ثقافة و فنونعربي “حلاق إشبيلية” لروسيني تستكمل ما بدأه موتسارت وتحلق by admin 20 أبريل، 2021 written by admin 20 أبريل، 2021 51 العمل الفني الذي أعاد فن الأوبرا العريق إلى مهده الإيطالي اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب هي في الأصل ثلاثية مسرحية كتبها الفرنسي بيار أوغستين دي بومارشيه بدءاً من عام 1775 متوخياً من خلالها تقديم صورة عن الأخلاق العامة لدى طبقة بورجوازية صاعدة من المواطنين. لئن كان الجزء الأول من الثلاثية والمعنون “حلاق إشبيلية” هو الأقوى من حيث الأفكار والأجواء التي زرعها الكاتب في ثنايا العمل، لا شك في أن الجزء الثاني وعنوانه “زواج فيغارو” سيبقى الأشهر لمجرد أن الموسيقي موتسارت اختاره ليبني عليه واحدة من أوبراته الأكثر قوة وابتكاراً من الناحية الموسيقية. ومن هنا يمكن القول إن “حلاق إشبيلية تعرضت لظلم ما، إذ إنها لا تصمد أمام مقارنتها مع عمل موتسارت بالطبع. وفي المقابل فإن الجزء الثالث والمعنون “الأم المذنبة” وكان الأضعف بين نصوص بومارشيه والأكثر وعظاً، نال ما يستحقه إذ نُسي إلى حد كبير. بعيداً من المقارنة مع موتسارت ومع ذلك يمكن القول إن عمل الموسيقي الإيطالي روسيني على “حلاق إشبيلية” إن لم نقارنه بـ “زواج فيغارو” سيبدو لنا عملاً بديعاً، بل ربما من أجمل ما أنتج فن الأوبرا الإيطالي وربما العمل الأفضل الذي لحنه روسيني في حياته على الرغم من امتلاء تلك الحياة بأعمال أوبرالية كبيرة مثل “سندريلا” و”ويليام تيل” و”سميراميس”، تمكنه من مضاهاة جوزيبي فردي ومنافسته على مركز السيادة المطلقة لفن الأوبرا في إيطاليا. ومن هنا لم يكن غريباً ألا يخلو موسم أوبرالي في أي مدينة، أوروبية على الأقل، من عرض لـ “حلاق إشبيلية” ومنذ التقديم الأول لهذا العمل في 20 فبراير (شباط) 1816 في “تياترو أرجنتينا” في روما حين قُدّمت بعنوان آخر هو “آلمافيفا” ومن ثم بعنوان ثالث هو “الاحتياط غير المجدي”. المهم أن “حلاق إشبيلية” هو في نهاية الأمر العنوان الذي استقرت عليه هذه الأوبرا التي لم تكن أول اقتباس للجزء الثاني من ثلاثية بومارشيه المسرحية. ولن تكون الاقتباس الأخير بالطبع، فمنذ عام 1766 وربما محاكاة لاشتغال موتسارت على “زواج فيغارو” لم يأل كثر من الموسيقيين الألمان والإيطاليين جهداً في اقتباس مسرحية “الحلاق” معتبرينها قادرة على استيعاب قوالب موسيقية غنية وغناء مسلّ، بينما نجدهم يستنكفون عن تحدي عمل موتسارت على مسرحية “فيغارو” وكانوا محقين في ذلك بالطبع. وهكذا لدينا اليوم عدة أوبرات تدور حول حكاية “حلاق إشبيلية” تحمل توقيعات موسيقيين من طينة فردريك بندا (1776) وبيتر شولتز (1786) ونيقولاس مورلاكي (1816) التي سيأخذ النقاد عليها انطباعها بقسط كبير من النزعة الرومانسية وافتقارها إلى الحس الفكاهي، في مقابل ذلك العمل الذي سيزيد عليها شهرة وقوة بكثير ويحمل توقيع باييزييلو، الذي كان قدّم قبلها مباشرة ويعتبر اليوم المنافس الرئيس على أوبرا روسيني التي ظهرت بعدها مباشرة فحصدت الحصة الأكبر من النجاح والخلود. مؤامرات خارج الخشبة تبقى أوبرا جياكونو روسيني الأشهر والأجمل بين كل الأعمال الموسيقية التي اقتبست من نص بومارشيه، ومع ذلك يمكن الاستناد إلى المعلومات التاريخية للقول إنه كان من حظ هذا العمل أن حصد القدر الأكبر من الفشل في تاريخ المسرح الغنائي عند بدايات القرن الـ 19، وتحديداً في ذلك العرض الأول. ويعزو المؤرخون ما حدث إلى إشتغال باييزييلو مع رهط من مناصريه على ضخ دعاية سيئة خلال الأيام السابقة للعرض، إذ كانت “التهمة” التي وجهت إلى روسيني ذي الـ 24 عاماً حينها أنه مدّع و”صبياني” إذ اختار أن يلحن عملا سبقه إليه الموسيقي المخضرم الذي كان يكبره حينها بنحو نصف قرن! ولقد نجحت تلك الدعاية في ردع الجمهور عن التجاوب مع أوبرا روسيني الذي لم يكن معروفاً بما فيه الكفاية في الأوساط الفنية الرومانية فدفع الثمن في العرض الأول، لكن الذي حدث بعد ذلك هو أن الجمهور، والنقاد في ركابه، عادوا واكتشفوا بالتدريج قوة العمل وجماله، وحدث ذلك الانقلاب الذي سرعان من جعل الكل يعتبرون “حلاق إشبيلية”، ولم تكن تحمل هذا العنوان بعد كما رأينا، أجمل أوبرا ولدت في إيطاليا حتى ذلك الحين، مما مهد السبيل لتبوء روسيني مركز الصدارة في الحياة الموسيقية الإيطالية، وعلى الأقل حتى ظهور فيردي بعده بعقود عديدة. إيقاظ فن ما مهما يكن من أمر، باتت هذه الأوبرا منذ ذلك الحين عملاً لا بد من مشاهدته لمن سيرغب في مشاهدة “زواج فيغارو” لموتسارت، وذلك لأن أوبرا روسيني تسبق في أحداثها ما تحكيه أوبرا موتسارت. ومن هنا، وحتى لئن كان قيل دائماً إن تتبع الأحداث في عمل أوبرالي من هذا النوع لا يهم كثيراً، فإن عدداً من أحداث ومواقف “زواج فيغارو” ستبدو غامضة وبحاجة إلى تفسير لمن لم يكن قد سبق له أن شاهد أوبرا روسيني بصرف النظر عن الفوارق الموسيقية بين العملين، علماً بأن بعض مؤرخي حياة موتسارت نفسه كانوا يشيرون دائماً إلى أن “طفل فيينا المعجزة” كان يعبر في أخريات أيامه عن عزمه على تلحين بقية الثلاثية، لكن الموت المبكر أدركه قبل أن ينفذ رغبته. والحقيقة أن كثراً يتساءلون دائماً عن الشكل الموسيقي الذي كانت ستتخذه هذه الأوبرا لو طال عمر موتسارت وحققها. لكن كثراً آخرين في المقابل لا يخفون سرورهم لما حصل طالما أنهم يرون دائماً أن اشتغال روسيني على العمل قد أيقظ فن الأوبرا الإيطالي من سبات كان قد طال تاركاً المجال واسعاً في هذا البلد لانتشار تهريج مسرحي أُعطي اسم أوبرا، وانبنى دائماً على تهريج “الكوميديا ديل آرتي” الذي كان موتسارت نفسه أول المنددين به. وها هو روسيني يأتي الآن ليسدد له ضربة قاسية معيداً الاعتبار إلى فن كان أسلاف إيطاليون كبار له قد أبدعوه بدءا بمونتيفردي وفيفالدي قبل أن “يستولي عليه الألمان والنمساويون”. عودة الفن إلى موطنه مع “حلاق إشبيلية” إذن عاد هذا الفن إلى موطنه الأصلي، وتمكن روسيني من الوصول إلى ابتكارات موسيقية يخدمها توزيع أوركستراليّ ملهم واستعان بمواقف المسرح الكوميدي لتقديم عمل لعل أبرز ما فيه أنه يدخل موضوعه، من الناحية الموسيقية، دخولاً مباشراً، في تجاوز لافت للعناصر الميلودرامية و”الفودفيلية” التي تطغى على الأحداث نفسها، وهي كما سبقت الإشارة تلك الأحداث التي تسبق الزواج الذي سيعقد لفيغارو، في أوبرا موتسارت. ولنضف إلى هذا هنا أن الحلاق فيغارو، بعدما كان في خلفية صورة تلك الأحداث في “حلاق إشبيلية” سنجده يقفز ليحتل صدارتها في “زواج فيغارو” اتباعاً لما يرسمه بومارشيه من تداعيات طبقية واضحة في ثلاثيته المسرحية بالطبع. أما الأحداث في أوبرا روسيني فتنطلق من الكونت آلمافيفا الواقع في هوى الحسناء روزينا، ربيبة الكونت العجوز بارتولو. ومنذ بداية تلك الأحداث وإذ تقدَّم لنا الشخصيات الثلاث الأساسية، يحل دور الحلاق فيغارو، المطلع على أسرار المدينة وخفايا حياتها الاجتماعية والذي لصداقته مع آلمافيفا لا يتورع عن وعده بمساعدته على غزو فؤاد الحسناء. لكن فيغارو سيدرك سريعاً أن بارتولو يتطلع بدوره إلى الاستحواذ على فؤاد الحسناء روزينا، وهكذا إذ يتسلل فيغارو إلى قلب هذه الشخصيات سرعان ما سيصبح سيد اللعبة والمتحكم في مصير أطرافها. انتصار الحب والشباب ومنذ تلك اللحظة تتوالى الأحداث، إذ إن آلمافيفا يتخفى كشاب تحت اسم ليندورو ويحاول اجتذاب الصبية إليه عبر غنائه في الحديقة تحت شباكها، أما الدون بارتولو فإنه يعلم من خلال معلم الموسيقى دون بازيليو أن آلمافيفا يحاول الحصول لنفسه على الفتاة يسعى إلى تشويه سمعة الكونت بشكل يدفع هذا الأخير لمبارحة المدينة، لكنه يعود متنكراً كجندي مزود ببطاقة تخوله الإقامة في بيت بارتولو، إذ ينجح في إيصال رسالة إلى روزينا التي تبدو متواطئة معه. بيد أن الحلاق يتدخل هنا مما يؤدي إلى فضح الجندي الذي يعود ويتخفى كمدرس للموسيقى ليتسلل من جديد في تتابع للمؤامرات والمناورات التي ستنتهي بهزيمة العجوز وانتصار المحبين بمساعدة الحلاق نفسه الذي سيختم اللعبة كلها قائلاً لبارتولو إن كل الحيطة التي يمكن لعجوز اتباعها لا يمكنها الانتصار على الشباب والحب مجتمعين. المزيد عن: حلاق إشبيلية/الأوبرا/إيطاليا/موتسارت 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الرسام العراقي ضياء العزاوي يستوحي الطبيعة اللبنانية تجريديا next post وزارة الري المصرية ترد على إجراءات جديدة في سد النهضة You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.