السبت, يناير 11, 2025
السبت, يناير 11, 2025
Home » “حضيض غوركي” الذي مهّد لاندلاع ثورة 1905 في روسيا

“حضيض غوركي” الذي مهّد لاندلاع ثورة 1905 في روسيا

by admin

مرآة على ضفاف الفولغا لشعب يعيش بؤسه في انتظار أيّ تغيير

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

غريب بعض الشيء أمر تلك المسرحية التي تعتبر من أشهر ما ظهر في روسيا عند بدايات القرن العشرين، وربما أقوى أعمال كاتبها ماكسيم غوركي على الإطلاق: “الحضيض”. فهي تختفي عن خشبات العالم تماماً حين يكون العالم في حاجة إليها، لكنها تظهر من حيث لا يتوقع أحد وتُلعب في مدن عديدة حول العالم في وقت واحد، في أزمنة يبدو العالم فيها من الرخاء إلى درجة يكاد لا أحد يحتاجها. ولعل دليلنا على هذا غيابها في هذه الأيام التي تعرف فيها قطاعات عريضة من البشر أسوأ أيامها بسبب الوباء ولكن أيضاً بسبب الضائقة المالية المعمّمة وأكثر من هذا بسبب غياب القيم ولا سيما الأخلاقية والفكرية منها في عالم يتخبط. ومن هنا قد لا تكون العودة إلى مسرحية غوركي هذه ترفاً، بل حاجة… ولو في مثل مجالنا هنا.

أية حياة على الخشبة؟

في المقام الأول تكتسي “الحضيض” التي قدمها قسطنطين ستانيسلافسكي على خشبة مسرح الفن في موسكو، من تمثيله وإخراجه للمرة الأولى في ديسمبر (كانون أول) 1902، أهميتها من كونها أتت في ذلك الحين لتطرح تحديداً أسئلة الحياة على المسرح وأسئلة المسرح على الحياة، من دون أن تكون أول مسرحية واقعية، ولكن حتى من دون أن تكون لافتة في أحداثها.

فالمهم في هذه المسرحية كانت الأجواء التي رسمها الكاتب الغاضب في ذلك الحين والذي كان كل ما يعتمل في مجتمعات بلاده يضعه أمام طريق مسدودة. بالنسبة إليه، وكما سيقول الفيلسوف الألماني هربرت ماركوزه بعد ذلك بثلاثة أرباع القرن، بات الأمل الوحيد في الفن. وفي الفن الشعبي الذي يخاطب أصحاب المصلحة في أي تغيير مطلوب. و”الحضيض” لكي تدعم تلك الفكرة لجأت إلى تصوير حثالة الحثالة في المجتمع الروسي البائس. وذلك في قبو تعيش فيه طائفة متنوعة من قعر المجتمع قعراً مزدوجاً: مكانياً واجتماعياً. سكيرون، شحاذون، لصوص، هامشيون، مقامرون بالملاليم وفلاسفة على سجيتهم، ثم أشرار حين تدعو الحاجة ومتعاونون في لحظات نادرة. يتشاركون العيش مع صاحب المكان الذي يحتاج إلى التهديد والترهيب وربما الترغيب أحياناً، حين يطالبهم بالإيجار متوعداً معظمهم بإعادتهم إلى سجون أتوا منها والبعض الآخر بتذويقهم عذاب تلك السجون، فيما تكمل زوجته الحسناء فاسيليسا المهمة مغوية البعض الآخر ولا سيما فاسكا اللص الشاب الذي سبق له أن كان عشيقها في ما مضى وها هو الآن مزمع على سلوك الصراط المستقيم تحت تأثير وافد جديد إلى المكان هو لوقا، المهرّج السابق والوازع الأخلاقي الذي لا يلين، والذي يبدو أنه راغب في أن ينشر شيئاً من الاستقامة بينهم.

مشهد من مسرحية “الحضيض” (من موقع المسرحية)​​​​​​​

انقلاب في بيئة بائسة

مجيء لوقا إذا يحدث نوعاً من الانقلاب في تلك البيئة البائسة التي تعيش على ضفة الفولغا في بلدة بالغة البؤس، ولكن أي انقلاب يمكن توخّي الخير منه في مجتمع بالكاد يجد المرء فيه طعاماً أو دقيقة من راحة البال، أو أي نوع من العلاقات السليمة بين الأفراد؟ وهكذا تبدأ مشاكل من نوع جديد بالتراكم وتشتد ضراوة الصراعات، ولا سيما من حول تلك الأنثى الحسناء الثانية، ناتاشا شقيقة فاسيليسا التي يزمع الآن فاسكا على الأرتباط بها كخطوة على طريق سلوكه القويم. بيد أن فاسيليسا إذ تكتشف تدبير فاسكا يجن جنونها بدفع من زوجها الملاّك الجشع وتهاجم ناتاشا التي ينبري معظم الحضور للدفاع عنها ما يؤدي إلى قتل فاسكا للزوج واختفاء لوقا.

من الواضح هنا أن هذه الأحداث الميلودرامية ليست أهم ما في المسرحية التي تكمن أهميتها في الصورة التي ترسمها لمجتمع الحضيض الروسي، بشكل جعل منها أشبه بمرآة تعكس للمجتمع صورته وتنبهه إلى أحواله التي اعتاد أن يعيشها غير مدرك هشاشتها. ومن هنا ترتدي نهاية المسرحية دلالتها حيث لاحقاً بعدما تنتهي الأحداث التي وصفناها وإذ يجتمع الحضور للاحتفال بانتصارهم على الغاشم، يكتشفون اختفاء ناتاشا وغموض مصير فاسكا. وإذ يقف ساتان خطيباً فيهم معلناً إيمانه على الرغم من كل شيء بمسقبل الإنسان ومصيره سرعان ما يتبين لنا أن الممثل قد شنق نفسه يأساً.

عندما كتب غوركي هذه المسرحية كان بالكاد تجاوز الثلاثين من عمره وكان لا يزال مناضلاً ثورياً سيلعب دوراً في ثورة عام 1905، تماماً كما سيعود للعب دور في النضالات الفكرية التي ساهمت في إشعال ثورة 1917، التي ارتبط بها ثم خالفها ثم عاد إليها وخالفها من جديد فيما يكتب روايات وقصصاً ومسرحيات جعلت منه كاتب الثورة بامتياز. ومع هذا حين رحل عن عالمنا في عام 1936 بدت أمور كثيرة غامضة من حول ذلك الموت وتاريخه بما في ذلك حين وصل الشاعر الفرنسي لويس أراغون وزوجته إلسا تريوليه إلى موسكو قادمين من باريس عن طريق لندن، حيث كان من المفروض، مبدئياً، أنهما توجها إلى العاصمة السوفييتية، تحديداً للقاء غوركي استجابة لطلبه.

اقرأ المزيد

اللقاء الممنوع

فالحال أن غوركي كان قبل ذلك بأسابيع، وبخاصة حين رأى المرض يشتد عليه، قد بعث لآراغون وإلسا، وكذلك لأندريه جيد، طالباً منهم أن يوافوه في موسكو، لأنه يريد أن يراهم قبل موته. والغريب أن أراغون وإلسا وصلا موسكو بالتحديد يوم 16 يونيو (حزيران) لكنهما لم يتوجها لمقابلة غوركي. فهل كان هذا لأنه قيل لهما أن الكاتب الكبير، وصديق لينين، والمؤلف الذي كان يعتبر ضمير الثورة الروسية، قد مات بالفعل يوم وصولهما؟ أم لأن ستالين نفسه عمل كل ما في وسعه لكي يحول دون لقاء غوركي بآراغون ورفيقته، وكذلك بأندريه جيد؟

هذا السؤال يدفعنا في الواقع إلى إعادة طرح سؤال قديم، هو، بكل بساطة، هل أن غوركي مات بشكل طبيعي أم أنه صُفّي بأمر من ستالين؟

إننا لو قرأنا موت غوركي على ضوء وضعه الصحي وصلنا إلى استنتاج بسيط وهو أن الرجل مات بشكل طبيعي، غير أننا لو قرأنا تلك الحادثة على ضوء الظروف المحيطة بها، وتساءلنا حقاً عن السبب الذي جعل آراغون يقطع ألوف الكيلومترات ليصل إلى موسكو بغية مقابلة زميله الروسي الكبير، ثم يستنكف عن ذلك في اللحظة الأخيرة، باستهتار لم يعهد عنه، سوف نصل إلى الاستنتاج الذي وصل إليه الباحثان الأميركيان ن. ليتس وإي. برنوت، اللذان وضعا في 1954 كتاباً حول قضية غوركي، قالا فيه إن ثمة ما يؤكد أن إلحاح غوركي في أيامه الأخيرة على لقاء آراغون وأندريه جيد كان هو الذي عجل في نهايته.

فالباحثان يفترضان أن ستالين، الذي عُهد عنه إفراطه المرضي في الحذر، قد جنّ جنونه حين أعلمته أجهزة المخابرات بإلحاح غوركي على لقاء الكاتبين الفرنسيين. وكان باغودا مسؤول المخابرات هو الذي أعلمه بذلك، فإذا بسيد الكرملين يأمر بمنع أي اتصال بين غوركي المحتضر وأي كاتب أجنبي. وهكذا شهد 16 يونيو (حزيران) ذلك الباليه العجيب في موسكو: آراغون وإلسا هناك، وربما جيد أيضاً، يحاولون الوصول إلى غوركي، وستالين وباغودا يحولان دون ذلك.

والحقيقة أن روايات أخرى كثيرة راجت حول ذلك الموضوع ولكن في النهاية عاد التأرجح بين الروايتين الأخريين: رواية الموت الطبيعي، والرواية الأخرى التي تقول إن غوركي قد صُفّي بأمر من ستالين. والحقيقة أن ثمة مؤشرات عديدة تؤكد هذه النظرية، ومنها أنه على الرغم من أن غوركي مرض مرات قبل ذلك، فإن الأطباء لم يفكروا أبداً في إصدار نشرات يومية حول صحته، فلماذا راحت تصدر مثل تلك النشرات اعتباراً من يوم سقوطه مريضاً من جديد، ثم لماذا كانت تلك النشرات مليئة بالمغالطات والتناقضات؟ فإذا كان هذا صحيحاً، كان من الواضح أن غوركي صُفّي بالفعل، فهل تراه صُفّي عن طريق التسميم بحبات البونبون كما روى البروفسور بلينيوف للشيوعية الألمانية ب. غرلاند، حين التقى الاثنان في معسكر اعتقال في سيبيريا؟

المزيد عن: ماكسيم غوركي/مسرحية الحضيض/الاتحاد السوفياتي/روسيا/ستالين/أراغون/إندريه جيد

 

 

You may also like

25 comments

зарубежные сериалы смотреть онлайн 25 مارس، 2024 - 11:23 م

Greetings! Very helpful advice within this article! It is the little changes that make the largest changes. Thanks a lot for sharing!

Reply
глаз бога 10 أبريل، 2024 - 5:21 ص

Hi my loved one! I want to say that this article is awesome, great written and come with almost all significant infos. I’d like to see more posts like this .

Reply
глаз бога телеграмм бесплатно 10 أبريل، 2024 - 6:39 م

If you are going for best contents like I do, only visit this website every day because it provides quality contents, thanks

Reply
steam cs 2 skin bets website 7 مايو، 2024 - 9:38 م

Yes! Finally something about %keyword1%.

Reply
Francisk Skorina Gomel state University 15 مايو، 2024 - 10:33 م

ГГУ имени Ф.Скорины

Reply
гостиничные чеки Санкт Петербург 25 مايو، 2024 - 8:10 ص

Magnificent beat ! I wish to apprentice while you amend your web site, how can i subscribe for a blog site? The account aided me a acceptable deal. I had been tiny bit acquainted of this your broadcast provided bright clear concept

Reply
удостоверение тракториста машиниста купить в москве 31 مايو، 2024 - 11:23 ص

I loved as much as you will receive carried out right here. The sketch is tasteful, your authored subject matter stylish. nonetheless, you command get bought an edginess over that you wish be delivering the following. unwell unquestionably come further formerly again since exactly the same nearly a lot often inside case you shield this increase.

Reply
乱伦色情 4 يونيو، 2024 - 9:59 ص

When someone writes an article he/she keeps the plan of a user in his/her mind that how a user can understand it. So that’s why this post is great. Thanks!

Reply
хот фиеста казино 12 يونيو، 2024 - 9:42 م

I have read so many articles about the blogger lovers except this piece of writing is truly a pleasant piece of writing, keep it up.

Reply
Теннис онлайн 27 يونيو، 2024 - 10:21 م

Currently it sounds like Expression Engine is the top blogging platform out there right now. (from what I’ve read) Is that what you’re using on your blog?

Reply
Теннис онлайн 30 يونيو، 2024 - 8:54 ص

We are a group of volunteers and starting a new scheme in our community. Your web site provided us with valuable information to work on. You have done an impressive job and our whole community will be grateful to you.

Reply
Теннис онлайн 30 يونيو، 2024 - 9:57 م

Hi there, I enjoy reading all of your post. I like to write a little comment to support you.

Reply
Теннис онлайн 1 يوليو، 2024 - 10:33 ص

My brother suggested I would possibly like this blog. He was totally right. This post actually made my day. You cann’t consider just how much time I had spent for this information! Thank you!

Reply
Прогнозы на футбол 2 يوليو، 2024 - 1:44 م

It’s in point of fact a nice and helpful piece of information. I’m satisfied that you simply shared this helpful info with us. Please stay us informed like this. Thanks for sharing.

Reply
Прогнозы на футбол 3 يوليو، 2024 - 3:56 ص

I think this is one of the most significant information for me. And i’m glad reading your article. But want to remark on few general things, The website style is perfect, the articles is really nice : D. Good job, cheers

Reply
Прогнозы на футбол 3 يوليو، 2024 - 5:39 م

Marvelous, what a website it is! This blog gives helpful data to us, keep it up.

Reply
Прогнозы на футбол 4 يوليو، 2024 - 7:14 م

Unquestionably consider that that you stated. Your favourite justification appeared to be at the internet the simplest thing to have in mind of. I say to you, I definitely get irked even as other folks consider concerns that they plainly do not understand about. You controlled to hit the nail upon the top as well as defined out the whole thing with no need side effect , folks can take a signal. Will likely be back to get more. Thank you

Reply
автомойка самообслуживания под ключ 5 يوليو، 2024 - 9:08 م

Мойка самообслуживания под ключ – великолепный выбор для тех, кто хочет начать бизнес без лишних забот. Все под контролем, и вы в деле!

Reply
автомойка под ключ 6 يوليو، 2024 - 4:48 م

С нами строительство автомоёк под ключ превращается в приятный и легкий процесс, ведь мы заботимся о каждом аспекте вашего будущего предприятия.

Reply
автомойка самообслуживания под ключ 9 يوليو، 2024 - 6:30 ص

Заказав автомойку под ключ, вы получите полностью готовый и оснащённый бизнес. Ваша мойка будет работать безупречно!

Reply
Прогнозы на футбол 9 يوليو، 2024 - 3:59 م

Thank you for another fantastic article. Where else may just anyone get that kind of information in such a perfect method of writing? I have a presentation next week, and I am at the look for such information.

Reply
Прогнозы на футбол 11 يوليو، 2024 - 12:29 ص

You ought to take part in a contest for one of the highest quality sites on the web. I most certainly will recommend this website!

Reply
Прогнозы на футбол 12 يوليو، 2024 - 2:09 ص

Hello, just wanted to say, I liked this post. It was funny. Keep on posting!

Reply
Джак 19 أغسطس، 2024 - 5:47 م

I am extremely impressed with your writing skills and also with the layout on your blog. Is this a paid theme or did you customize it yourself? Either way keep up the nice quality writing, it’s rare to see a nice blog like this one these days.

Reply
theguardian 28 أغسطس، 2024 - 9:21 م

Hi, i think that i saw you visited my weblog so i came to return the favor.I am trying to find things to improve my site!I suppose its ok to use some of your ideas!!

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00