(بغداد، Getty 28/7/2024) بأقلامهم دلال البزري تكتب عن: زواج القاصرات وتسليع جسد النساء by admin 13 فبراير، 2025 written by admin 13 فبراير، 2025 31 النسوية هي الثورة الوحيدة التي لم تهدر فيها دماء، ولا خاضت حروبًا كالتي نعرفها. العربي الجديد / دلال البزري في العراق، وخلال السنة الماضية، انتشرت اخبار مروعة عن جرائم “شرف” ارتكبها آباء أو أشقاء تجاه بنات يريدون “غسل عارها”، ولأسباب يعرفها أهل العرب؛ مثل إشارة بالنظر إلى شاب، أو تعبير عن عاطفة تجاهه، أو ما يشابه من “جرائم مستحقّة”. وما يميّز هؤلاء المجرمين عن غيرهم من جماعة “الشرف”، أنهم لا يتباهون بها، ولا يعلنون عنها. يقتلون البنت الصغيرة، ويدفنونها بعد ذلك في “مكان سري”؛ منعًا للتعاطف ربما، أو للتحقيق أو لتلويث السمعة. وطبعًا، من دون عقاب ولا سؤال. لا من المجتمع المحيط ولا من السلطات. بدل العقاب أو السؤال، تحرّك البرلمان العراقي في أوائل الشهر الماضي، وأقرّ قانونًا يسمح بزواج القاصرات، بدعم تلقائي من المحاكم الشرعية. هكذا أطاح هذا البرلمان بقانون عام 1950، الذي كان يمنع تزويج الفتاة قبل بلوغها الثامنة عشرة من عمرها. ومع القانون الجديد، أصبح العمر المسموح به للتزويج تسعة أعوام للبنت الشيعية، واثنتي عشرة سنة للبنت السنّية. وصار للمحاكم الشرعية حرية القرار في الزواج والطلاق وحضانة الأولاد. الأمر ليس جديدًا على العراق. منذ عامين، أحصت الأمم المتحدة نسبة زيجات الفتيات قبل بلوغهن الثامنة عشرة من العمر، فكانت 28%. والمحتمل أن هذه النسبة اللاقانونية سترتفع الآن، بعد صدور القانون، أي أن البرلمان العراقي استجاب هذه المرة لرغبة شعبية، آتية من تحت، من المجتمع، بتزويج القاصرات. من هي الفتاة التي تُسحب من صف الابتدائي، غير بالغة على الأرجح، وتزوّج مرغمة أو يُمارَس عليها إغراء المجوهرات والثياب والعريس…؟ إنها البنت الفقيرة، التي يقول أهلها بلا حرج إنهم يزوّجونها، في مقابل مبلغ من المال. والصبي من العمر نفسه؟ لا… لا… غير صالح. لا جسده يصلح، ولا الدور المرسوم له. ولا نتكلم هنا عن فشل غالبية الزيجات، عن الحيوات المحطمة لضحاياها، عن رفض أهلهن لاستقبالهن إذا هربن من جحيمهن، وأردن العودة إليهم، أو عجزهم عن احتضانهن، أو استعادة حياتهن شبه الطبيعية… في المقلب الآخر، في لبنان، أمين عام حزب الله، قبل اغتياله، ألقى خطابًا بمناسبة يوم المرأة المسلمة “يشجّع” فيه على “الزواج المبكر”، ويقول بأنه “وسيلة لتكوين أسرة والحفاظ عليها”. مجرد كلمة رماها نصر الله بوجه النساء الشيعيات اللاتي ذقن الأمرّين من المحاكم الشرعية المتحكِّمة برقابهن، خصوصًا في قضايا حضانة الأولاد، حيث كانت تمارس عليهن أبشع أصناف المصادرات لأبنائهن وبناتهن. “نور تصدم المشاهدين بصراحتها الفجة. بلا أي شعور بالحرج تعرض جمالها وأناقتها وصباها لمن يدفع أكثر. إنها بمستوى صراحة البرلمانيين العراقيين، الذين لا يرون في البنت غير الجسد المعروض للبيع” ولكن في لبنان أيضًا تنتشر أفكار عبر الشاشة لا تناقض في العمق زعيم حزب الله. مثلًا، وليس حصرًا: أقوال الفتاة نور الحاج، في إحدى المسابقات المتلْفزة. وقد تحولت من بعدها إلى رمز لظاهرة أوسع، إلى “ترنْد” كما باتَ دارجًا القول. ماذا في عقل هذه الفتاة؟ بأنها لن تواعد شابًا فقيرًا أو متوسط الحال. لن تقبل منه “مواعدة على فنجان قهوة أو نزهة على الأقدام”. بل عليه أن يبذل “مجهودًا”، أن ترى هي هذا “المجهود”. عليه أن يحجز لها مطعمًا فاخرًا للغاية، وأن تكون مائدته “مليئة بالطعام”. وكأنها تراجع تجربة ما، تتابع أن “الذين خربوا بيتنا هن الفيمينست”، أي النسويات؛ دلّوها على الطريق الغلط، وها هي تهتدي إلى عكسها، أي أن “لا تبيع نفسها بالرخيص”. نور تصدم المشاهدين بصراحتها الفجة. بلا أي شعور بالحرج تعرض جمالها وأناقتها وصباها لمن يدفع أكثر. إنها بمستوى صراحة البرلمانيين العراقيين، الذين لا يرون في البنت غير الجسد المعروض للبيع. والفرق أن البنت القاصر المعروضة للزواج، عراقية، محجوبة، لا صورة لها، فيما البنت اللبنانية قادمة من مجتمع استعراضي، يقيم للهندام ميزانًا خاصًا، نساؤه واجهته، “قوته الناعمة”. وفي الحالتين، يُنسف كل ما بلغته النساء، على ضآلته، من تقدّم في حياتهن وحريتهن بتقرير من يرتبطن به مدى الحياة. ولنبقى في الجو نفسه، إليكم “تفسير” بعض الكاتبات لظاهرة الصبايا اللاتي يعرضن أنفسهن للبيع بهذه الطريقة الأنيقة: تشرح إحداهن بأن “خطاب” نور الحاج ليس معزولًا، وبأن “انتشاره” له أسباب “موضوعية”، أو بالأحرى له سبب واحد، هو “إخفاقات الحركة النسوية”، والتي “تتحمل المسؤولية الأكبر”. بماذا فشلت النسوية حسب هذا الرأي؟ بأنها أدخلت المرأة سوق العمل ولم تحرّرها من أعباء العمل المنزلي والإنجابي. وبأنها لم تعالج القضايا المتعلقة بالعمل والمال، وعلاقات السلطة الجندرية.. إلخ. التلازم بين تسليع المرأة، وبين رمي الإنجازات النسوية في المهملات المنسية، وإرساء علاقات الصفقة المربحة بين المرأة والرجل، والإعلان الصريح بأن هذه دليل على فشل الحركة النسوية… كل هذا يثير محل سؤال: لماذا؟ لأن تلك الفتاة التي طلعت على الشاشة، ومثلها النساء اللاتي تعلمن، واشتغلن، وبعضهن صار لهن مواقع… كل هذه “الحرية” بالظهور مكشوفة الوجه أمام جمهور واسع، والحق بالتكلم عما يعتريها من طموحات، والتبرج والتأنق، وهجاء النسويات “البشعات”… كل هذا ما كان يمكنهن الحصول عليه، لولا النسوية، بموجاتها المتتالية. النسوية هي الثورة الوحيدة التي لم تهدر فيها دماء، ولا خاضت حروبًا كالتي نعرفها. وهي حققت أشياء، وتبقى أشياء أكثر منها. معالجة زواج القاصرات مثل ترسيخ زواج المنفعة المادية مقابل الجمال والصبا… لم يكن لنا أن نتكلم عنهما لولا الحرية التي منحتنا إياها النسوية. أمام النسوية أعباء كثيرة يجدر التنبّه إليها قبل الغوص في وحْل التنكّر لتاريخها ولغاياتها، وتحميلها مسؤولية الثورة المضادة لها. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post تقرير استخباراتي: إسرائيل تدرس ضرب منشآت إيران النووية next post تفش غير مسبوق لمرض السل في الولايات المتحدة You may also like ساطع نورالدين يكتب عن: زلزال ترامب يقترب 13 فبراير، 2025 حازم صاغية يكتب عن: مرّة أخرى.. من السياسة... 12 فبراير، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: سوريا يخشى منها... 12 فبراير، 2025 منير الربيع يكتب عن استحقاق الحدود: توسيع صلاحية... 11 فبراير، 2025 غسان شربل يكتب عن: أميركا وأحجام ما بعد... 11 فبراير، 2025 حازم صاغية يكتب عن: أحد أشكال الوعي اللبناني... 9 فبراير، 2025 أندريه كوليسنيكوف يكتب عن: الحرب الباردة التي يريدها... 8 فبراير، 2025 دنيس روس – ديفيد ماكوفسكي: الطريق نحو تغيير... 8 فبراير، 2025 منير الربيع يكتب عن: ترامب ومشروع إسرائيل الكبرى..... 8 فبراير، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: غزة بين خروج... 8 فبراير، 2025