جاكسون بولوك في مرسمه (الموسوعة البريطانية) ثقافة و فنون جاكسون بولوك جسد التعبيرية التجريدية قبل أن يطلق تيارها by admin 16 نوفمبر، 2024 written by admin 16 نوفمبر، 2024 24 معرض باريسي يتابع بدايات الفنان الأميركي حين كان يسعى كي يكون بيكاسو العالم الجديد اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب حتى زمن غير بعيد كان المعنيون يعدون بدايات الفنان الأميركي جاكسون بولوك مجرد انطلاقة مرتبطة فقط بكينونته الأميركية والنيويوركية بصورة أكثر تحديداً، مما أضفى على فنه بصورة عامة سمة أميركية خالصة. بالتالي كان من الصعب توقع أن يكون ثمة ما هو أوروبي في هذا الفن. صحيح أن كثراً من النقاد ومؤرخي الفن كانوا يرون سمات ذات توجه أوروبي لديه، لكنهم لم يصلوا عبر ذلك إلى الافتراض أن أوروبيته ترتبط بأكثر من تأثر من بعد. غير أن معرضاً يقام حالياً في باريس وحتى النصف الثاني من يناير (كانون الثاني) 2025، يخبرنا بما يختلف جذرياً عما هو معتقد. يخبرنا بأن باريس قد عرفت أعمالاً مبكرة لبولوك منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية، وتحديداً أعمالاً حققها الرسام الشاب بين 1934 و1947 ومعظمها في مرحلة من تطوره الفني تواكبت مع خوضه نوعاً خاصاً به من فن التنقيط الذي سيسم بداياته الأميركية. على درب بيكاسو هذا المعرض الذي أقل ما يمكن قوله عنه إنه مفاجئ ولم يكن ليخطر في بال أحد أن يقام اليوم في متحف بيكاسو الباريسي. غير أن هذا الاختيار ليس مجانياً، بل هو مقصود لأنه إن كان يكشف عن شيء محدد فإنه يكشف أول ما يكشف عن علاقة مفاجئة بين بدايات بولوك والمراحل السابقة على تلك البدايات في فن هذا الأخير، كما أنه يحدد أخيراً ليس فقط الجذور الأساسية لفن بولوك، بل اللحظة التاريخية التي تعرف فيها بيكاسو على فن بولوك والتيار الأميركي الذي انطلق منه وصب فيه. وفي هذا المضمار نكتشف أن بيكاسو لم يسمع للمرة الأولى عن بولوك إلا بفضل زميله هنري ماتيس الذي بعث ذات يوم إلى بيكاسو وزوجته فرنسواز جيلو رسالة ينقل لهما فيها ما أخبره به ابنه بيار العامل في تجارة اللوحات في نيويورك، عن رسام أميركي جديد وفي مقتبل الشباب يدعى جاكسون بولوك لفت نظره فيه ممارسته الرسم عبر رمي الألوان على مسطح اللوحة الأبيض الملقى على أرض المحترف تاركاً لكميات الألوان أن تنتشر على المسطح على مزاجها خالقة أشكالاً وخطوطاً مدهشة. وطبعاً كما اعتاد أن يفعل في ذلك الحين سخر بيكاسو في رده على الرسالة، مؤكداً أن الأمر ليس أكثر من “صرعة” سرعان ما تختفي في سياق الصرعات التي كانت تملأ عالم الفن حينها. عالم جديد ربما كان الأمر صرعة، من النوع الذي كانه فن بيكاسو قبل 20 سنة وأكثر حينها، لكنه لم يكن من نوع الصرعات التي تختفي بعد ولادتها. هي صرعة تطورت خالقة تلك التيارات الفنية الأميركية التي أدت إلى انتشار أسماء كبيرة في عالم التشكيل الأميركي منها، بل على رأسها، جاكسون بولوك نفسه، وصولاً إلى أرشيل غوركي وراي ليشنشتاين وجاسبر جونز وغيرهم في تجريدياتهم المتنوعة من ناحية، وإدوارد هوبر ورفاقه الواقعيون الآخرون من ناحية ثانية. فلقد كان من خصوصية فن بولوك وفرادته أن هيمنت عليه نزعته الأميركية في ما كان من السهل اعتبار الآخرين، وربما بلا استثناء، أوروبيي الهوى، ولا سيما منهم أولئك الذين عملوا في نيويورك وحولها، إذ كان من الضروري انتظار إقامة المعرض الباريسي الذي افتتحنا بحديثه هذا الكلام للعودة إلى اكتشاف بنوة بولوك للفن الأوروبي من ناحية، وإلى الرد على سخرية بيكاسو مما أخبره به ماتيس عن تنقيطية بولوك من ناحية ثانية، وهي بالتأكيد سخرية ينسفها تماماً اختيار متحف بيكاسو مكاناً لإقامة المعرض الذي نحن في صدده. لوحة “إيقاع الخريف” لجاكسون بولوك (موقع الفنان) الما قبل والما بعد على أية حال يمكن النظر إلى الأهمية المطلقة للمعرض الجديد هذا من خلال أهميته التي دفعت إلى النظر بيقين إلى كونه يرد من بيت بيكاسو على موقف بيكاسو الساخر. من خلال ما ردده كثر من المعلقين خلال الأسابيع الماضية من أن تلك السخرية نفسها قد تكون مفهومة انطلاقاً مما ردده بيكاسو عند تلك المرحلة المبكرة من أنه لم يتمكن أبداً من استساغة ذلك الأسلوب الذي “طور به الفنان الأميركي ما كان قد ابتكره عدد من الفنانين الفرنسيين وعلى رأسهم جورج سورا من فن تنقيطي” وحمل منذ البداية اسماً ينوع على التعبيرية التجريدية، ولكن في المقابل تساءل المعلقون أنفسهم عما كانت نظرة بيكاسو إلى زميله الأميركي الشاب كما برز قبل ذلك يوم – كما يبدو لنا اليوم – كان لا يزال متأثراً ببيكاسو نفسه في نوع من الامتزاج بأسلوب الضواري نفسه الذي يبدو أن ماتيس كان من أكبر متبعيه؟ ومن هنا أهمية إقامة المعرض الذي هو منطلق كتابتنا هذه النبذة، وتحديداً في ذلك الصرح الفني المخصص أصلاً لكل فن له علاقة بالفنان الفرنسي – الإسباني الكبير. عميق في اللاوعي وفي نهاية الأمر هنا يبدو لنا من المؤكد أن أهم ما يلفت نظرنا في ثنايا الكتابات الفرنسية الجمة التي نشرت لهذه المناسبة مستندة من ناحية إلى أقوال بيكاسو نفسه منذ ذلك الوقت المبكر، ومن ناحية ثانية إلى جملة التحليلات التي دائماً ما غاصت في مواقف بيكاسو وتعليقاته التي غالباً ما اتسمت حينها بقدر كبير من الإيجاز العابر. ولعل هذا أهم ما يلفت في هذا السياق إنما يكمن في ما يؤكده غلاة الباحثين في شخصية بيكاسو وفنه من أن هذا الأخير قد راح ينظر بعين الجشع كيف أن نتاجه الفني قد بات منغرزاً بعمق في لا وعي الفنان الأميركي الشاب الذي بدا لديه من الواضح أنه يرسم لمجرد أن يعبر عن انتمائه إلى التيار اليانغي – نسبة إلى كارل غوستاف يانغ – في التحليل النفسي عبر وجوه خالية من الأسنان وأقنعة مرعبة تبدو كرؤوس الثيران ونظرات مهددة ولفتات معلقة في الفضاء تبحث عن خلاص ما. صحيح أن بيكاسو تعامل مع تلك العناصر كلها من ناحية بوصفها من “اختراعه” ومن ناحية أخرى كجزء من شرط إنساني لا ينظر إلى العالم بحيادية تكاد تكون بيكاسوية المرمى، ولكن بفجائعية تبدو أبعد ما يكون عن نظرة بيكاسو الساحرة. وهو ما يضعنا أمام فن هجين كان من أبرز خصائصه أنه فتح فن بيكاسو نفسه على عوالم ما بعد بيكاسو. والحقيقة أن معظم الذين يعلقون في أيامنا هذه على المعرض الجديد يؤكدون اليوم أنه لو لم يعطنا هذا المعرض غير هذا التجديد الذي يفيدنا في الغوص في فن بيكاسو من ناحية وفن جاكسون بولوك من ناحية ثانية، لكان ذلك كافياً لاعتباره أهم حدث تشكيلي في باريس عند النقطة الفاصلة بين العام الحالي وذاك المقبل تالياً له! بقي أن نذكر أن جاكسون بولوك هو رسام أميركي بارز ولد في الـ28 من يناير (كانون الثاني) 1912 في مدينة كودي بولاية وايومنغ، وتوصف أعماله بأنها تحمل طابعاً ديناميكياً عفوياً يعكس الحرية والانفعالاًت اللحظية. خلت لوحاته من العناصر التصويرية التقليدية، وركزت على الألوان والأشكال والخطوط كوسيلة للتعبير الفني. وهي أسهمت في ترسيخ مكانة نيويورك كمركز للفن الحديث بعد الحرب العالمية الثانية، وألهمت تقنياته التجريبية عديداً من الفنانين. وعلى رغم نجاحه الفني، واجه بولوك مشكلات شخصية، أبرزها إدمان الكحول، مما أثر في مسيرته وحياته التي انتهت في حادثة سيارة مأسوية عام 1956. تزوج بالفنانة لي كراسنر التي دعمت إرثه الفني، وتعد أعماله مثل “العدد 1 ألف” و”إيقاع الخريف” من أبرز اللوحات التي لا تزال تلهم النقاشات في عالم الفن الحديث. المزيد عن: الفنان الأميركي جاكسون بولوكالفن التشكيليبابلو بيكاسوالتيارات الفنية الأميركيةفن التنقيط 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post N.S. court rules in favour of creating francophone riding of Chéticamp in Cape Breton next post دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور بوند You may also like “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024 دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور... 16 نوفمبر، 2024 المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024 فرويد الذي لم يحب السينما كان لافتا في... 16 نوفمبر، 2024 يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024 بغداد: قصة مدينة عربية بُنيت لتكون عاصمة إمبراطورية... 15 نوفمبر، 2024 أهم إصدارات الكتب في بريطانيا لنوفمبر 2024 15 نوفمبر، 2024 “بناء العقل الثاني” يواجه أخطار التكنولوجيا وإدمان الإنترنت 15 نوفمبر، 2024