الجمعة, مارس 14, 2025
الجمعة, مارس 14, 2025
Home » توماس مان يتلمس صعود الفاشية بين زعيم مخادع وجموع مخدوعة

توماس مان يتلمس صعود الفاشية بين زعيم مخادع وجموع مخدوعة

by admin

 

ماريو والساحر” الرواية التي كتبت كمحصلة لنقاش صاخب بين الكاتب الألماني وأخيه

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

خلال النصف الثاني من عشرينيات القرن الـ20، دار سجال عنيف بين الكاتبين الشقيقين هاينريش وتوماس مان. وكان الأول هو الذي بادر مهاجماً أخاه، الكاتب الألماني الأشهر في ذلك الحين، لأن هذا الأخير لم يكن قد تلمس بعد أخطار صعود الزعامة النازية في وقت كانت تلك الأخطار تفقأ كل العيون. بالنسبة إلى هاينريش الذي كان كاتباً تقدمياً من الناحية السياسية، كان عيب توماس أنه، حتى وإن كان أشار إلى الفاشية وتأثيرها في الناس في بعض كتاباته، فإن الإشارات أتت دائماً مبهمة لا يمكن للقارئ تلمسها بسهولة، ومن ثَم فإنها غير مفيدة في المعركة الفكرية التي كان يجدر بكل مثقف ألماني وغير ألماني شريف أن يخوضها ضد صعود فكر يخدر الجموع ويحولها إلى قطيع أغنام ينصت إلى الزعيم ومساعديه كالمنوم مغناطيسياً، ويطيع أوامره من دون تبصر حتى ولو أمره أن يذبح نفسه. كان هنا، في هذه النقطة من العلاقة بين الزعيم المخادع والشعب المخدوع، يكمن خطر ديكتاتورية النازية في رأي هاينريش مان، كما في رأي جمهرة كبيرة من المتنورين والتقدميين والديمقراطيين الألمان في ذلك الحين. فالزعيم الفاشي لا يولد هكذا ولا يحكم بمفرده، بل هو يحكم مستنداً إلى غفلة جمهوره الموالي له من دون تبصر. طبعاً كان توماس مان عبر عن هذا الواقع في بعض ثنايا “الجبل السحري” (1924)، لكن التعبير داخل “الثنايا” ليس كافياً، إلا في مجال إراحة ضمير الكاتب. وفي ظل صعود الفاشية والنازية وأكاذيب الزعيم وضروب خداعه، المطلوب هو أكثر من ذلك بكثير: المطلوب الوضوح وإيصال الرسالة إلى الجمهور العريض.

موافقة مواربة
كان ذلك هو فحوى السجال. وكان كثر يرون أن هاينريش محق في موقفه. وتوماس مان ما لبث أن وافق على هذا لاحقاً، وإن كان في شكل موارب، كان ذلك حين نشر عام 1929، قصته الطويلة “ماريو والساحر” التي ستعد، من ناحية، استجابة لمطلب هاينريش، ومن ثَم من الناحية الثانية أكثر روايات توماس مان سياسية ونضالية. والحقيقة أنها كانت على ذلك النحو، إلى درجة أنها ستكلف كاتبها ثمناً باهظاً بعد أعوام قليلة، حين استتبت السلطة لنازيي هتلر، وكان من بين أبرز الكتب التي أحرقوها ما إن صاروا في الحكم (“ومن طريق الانتخابات الديمقراطية، من فضلكم!”، كما كتب توماس مان ساخراً)، “ماريو والساحر” التي لم ينسوها أبداً. ونعرف أن توماس مان اضطر إثر ذلك إلى الفرار إلى سويسرا ومنها إلى الولايات المتحدة هرباً من النازيين، مما يجعل كتابته “ماريو والساحر” نقطة انعطاف في تاريخه.

رواية ذات خصوصية
في أيامنا هذه، قلة من النقاد والدارسين، فحسب، تعد “ماريو والساحر” عملاً كبيراً لتوماس مان. والحقيقة أن هذه القصة الطويلة ليست في قوة “الدكتور فاوستوس” أو “الجبل السحري” أو “الموت في البندقية”، لكنها مع هذا ذات خصوصية لا تنكر لأنها أتت في ذلك الحين عملاً يسعى، وينجح في ذلك، إلى فضح، ليس الديكتاتور النازي المتعنت، بل الطريقة التي تصاغ فيها علاقته بالجمهور. وحتى إن كنا نعرف أن مان لم يكن الأول ولن يكون الأخير الذي يتناول هذا الموضوع السياسي الشائك، من خلال الاشتغال على قضايا السحر والإبهار، في شكل مركز، فإننا نعرف أن عمله كان وسيظل الأقسى في هذا السياق. ونذكر في هذا المجال أن الباحث الألماني سيغفريد كراكور، أفرد في كتابه المرجعي “من كاليغاري إلى هتلر” صفحات عدة يتحدث فيها عن رمزية الساحر المشعوذ في مجال السيطرة على الناس ودفعهم إلى فعل ما يريده منهم وهم منومون مغناطيسياً، كما مثلاً في فيلم “عيادة الدكتور كاليغاري”. والحال أن هذا الموضوع نفسه هو الذي اشتغل عليه توماس مان في كتابته لـ”ماريو والساحر”، علماً أن هذه القصة تبدو مستكملة لبعض أجواء وردت في “الجبل السحري” إنما مواربة وفي شكل غير منظور.

غلاف “ماريو والساحر” (أمازون)

 

أحداث لدى الجيران
وهنا لا بد من الإشارة أولاً إلى أن توماس مان، على رغم إشارته الواضحة إلى أن الوضع في ألمانيا، حيث استحواذ هتلر على عقول الناس كان كبيراً وينذر بكل ضروب الدمار المقبل، كان هو ما يشغل باله أي بال توماس مان في هذه الرواية، فإنه آثر أن يجعل الأحداث تدور في إيطاليا، كما هي الحال في أعمال أخرى له من بينها، طبعاً “الموت في البندقية”. وعلى هذا النحو تصلنا الفصول الأولى من “ماريو والساحر”، من طريق راو يصف رحلة إلى منطقة توري دي فينيري الإيطالية، يقوم بها لكنها لا تلبث أن تفسد بالنسبة إليه وإلى عائلته… والسبب أنه سرعان ما يلاحظ أن معظم أفراد الشعب الإيطالي الذين يلتقيهم خلال رحلته، صاروا غارقين في نزعة قومية عمادها الأول كراهية الأجانب. لا سيما حين يصغي الشعب بكثرة إلى الزعيم وهو يتحدث، في شكل صاخب وكاريزمي، حديثاً ديماغوغياً ممتعاً، يسهب فيه في وصف مزايا جماعته وانتصاراتهم على تآمر العالم ضدهم. وهنا ما إن ينتهي هذا النصف الأول من القصة، حتى يبدأ القسم الثاني الذي يبدو للوهلة الأولى غير ذي علاقة إطلاقاً بالنصف الأول. إذ هنا تظهر في الرواية شخصية تشيبولا، كمنوم مغناطيسي يستخدم قواه السحرية، بطريقة تهدف للسيطرة على جمهوره. وإذ تتتابع الأحداث تظهر شخصية أخرى، هي شخصية الشاب ماريو ابن المنطقة الذي ينتهي إلى قتل الساحر بعدما يتيقن من أن ثمة شراً كبيراً وخطراً مقبلاً في خلفية ممارساته. ومن هنا لا يعود قتل تشيبولو على يد ماريو جريمة أو مأساة، بل مجرد خطوة تحمل الحرية إلى الجمهور المسحور الذي بات واضحاً أنه، تحت تأثير الزعيم الساحر، صار مستعداً ليس فقط للتضحية بالآخرين وللانقضاض على الخصوم إن طلب منه زعيمه الساحر فعل مثل هذا الأمر، بل هو مستعد للتضحية بنفسه أيضاً كرماً لعيون ذاك الذي سحره.

مكانة إضافية
هذا هو باختصار موضوع “ماريو والساحر”، هذا النص الذي كان هاينريش مان أول الذين أثنوا عليه، مثبتاً لشقيقه من ناحية بأنه سيعطيه مكانة إضافية في مسرح الأدب العالمي، ومن ناحية ثانية بأنه سيورطه مع النازيين. والحقيقة أن نبوءة هاينريش مان هذه، تحققت في شقيها. لكن الأهم من هذا أن توماس مان، بدا بها عريقاً في الكتابة عن الفاشية والزعامة التي تعتمد تخدير الجمهور وخداعه للاستحواذ عليه. ومن هنا، لأن الفاشيين الإيطاليين كانوا وصلوا إلى الحكم في بلادهم قبل وصول نازيي هتلر إلى الحكم في ألمانيا، سارع الإيطاليون إلى منع الرواية إذ ترجمت من فورها إلى الإيطالية. أما النازيون الألمان فقد كانت “ماريو والساحر” من أول الكتب التي منعوها ثم أحرقوها ما إن وصلوا إلى السلطة في عام 1933، والحقيقة أنهم فعلوا هذا لأن الرواية بدت مؤذية لهم خلال الأعوام التي فصلت بين صدورها ووصولهم إلى الحكم، إذ إن تعرية مان فيها لآلية هيمنة الزعيم على الجمهور بدت قوية ومقنعة، بحيث إن كثراً من الدارسين والمعلقين رأوها تنطبق على هتلر وموسوليني ولكن كذلك على ستالين، ثم على فرانكو حتى وإن كان هذا لم يصل إلى السلطة إلا أعواماً بعد صدور الرواية. ولعل قراءة “ماريو والساحر” في أيامنا هذه، تضيف أسماء أخرى كثيرة إلى ما ذكرنا، أسماء زعماء حديثين ومعاصرين، وصلوا إلى السلطة أو لم يصلوا إليها بعد.
إذاً تحتل “ماريو والساحر” مكانة أساسية ومهمة في مسار تطور الكاتب الألماني توماس مان، الذي حاز جائزة نوبل للآداب عام 1929 عام صدور هذه الرواية وربما بتأثير منها، حتى وإن كانت لجنة نوبل ركزت على ذكر رواية سابقة له هي تحفته “آل بودنبروك” (1901) في حيثيات منح الجائرة، ومع هذا فعلينا ألا نغفل هنا عن واقع أن “ماريو والساحر” لا يمكن اعتبارها العمل السياسي الوحيد في مسار توماس مان (1875 – 1955) الروائي، إذ إن قراءة معمقة لمعظم أعماله تضعنا أمام مواضيع سياسية، قد تكون أحياناً ملتبسة، لكنها في جوهرها قوية من الناحية السياسية.

المزيد عن: هاينريش مانتوماس مانالنازيةالفاشيةأدولف هتلر

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili