ثقافة و فنونعربي ثلاثة أصوات شعرية شابة تطلع من ركام الخراب اللبناني by admin 21 فبراير، 2021 written by admin 21 فبراير، 2021 24 تجارب جديدة مشبعة بالألم والخوف تتراوح بين الصرخة السوريالية والحنين الرومنطيقي والعبث اندبندنت عربية / أنطوان أبو زيد قد يسأل قارىء الشعر، اليوم، عنيت مطلع العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، على أي النقاط أو الملامح سوف يركز نظره، أو سوف يعمل تحليله ليبدي رأيه في ذاك الشعر؟ أتراه في النظم، والقوافي، وقد تضاءلت مظاهرهما حتى في الشعر الحر؟ أم يحسن به النظر في الصور الشعرية ومدى اتفاقها مع الخزين البلاغي في التراث الشعري العربي التقليدي، في حين أن الدخيل من الصور الشعرية، عبر الترجمات من اللغات الأجنبية أو قراءة الشعراء أنفسهم، ما يعصى على العد والتصنيف؟ أم يركن القارىء إلى تقصي نواحي التجديد في العبارة، والمعجم، والتراكيب، وبنى القصائد، ودلالاتها القريبة والخافية؟ ووفقاً لأي معيار؟ للإجابة أقول، لدى النظر في ثلاث مجموعات شعرية لشعراء لبنانيين شباب هم، ميشال الرائي، وعلي شمس الدين، وباسل الأمين، هي باكورة أعمالهم الشعرية، صادرة عن دار النهضة العربية (2021)، وبها يدخلون إلى ميدان الكتابة، مع نظرية الناقد الفرنسي جيرار جينيت، إن ما يجدر تسليط الضوء عليه في هذه الأعمال هو “التقنية والرؤيا”، باعتبارهما عنصري الشعر الأساسيين. وهذا يعني أن التركيز في باب “التقنية” يتم على مبينات الكتابة الشعرية الشكلية، من مثل المعجم، والتراكيب اللافتة، وأنواع الصور الشعرية، ومستويات اللغة المستخدمة، وبنى القصائد، وطبيعتها، وغيرها. كما يتم التركيز في باب “الرؤيا” على الموضوعات، ووجهات النظر، والحالات، ووضعيات الذات، والنظرة إلى العالم، والإحالة إلى مراجع أو نماذج سابقة، وغيرها مما يكون حضوره لافتاً في النصوص المقروءة. ميشال الرائي ديوان ميشال الرائي (دار النهضة العربية) بداية، لا يخرج الشاعر ميشال الرائي (اسم مستعار) في معجمه عن الخيارات التي رسمت سابقاً في الشعر الحر وقصيدة النثر، بمختلف توجهاتها الرومنطيقية والرمزية والواقعية، والواقعية الجديدة، في أن شكل كلماته من معجم الطبيعة العامة (الشجرة، والزهرة، والقمر، والشتاء، والهواء…)، ومعجم الموت المستعار من السجل الرومنطيقي العتيد (القبر، والمرقد، والميت)، معطوفاً على معجم الحالات (الشقاء، وسعادتي، والحزن، وضحكي). غير أن استخدام الشاعر، ميشال الرائي، هذه الكلمات هو الذي سوف يحدد التحول الدلالي الخاص، والمناخ الانطباعي الصادم، على ما يتكشف للقارىء. ذلك أن الشاعر سرعان ما يرفع لواء السوريالية والدادائية حيناً، من خلال الصور الشعرية ذات المزيج الغريب والمثير(“القبر زهرة جميلة في ماكينة الشتاء الأبدي” ، و “سعادتي تتعفن بالنعاس”، و”قمر قديم يستلقي على العربة”، ومرة من خلال التراكيب التي يحاكي بها النصوص الدادائية الأصلية (“أنا أنا أنا أنا أنا/ أنا شاعر/ أحب نفسي”) القائمة على تكرار كلمة أو عبارة، كما هي الحال في كتابات تريستان تزارا وجان كوكتو اللذين يهدي إليهما الشاعر قصيدة. ثم لا يني يدفع القارىء، عبر إهداءاته إلى بعض شعراء الدادائية (جان كوكتو، وهوغو بال)، وشاعر من السوريالية المتأخرة (رينه شار) وبعض الشعراء والفنانين العراقيين (عبد القادر الجنابي، وصلاح فائق، وفاضل العزاوي)، إلى أجواء هي خليط من العبث والتهكم والغنائية المواربة. وإن شاء القارىء إيجاز الرأي في رؤية الشاعر(الرائي) لقال إنه، وإن اصطنع مناخاً من الضيق الوجودي وأرسى وجهة نظر إلى الأشياء مضادة للنظرة التقليدية، بل الرومنطيقية والبرناسية إلى الطبيعة والكائنات، هي أقرب ما تكون إلى الاستنقاع ومقاربة الهشاشة (“عليك أن تزرع نفسك في مستنقعات الحقول/ تركض..”)، فإنه دعا صراحة إلى نبذ الجمالية في القصيدة (“أنا أرفضُ ببساطة/ القصيدة الجيدة”)، في ما يشكل صدى متأخراً جداً لدعوة الدادائيين الجمالية إلى نقض الشعر السابق، فلا يبقى إلا قدر من الهزء المر أحياناً والأخرق حيناً، “أضحك، أضحك/ من يضحك على جثة مدفع”. تكمل مناخاته المسحة العدمية الماثلة في تكرار لازمة ” لا شيء بداخلي” المتكررة 6 مرات في إحدى قصائد المجموعة الطويلة. ومما لا شك فيه، أن الشاعر المسمى ميشال الرائي، إذ أنجز مجموعته الشعرية الأولى، فإنه أتم بيانه أو مانيفسته الأول عبر قصائد طويلة ومقطعات وأسطر شعرية مزدوجة، يحكمها التداعي الحر اللاواعي أحياناً، ورغبة الذات في بث مشاهد الخراب والموت والحزن الناجم عن غلبة مشاهد القتل على ما عداها (“تحت كل ورقة رجلٌ مشنوق/ داخل أحلامك الكرتونية / وعلى طول نيزك طيات الشجرة تبكي”)، مختلطاً ببعض الهزء، وبصور شعرية تتراوح بين الإتقان والابتكار والتركيب. علي شمس الدين ديوان علي شمس الدين (دار النهضة العربية) وفي مقابل الغنائية المغلفة بالرؤية الدادائية والسوريالية لميشال الرائي، يرى الشاعر علي شمس الدين، من خلال باكورته أو قصيدته الطويلة ذات المقطعات الستة والعشرين (26)”هارمونيكا السفينة، نشاز الطوفان” إلى العالم، من منظار فانتازي أقرب ما يكون إلى عالم الإسقاطات النفسية المطعمة بشيء من السريالية. لا موضوع جامعاً للقصيدة، بل للمقطعات الشعرية القصيرة نسبياً (ما عدا المقطعين الأول والسادس) وإنما هي وقفات تأملية في الصداقة والحب والوحشة والعنف حيال المرأة والله العطوف والمتجاوب مع ذات الشاعر. وهذه الأخيرة مترجحة بين الذوبان في مشهدية الخراب التي لم يفلح الشاعر في رسم معالمها كاملة ، بقدر إفلاحها (الذات) في التعبير عن رعبها واستفظاعها طغيان العدوانية والعنف على أحوال البشر والمرأة ، وسيلتها الناجعة هي الصورة الشعرية المركبة، بل المشهد الشعري القائم على اللقية وما تبثه من إيحاءات للقارىء، “أصغت أختي الصغيرة للرصاص / فظنته المسيح/ ظنته غزل البنات/ فبكت”، “هل تحبين الخوخ/ والأغنيات/ والفرانسيسكو؟/ هل لديكِ أي أغنية / تحبين سماعها قبل الشنق؟”، “أدركَ/ أن في صوته ما يؤكد النهاية”، “الذين أحبهم/ أولئك/ الوردة التي ذبلتْ/ آخر ما رآه”، ” لا شيء/ سوى قلم النفوس/ الذي أخطأ في تهجئة الموت فسماه الولادة”، “ورطة كبرى/ يدي شبت عليكِ/ قلبي شب عليكِ/ والماء شب عليكِ”.،”حدد الوقت/ سيأتي من يقتلك”، “الوحدة جاءت إلي / برأس مقطوع”). الجديد في القصيدة الطويلة هذه، للشاعر علي شمس الدين أنه اصطنع لها بنية الحوار المسرحي الدرامي اليوناني، حيث للكورس مكانة مهمة تقضي “باختصار المواقف الدرامية في المسرحية وإعانة الجمهور على متابعة الأحداث”، فبعد أن يستهل الشاعر قصيدته بتمهيد شعري شبيه بالموزون” دال على المناخات التي ينوي استحضارها لاحقاً (“آخر ما يتركه الدف على الأقدام/ ترقص أو تنحدر تحت الثوب/ ذئاب الريح بأنياب تجرح..”)، يفتتح حوارات الكورس، “كورس / الأمهات للأبناء، لا تغيبوا وارجعوا / في حطب النيران”. كورس المغني، “يا طلل / داري الصحارى”. وباختصار شديد، يمكن قارىء مجموعة علي شمس الدين، بل قصيدته الطويلة، أن يستخلص زبدة أسلوبه. لقد أخرج الشاعر صوته، في ذات متقلقلة، موجوعة مما ينتاب العالم عالمها القريب وبشرها الأقربين، مغلفاً كل ذلك بدراما الخراب الكوني الذي لن تقوى على الخلاص منه، “لن أنجو، أنا ذاهب إلى الحانات والمقابر/ وتذكري بعد الطوفان / أني كنت اليمامة”. باسل الأمين ديوان باسل الامين (دار النهضة العربية) أما باسل الأمين، صاحب الصوت الثالث في مجموعته الشعرية (جميع هذه المجموعات الشعرية صادرة عن دار النهضة العربية للعام 2021) بعنوان “ظل يظن نفسه شخصاً”، فيسلك مسلكاً مختلفاً عن زميليه، وإن يكن داخل بوتقة قصيدة النثر العربية الواسعة الطيف. وأول مظهر اختلاف يتجلى في اختياره ثيمة اليد مغزلاً دلالياً أكبر، منه يستل الشاعر خيوط قصائده، واحداً بعد آخر، حتى يأتي على ثمان وثلاثين قصيدة من المجموعة. أما القصائد الثماني والعشرون الباقيات فتتوزع بين انشغالات الكائن العادي (في المعاناة، والتعب، والملح، وغيرها) وبين تأملات يسعى فيها الشاعر إلى سبر أعماق لا يبلغها التفكير المألوف وتطاول هوية الكائن الشاعر ومقدار تمايزه عن سائر البشر العاديين (مثل الابتسام واعتباره شعراً، والوقت سمسار الحياة، والإسراف، وهزيمة الكائن على الرغم من حيازته “عقل المصارع”، والموت بمختلف أوجهه، وقبر المهزوم، وغيرها). وكل ذلك مصوغ بلغة نثرية مرسلة، وبتراكيب جُمَلية لا ذرى انفعالية تقطع جريانها، أو السرد والوصف والتعليل القائمة فيها، على سبيل المثال، “المصارعون والمحاربون والقتَلة / كانوا جميعهم يمتلكون الوسامة اللازمة/ لإيقاع ضحاياهم بفخ الهزيمة / إلا أنتَ”. أو، “إنك لستَ هي/ لكي تستلقي مثلها/ ظنا منكَ أنك بذلك / تستحضر وجودها الغائب”. ولئن اختار الشاعر ألا يكون بليغاً (“لا أريد أن أكون بليغاً / أريد فقط أن أتمكن من الكلام”)، في نوع من الانسجام مع اتجاه زميليه السابقين، فإنه آثر، على ما أسلفت، الاندفاق النثري العادي، على المحطات الأسلوبية التي يمكن أن توسم بالبليغة، ومنها المداورات، أو التضاد، أو أي شكل من المجانسات. في حين كانت الصور الشعرية ماثلة في نصوصه، ولكن بالنزر اليسير الذي تسمح به الإطالات التعليلية السالفة. حسبُ الشاعر أن الصور الشعرية، وإن كانت قليلة نسبياً، سوف تكون كفيلة وحدها ببث الشعرية في نسغ الكلام، نظير قوله، “الأيدي تنمو في القلب”، “لوحي كأن بيننا زجاجاً سميكا يملأه ضباب أفواهنا”، و”كف للحب وكف للحياة”، أو ” أشعر كأني جرار قديم مركون قرب حقل منسي”، أو “الحب معطف الحياة/ الحب مشتل زهور”، أو “الحقيقة التي تشبه خفاً نخلعه/ أمام باب رؤوسنا”، أو “ينسى مثل مرفأ/ يودع مثل سفينة”… في شعر باسل الأمين، ذات كائن يود أن يحقق مصالحته مع العالم، ومع المرأة الحبيبة، ومع هويته المزمع تكوينها عبر “الكلام” الذي يشد أطرافه وتر بسيط من الغنائية الأولية، ورومنسية التأمل غير الشقي والشاكي وحدته ونار حبه، “حكي يدي بأظافرك/ إن لي قلباً هناك / يحتاج من يحكه/ من يمسح عنه/ وحدته الطويلة”. المزيد عن: شاعر لبناني/شعر/انفجار مرفأ بيروت/قصائد/السوريالية/العبث/الرومنطيقية/الواقعية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “استسلام” المسرحية التي كتبها فاغنر وراح يبحث عن ملحن لها! next post كيف استُخدمت شبكات الهاتف المحمول لتحديد مكان الأميرة لطيفة – صنداي تلغراف You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.