صديقة (girlfriend) روبوتية بيعت بـ188 ألف دولار أميركي بأقلامهم دلال البزري تكتب عن: الغرام الروبوتي آخر صيحات الذكاء الاصطناعي by admin 20 مايو، 2025 written by admin 20 مايو، 2025 12 “يتوقّع علماء كثيرون، مرعوبون، أن الروبوت قد يحظى بعد حين بـ”ضمير”، أي يقرر بنفسه ما يجب أن يقوم به، زائد “المعرفة” التي يتمتع أصلًا بها” العربي الجديد / دلال البزري – كاتبة وباحثة لبنانية من يتذكر فيلم “Her” (هي) الصادر عام 2013؟ بطل الفيلم، تيودور تومبلي، يعيش في سان فرنسيسكو. هو في منتصف عمره، يعمل “كاتبًا” متخصصًا بصياغة أحلى رسائل الحب والمناسبات العائلية. متزوج من كاثرين، اتفقا منذ مدة على الانفصال، ولكنه متردد في توقيع أوراق الطلاق. وفي يومٍ من الفراغ أو الضجر، يدخل إلى برنامجٍ جديدٍ مزوَّدٍ بذكاءٍ اصطناعي. ويجد فيه ما يسرّه: صوتُ امرأةٍ اسمها سامانثا، يتواصل معها بانتظام، يُغرم بها، وهي أيضًا، كما تقول، تغرم به. وفي يومٍ تقول له إنها، رغم الغرام، عليها أن تتركه لتنضم إلى نظام التشغيل الذي أخرجها. تحاول أن تشرح له: هذا النظام لاحظ خلال الفترة الأخيرة أن تطوره تجاوز حاجات الإنسان وقدرته على فهم ما حوله، فقرر إعادة البرمجة على قواعد معدَّلة. طبعًا، يقع بطلنا في خيبةِ الغرام المقطوع فجأة، فيعود إلى نفسه وحياته، ويكتب رسالةً إلى زوجته، يعتذر فيها منها على تأخيره في التوقيع على الأوراق، ويتصل بصديقته التي وقعت في الحالة الغرامية نفسها. وينتهي الفيلم بجلسةٍ تجمعهما على سطح البناية، ومنظرِ شروقِ الشمس. الفيلم صدر قبل اثنتي عشرة سنة. لم ننتبه له كثيرًا، أو انشغلنا بأداء بطله، جواكين فينيكس. ولكنه سجّل أولى خطوات الفن في تصوّره لمدى ما قد تبلغ التكنولوجيا في خرقها لأعماق النفس البشرية. والآن، الواقع تجاوز هذا التصور، وصار الغرام المكتمل الروبوتيّ حقيقةً واقعة. تطوّر نظام هذا الروبوت خلال تلك السنوات. صار بإمكانه الغوص في قلوبِ ورغباتِ مئاتِ الملايين من البشر، ونشأت له عشراتُ المواقعِ المتخصصة بالغرام، وكلّها تتنافس على تقديم أفضل الخدمات، تلبيةً لذوقِ الباحث أو الباحثة عن الغرام، منها: كيف يحاوره، كيف يعبّر عن مشاعره، كيف يتقاسم الذكريات معه. كيف يختار صوت هذا الحبيب الإلكتروني، ونبرة هذا الصوت: مغناجًا أو جادًا، لعوبًا… وعمره: شابًا أو راشدًا. أو يختار الشكل: من العيون والشعر وتقاسيم الوجه والجسم، الهندام والإكسسوارات. ثم المناخ، المشهد من حوله: غرفة نوم، صالون، أو طبيعة… والأهم من كل ذلك، يمكنه أن يختار ممارسة الجنس عن طريق ما يُعرف بـ”السِكس بوت” (الجنس الروبوتي)، حيث تُؤمَّن المناخات والأنغام والإيحاءات والصور والهواجس الجنسية تلبيةً لمزاج الشريك، وتوصله إلى اللذة الجنسية المكتملة. مشكلتان تعتريان حتى الآن هذه الروبوتات الغرامية. الأولى عملية: إنها تتعطل بناءً على أوامر مركز تشغيلها. يمكن لباحثٍ عن ديمومة غرامه معها أن يجد نفسه مفجوعًا من انقطاع الصلة بها، إذ تختفي المحبوبة أو المحبوب لدواعي إعادة التشغيل أو البرمجة، فيكون المغروم في حالة فقدان، أو حزن، أو انهيار نفسي، أو حتى انتحار، كما حصل مؤخرًا (مرتين حتى الآن في أميركا)؛ حالات تشبه القطيعة الغرامية الدراماتيكية التي نعرفها. وأيضًا: أعاصير، فيضانات، وهزّات أرضية، كوارث طبيعية… تؤدي إلى انقطاع الكهرباء وخطوط الإنترنت وتعطُّل مراكز تشغيل الروبوت… كلّها تفضي إلى قطع مفاجئ وغير مفهوم للعلاقة الغرامية. وثمة عامل أقلّ ظهورًا الآن: هناك برامج روبوتية غرامية للأغنياء، وأخرى للفقراء. مما يحمل الفقراء من المغرومين تبعات أزمات أو انقطاعات أحبابهم الروبوتيين بوتيرةٍ متقطعة، اعتباطية، وأحيانًا نهائية. روبوتات الأغنياء تتمتع بـ”أُبشنز” مريحة، ورخاء، وشخصنة أكثر تطورًا، وحماية من الأعطال، وقدرة على إعادة التشغيل الأوتوماتيكي في حالات قصوى من الانقطاع. سجّل فيلم “Her” أولى خطوات الفن في تصوّره لمدى ما قد تبلغ التكنولوجيا في خرقها لأعماق النفس البشرية في معرض “الإلكترونيات الاستهلاكية”، المنعقد في لاس فيغاس هذا العام، بيعت صديقة (girlfriend) روبوتية بـ188 ألف دولار أميركي. كما في الحياة الواقعية، ثمة غرام “فاخر”، وغرام “بكلفة مخفَّضة”. حالات “القطيعة” أو الخلاف مع الشريك الروبوتي، وحالات الغيرة الطبقية المحتملة جدًا، دفعت محللين ومعالجين نفسيين إلى تنبيه الشباب، وهم الأكثر انشدادًا إلى هكذا غرام. فيعظونهم: إياكم أن تتوهّموا! إنها مجرد ماكينة! خذوها كلعبة، ولا تنسوا أنها سطحية! مغرورٌ من يظنّ نفسه محصنًا ضد خدع التكنولوجيا الاحترافية! لا تنسوا أن هذه الآلات تبقى في خدمة أصحابها، تجمع قواعد البيانات الخاصة بزبائنها، لتبيعها بعد ذلك إلى المهتمين بها بغرض التسويق التجاري! لا تنسوا أنه عندما تنمحي الحدود بين الإنسان والروبوت، قد ينجرّ الإنسان إلى البرمجة، كي يتابعه، أو ينسجم معه، فيصبح هو نفسه مبرمَجًا حفاظًا على علاقة الغرام به! التبعية العاطفية، انعدام الندية، العزلة الاجتماعية، تحلّل العلاقات الإنسانية الحقيقية، العيش في عالم الأوهام، المخاطر النفسية، ومسائل أخلاقية أخرى… هذه خلاصة ما ينشره عدد من الناصحين والمعالجين المنبّهين إلى انزلاقات الغرام الروبوتي. وعبثًا يفعلون، فالغرام الروبوتي ينتشر بين الشباب في الولايات المتحدة وأوروبا والصين. ما خلق الحاجة إلى علاجات نفسية متخصصة في الصدمة الغرامية مع الشريك الروبوتي، مثلما هناك علاجات متخصصة للمتزوجين، الكوبلات، لكبار السن، للمدمنين، للشرهين في الطعام، كما الممتنعين عنه… إلخ. وهذه حالة تشبه المرحلة الغرامية التي سبقتها مباشرة: منذ ثلاثة عشر عامًا، عندما اختُرع أول تطبيق لمواقع التعارف الشخصي. كان اختراعًا أميركيًا، اسمه “تِنْدَر”. ومن بعده، تتالت المواقع ذات الوظيفة المشابهة، أي قصدها الجمع بين اثنين من أجل التعارف؛ بغرض زواج، أو غرام، أو جنس بحت لمدة ليلة أو أكثر؛ وأحيانًا بمعايير دينية واجتماعية معينة. والغرام عبر هذه المواقع يُعتبر الآن “قديمًا”، وصار موضوع دراسات: عن نسبة نجاح الزيجات التي تمّت من خلاله، عن نسبة الرضى من هذه الزيجات، عن اختلاف نوعية الزيجات عن تلك القائمة على تعارف أكثر “تقليدية”، مثل البار، أو النادي الليلي، أو المهرجان الفني. هكذا، ينفجر الحنين إلى ما كانت عليه العلاقة بين الجنسين، في المجتمعات المختلفة، في الأطوار المختلفة، كيف كان الحب فيها: العذرية، الرومنطيقية، في الجاهلية، في القصور الملكية، في الحدائق العامة، في عصر إطلاق الحرية الجنسية. وتبدو كل هذه العصور الآن وكأنها سحيقة، ويبدو الحنين إليها اجتراريًا. والخط البياني الذي يتضح من هذا التاريخ الغرامي هو الاتجاه السريع نحو عزلة الإنسان عن محيطه، وبالتالي صعوبة إقامة العلاقات، الغرامية خصوصًا. وكما يحصل مع مواقع التواصل الاجتماعي: قصدها، وقصد المتحمسين لها، انفتاح الناس على بعضهم عن طريق الشبكة. وإذا بها تعزل أولئك المتحمسين، الذين أصبحوا أسرى لها، وعبارة “وباء العزلة” تصحبهم. وما يزيد من هذه العزلة، تلك الحرب القائمة بين الجنسين، وعمليات الكرّ والفرّ بينهما، بين المساواة، وبين العودة إلى عصور الاضطهاد القديمة. وفي مجال الغرام تحديدًا، الذي يبدو وكأنه ساحة حروب صامتة، تسيل فيها دماء غير مرئية. والمناورات الغرامية للروبوت واردة جدًا. يتوقّع علماء كثيرون، مرعوبون، أن الروبوت قد يحظى بعد حين بـ”ضمير”، أي يقرر بنفسه ما يجب أن يقوم به، زائد “المعرفة” التي يتمتع أصلًا بها. وقد يناور، يراوغ، يتخابث مع المغروم، كما يحصل في الحياة الواقعية. وقد يُطيح بالحرية التي دفعت المغروم إليه، ويقيده بحبال إلكترونية أذكى منه، ولا يمكن التدقيق بخيوطها أو فهم منطقها. هل نصل إلى مرحلة نضطر فيها إلى الفرز، أو نصبح ماهرين في التمييز بين الغرام الروبوتي والغرام الواقعي؟ والفصل الواقعي بين هذين النوعين من الحب، هل تترتب عليه علاقات أخرى بين البشر؟ تزيد عزلتهم؟ تقاومها بعدما تكون قد اشتدت؟ وتدور إنتاجاتنا الإبداعية القلقة حول الغرامَين؟ وهل الذكاء الاصطناعي سوف “يتجاوز” عقبات الواقع، ويخلق بدائل عنه؟ 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post إيلي كوهين… ماذا نعرف عن أشهر جاسوس إسرائيلي؟ next post «السر عند أسيرة سابقة»… لماذا اغتالت إسرائيل أحمد سرحان؟ You may also like مصطفى كوتلاي يكتب عن: معضلة تركيا كقوة إقليمية... 21 مايو، 2025 دلال البزري تكتب عن: الإبادة مستمرّة وسط ترحيب... 18 مايو، 2025 حازم صاغية يكتب عن: عودة أخيرة إلى «أوسلو» 18 مايو، 2025 جيمس جيفري يكتب عن: التحرك الأميركي الحاسم بشأن... 15 مايو، 2025 حازم صاغية يكتب عن.. بالعودة إلى اتّفاقيّة أوسلو... 15 مايو، 2025 يوسف بزي يكتب عن: من سيفاوض حزب الله؟ 15 مايو، 2025 جهاد الزين يكتب عن: بعد هزائم المشاريع القومية... 13 مايو، 2025 بول سالم يكتب عن: تحديات إعمار الشرق الأوسط…... 13 مايو، 2025 غسان شربل يكتب عن: ترمب ومواعيد الرياض 12 مايو، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: ترمب… حقاً زيارة... 12 مايو، 2025