أن فرويد يوضح أمراً مهماً هنا، وهو أن كتابه قد صدر منذ عام 1900 في سبع طبعات ألمانية. ولقد ذكر اسم فولكولت في الطبعات الثلاث الأولى ليختفي منذ الطبعة الرابعة بطريقة غامضة. ويشير فرويد هنا إلى أن الطبعة الرابعة كانت الأولى التي يكتب على غلافها أنها حُضّرت تحت إشراف الدكتور أوتو رانك، وكانت الأولى التي تسهو عن ذكر إسهام فولكلت، العزيز على فؤاد السيد بريتون، الذي كان مذكوراً بكل وضوح في الصفحتين487 و488 من الطبعات الألمانية الثلاث الأولى، “ومع ذلك لا يمكن أن نؤاخذ الدكتور رانك على سهو لا يقاس مقارنة مع ذكري الواضح والمعلن مرات عدة في متن كتابي للإسهام الرائد والأسبق للعلم شنلر”. رد جارح على اعتذار صادق هكذا إذاً ختم فرويد رسالته الثانية إلى بريتون. ويبدو أن هذا الأخير لم يتأخر في الإجابة على الرسالتين، يحدوه الأمل في أن يسامحه العالم الكبير ويغفر له ما بدر منه، إذ نجد فرويد هنا يبدأ رسالته المؤرخة في السادس والعشرين من الشهر نفسه بشكر “السيد البالغ الاحترام” على رسالته المليئة بآيات المحبة وبالتفاصيل، معرباً له عن امتنانه إذ كان يمكنه أن يجيبه بشيء من الاختصار “لكنك آثرت أن تأخذ بعين الاعتبار حساسيتي المفرطة حول هذا الموضوع، وهي حساسية يمكن اعتبارها نوعاً من رد فعل ارتدادي على غرور أحمله منذ الطفولة”، وهي فقرة تدفع فرويد إلى أن يكتب بعدها سطوراً يحاول فيها أن يورد بعض الملاحظات التحليل – نفسية، التي من الواضح أنه أراد بها أن يتعالى على مراسله ويريه حجمه الحقيقي ولو بطريقة مواربة خاتماً هذه السطور بقوله، “وأرى هنا أن من حقي أن أضع حداً لهذا الاستعراض الذي بدا لي أن لامفر منه، كوسيلة أخرى من جانبي للتوجه نحو طفولتي وما تبقى منها!”. غير أن فرويد لم يكتف بهذا القدر من الطعن في جبهة بريتون، بل رأى أنه من الضروري له أن يختم تلك الرسالة معرباً عن مزيد من التعالي حيث يكتب خاتماً، “… والآن اعتراف أخير مني، آمل منك أن تتقبله بكل تسامح! فأنا أتلقى عديداً من ضروب الإقرار والتقدير من قبلك وقبل أصدقائك تتناول بحوثي، لكني من جانبي لست بقادر على أن أكوّن لنفسي فكرة واضحة عما تريده سورياليتكم. وربما ليس لي أبداً أن أفهمها أنا البعيد جداً عن شؤون الفن….” بريتون يستسلم من جديد ويمكننا أن نفترض هنا أن بريتون لم يجد ضرورة لتوضيح السوريالية لفرويد، هو الذي أدرك تماماً مقدار التهكم الماثل في تلك العبارات، لكنه توقف بالطبع عن مراسلة فرويد بضع سنوات مكتفياً بهذا القدر من الانهزام أمام سيد التحليل النفسي، بخاصة وأن السوريالية كلها كانت مبنية على التحليلات الفرويدية، والسورياليين كانوا في معظمهم يعلنون انتماءهم إلى فرويد دون أي لف أو دوران، بل يحددون في لوحات سيخلدها تاريخ الفن في القرن العشرين ميدان الحلم كما فسره فرويد تحديداً، مرجعية فكرانية لهم ولفنهم. ومن هنا كان بريتون يعرف تماماً أن عليه أن يوقف السجال عند هذا الحد، لا سيما أن فرويد بات يبدو مستمتعاً بتلك الأسهم يوجهها إليه في تعال مدهش، يقول في نهاية الأمر، إن ما من أحد يمكنه أن يدنو من المعلم الكبير ويخرج من المعمعة سالماً. ولذا نرى بريتون يكتفي في عدد خاص من مجلة “دفاتر جي أل أم” صدر في ربيع 1938، وكرس لشؤون الفن والتحليل النفسي للحلم، بنشر رسائل فرويد كما هي، مضيفاً إليها رداً بتوقيعه روى فيه الحكاية كلها، معلناً تراجعه التام عما كان قد قاله في مقالته الأولى التي فتحت عليه مدافع فرويد… ولسنا ندري طبعاً ما إذا كان هذا الأخير قد اطلع على الملف! رسالة أخيرة واعتذار ولاحقاً حين بعث بريتون رسالته الرابعة والأخيرة إلى فرويد، حدث ذلك أواخر عام 1937، أي بعد نحو أربع سنوات، وكانت المناسبة رسالة وجهها بريتون إلى آنا فرويد يسألها أن تطلب من أبيها الكبير إسهاماً منه في كتابة نص يتوج سلسلة أحلام لبريتون، لكن فرويد الذي كان المرض قد اشتد به حقاً حينها، اعتذر عن ذلك بعبارات قصيرة معرباً لبريتون عن شكره وثقته فيه، مؤكداً أن عدم إسهامه يعود أولاً إلى مرضه، وثانياً أن ليس لديه جديد في هذا الميدان يضيفه إلى ما هو معروف سلفاً…. المزيد عن: علم النفس/التحليل النفسي/سيغموند فرويد/أندريه بروتون/الحركة السوريالية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post لماذا انتشر “حرق الجثث” في العالم؟ next post ترودو يشارك في وقفة احتجاجية عقب مقتل العائلة المسلمة دهساً.. You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.