تحذيرات من عودة شبح الحرب الأهلية لليبيا

وكيل وزارة الخارجية السابق يقول إن الوضع في طريقه نحو الانهيار

اندبندنت عربية / كريمة ناجي صحافية @karimaneji

أحيت تحركات عسكرية وانقسامات سياسية جرت أخيراً في ليبيا فرضية عودة شبح الحرب الأهلية، حيث شهدت منطقة الحرشة بمدينة الزاوية ليل الأحد إطلاق نيران من أسلحة متوسطة وثقيلة، كما شهدت منطقة كمون بمدينة غريان اشتباكات مسلحة، ونقلت وسائل إعلام محلية تحركات لرتل مسلح من مدينة الزنتان تجاه العاصمة الليبية طرابلس، التي تشهد بدورها منذ مدة حشوداً مسلحة من طرف قوات تابعة لمدينة مصراتة، مسقط رأس رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة.
وزاد من التوترات الأمنية في القطب الغربي لليبيا غليان القطب الشرقي وانتقادات حقوقية لقائد القوات المسلحة في الشرق المشير خليفة حفتر وأبنائه، على خلفية ظهور عضو البرلمان الليبي النائب إبراهيم الدرسي، المغيب قسراً منذ مايو (أيار) 2024، في مقطع فيديو وهو مقيد بالسلاسل ويناشد صدام حفتر الإفراج عنه.

وضع منهار

ويغذي الانشقاق السياسي داخل المجلس الرئاسي الذي يقوده محمد المنفي، على خلفية إصدار الأخير ثلاثة مراسيم خاصة بالمحكمة الدستورية ومؤتمر المصالحة وتشكيل مفوضية الاستفتاء، مؤشرات الانهيار الأمني والحقوقي في البلاد، فقد قسمت هذه المراسيم الثلاثة المجلس الرئاسي على نفسه، إذ عارضها عضو المجلس عبدالله اللافي واصفاً إياها بالانفرادية، وقال إنها لا تعبّر عن موقف المجلس مجتمعاً، ومؤكداً أنه لا تترتب عليها أية آثار دستورية أو قانونية، فيما قالت اللجنة القانونية في مجلس النواب إنها باطلة وتعد انتهاكاً للسيادة الوطنية.
من جهة أخرى دفع الانسداد السياسي والتوتر الأمني وكيل وزارة الخارجية السابق حسن الصغير إلى القول إن الوضع أصبح أكثر هشاشة وعلى حافة الانهيار، وأكد في حديث إلى “اندبندنت عربية” أن “تقلص فرص الوصول إلى حل ينهي الانقسام السياسي والعسكري، إضافة إلى تفاقم تنازع المراكز المكتسبة للمجموعات المسلحة، وزيادة وتيرة الصراع بينها في ظل غياب قيادة سياسية حقيقية وفاعلة، بسبب عدم وجود أهداف مشتركة أو نقاط ارتكاز قيمية بين أطراف الصراع الأطراف، كل ذلك يعزز عودة شبح الحرب”، وهو رأي يشاطره إياه الباحث في الشأن الليبي عبدالله الكبير، والذي لفت إلى أن “الاضطرابات في ليبيا تزداد بسبب التطورات السياسية والأمنية والانهيارات الاقتصادية الأخيرة، ففي طرابلس يتزايد نهب مؤسسات الدولة، في إشارة إلى صفقات الفساد التي ظهرت أخيراً في كل من وزارة الصحة ومؤسسة القابضة للاتصالات، بالتزامن مع تصاعد التوتر بين الميليشيات، إضافة إلى موجة الغضب العالية التي خلفها فيديو تعذيب النائب إبراهيم الدرسي، مع استمرار الانتهاكات الحقوقية في سجون حفتر، إضافة إلى تواصل انتهاك روسيا السيادة الليبية بنقلها أسلحة إلى ليبيا عبر مطارات وموانئ الشرق الذي يسيطر عليه حفتر”، مضيفاً أن “كل هذه التطورات قد تدفع الوضع إلى الانفجار إذا لم تتحرك بعثة الأمم المتحدة وتقود مساراً واضحاً نحو حل سياسي عماده الانتخابات”.

مشهد ضبابي 

من جهته علق الكاتب السياسي المصري علاء فاروق على الوضع الليبي الحالي بالقول إن “ليبيا تشهد الآن حالاً من الاحتقان الشديد، بخاصة على المستوى السياسي بعد الأزمة الأخيرة بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب إثر المراسيم السياسية التي أصدرها رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي والتي تقضي ببطلان بعض القرارات التي اتخذها البرلمان عام 2021″، واصفاً المشهد بالضبابي الذي زادته قتامة انقسامات المؤسسات الموجودة في الساحة الليبية.

وفي ما يتعلق بالحشود المسلحة التي تتوافد على طرابلس، قال فاروق إن “أي حشد أمني من مدينة مصراتة الواقعة وسط ليبيا والتي تبعد عن العاصمة نحو 200 كيلومتر، تجاه طرابلس عادة ما تتبعه مناوشات واشتباكات يكون عنوانها السيطرة والنفوذ”، متابعاً أن “الأمر الآخر الذي يصب في خانة تدهور الوضع في ليبيا هو الدعوات إلى التظاهر التي خرجت ضد حكومة الدبيبة في كل من طرابلس ومصراتة، وضد الفساد وتجاوزات أخرى عدة تتعارض وسيادة ليبيا”.

ونوه الكاتب السياسي المصري إلى أن “المشهد الأمني والسياسي الليبي في حال ضبابية قد تصل إلى الجمود وانحدار الأمور إلى فوضى، من المرجح أن تنتج منها عودة الاقتتال بين المجموعات المسلحة غرباً وشرقاً، إضافة إلى انهيار الوضع الأمني في المنطقة الجنوبية وبخاصة بعد حرب السودان، والأزمة الأخيرة بين الجزائر ومالي”، مشيراً إلى أنها تطورات تأتي في ظل انشغال المجتمع الدولي بقضايا أخرى مما أبعد ليبيا عن دائرة الاهتمام في هذا التوقيت”، مستدركاً أن “مخرجات اللجنة الاستشارية التي رعتها الأمم المتحدة للدعم في ليبيا قد تنقذ ما يمكن انقاذه في المشهد الليبي الذي يعاني انقساماً سياسياً وأمنياً واقتصادياً منذ سقوط نظام القذافي عام 2012”.

مجرد مناوشات 

وفي المقابل عارض رئيس تحرير صحيفة “الحياة” الليبية محمد الصريط الآراء التي ذهبت إلى القول بعودة شبح الحرب الأهلية لليبيا، ورأى أن “الحديث عن مؤشرات انهيار الوضع في ليبيا لن تحدث إلا في حال واحدة وهي وجود مشكلات داخل المعسكر الغربي”، لافتاً إلى أن “المراسيم الصادرة عن المجلس الرئاسي ليست سبب الاحتقان الحالي لأنها تستهدف أساساً برلمان شرق ليبيا”، مؤكداً أنه “لا يمكن الحديث عن انقسام المجلس الرئاسي على نفسه لأن الخلاف واحد من أصل ثلاثة أعضاء، فعضو المجلس الرئاسي موسى الكوني يتفق مع المنفي حول المراسيم الصادرة عنه، بينما يبقى الاختلاف الوحيد مع عضو المجلس عبدالله اللافي الذي أصبح يغرد خارج السرب، لأن القواعد التي بني عليها المجلس الرئاسي هي صوتان بصوت، وبما أن هناك توافقاً بين المنفي والكوني فسيمر القرار ويبقي اللافي معارضاً لوحده، وبالتالي فالقرار أصبح شرعياً”.
وأردف الصريط أن “ما يحدث مجرد مناوشات مسلحة، لأن اقتحام طرابلس في معركة أخرى أمر مستبعد، فإدخال العاصمة في دوامة الحرب الأهلية من جديد سيجهز على الدولة الليبية لأن الدول تحكم من عواصمها”.

يشار إلى أنه يوجد في ليبيا نحو 29 مليون قطعة سلاح خارج الأطر القانونية، وفق تقديرات أممية ودولية، إضافة إلى أكثر من 300 ميليشيا مسلحة خارج إطار الشرعية، فيما يتنافس على الحكم حكومتان، واحدة في الغرب برئاسة عبدالحميد الدبيبة، والثانية في الشرق بقيادة أسامة حماد، وحالت الانقسامات السياسية والأمنية دون إجراء انتخابات وطنية تنهي المراحل الانتقالية التي غرقت فيها الدولة الليبية منذ عام 2011.

المزيد عن: ليبياالحرب الأهليةمحمد المنفيمجلس النواب الليبيخليفة حفترصدام حفترالزنتانمصراتةطرابلسعبدالحميد الدبيبة