الخميس, أبريل 24, 2025
الخميس, أبريل 24, 2025
Home » دلال البزري تكتب عن: الساحل السوري من القهر إلى القهر المضادّ

دلال البزري تكتب عن: الساحل السوري من القهر إلى القهر المضادّ

by admin

 

تتعثّر أقدار العلويين بضربات المزاج السنّي، الغالب على القاعدة العريضة من سكان سورية، فيما يدافع الدروز والأكراد عن وجودهم بالقوة والتنظيم

العربي الجديد / دلال البزري – كاتبة وباحثة لبنانية

خُطفت رباب من الساحة العامة، في وضح النهار. وجدَتْ نفسها في “فان” مسْرع، لم يتوقف أمام أي حاجز. وفي نهاية الرحلة، التقت بباسمة المخطوفة قبلها، مسجونة معها في غرفة في أحد المنازل، مكبّلة الأيدي والأرجل بكرسي… تروي: “عذّبونا وضربونا، لم يكن مسموحاً أن نتحدّث معاً، لكني سمعت لهجة الخاطفين، أحدهم لهجته أجنبية والآخر لهجته محلية إدلبية، عرفت ذلك لأنهم كانوا يشتموننا لأننا علويات”.

هذه واحدةٌ من عشر شهادات نشرها موقع درج اللبناني عن خطف صبايا سورياتٍ علويات من منطقة الساحل السوري، ومن ريفَي حمص وحماة. عادت رباب إلى أهلها بعد مناشدات وتوسّلات. وثّقت المجلة لفيتات مخطوفات قَبِلن التحدّث عن التجربة، وانْ بأسماء مستعارة. ولكن العدد الدقيق لهن غير ممكن، نظراً إلى الغموض والخوف المسيطرين.

مخطوفات أخريات بقي مصيرهن مجهولاً، أو نصف معروف. إحدى المخطوفات “ِأُغِرِم” بها خاطفها و”حجزها” ليتزوجها، أخرى سافر بها خاطفها إلى البعيد… ولكن المحظوظات العائدات أصبحن موصومات بـ”العار”، إذ يُشكّ في أن الخاطفين لم ينالوا من شرفهن. صورهن منشورة على مواقع التواصل. نشرها أهاليهن مع أرقام الهواتف، لعلهم يحصلون على أي معلومة تفيد بشيء عن بناتهم.

تأتي موجة القتل هذه بعد مجزرة ارتكبت في أوائل مارس/ آذار الماضي، إثر محاولة تمرّد عسكري قامت بها عناصر موالية للأسد في اللاذقية. كانت محاولة شرسة، وردّة الفعل عليها أكثر شراسة: هجوم واسع على أحياء وقرى علوية، قتل على الهوية، إعدامات ميدانية سريعة، سرقة الممتلكات، خطف، إهانات، رمي الجثث إلى البحر، أو دفنها في مقابر جماعية…

والنتيجة، الموثقة، 1383 قتيلاً سورياً علوياً مدنياً، غالبيّتهم نساء وأطفال، إبادة عائلات، هروب آلاف العلويين إلى الجبال القريبة، إلى لبنان، إلى قاعدة حميميم الروسية. وفوضى أمنية ولوجستية عارمة في مناطقهم، نقص في الكهرباء والغذاء، وانفلات أمني، بطرق مختلفة، وتوتّر طائفي ينذر بما يشبه التقاتل الأهلي، وحلم الناجين بالهجرة إلى أي مكان في العالم إذا أتيح لهم ذلك.

يغذّي هذا التطور “مزاج” سنّي علني، ذو عصبية عالية، يستوحي شعاراته من فتاوى ابن تيمية، بضرورة قتل “المرتدّين”، بالحكم الأموي التاريخي، بحكم “الأكثرية السنّية”، بالثأر من عقود الظلم العلوي، واستجابةً لـ”نفير عام” أطلقته الحكومة الجديدة، وفُهم أنه دعوة إلى تصدّي كل من يملك السلاح من أبناء السنّة للمحاولة الانقلابية، حفاظاً على “مكتسبات الثورة”.

إحدى المخطوفات “ِأُغِرِم” بها خاطفها و”حجزها” ليتزوجها، أخرى سافر بها خاطفها إلى البعيد… ولكن المحظوظات العائدات أصبحن موصومات بـ”العار”

أرتال شعبية توجهت نحو “المعركة” في الساحل، فضلا عن أبناء العشائر من الجنوب السوري، والبوكمال ودير الزور. اختلطوا بالمقاتلين الأجانب في هيئة تحرير الشام، لوحظت الملامح الشيشانية والأوزبكية والإيغورية على وجوه الأعنف من بينهم. وخطب ملتهبة لوعّاظ المساجد من مناطق مختلفة، وقد أفلحوا في شيْطَنة أبناء الطائفة العلوية، وتشريع قتلهم دينياً، بوصفه “جهاداً”.

علّق الرئيس أحمد الشرع على المجزرة. أقرّ بأن “أعمالاً انتقامية حصلت” بعد محاولة التمرّد، أعلن أن سورية “دولة قانون، والقانون سيأخذ مجراه”، وأضاف: “لا نقبل أن يكون هنا قطرة دم تسفك بغير وجه حق أو أن يذهب هذا الدم سدى دون محاسبة أو عقاب”. وأمر بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة، للتحقيق في هذه المجزرة، لم تخرج بأي نتيجة جدّية بعد. ورأينا زيارات مصوَّرة لأعضاء لجان يحاولون “المصالحة”، بحضور المفجوعين من أمهات الضحايا.

كانت ردود الفعل العربية “محسوبة”، فاترة وحذرة. بلا أي بيان “استنكاري” على الأقل، كما هو دارج. ولا تحرّكات ديبلوماسية. إنما بيانات فضفاضة تدعو إلى “ضبط النفس ووقف العنف”. وحتى اجتماع “دول الجوار” (تركيا، لبنان، العراق، الأردن) بعد أيام على المجزرة، تكلم المجتمعون خلاله عن الاستقرار ودانوا “استهداف أمن سورية”. ولكنهم لم يتناولوا المجزرة، ولا دعوا مثلاً إلى حماية السوريين المدنيين العلويين.

على مواقع التواصل، طغت الحملات الرسمية، التي شوهت الوقائع، وتعرّضت المنظمات الإنسانية والحقوقية لهجوم ولضغوط إلكترونية، واستبعد ناطقون باسمها في الإعلام المرئي. وكان هذا النفير “دعماً لحكومة الشرع” وحسب.

وجدت إسرائيل في مجازر الساحل السوري فرصة للكسب على ظهر “فظائع ضد المدنيين العلويين”

أصدر الأوروبيون والروس بيانات استنكار الهجمات على “الحكومة المؤقتة” وتكلموا لماماً عن المدنيين العلويين الذين دفعوا ثمنها. فيما إسرائيل كانت فرصتها للكسب على ظهر “فظائع ضد المدنيين العلويين”. استخلص وزير أمنها منها أن إسرائيل “ستحمي نفسها من أي تهديد قادم من سورية”، وأن “الجيش الإسرائيلي سيبقى في المنطقة العازلة وفي مرتفعات جبل الشيخ، وسيواصل حماية مستوطنات الجولان والجليل”.

أسرع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، على “اكس”، فوصف “الإرهابيين الإسلاميين المتطرّفين، بمن فيهم الجهاديون الأجانب الذين قتلوا الناس في غرب سورية في الأيام الأخيرة”، وأكد أن بلاده “تقف مع الأقليات الدينية والإثنية في سورية”. ولكن الشروط التي وضعها ترامب لرفع العقوبات عن سورية وتسهيل المساعدات الإنسانية إليها كانت خالية من الموضوع، ومن “حقوق الأقليات”. ومما تتضمن: قمع الجماعات الإرهابية (المقصود منها؟)، طرد الفصائل الفلسطينية المسلحة، تدمير مخزون الأسلحة الكيميائية، تعيين منسق اتصال أميركي في البحث عن الصحافي الأميركي أوستن تايس المختفي في سورية منذ أكثر من عشر سنوات. وسبق هذه الشروط رفع صفة “الإرهاب” عن أحمد الشرع، إلغاء جائزة العشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدّي إلى القبض عليه، التمييز بين هيئة تحرير الشام والشرع نفسه، ووفود أميركية جاءت لجسّ نبضه، وغيرها من “التطورات الإيجابية”.

المقارنة تفرض نفسها هنا: الذين يقتلون من بين العلويين السوريين كمن يقتلون من بين السنّة الفلسطينيين. حساب حيواتهم لا دخل له بحسابات السلطة والجيوسياسة. صحافي أميركي واحد مختف منذ عشر سنوات شرط أساسي في تلبية المطالب الحيوية، وآلاف القتلى من أبنائهم هم زيادة على البشرية. الصحافي الأميركي المختفي في سورية، مثل الرهينة الأميركي المحتجز في غزّة، حيوات غيره لا شيء أمام حياته.

عودة إلى الفتيات المخطوفات. قال الخاطف لإحداهن: “المخطوفة المتزوجة في حال عادت إلى أهلها أو زوجها، عليها دخول العدّة، كونها أصبحت بحكم المطلقة”… وهنا إشارة إلى احتمالات زواج المخطوفة قسرياً، أو “سبيها”؛ وأخبار أخرى من “زواج” بعضهن بخاطفيهن… ما يشير إلى عنف جنسي مورس عليهن، لا يختلف كثيراً عن الذي أقامه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) للنيْل من الأيزيديات بالذات، باغتصابهن، ببيعهن، بعرضهن في سوق النخاسة.

إنها وتيرة بطيئة في الإبادة. بعد المجزرة، أي القتل بالجملة، يأتي القتل المفرق، بالقطّارة، بعبث بحياة العلويين والعلويات. هكذا تتعثّر أقدار العلويين بضربات المزاج السنّي، الغالب على القاعدة العريضة من سكان سورية، فيما يدافع الدروز والأكراد عن وجودهم بالقوة والتنظيم.

والسؤال عن الشرع الآن: إذا كان استطاع التحوّل إلى “رجل دولة”، ويمحو عنه صفة “مطلوب إرهابي”، فليس بادياً، حتى اللحظة، أن في وسعه تحويل قاعدته الإسلامية، من عصبيين طائفيين إلى مواطنين في هذه “الدولة”. ثمة جهد يقع على عاتقه، هو الرئيس صاحب كل الصلاحيات، وصاحب السرّ العميق بكيفية تحوّله من “إرهابي” إلى “رئيس دولة”. إنها مسؤولية إنقاذ حكمه من سلسلة القهر وبديله القهر المضاد.

المزيد عن: الطائفة العلويةالطائفيةالثورة السوريةتنظيم الدولة الإسلامية

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili