الأحد, نوفمبر 24, 2024
الأحد, نوفمبر 24, 2024
Home » جهاد الزين يكتب من بيروت : التأريخ هو إعادة نظر دائمة بالتاريخ:

جهاد الزين يكتب من بيروت : التأريخ هو إعادة نظر دائمة بالتاريخ:

هل الفينيقيون مصريّون ثقافيّاً؟

by admin

 

.. ما عنى لي أساساً في دراسة شاتونيه هو فكرة المراجعة لمقولات تاريخية سائدة إلى حد انطلاق الباحثة من تساؤل جذري وهو هل كان الفينيقيون حقيقة تاريخية أم وهمية؟

النهار – جهاد الزين

في عددها ( حزيران 2023 ) خصصت مجلة L’Histoire الفرنسية ملفاً كاملا عن الفينيقيين ومن ضمنه دراسة للباحثة فرانسواز بيكيه شاتونيه تحت عنوان: “الفينيقيون، هل وُجِدوا فعلاً؟”.

لا تنفي الباحثة المتخصصة في النتيجة وجود الفينيقيين المتجمعين في مدن صغيرة للتجارة ضمن نظريتين واحدة تعتبر الظاهرة الفينيقية ممتدة بأشكال متقطِّعة على طول الساحل شرق المتوسط من خليج اسكندرون في تركيا الحالية حتى عسقلان أو حدود مصر قرب فرع النيل الشرقي. ونظرية ثانية أوضح وأضيق وأثبت، هي المدن الممتدة من جزيرة أرواد شمالا حتى عكا جنوبا، أي أوسع قليلا من الشاطئ اللبناني الحالي، وأبرزها مدن جبيل وبيروت وصيدا وصور.

رغم اعتراف الدراسة بأن الفينيقيين هم من نقلوا لليونانيين الحروف الأولية للغتهم إلا أنها تنفي وجود أي أبجدية استحدثها الفينيقيون، بل تعتبر أن حروف اللغة التي كانوا يستخدمونها آتية من مصر في حوالي منتصف الألف الثاني قبل الميلاد. إذن الفينيقيون أو من سُمِّيوا كذلك نقلوا الأبجدية التي اخترعها المصريون عبر استخدامهم لها ومن ثم علّموها لليونانيين. وهذا يطرح سؤالا لم يطرحه البحث في المجلة ولكن قد يفتح الباب عليه وهو: ألا تسمح فكرة انتقال الأبجدية المصرية إلى الفينيقيين أو تبنّيهم لها واستخدامها، بالسؤال هل كانوا إذن من الناحية الثقافية والحضارية مصريين أو في المدى الحضاري المصري، لأن استخدام أبجدية فرعونية يجب أن يعني الانتماء إلى بيئة حضارية كاملة وليس بالضرورة مجرد عملية نقل إجرائية أو عملية نقل “بضائع”؟ لكن العملية التاريخية التي قام بها الفينيقيون من حيث نقل الأبجدية إلى اليونان ربما سمحت بالفصل بين النقل والاستخدام وبين الهوية الثقافية، أي باستبعاد السؤال السابق لأن اليونانيين أخذوا حروف الأبجدية وصاغوها في لغة مختلفة وهوية ثقافية مميزة خارج المدى الحضاري الفرعوني؟

هذه أسئلة وتأملات يتيح الولوج فيها بحث فرانسواز بيكيه شاتونيه وقد تصح أو لا تصح.

وإذْ تدحض الباحثة ما تعتبره “التجليطة” الأولى وهي اختراع الفينيقيين للأبجدية فهي ترفض نظرية أنهم أول من استحدث مادة الصباغ الأرجواني و صنعوا الزجاج رغم ترجيحها براعة الفينيقيين في صناعة الأواني المزخرفة، كبضاعة luxe.

البحث في المجلة يطول حتى أنه يصل إلى التشكيك بفكرة الهوية الجامعة للفينيقيين كسكان مدن تجارية منفصلة كما بمقارنة المدن الفينيقية بالمدن اليونانية التي كانت تجتمع عبر اللغة اليونانية على هوية جماعية واحدة رغم تفتت هذه المدن اليونانية وتصارعها. بل هذه المقارنة التي تلامسها الدراسة تدفع القارئ للسؤال هل بداية الهوية السياسية اليونانية – “اللا هوية” السياسية الفينيقية هي بداية الاختلاف العميق في مقاربة السياسة نفسها؟ فالبحث يبدأ منذ مقدمته بنفي وجود أي وحدة سياسية للمشرق (الليفانت) في كل تاريخه، والفينيقيون جزء منه، بينما ساهمت الهوية اليونانية في أعرق صناعة للفكر السياسي رغم بل ربما بسبب انقساماتها التي جعلتها تختبر مبكرا جدا فكرة التحالف كفكرة محورية في النظرية المولِّدة للسياسة، حتى قال فاليري جيسكار ديستان في معرض دفاعه عن ضرورة ضم اليونان للاتحاد الأوروبي ضد المعارضين لهذا الضم، الجملة التي لا أكف عن تكرارها:”لا نقول لا لأريسطو”.

.. ما عنى لي أساساً في دراسة شاتونيه هو فكرة المراجعة لمقولات تاريخية سائدة إلى حد انطلاق الباحثة من تساؤل جذري وهو هل كان الفينيقيون حقيقة تاريخية أم وهمية؟

لا تبخل علينا الباحثة في تتبع آثارهم على الشواطئ الأوروبية والإفريقية وتخصِّص وصفاً تنقله للمؤرخ اليوناني هيرودوت من العصور القديمة عن السلوك التجاري لأهل مدينة قرطاج المدينة المفترَض أن الفينيقيين أسّسوها.

كل تأريخ يجب أن يكون إعادة تدقيق بالتاريخ. اختياري لموضوع الفينيقيين ليس اختيارا بل هو صدفة قراءتي لنص بحثي فرنسي يبدأ، كما أشرت، من سؤال حول مدى صحة وجود الفينيقيين أنفسهم كحقيقة تاريخية؟

بحث السيدة شاتونيه شيِّق عدا عن جديته القصوى، وهو رحلة في العالم القديم تحمل كل فانتازيا وأسئلة التاريخ المكتوب بل كل فانتازيا الأسئلة الجادة. وحبذا لو لدينا هذا النوع من المجلات التي تجمع الأناقة إلى الصحفنة إلى الرصانة إلى الجدية القصوى، أو لو بقي منها لدينا من محاولات سابقة جرت لإنتاج هذا النوع المتخصِّص من الصحافة.

أطل القرن الحادي والعشرون علينا في هذه المنطقة لنكتشف أن حاضرنا مأزوم أكثر بكثير وأعمق وأكثر خطورة من ماضينا أي من تاريخنا. كان القرن العشرون مسرحا لصراع هوياتنا التاريخية التي استلزمتها إعادة تأسيس دولنا بعد الحرب العالمية الأولى. حتى إسرائيل التي كان وجودها ذروة صراع الهويات في المنطقة تكاد تغرق في حاضر مشاكلها مع فارق نسجِّله لصالحها هي أنها دخلت في المستقبل العالمي بخطى علمية واقتصادية أسرع منا بأشواط.

لن ينفعنا التأريخ (بالهمزة على الألف) إذا كان حاضرنا، أي تاريخنا الآتي، مصابا بالتفكك والتخلف والانهيار. صحيح أن كل تأريخ (الهمزة على الألف)يقوم به مؤرخون جدّيون هو في العمق إعادة نظر دائمة بالتاريخ (من دون همزة)، صراع على التاريخ تشترك فيه شعوب بكاملها كما يحصل في منطقتنا. هذا الصراع يكتب مستقبلنا لكنه يبدو أحيانا وكأنه يشوِّه هذا المستقبل حين تتحوّل المحظورات إلى أساس “كتابته”.

وكما فعلت الباحثة الفرنسية والمجلة التي نشرت بحثها، يجب أن نتعوّد على الأسئلة الأكثر نفياً وبشكل مستمر لكي يكون الاستنتاج أصلب وجوديا، وحضور الجماعة أكثر تأكيدًا، وفي النتيجة، إذا جاز لي التعبير، “أشهى” ثقافيّاً.

‏jihad.elzein@annahar.com.lb‏

‏Twitter: @ j_elzein

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00