من تقديم لـ"الاعترافات المزيفة" (غيتي) ثقافة و فنون ذهنية فرنسا عشية الثورة في مسرحية “الاعترافات المزيفة” لماريفو by admin 14 أكتوبر، 2024 written by admin 14 أكتوبر، 2024 75 عبرت عن القاعدة الذهبية السائدة في المجتمع حينها وهي أن الزواج وسيلة للحصول على المال اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب قد يكون من أغرب الأقوال وأطرفها في الحياة الثقافية بل حتى الاجتماعية في فرنسا أن من يحب أن يعرف شيئاً عن الذهنية الاجتماعية العامة، وبشكل أخص ذهنية الطبقات العليا في المجتمع الفرنسي عشية الثورة في نهايات القرن الـ18، قد يكون من الأفضل له أن يقرأ أو يشاهد مسرحيات كاتب يبدو غير ذي علاقة بتلك الثورة، لا من بعيد ولا من قريب. وهذا الكاتب هو ماريفو، صاحب كثير من المسرحيات الهزلية. وكانت مسرحيات ماريفو، باستثناء اثنتين أو ثلاث منها، قد “نسيت” بعد انتصار تلك الثورة، لكنها عادت، منذ بدايات القرن الـ20 لتشغل مكانة أساسية في “ريبرتوار” المسرح الشعبي الفرنسي، وربما الأوروبي أيضاً، لكن اللافت أن تلك المسرحيات عولجت على الدوام بوصفها أعمالاً ترفيهية يختلط فيها الهزل بالغراميات الرومانسية ووشوشات القصور، بالحوارات الثرثارة التي لا تنتهي، ومناورات الكواليس، بالخبطات المسرحية المباغتة التي قد يكون من الصعب تصديقها. نفس إصلاحي تقدمي ولئن كان مسرح ماريفو يوضع في خانة واحدة مع بعض أكثر أعمال غولدوني وموليير وبومارشيه شعبية. فإن هذه المكانة كانت قد نسيت ونسيت كل التحليلات المتعلقة بها كما رسمت لأعمال ماريفو -أو بعضها على الأقل- كصورة للأدب والفن اللذين يكشفان عن الذهنيات، في بعد إصلاحي تقدمي، ربما لم يدركه، في ذلك الحين، حتى هذا الكاتب المسرحي الذي كان يمضي جل وقته في أوساط الطبقات العليا في المجتمع، أنيقاً متحذلقاً متنقلاً منصتاً إلى ما يدور في العلن وفي الخفاء، مستخدماً ما يختزنه لصوغ مواضيع مسرحياته وحواراتها. ومن هنا يأتي سؤال لا بد من طرحه: ترى، حين كان ماريفو يضمن أعماله مواقف كثيرة، إصلاحية في بعدها الاجتماعي في نظره، هل كان يدرك، حقاً، أنها جزء من تفكير ثوري اجتماعي حقيقي. لم يبدأ معه، وهذا صحيح، لكن أعماله ضمته وأعطته طابع الدعوات الشعبية والتوعية، وإن كان من الصعب تصور أنه كان موجهاً، في الأصل، إلى الجمهور الحقيقي الذي يعنيه: جمهور الشعب العريض؟ نحو تحليل واع إن تحليلاً واعياً، اليوم، لأعمال ماريفو، سيضعنا من دون شك في قلب السجال الحاد، والذي لا يزال بعضه حياً وصاخباً حتى يومنا هذا، إن لم يكن في المجتمع الفرنسي الذي تجاوز منذ زمن هذا النوع من السجال، فعلى الأقل في كثير من المجتمعات الأقل تقدماً. ومن بين هذه المجتمعات، تلك التي استيقظت على فكر نهضوي تنويري في بدايات القرن الـ20، مقروناً بثورة في الفنون، فوجدت أمامها عالماً متكاملاً يمزج بين الفن والإصلاح الاجتماعي، فتبنت أنماطاً مسرحية، إما مستقاة مباشرة من ماريفو وإما محاولة تقليده، كحال المسرح المصري عند المنعطف الفاصل بين القرن الـ19 والقرن الـ20. ولعله من المفيد هنا أن نلاحظ كيف أن ثنايا مسرحيات ماريفو تمتلئ بتأملات (ودعوات حتى) تتعلق بالسجال حول الحقوق السياسية للمرأة، ومسألة المساواة بين الجنسين ومسألة الزواج المختلط بين الطبقات الاجتماعية ومسألة التفاوت في المكانة وفي الثراء بين طبقات مزارعي الأرياف، وتجار المدن والأرستقراطيين، ومسألة العلاقة بين السادة والعبيد. فالواقع أن من كل هذه المسائل، كان لماريفو على الدوام موقف متقدم عن زمنه، بل لعله كان موقفاً يساير الفكر التنويري العام الذي كان سائداً لدى المبدعين الواعين في ذلك الزمن، من دون أن يدرك، صاحب الموقف، لأنه بهذا: إنما يشتغل على الذهنيات مهيئاً إياها للثورة المقبلة. قبل الثورة وماريفو، على أية حال، مات قبل قيام الثورة بعقدين من الزمن على الأقل، ناهيك بأنه كان على خلاف فكري (أو شخصي؟) مع بعض كبار المفكرين والأدباء من الذين دعوا للثورة ومهدوا لها فكرياً. وبهذا قد يمكن أن ينطبق على هذا الكاتب، أن حساسيته أضاءت له الطريق، وليس تفكيره العقلي العميق، ما يجعله شبيهاً بالسيد جوردان في مسرحية موليير “الثري النبيل” والذي اكتشف لذهوله أنه يتكلم… النثر. وكان ذلك على أية حال، وضع ماريفو طوال مساره المهني، عبر 30 مسرحية هزلية وواحدة مأسوية (لم تحقق أي نجاح)، وذلك خلال فترة تمتد بين العام 1709 والعام 1760. وهذا ما يجعله واحداً من أغزر الكتاب الفرنسيين. وإذا أدركنا أن العدد الأكبر من مسرحياته لا يزال يقدم إلى اليوم ويلقى جمهوراً متابعاً، يمكننا أن نقول أيضاً إنه المؤلف الذي تقدم أعماله أكثر من غيره، وإن كان من الصعب تصور أي “مفعول ثوري أو إصلاحي” لها اليوم، ما يعني بالأحرى، عودة سيرتها التي كانت لها عند كتابتها: أعمال ترفيهية تقول ذهنية زمانها، أكثر مما تقول ذهنية أي زمن. العمل الأكثر شعبية ومن بين مسرحيات ماريفو تبرز مسرحية “الاعترافات المزيفة” بوصفها الأكثر شعبية والتي تقدم في أزماننا الحاضرة، أكثر من غيرها. ولقد كتبها ماريفو في فترة متوسطة من حياته، وبعد أن كانت شهرته عمت المجتمع وصارت له قدم راسخة. ولعلها الأخيرة بين أعماله الكبيرة، إذ صحيح أنه كتب بعدها نحو عشر مسرحيات، لكن أياً من هذه لم يكن في مستوى يذكر بالأعمال التي كتبها بين العام 1724 (“مفارقة مزدوجة”) و1737 (عام كتابة “الاعترافات المزيفة”)، وهي الفترة التي سيطر فيها على عمل ماريفو أسلوب يمزج بين الواقعية الاجتماعية وعالم “الكوميديا ديل آرتي” بما فيها من الحوارات المزدوجة المعنى، وألعاب الأقنعة، والتنقل المتبادل، بين الجنسين، والمقالب التي يساعد الخدم أسيادهم في رسمها لخصومهم، وحكايات الحب ذات المفاجآت والأجواء الرومانسية المزيفة، والزيجات التي ترتب ضد إرادة المحبين. وهو عالم يلعب الخدم دائماً دوراً كبيراً فيه. و”الاعترافات المزيفة” لا تشذ عن هذه القاعدة. وأيضاً لا تشذ عن القاعدة الذهبية التي كانت سائدة، في العلاقات بين الطبقات الاجتماعية في ذلك الحين: قاعدة المال كعنصر أساس في المجتمع، والزواج كوسيلة للحصول عليه. حكاية بالغة التعقيد وهو أمر يصعب أن يدل عليه بوضوح أي تلخيص لهذه المسرحية، لأن أحداثها تدور أصلاً حول حبكة بالغة التعقيد، تتمحور حول دورانت المفلس على رغم كونه متحدراً من أسرة ثرية، وهو واقع في غرام أرامنت، الأرملة الغنية ابنة السيدة أرغانت التي تريد أن ترتب لابنتها زيجة مربحة اجتماعية من الكونت دوريمونت. وبناء على اقتراح دوبوا، خادم دورانت السابق الذي يعمل الآن لدى أرامنت، يطلب دورانت من عمه السيد ريمي أن يوصي به ليعمل وصيفاً في منزل الأرملة الشابة. والعم، ببراءة شديدة، يخبر مارنون، وصيفة أرامنت أن دورانت مغرم بها، بدلاً من أن يفهم أن ابن أخيه مغرم بالسيدة. في تلك الأثناء يتولى دوبوا أخبار أرامنت بهيام دورانت بها، آملا أن يؤدي ذلك إلى استثارة شعور متبادل بينهما. بيار كارل دي ماريفو (1688 – 1763) (غيتي) غير أن الأم السيدة أرغانت، تعرف بحكاية غرام دورانت بابنتها حين تقع صورة للابنة تخص دورانت بين يدي الوصيفة مارنون، التي تغضب غضباً شديدا، معلنة أن ذلك الحب من نصيبها، وأن السيدة تريد أن تنتزع منها حبيبها. وعلى الفور تطلب أرغانت من العاشق الشاب أن يرحل فوراً تاركاً عمله كوصيف. وهنا تجد أرامنت نفسها مضطرة إلى الإقرار بحبها للشاب، وتقرر الزواج منه. المجتمع أمام الفضيحة واضح أن هذه الأحداث تشبه أحداث كثير من المسرحيات التي تنتمي إلى هذا النوع، غير أن التفاصيل تختلف، والتركيز على العلاقات والحوارات يعطي العمل، نكهة الفضح الاجتماعي لنفاق العلاقات بين الطبقات، لا سيما عبر تلك الحوارات التي أطلق على نوعيتها اسم مقتبس من اسم الكاتب نفسه: “ماريفوداج” -وكانت الكلمة ذات مدلول سيئ في الماضي، وإن كان يشير الآن إلى حوارات متحذلقة ذات دلالة مزدوجة، لا تخلو من رومانسية. ولد بيار كارل دي ماريفو عام 1688 في باريس التي عاد إليها بعد أن انتقل منها طفلاً مع والده. وهو بدأ اهتمامه بالأدب في العام 1712، وبدأ ينشر القصص القصيرة، التي أدخلته الأوساط الاجتماعية الراقية والحلقات الفكرية، وبدأ يكتب مسرحيات سرعان ما لقيت رواجاً. وهو إلى ذلك اشتغل في الصحافة، وعاش حياة اجتماعية رفيعة، توجتها علاقته بنبيلة ظلت حاميته (وربما زوجته السرية) حتى نهاية حياته. وماريفو الذي توفي في باريس أيضاً في العام 1763، كتب بعض أشهر مسرحيات زمنه على على الرغم من أن تراجيديته الوحيدة “هانيبال” لم ترق لجمهوره. المزيد عن: الاعترافات المزيفةماريفوفرنساالمجتمع الفرنسيالثورة الفرنسيةالفكر التنويريموليير 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post لماذا قد يجد الغربي نفسه في حكايات السعوديين؟ next post الفن التشكيلي اللبناني شاهد على أهوال الحروب المتوالية You may also like اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 فيلم “مدنية” يوثق دور الفن السوداني في استعادة... 21 نوفمبر، 2024 البلغة الغدامسية حرفة مهددة بالاندثار في ليبيا 21 نوفمبر، 2024