جهاد الزين يكتب من بيروت عن: الثورة كما لا نقرؤها في الكتب

لقد سالت دماء كثيرة تحت الجسور في إيران العام المنصرم، والتقارير تشير أن المجتمع الإيراني رغم الضغط ورغم الجمود السياسي الداخلي كرّس مكتسبات انفتاحية تعبِّر عن نفسها تحت قشور التشدد الأيديولوجي.

النهار – جهاد الزين

مرة أخرى نتعلّم أن التغيير عموما، السياسي أو الاجتماعي لا يمكن توقعه مُنَمْذَجاً (من نموذج) في الكتب. ونحن الجيل الذي قرأ الثورة في الكتب يتعلّم اليوم في الشرق الأوسط مقارنةً بين ما يحدث في المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية، يتعلّم وسط صدمة عميقة أن تغييرا ثوريا غير مسبوق يحدث في المملكة التي تأسست على فكر هو بين الأكثر سلفيةً في الإسلام، فيقوم حاكم إصلاحي هو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من فوق بتغيير عامودي في المجتمع ويلغي مظاهر التشدد الديني السابق بقوة النظام ويفتح المجتمع على ليبرالية اجتماعية من ضمن تغييرات في الاقتصاد والسياسة بالغة التأثير.

على الضفة الأخرى من الخليج يظهر نظام سياسي جاء من ثورة في الشارع غير قادر على التغيير الاجتماعي ويستمر مكبّلا بنظم رقابة أيديولوجية صار معظم المجتمع في المدن وبين الشباب والنساء يرفضها. إنه النظام الديني الإيراني. لا بل تفاجئنا المرأة الإيرانية، وهي من أكثر فئات المجتمع تعرضاً مزمناً للقمع، منذ عام بثورة اعتراض أذهلت صلابتها العالم. صحيح أن النظام الديني نجح أمنيًا في قمعها أو الحد الدموي منها،إلا أنها تركت ندوبا بالغة في جسم هذا النظام، جعلته يستشعر بخطر ربما لم يشعر بمثله على مصيره منذ قيامه العام 1979.

لن يعود التاريخ غير المقولب في الكتب، إلى الوراء. ولا خارج الكتب. السعودية تتقدم إلى الأمام، والليبرالية الاجتماعية تتكرّس بما يدعو للإعجاب، وتخترق المرأة الإيرانية كل ثقل المحرّمات وسلفية الفكر الديني وعمائمه لتفرض على النظام تحديا وتنقلب المعايير:

من هو الرجعي اليوم النموذج السعودي أم النموذج الإيراني؟ والجواب الواضح غير المُنَمْذَج الذي حمله إلينا القرن الحادي والعشرون: الرجعية في وقت قليل صارت إيرانية.

تمر ذكرى انتفاضة المرأة الإيرانية (16 أيلول 2022) فيما الجمهورية الدينية تعيش بعض أفضل لحظاتها الجيوبوليتيكيّة من حيث احتضان الصين وروسيا لإيران وتعزيز العلاقات معها، الاقتصادية مع الصين والعسكرية مع روسيا.لذلك من ناحية العلاقات الدولية لا يمكن اعتبار النظام الإيراني مأزوما قياسا بالسابق، فهو سلّم مقدرات اقتصاده للصين في اتفاقية استراتيجية جعلت باحثا أميركيًا في “الفورين أفيرز” يشبّه ذلك باستلام الدول الكبرى في القرن التاسع عشر لمقدرات اقتصاد الأمبراطورية العثمانية. لستُ متأكدا من مدى صحة هذه المقارنة لكنها مدعاة للتفكير. كذلك ازدادت العلاقات الروسية الإيرانية العسكرية وثوقاً بعد الحرب في أوكرانيا والأجواء الدولية التي نتجت عنها.

إذن نحن أمام نظام سياسي (إيراني) مأزوم داخليا وأقل تعرضا للحصار خارجيا رغم استمرار الجزء الأهم من العقوبات الغربية والضغط الأميركي، ورغم ما يبدو عليه المشهد في منطقة سوريا العراق لبنان من حيث أن مواقع النفوذ الإيراني تتعرض لضغط إسرائيلي عسكري متواصل في سوريا وسياسي إعلامي في لبنان ورغم الانفراج النوعي الذي عبّر عنه اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل بموافقة إيرانية وإسرائيلية ورعاية أميركية واضحة.

لقد سالت دماء كثيرة تحت الجسور في إيران العام المنصرم، والتقارير تشير أن المجتمع الإيراني رغم الضغط ورغم الجمود السياسي الداخلي كرّس مكتسبات انفتاحية تعبِّر عن نفسها تحت قشور التشدد الأيديولوجي.

كانت حصيلة ضحايا انتفاضة، بل ثورة المرأة الإيرانية التي انطلقت قبل عام بعد موت الشابة ابنة ال 22 عاما مهسا أميني في مركز للشرطة بسبب مخالفتها قانون الحجاب وعدم ارتدائه، حوالي خمسمائة متظاهر ومتظاهرة (وبعض أفراد الشرطة حسب المصادر الرسمية). لقد فهم النظام الرسالة التي أرسلتها نساء إيران الشجاعات لاسيما في المدن، لكنه رد بالتشدد ولو أنه بات يعلم أن ملايين النساء بتن يرفضن فرض الحجاب عليهن.

الذي تطالب به الحركة النسائية هو حرية اختيار الحجاب أو عدمه. لا فرض الحجاب ولا فرض خلعه. وهنا يكمن جوهر الموضوع في العالم الإسلامي. ويكمن معه العنصر السياسي للمسألة التي هي بفعل ذلك رأس حربة أجندة الحريات السياسية.

‏jihad.elzein@annahar.com.lb‏

‏Twitter: @ j_elzein