العالم والراهب البلجيكي جورج لوميتر (الموسوعة البر يطانية) X FILE جورج لوميتر… كاهن رسخ نظرية “الانفجار العظيم” by admin 5 يناير، 2024 written by admin 5 يناير، 2024 86 العالم الفيزيائي الشهير أينشتاين عارض التفسير العلمي لخلق الكون والبابا فرنسيس تبناه اندبندنت عربية منذ بدايات البشرية تطلع الإنسان إلى فوق، حيث السماء الواسعة الممتدة، والنجوم الزاهرات التي تضيء ليلاً، لتحول ظلام الأرض إلى نور ذي صبغة خاصة. كان التساؤل السائر والحائر: كيف خلقت هذه النجوم، كيف تكونت، بأي طريق تم صفها ورصها، ما الذي ينظم حركتها، وهل هي في حركة دائبة دائمة من الأصل أم أن السكون يلمها ويشملها؟ حاولت جميع الحضارات التي نعلم عنها الاقتراب من تلك المنطقة الفكرية، وربما هذا ما فعلته حضارات أخرى لا نعلم عنها، وقد أدلى كل بدلوه، فمنهم من عبد تلك الكواكب والنجوم، ومنهم من قدسها، ومنهم من استخدمها في إعداد التواريخ الخاصة بالحياة، لا سيما مواسم الزرع والقلع، وبعضهم الآخر ملأته الخشية وانتابه الرعب مما يمكن حدوثه حال غضبت عليه. أما عن تساقط بعضها، فيبدو أنه هو السر الذي جعل حضارات بعينها تقيم مراصد للفلك، تحسباً منه واتقاءً له، ومن بين هؤلاء المصريون القدماء الذين بنوا الأهرام، كمرصد فلكي بحسب بعض المفسرين، عطفاً عن حضارات مشابهة سادت وبادت في منطقة أميركا اللاتينية. في البداية ولمدة طويلة من عمر البشر افترض العلماء أن السماء وما يوجد فيها هو أمر ثابت لا يتغير، إلا أنه في عشرينيات القرن الماضي أظهرت ملاحظات الفلكي الأميركي إدوين هابل أن المجرات ليست ثابتة في الكون، بل إنها تتحرك وتبتعد عنا. هل كانت هذه هي البداية التي انطلق منها صاحب قصة اليوم للتوصل إلى نظريته الشهيرة الخاصة بـ”الانفجار العظيم“. معاً في رحلة مع جورج لومتر، البلجيكي الأصل، المنتمي إلى طغمة الأكليروس الكاثوليك، الذي سيقدر له أن يقدم للعالم مفهوماً جديداً عن نشأة الكون، صالح به العلم مع الكنيسة الرومانية، بعد عقود طوال من الخصام والمواجهة. جورج لوميتر مع ألبرت أينشتاين (فاتيكان أوبسرفاتوري) في شارلروا كانت البدايات ولد لوميتر في مدينة شارلورا في بلجيكا في الـ17 من يوليو (تموز) من عام 1894، ليشغل في ترتيب أسرته الابن الأكبر بين أربعة أطفال. والده هنري جوزيف لوميتر كان حائكاً صناعياً مزدهراً، في حين والدته مارغريت تفرغت لرعاية أبنائها. أظهر جورج نبوغاً مبكراً، ومع المستوى المادي المتميز لوالده استطاع أن يلحقه في سنوات التعليم الأولى بواحدة من مدارس الرهبنة اليسوعية، “الجيزويت”، التي تعتبر أفضل حاضنة علمية منذ الصغر في الدول الأوروبية الكبرى. ظل جورج هناك يتلقى التعليم التقليدي، العلمي والأدبي، الفلسفي واللغوي، غير أن إبداعاته تبدت على الدوام في الرياضيات. التحق جورج تالياً بـ”دار الهندسة المدنية” في الجامعة الكاثوليكية في مدينة لوفان البلجيكية الشهيرة، وكان له من العمر 17 سنة ليبدأ في دراسة الهندسة المدنية. على أن ظروفاً طارئة دفعته عام 1914 ليتوقف عن دراسته ليعمل من ثم كضابط مدفعية في الجيش البلجيكي طوال فترة الحرب العالمية الأولى، وقد أظهر تفوقاً وانضباطاً كبيرين، مما جعله في نهاية الحرب يحصل على “صليب الحرب” البلجيكي المزين بأشجار النخيل. هل كانت فترة الحرب هذه فرصة تاريخية لجورج يراجع فيها ذاته، ويعيد اكتشاف توجهاته الفكرية والروحية؟ غالب الظن أن هذا ما حدث بالفعل، فقد عاد بعد الحرب ليدرس الفيزياء والرياضيات من جهة، وهو أمر يتسق مع دراساته في الهندسة بكل تأكيد. غير أن المثير والفريد هو أنه في تلك الفترة بدأ الاستعداد لأن يكون كاهناً إيبارشياً، مما يعني أنه لم يرد الانضمام إلى الرهبنة اليسوعية التي تربى في أحضانها باكراً. عام 1920 قدم رسالته للدكتوراه وجاءت تحت عنوان “تقريب وظائف عديد من المتغيرات الحقيقية”، التي كتبها تحت إشراف البروفيسور شارل دي لافالي –بوسان. بعدها بثلاثة أعوام تم ترسيمه كاهناً على يد الكاردينال ديزيريه جوزيف مرسييه، مما ترك علامة استفهام عن الدور الذي حاول جوزيف لوميتر أن يلعبه في المصالحة بين الدين والعلم. جورج لوميتر والمصالحة بين العلم والدين (فاتيكان أوبسرفاتوري) من كامبريدج إلى ماساتشوستس مع حلول عام 1923 أصبح الأب جورج باحثاً مشاركاً في علم الفلك في جامعة كامبريدج، حيث أمضى عاماً في كلية سانت أدمون، وهناك عمل مع أرثر إدينجتون وهو فيزيائي من الكويكرز (جمعية مسيحية بروتستانتية)، وعرفه إلى علم الكونيات الحديث وعلم الفلك النجمي والتحليل العددي. أمضى جورج عاماً آخر في مرصد كلية هارفرد في ولاية ماساتشوستس الأميركية، وتحديداً مع العالم شارلو شابلي، الذي اكتسب شهرة واسعة وبسبب عمله على السديم في الفراغ الكوني، وفي هذا المعهد سجل جورج في برنامج الدكتوراه في العلوم. عام 1925 كان جورج قد عاد إلى موطنه الأصلي بلجيكا ليدرس بعض المحاضرات في جامعة لوفان الكاثوليكية، وليجد متسعاً من الوقت لنشر بحث علمي في بروكسل تحت عنوان “كون متجانس ذو كتلة ثابتة ويتسع مسبباً دوران السدم خارج المجرة”. (السدم… جمع سديم وهي أجرام سماوية ذات مظهر منتشر غير منتظم مكون من غاز متخلخل من الهيدروجين والهيليوم وغبار كوني). قدم جورج في بحثه العلمي فكرته الجديدة عن كون يتمدد، لكنه حتى ذلك الوقت لم يكن قد أشار إلى نظرية الانفجار العظيم، فيما كانت هذه الحالة الأولى التي درسها تعود إلى “كون” (من الكون) أينشتاين الذي يتصف بأنه كون مستقر ذو حجم ثابت. لم تلفت هذه الرسالة انتباه كثير من الفلكيين وقت نشرها، لا سيما أنها لم تنشر بالفعل خارج بلجيكا. حتى ذلك الوقت كان أينشتاين هو المتربع على عرش العلوم الفيزيائية حول العالم وباقتدار لا يدانيه منه أحد، متسلحاً برؤيته أو نظريته للنسبية. لم يهتم أينشتاين كثيراً بالبحث الرياضي الخاص بجورج لوميتر، ويعرف القارئ أنه كان رافضاً لفكرة تمدد الكون، وقد علق على رسالة لوميتر قائلاً “إن حساباتك سليمة ولكن الفيزياء التي استخلصتها ليست واقعية”. جورج لوميتر أكد نظرية الانفجار العظين (غيتي) الانفجار العظيم والعودة لماساتشوستس هل كان لرفض أينشتاين تأثيرات سلبية في لوميتر؟ بالعكس ربما زاده إصراراً على تعميق أبحاثه العلمية، رياضياً وفيزيائياً، ولهذا وفي العام نفسه سافر إلى معهد ماساتشوستس للتقنية لتقديم رسالة الدكتوراه عن “مجال الجاذبية في كرة سائلة ذات كثافة متجانسة طبقاً للنظرية النسبية”، فنال عنها دكتوراه الفلسفة، وعين أستاذاً للفيزياء في جامعة لوفان الكاثوليكية في بلجيكا. هل كان لوميتر برسالته هذه يقطع أول خطوة في طريق بلورة رؤية واقعية ولو أولية عن قصة الكون الغامضة؟ الشاهد أنه في عام 1930 نشر عالم الفيزياء الإنجليزي السير أرثر إدنغتون مناقشة طويلة عن رسالة لوميتر، وذلك في المقالات الشهرية للجمعية الفلكية الملكية، ووصف حل لوميتر بأنه طريقة ممتازة لحل مشكلات عالقة في علم الكون. بحلول عام 1931 أعيدت كتابة المقالة الرئيسة مختصرة باللغة الإنجليزية، مقترنة بتفسيرات عدة من لوميتر على أسئلة طرحها إدنغتون، ودعي لوميتر إلى لندن للمشاركة في اجتماع الجمعية البريطانية للتقدم العلمي ومناقشة العلاقة بين الكون الفيزيائي والتدين. في تلك المناقشة اقترح لوميتر أن تمدد الكون كان من نقطة ابتدائية سماها “الذرة الأولية”، نشرها في مقالة في المجلة العلمية “نايتشر”، ووصف لوميتر نظريته بأن “البيضة الكونية تنفجر عند لحظة الخلق”، وقد عرفت تلك النظرية بنظرية الانفجار العظيم، وهي تسمية للمفارقة لم يطلقها لوميتر على نظريته، بل صاغها فريد هويل، عالم الفضاء والرياضيات البريطاني. حسب نظرية الانفجار العظيم نشأ الكون من حالة شديدة الكثافة والسخونة، حدث فيها تمدد للفضاء نفسه من قبل حاملاً معه الكواكب، مثلما ينتفخ رغيف الخبز حاملاً معه الزبيب المنثور من فوقه. وعلى رغم اعتراض أينشتاين على رؤية لوميتر فإن علماء آخرين من أمثال إدوين هابل الفلكي الأميركي، صاحب اليد الطولى في مجال استكشاف الفضاء الخارجي، أثبتوا صحة رؤية لوميتر بإعطاء دليل رصدي للنظرية، وقد أكد هابل نظرية توسع الكون ووضع قانوناً عرف باسمه وهو قانون هابل، وينص على أن “السرعة التي تبتعد بها مجرة من المجرات عنا تتناسب طردياً مع المسافة بينها وبين الأرض”. وباختصار غير مخل يرى لوميتر أن لحظة الانفجار العظيم جرت قبل 13.8 مليار سنة، الذي يعد عمر الكون، والذي كان كتلة واحدة يوم نشأته… ماذا جرى بعد ذلك؟ بعد التمدد الأول برد الكون بما يكفي لتكوين جسيمات دون ذرية كالبروتونات والنيوترونات والإلكترونات، وعلى رغم تكون نويات ذرية بسيطة خلال الدقائق الثلاث التالية للانفجار العظيم، فإن الأمر احتاج آلاف السنين قبل تكون ذرات متعادلة كهربائياً، كما أن معظم الذرات التي نتجت من الانفجار العظيم كانت من الهيدروجين والهيليوم مع القليل من الليثيوم، ثم التأمت سحب عملاقة من تلك العناصر الأولية بالجاذبية لتكون النجوم والمجرات، وتشكلت عناصر أثقل من خلال تفاعلات الانصهار النجمي، أو أثناء تحليق العناصر في المستعرات العظمى. هل من نظريات أخرى لنشأة الكون؟ قبل تطوير نظرية الانفجار العظيم كان العلماء يعتقدون أن الكون منذ البداية كان كما هو اليوم، وسيظل دائماً كذلك، وعلى رغم حديث هذه النظرية عن بعض الأمور العادية مثل تعرض النجوم للانفجار من حين لآخر، فإنها بصورة عامة ترى أنه كان نسيجاً كونياً عظيماً وظل من دون تغيير وسيظل هكذا إلى الأبد. غير أن هذه النظرية تراجعت وخفتت عندما اكتشف عالم الفلك الأميركي إدوين هابل ما يعرف بظاهرة توسع الكون، فقد ألقى هذا الاكتشاف بظلاله على الفور على فكرة الكون الأبدي، لأنه في الكون المتمدد سيكون الكون مختلفاً بصورة واضحة في الماضي عنه في الحاضر، وسيكون المستقبل أكثر اختلافاً كذلك… هل من مشكلة ما في نظرية الانفجار العظيم؟ المؤكد أنه على رغم أهمية ما جاء به جورج لوميتر فإن النظرية لا تشرح أصل كل المواد المعروفة وقوانين الفيزياء وهيكل الكون واسع النطاق فحسب، بل تفسر أيضاً توسع الكون وتشكيل عناصر الضوء ووجود الخلفية الكونية الميكروية إضافة إلى مجموعة من الظواهر الأخرى. مرة أخرى خلال القرن الـ20 ظهر منافس لنظرية الانفجار العظيم، وذلك بفضل العالم الفيزيائي السويدي هانز ألفين، الحائز على جائزة نوبل، الذي جادل بأنه يجب استبدال أمر آخر جديد بالانفجار العظيم، وهو أن القوى الكهرومغناطيسية كانت أقوى بكثير من قوى الجاذبية، لذا فإن ما نلاحظه في الكون يجب أن يفهم بصورة أفضل على أنه عواقب للكهرومغناطيسية، وليس الجاذبية، وقد شمل ذلك تطور النظام الشمسي وولادة النجوم وتوسع الكون. وقد فسر ألفين مسألة تمدد الكون والخلفية الميكروية للكون، بأن الكون يتكون من جيوب كبيرة من المادة والمادة المضادة، التي تتنافس باستمرار. تتمدد هذه الفقاعات ضد بعضها بعضاً، مما يؤدي إلى ما نعتبره توسعاً للكون وحيثما يلتقيان يتم إنشاء ضوء الخلفية الميكروية. هل هذه نظرية صامدة في مواجهة نظرية الانفجار العظيم لجورج لوميتر؟ ربما من سوء حظ ألفين أنه لا توجد طريقة لكون كهربائي يطابق جميع الملاحظات في الكون، خصوصاً قانون هابل الخاص بتمدد الكون. هل من أحد من العلماء قرب فكرة الانفجار العظيم لجورج لوميتر من أذهان العامة بصورة أو بأخرى؟ ربما استطاع شين كارول، عالم الفيزياء النظرية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا أن يكون هو هذا الصوت، وعنده أن كل شيء بدأ عند الانفجار العظيم، وهو “لحظة من الزمن وليس نقطة في الفضاء” على وجه التحديد أنها اللحظة التي بدا فيها الوقت نفسه، اللحظة التي تم حساب جميع اللحظات اللاحقة منها. وطبقاً لنظرية الانفجار العظيم نشأ الكون من حالة عظيمة الصغر وعظيمة الكثافة وعظيمة الحرارة، تسمى حالة انفرادية، ومنذ ذلك الحين يتمدد الكون، مما يعني أن الانفجار العظيم لم يكن انفجاراً حقيقياً، بل كان يعني بدء الفضاء في التوسع للخارج في جميع الاتجاهات في وقت واحد. هل يبقى سر الكون على رغم كل ما تقدم من تفسيرات لمسألة نشأة الكون سراً غامضاً ومثيراً ومحيراً، بل وقد تظهر لاحقاً تفسيرات مغايرة أو مكملة للانفجار العظيم أو بقية نظريات تفسير الكون؟ يذهب الصحافي آدم مان المتخصص في علم الفلك والفيزياء في مقالة له على موقع “لايف ساينس”، إلى أنه على رغم أن نموذج الانفجار العظيم، ينص على أن الكون كان نقطة صغيرة لا متناهية من الكثافة اللانهائية فهذه مجرد طريقة للقول إننا لا نعرف تماماً ما كان يحدث في ذلك الوقت، اللانهائيات الرياضية لا معنى لها في معادلات الفيزياء، لذا فإن الانفجار العظيم هو حقاً النقطة التي ينهار عندها فهمنا الحالي للكون. اعتراف بأهمية العلم دينياً يعرف أي باحث ملم بتاريخ أوروبا القرون الوسطى أنه جرى صدام في أوقات بعينها بين الدين والعلم، فقد خيل للبعض أن التفكير خارج إطار المعروف والموصوف، علمياً في الأقل، هو نوع من أنواع الهرطقات، وما جرى مع كوبرنيكوس وغاليليو، وربما غيرهم يؤكد ذلك. غير أن جورج لوميتر بدا وكأنه لعب دوراً عظيماً في تجسير الفجوة بين الدين والعلم، فقد رأى أن نظريته محايدة ولا يوجد بها أي صلة أو تناقض مع الإيمان. وبصفته رجل دين كاثوليكياً مخلصاً، عارض لوميتر خلط العلم بالدين، على رغم اعتقاده أن المجالين ليسا في صراع. مضت مسيرة لوميتر طويلة وعميقة، ناجزة وفاعلة، في مسار الإيمان والعلم، فقد تخلى تدريجاً عن جزء من عبء عمله في التدريس، وأنهى ذلك تماماً عندما تولى منصباً فخرياً في عام 1964، وقبل ذلك بعامين أي في عام 1962، عارض بشدة طرد الناطقين بالفرنسية من الجامعة الكاثوليكية في لوفان. والمعروف كذلك أنه أثناء انعقاد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني (1962-1965)، طلب منه البابا يوحنا الثالث والعشرين العمل في الدورة الرابعة للجنة البابوية لتحديد النسل. لكن حالته الصحية جعلت من المستحيل عليه السفر إلى روما، فقد أصيب بنوبة قلبية في ديسمبر (كانون الأول) 1964، ومع ذلك اعترض على اختياره وأخبر زميله الدومنيكاني بيار هنري دي ريدماتن أنه يعتقد أنه من الخطر بالنسبة إلى عالم الرياضيات أن يغامر خارج مجال خبرته. تبدو حياة لوميتر مثيرة للغاية، ففي نهايات أيامه كان مكرساً نفسه بشكل متزايد لمشكلات الحساب العددي، لقد كان عالماً جبرياً وآلة حاسبة رائعة. منذ عام 1930 استخدم أقوى آلة حاسبة في ذلك الوقت، وهي مرسيدس- يوكليد، وفي عام 1958 تعرف إلى جهاز Burroughs، وهو أول حاسوب إلكتروني في الجامعة. حافظ لوميتر على اهتمامه القوي بتطوير أجهز الكمبيوتر، بل وأكثر من ذلك، بمشكلات اللغة وبرمجة الكمبيوتر. توفي لوميتر في يونيو (حزيران) من عام 1969، بعد أن اكتشف إشعاع الخلفية الميكروبي الكوني الذي أتى بتأييد عملي إضافي إلى نظرية لوميتر عن نشأة الكون. لاحقاً وبحلول عام 1980 أجرى كل من آلان جوت وأندري ليندا، عالمي الفيزياء المعروفين، تعديلاً في نظرية لوميتر، بأن أضافا إليها مرحلة تضخم كوني أو انتفاخ كوني. الفاتيكان يعترف بالانفجار العظيم في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2014 لم يكن قد مضى على بابوية البابا فرنسيس سوى عام واحد، ومع ذلك كان الرجل ذو الثوب الأبيض قد فتح الباب واسعاً أمام عديد من التطورات الفكرية في دوائر الكوريا الرومانية. شهد ذلك الشهر لقاءً مهماً لفرنسيس في الأكاديمية البابوية للعلوم، وقد أعلن في اللقاء أن نظريتي التطور والانفجار العظيم صحيحتان. أضاف أن “الرب ليس بساحر يمتلك عصاً سحرية”. الخبراء من العلماء واللاهوتيين الذين قدر لهم الاستماع إلى كلمات فرنسيس قالوا إنها تضع حداً “للنظريات الزائفة”، حول الخلق والتصميم الذكي التي شجعها سلفه البابا بندكتوس السادس عشر. في ذلك اللقاء أوضح فرنسيس أن كلتا النظريتين لا تتعارض مع وجود الخالق، بل أشار إلى أنهما تتطلبان وجوده، مضيفاً “عندما نقرأ عن الخلق في سفر التكوين نتعرض لخطر التخيل بأن الرب كان ساحراً لديه عصا سحرية قادرة على فعل كل شيء، لكن الأمر ليس كذلك”. وأكمل فرنسيس قائلاً “إن الرب خلق البشر وسمح لهم بالتطور وفقاً للقوانين الداخلية التي منحها لكل منهم حتى يصلوا إلى مناهم… وأن نظرية الانفجار العظيم التي نقول اليوم إنها أصل العالم، لا تتعارض مع تدخل الخالق، بل تتطلب ذلك، كما أن التطور في الطبيعة لا يتعارض مع فكرة الخلق، لأن التطور يتطلب خلق المخلوقات التي تتطور”. هل كانت تصريحات فرنسيس هي الأولى من نوعها؟ المؤكد أن المؤسسة الرومانية الكاثوليكية التي ينتمي إليها جورج لوميتر كثيراً ما عرفت بأنها معادية للعلم، والحدث الأشهر في ذلك أنها واجهت غاليليو بعدما قال إن الأرض تدور حول الشمس. غير أن تصريحات فرنسيس هذه استبقتها أعمال تقدمية للبابا بيوس الثاني عشر (1939-1958)، الذي فتح الباب لفكرة التطور ورحب بنظرية الانفجار الكبير، التي خرجت في زمن حبريته من خلال رؤية لوميتر. أما البابا يوحنا بولس الثاني (1978-2005) فقد ذهب بعيداً وإلى مدى أبعد، إذ قال إن التطور أكثر من مجرد فرضية وحقيقة مؤكدة بصورة فعالة. وفي مايو (أيار) من عام 2017 قررت الكنيسة الكاثوليكية تعزيز التعاون بين الدين والعلم، فوجهوا دعوة إلى كبار العلماء الذين يدرسون الفلك وتطور الكون بعد أن أدرك الفاتيكان أهمية مواكبة الرؤى الدينية والإيمانية للحقائق العلمية. في هذا السياق جرت أعمال مؤتمر ضم علماء من الفيزياء الفلكية وخبراء متنوعين لمناقشة نظريات الثقوب السوداء وموجات الجاذبية والتفرد الثقالي، وفي المؤتمر عينه تم تكريم عالم الكونيات جورج لوميتر، الذي يعتبر واحداً من أهم من طرح فكرة أن الكون بدأ مع انفجار عظيم. المزيد عن: الفلكي الأميركي إدوين هابلالانفجار العظيمجورج لومترجامعة كامبريدجألبرت أينشتايننشأة الكون 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post عام 2023 يحمل “مفاجأة” في عدد سكان مصر next post دراسة تحدد اختلافات جينية مرتبطة بازدواجية الميل الجنسي You may also like غسان شربل يتابع الكتابة عن .. جمال مصطفى:... 26 نوفمبر، 2024 جمال مصطفى: مشوا تباعاً إلى حبل المشنقة ولم... 24 نوفمبر، 2024 أحوال وتحولات جنوب لبنان ما بعد الهدنة مع... 24 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: صهر صدام حسين وسكرتيره... 24 نوفمبر، 2024 كارين هاوس: مساعدو صدام حسين خافوا من أن... 23 نوفمبر، 2024 حافظ الأسد كان قلقا من أن تلقى سوريا... 21 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: بن لادن استقبل مبعوث... 21 نوفمبر، 2024 من مول استهداف ملحق سفارة أميركا لدى بيروت... 17 نوفمبر، 2024 مرافق سفير بريطانيا لدى لبنان أنقذ الأميركيين من... 15 نوفمبر، 2024 بغداد: قصة مدينة عربية بُنيت لتكون عاصمة إمبراطورية... 15 نوفمبر، 2024