والدا دورر بريشته وألوانه- هدية وداع موقت! (ويكيميديا) ثقافة و فنون دورر الألماني… سافر إلى “المجهول” وعاد فنانا استثنائيا by admin 29 أبريل، 2025 written by admin 29 أبريل، 2025 12 مؤسس فن البورتريه الذاتي دشن تجربته الفنية برسم أبويه في لوحتين بديعتين رد فيهما جميلاً عائلياً اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب من دون منازع، في إمكاننا أن نعتبر الرسام الألماني ألبريخت دورر (1471 – 1528) المؤسس الحقيقي والكبير ليس فقط للفن الواقعي الألماني في الزمن النهضوي الذي عم أوروبا واصلاً إلى أقصى مناطقها الشمالية التي ينتمي دورر نفسه إليها، بل كذلك المؤسس الكبير الذي لا يضاهى لفن البورتريه الذاتي. ففي معظم كتب تاريخ الفن وموسوعاته، كما في مجمل الموسوعات التي ترصد الفنون الأوروبية وتطور أنواعها عبر التاريخ، يكاد اسم دورر يشكل القاسم المشترك بين كل الفنانين الذين أبدعوا وإن بدرجات متفاوتة، في رسم ذواتهم على لوحات وبألوان وخطوط غالباً ما قالت أكثر بكثير مما يفترض بلوحات ذلك النوع أن تقوله، وذلك حتى أيامنا هذه مع أن هذا الرسم الذاتي فقد خلال العقود الأخيرة ألقه الأكيد. وفي هذا السياق تحديداً يخبرنا تاريخ الفن كيف أن دورر ومنذ خروجه من زمن الطفولة لم يتوقف طويلاً عن رسم نفسه وملامحه، ودائماً عبر الاستعانة بمرآة توضح ملامحه وتجعله “موديلاً أميناً وصبوراً للبشر كما يريد أن يتصورهم”. وكان ذلك فناً أتقنه الرسام الفتي معززاً تفوقه، بل ربما بالتأكيد ريادته فيه، منذ وقت مبكر، حتى من دون أن يقول هو، أو يخبرنا متابعو سيرة حياته، من أين جاءته موهبته تلك في رسم الذات ومن ثم في رسم “الآخرين” علماً أن هذا الجانب الأخير يبدو أسهل عليه في الأحوال كافة. ولئن كان دورر قد أبدع في رسم ذاته، فإن ما يمكن التوقف عنده هو أنه حين شرع يرسم “الآخرين” كان توجهه الأول نحو الكائنين الأقرب إليه، أمه وأبيه الذين حتى وإن لم يكونا أول من رسم في ما يمكننا اعتباره “بورتريهاً مزدوجاً”، فإن اللوحتين اللتين رسمهما فيهما وجمعهما منطقياً في ذلك العمل المزدوج، تشكلان مأثرة فنية تكاد تكون إعجازية في المسار الفني – والعاطفي على أية حال – للفتى الذي كانه حين رسمهما ألبريخت دورر ابن الـ19 من العمر عام 1490، وذلك على شكل هدية لهما لمناسبة تخرجه من المحترف الذي تلقى فيه في مسقط رأسه نورمبورغ دروس الفن وأسرار العيش، ولكن أيضاً على شكل هدية وداع موقت قدمها لهما في العام نفسه، ونال إذناً من أبيه ورضاً من أمه للقيام بتلك الرحلة التي ستستغرقه أربعة أعوام كانت الغاية منها إمعانه في دراسة فنون الرسم في عدد من الدول، وكانت تلك بالنسبة إليه أفضل هدية يقدمها له والداه، فكان أن بادلهما التحية بتحية من خلال ذلك البورتريه “المزدوج” الذي عز نظيره في تاريخ الفن. تلك الرحلة الغامضة طبعاً، كما نوهنا قبل سطور، لم تكن تلك اللوحة المزدوجة التجربة الأولى لدورر فهو كان قد سبق له، خلال أعوام مراهقته التي سبقت تخرجه، أن حقق كثيراً من اللوحات المشابهة، الذاتية أو غير الذاتية واصلاً، إلى ذروة وهو في الـ13 عبر بورتريه ذاتي يعتبر اليوم البداية الحقيقية لفنه الكبير. غير أن الأمر، مع لوحتي والديه يبدو مختلفاً تماماً، فنحن هنا لسنا أمام ما يمكننا اعتباره فناً تجريبياً يحمل قدراً من التمرين، بل أمام فن بالغ النضوج يحمل، إلى جانب بعده الجمالي التشكيلي الخالص، أبعاداً دلالة اجتماعية وعائلية لا التباس فيها وفي ما تحمله من معانٍ، وكأن الفنان الشاب شاء هنا أن يعلن، ليس فقط اختتام مرحلة من حياته الفنية والعائلية، بل افتتاح مرحلة جديدة آيتها سيطرته على موضوعه وخروجه من سن الصبا المتقبل لما يحيط به من دلالات، لولوج سن بلوغ يجعله قادراً على رصد الحياة التي يرسمها. ومن هنا، وفي وقت كان الفنان الشاب يستعد فيه لتلك الرحلة، التأسيسية بدورها، في حياته وفنه، أراد أن يترك لوالديه ولذاكرته الخاصة، صورة تكاد على اختصارها أن تصف كثيراً من حياة الوالدين والعلاقة بينهما كما علاقتهما بالعالم المحيط بهما، ولعل تأملاً في اللوحتين معاً – وليلاحظ القارئ أننا نتحدث عن ذلك الذي كان يتعين اعتباره “بورتريهاً مزدوجاً”، من الآن وصاعداً باعتباره لوحتين والسبب بسيط، فاللوحتان بعدما كانت قد عاشتا حياتهما معاً في نورمبورغ طوال قرن بكامله من الزمان، حدث أن افترقتا منذ عام 1588، لتذهب لوحة الأب إلى براغ فيما بقيت لوحة الأم في نورمبورغ، ولم يعد في الإمكان الحديث عنهما معاً إلا بصورة نظرية، إذ أفقدهما انفصالهما كثيراً من معانيهما والدلالات. ومع ذلك لا بد من التعامل مع هذا العمل الكبير تعامل دورر نفسه معه، أي انطلاقاً من كونه في جزأيه متكاملاً في النظرة إلى الوالدين. ومن هنا لا بد من وضع اللوحتين، ولو نظرياً بصورة دائمة، في مواجهة بعضهما بعضاً، لنلاحظ أن لوحة الأم رسمت كي يكون موقعها إلى يسار لوحة الأب، وهو تقليد كان معمولاً به في تراتبية اجتماعية واضحة تنم عن أن المكانة الأولى للأب، وإلى ذلك ثمة إمساك كل من الأب والأم على مسبحته يسبح بها فيما الابن يرسم، وهو دليل تقوى هذين الكائنين الحبيبين، وهي تقوى مشتركة بينهما يعبر عنها الابن في نوع من مشاركة ووعد لا يخفى معناهما ولا سيما وهو على أهبة السفر، مع ما يترتب على ذلك من دعوة الوالدين من قبل الابن للدعاء له كي يوفق في سفره، ولكن من المؤكد أن ذلك العمل يبدو قاصراً عن أن يخبرنا بأي شيء عن تلك الرحلة. رضا الوالدين لكنه، أي العمل، ينم عبر هدوء ملامح الوالدين ودعة نظرتيهما اللتين تكادان تكونان مفعمتين بالرضا، عن رضاهما عما يفعله الابن، وكما هما يتوخيان منه أن يفعله في غربته. إنهما نظرتا رضا وقبول حتى وإن كانت نظرة الأم تتسم بشيء من القلق تحاول أن تصل إلى تبديده، وهي ترصد أية إشارة في نظرة الأب تطمئنها إلى أن الولد الحبيب آلبريخت سيكون خلال رحلته في خير وسيعود ليحقق كل ما هو مأمول منه. ألبريخت دورر كما رسم نفسه وهو في مقتبل العمر (غيتي) والحال أننا إن نظرنا إلى كل من اللوحتين على حدة، لن يكون في مقدورنا استخلاص كل هذه المعاني التي نفترضها، أو يوحي بها إلينا اجتماع اللوحتين اجتماعاً من الواضح أن الفنان كان حريصاً عليه، من خلال المقاييس المشتركة بينهما (38 سم عرضاً و47 ارتفاعاً لكل منهما)، ثم تشاركهما في الخلفية العتمة بهدف الوصول إلى أكبر تركيز ممكن على تعابير الوجهين. وغرابة توجه النظرات إن لم توضع اللوحتان في مقابل بعضهما بعضاً، والتكامل الدلالي بين حركة يدي كل من الشخصين المرسومين ولا سيما في تفاعلهما مع المسبحتين ولكن بخاصة أيضاً من خلال التقابل التكاملي بين ما يرتديه كل من الأب والأم. فهنا، في مقابل الأحمر الغامق والأسود كألوان ذات وقار تسم ملابس الأب وصولاً إلى قبعته التي تعطيه مظهر الأعيان الذي يتكامل مع قوة كفيه في إمساكهما بالمسبحة، يأتي ألق الألوان التي ترتديها الأم بدءاً من ثوبها ذي اللون الأحمر الفاتح إلى درجة تمكنه من أن يعكس قدراً من الضياء الذي يغمر وجهها وملامحها، المؤمثلة على أية حال، وكأن النور الغامر هنا سيكون إضاءة للدرب الذي سيسلكه الابن خلال رحلته، فيما تبدو كفاها أقل قوة من كفي الأب الصارمتين وأكثر تضرعاً مما تفعل هاتان الأخيرتان. عالم “افتراضي” صحيح أن ما تقدم من وقفات عند هاتين اللوحتين همها تحويل ما يبدو شكلاً أول الأمر إلى مضمون، لا يعدو لدينا هنا كونه نوعاً من عالم افتراضي ما دام أننا نعرف أنه ومنذ انفصال اللوحتين عن بعضهما بعضاً، لم يعد كل ذلك واضحاً، بل باتت معاني كل منهما مستقلة في ذاتها، وربما ملتبسة التباس تلك الرحلة التي استغرقت من حياة دورر أربعة أعوام، اتضح أن اثنين منها أمضاهما بين فرنسا وهولندا، بينما ثمة افتراض بأنه أمضى العامين الآخرين في البندقية التي علمته على أية حال كثيراً عن رسم الطبيعة والمشاهد الباهرة مغمورة بشمس الجنوب وألوانه. علماً أن آلبريخت دورر سيعود إلى البندقية بعد ذلك بأعوام ليكتب إلى واحد من أصدقائه قائلاً “هأنذا الآن في البندقية التي لا تزال باهرة كما عهدتها دائماً… والتي تغريني بأن أبقى فيها… برضا والديّ الحبيبين”. المزيد عن: ألمانياهولنداالبندقيةآلبريخت دوررالبورتريه الذاتي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أشهر صدامات هوليوود في مواقع التصوير next post الموجة النسوية الثالثة كما تتجلى في 4 روايات You may also like الكوري كيم يونغ ها يرسم روائيا سيرة قاتل... 29 أبريل، 2025 “لعنة لوكريشيا بورجيا” تصيب دونيزيتي صاحب الأوبرات الـ70 29 أبريل، 2025 موسوليني ينتقل من زعيم فاشي إلى بطل روائي 29 أبريل، 2025 قضايا الأدب والترجمة والتعددية الثقافية تشغل معرض الرباط 29 أبريل، 2025 الموجة النسوية الثالثة كما تتجلى في 4 روايات 29 أبريل، 2025 أشهر صدامات هوليوود في مواقع التصوير 29 أبريل، 2025 “6 أيام” فيلم استثنائي لكنه مصاب بلوثة الاقتباس 27 أبريل، 2025 هل ما زال فن الغرافيك صوتاً للجماهير كما... 27 أبريل، 2025 الياباني إيبوزي يستجمع أصوات ومصائر ضحايا حروب الآخرين 27 أبريل، 2025 إدوارد مونخ: وجوه بين العزلة والجنون 26 أبريل، 2025