الأربعاء, مارس 19, 2025
الأربعاء, مارس 19, 2025
Home » حين غيبت أخبار الحرب رحيل رومان رولان

حين غيبت أخبار الحرب رحيل رومان رولان

by admin

 

صاحب “جان-كريستوف” أكثر الكتاب الذين يستحقون صفة “الكاتب الملتزم” في مهب النسيان

اندبندنت عربية

خلال النصف الثاني من القرن الـ20 ارتبط مفهوم “الكاتب الملتزم” باسم الفيلسوف والكاتب الفرنسي جان – بول سارتر، أكثر مما ارتبط باسم أي كاتب آخر، وكان المفهوم نفسه قد ارتبط منذ نهايات القرن السابق باسم الكاتب الفرنسي أيضاً، إميل زولا، لا سيما من خلال مواقفه دفاعاً عن الضابط درايفوس الذي وصمته مناهضة السامية في فرنسا بالخيانة كجاسوس للألمان. ومن هنا ما إن يجري الحديث عن التزام الكتاب والمثقفين بالقضايا العادلة حتى يشار تحديداً إلى سارتر كما إلى زولا. ومع ذلك لو بحرنا في الأمر كما ينبغي وتحرينا الجذور الحقيقية لاستخدام هذا المفهوم، سنجد أنه ينطبق على سارتر، وحتى على زولا، بأقل مما ينطبق على كاتبين فرنسيين آخرين ينتميان إلى الجيلين اللذين سبقا أولهما وتليا ثانيهما، انتماء مباشراً، وهما أناتول فرانس، ورومان رولان. بل إن انطباق المفهوم على هذا الأخير يكاد يكون مطلقاً، حتى وإن كان جحود التاريخ قد جعل اسم رولان ينطوي في ما يشبه النسيان، منذ رحيله عن عالمنا آخر عام 1944. ولعل ما ساعد في استتباب ذلك النسيان رحيل الكاتب الفرنسي الكبير، خلال الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية في وقت كان أقل ما يهم الناس فيه الالتفات إلى رحيل أديب من الأدباء، سواء كان أديباً ملتزماً أم غير ملتزم.

رسالة خارج “الموضة”

بيد أن المشكلة مع رومان رولان تكمن في أن النسيان ظل يغمر ذكراه طويلاً بعد ذلك، وربما لأن الرسالة الإنسانية الشاملة التي حاول أن يجعل من أدبه وسيلة لإبلاغها لقارئيه، لم تعد على “الموضة” منذ نهاية الحرب الثانية وتغير المقاييس والمفاهيم. ومع هذا، بحسب قارئ اليوم أن يقلب في أعداد مجلة “أوروبا”، إحدى أعرق المجلات الأدبية الفرنسية على الإطلاق، حتى يطالعه فيها اسم رومان رولان بوصفه مؤسسها. وحسبه من ناحية أخرى أن يقرأ الكتاب العظيم الذي وضعه الكاتب النمسوي الأوروبي شتيفان تزفايغ، عن تاريخ الحياة الثقافية الأوروبية بعنوان “عالم الأمس”، حتى يجد نفسه أمام صفحات رائعة تمجد ذكرى رولان ونضالاته في سبيل السلم ورفعة الإنسان خلال واحدة من أصعب مراحل التاريخ الحديث. وكذلك بحسب هذا القارئ أن يعود إلى تاريخ الحركة الأدبية الفرنسية في العشرينيات والثلاثينيات ليكتشف أن رومان رولان كان واحداً من أعلامها، وأن سلسلته الروائية “جان – كريستوف” التي كتبها في العشرية الأولى من ذلك القرن الذي عاش فيه آخر عقود حياته، كانت واحداً من الأعمال الأدبية التي قرئت وانتشرت أكثر من غيرها، وكانت في نهاية الأمر الجسر الأدبي الذي عبرت عليه لغة الأدب ومضمونه، من واقعية وطبيعية القرن الـ19 إلى حداثة القرن الـ20. والحال أن كون “جان – كريستوف” جسراً (وتحديداً جسراً بين الشعبين والثقافتين في ألمانيا وفرنسا) هو الذي يفسر سر النسيان الذي يحيط اليوم برومان رولان، النسيان الذي هو على الدوام مصير مبدعي المراحل الانتقالية، ورومان رولان كان واحداً من أدباء تلك المراحل، من دون أن ننسى هنا أن العداء كان في ذلك الحين مستشرياً بين الألمان والفرنسيين تاريخياً ومنذ أزمنة تعود إلى الحروب الدينية وتتجدد في كل مناسبة، لا سيما من خلال الحرب الألمانية – الفرنسية التي اندلعت زمن الكوميونة الباريسية لتتجدد خلال الحرب العالمية الأولى ثم الثانية ولا تستكين وتهدأ إلا في زمن أقرب إلينا تحت مظلة الوحدة الأوروبية التي جمعت الأمتين وشعبيهما.

غلاف طبعة مبكرة من “جان- كريستوف” (أمازون)

 

سيرة رجل عظيم

ولد رومان رولان في 1866 في بلدة نيفرني الفرنسية، وتبدى منذ بداياته كاتباً إنسانياً اشتراكياً محباً للسلام، وهذا ما جعل كتاباته الأولى محور سجالات عنيفة، وصلت إلى حد اتهامه بالخيانة القومية بسبب معارضته الدائمة لخوض فرنسا أي حرب من الحروب. أما بالنسبة إلى دراسته، فقد اتجه باكراً إلى التاريخ ثم إلى الموسيقى، وجعل تاريخ الموسيقى موضوع أطروحته التي قدمها في روما حول “تاريخ الأوبرا في إيطاليا قبل لولي وسكارلاتي”. والحال أن اكتشافه في ذلك الحين لإيطاليا والموسيقى في آن معاً، كان هو الذي ألهمه بدايات رواية “جان – كريستوف”، عمله الأكبر، التي سيكتبها بعد حين. وهو حين عاد من روما إلى باريس كان قد قرر الانتظام في الكتابة المسرحية فكتب سلسلة المسرحيات التي شكلت مجموعة “مسرح الثورة”، كما كتب سير عديد من الفنانين الموسيقيين خاصة، بحيث إن لغة الأدب والروائي منه خاصة، التقت لديه وفي كتبه العديدة بلغة الموسيقى بشكل جعل رواية “جان – كريستوف” نفسها تبدو وكأنها التلخيص الموضوعي لذلك الشغف المزدوج الذي عاشه ذلك الكاتب بل ربما كان بالنسبة إليه مبرر وجود. ومن هنا سيبدو طبيعياً لنا وقد شارف رومان رولان على الكهولة وبدا متمكناً من فنه ومتعمقاً في الفن الآخر، الموسيقى، الذي شغل دائماً باله وأيامه، بدا طبيعياً أن يتخذ قراره بخلط النوعين في عمل خلاق هو تلك الرواية التي كان يحلم بكتابتها بل حتى بجعلها وصيته الفكرية وصولاً إلى أن تكون وصيته السياسية من ناحية رغبته في أن تكون رواية الشعبين اللذين يشغلانها من خلال شخصية بطلها نفسه، من دون أن ننسى هنا أن ذلك البطل إنما سيبدو في نهاية الأمر مزيجاً من الكاتب نفسه ومن بيتهوفن، حتى ولو بدا ذلك أول الأمر عسيراً على التصور. ومهما يكن من أمر، فلا بد أن ننقل عن رولان حقيقة أن تلك الرواية قد اختمرت في ذهنه أعواماً طويلة قبل أن تتجسد تصوراً ثم برنامج عمل ما إن أطل القرن الـ20 عليه وأحس بأن “ليس ثمة بعد الآن مما يدفعني إلى تأجيل العمل عليها” كما سيقول بنفسه لصديقه تسفايغ لاحقاً.

8 أعوام من الكتابة

ومع ذلك ستمر عليه أعوام أخرى وهو يؤجل ويؤجل حتى اللحظة التي رأى فيها في عام 1904 أنه بات محاصراً تماماً “فإما أن أشرع الآن في كتابتها، وإما أن أتخلى عنها إلى الأبد!” كما سيقول أيضاً. وهكذا ما إن حل ذلك العام 1904 حتى كان انصرف كلياً لكتابة “جان – كريستوف” التي لم ينه أجزاءها الأخيرة إلا في عام 1912. وبعدها ما إن كتب روايته القصيرة التالية “كولاس بريتون” المستوحاة من حياة الريف في منطقة بورغينيون الفرنسية (مسقط رأسه) حتى فاجأته الحرب العالمية الأولى، وهو في سويسرا، فراح يكتب المقالات والبيانات المضادة للحرب والتي جمعها في كتاب أثار ضجة عنوانه “فوق الجمع”. غير أن الضجة التي آثارها الكتاب، ومشاعر القوميين العدائية ضده لم تمنع جائزة نوبل الأدبية من أن تمنح له في عام 1916. وهو بعد انتهاء الحرب راح يخوض معترك السياسة أكثر وأكثر مهتماً خصوصاً بمبادئ اللاعنف، وانتهى به الأمر إلى الانتظام في الحزب الشيوعي الفرنسي في عام 1927. غير أن ذلك ترافق لديه مع نوع من الجفاف في موهبته الأدبية إذ إنه لم يتمكن أبداً من كتابة أي شيء يضاهي رواية “جان – كريستوف” التي يمكن اعتبارها في نهاية الأمر نصاً ينتمي إلى السيرة الذاتية ويتألف من 10 أجزاء. ومن هنا يبدو أن تأسيسه لمجلة “أوروبا” (1922) وكتابته لسير أشخاص من طينة بيتهوفن وشارل بيغي يمكن اعتبارهما تعويضاً على عدم التمكن من الكتابة الإبداعية. ولعل هذا ما أوصل رومان رولان إلى أزمته الحقيقية التي أعادته إلى ريفه حيث أقام طوال الأعوام الأخيرة من حياته يقرأ بنهم ويكتب بفهم، نصوصاً تكشف عن رغبات إبداعية عميقة إنما غير مكتملة. وهو منذ ذلك الحين وحتى رحيله وسط الصمت وضجيج الحرب العالمية الثانية، ظل علماً من أعلام الأدب الفرنسي، ومثالاً يحتذى بالنسبة إلى كثير من الكتاب الذين جعلوا التزام الكاتب الإنساني ومسؤوليته الأخلاقية نصب أعينهم.

المزيد عن: جان بول سارترإميل زولاأناتول فرانسرومان رولانشتيفان تزفايغالكاتب الملتزمالحرب العالمية الثانية

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili