بوتين مستقبلاً نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في موسكو، في 7 ديسمبر 2023 (سبوتنيك أ ف ب) عرب وعالم تاريخ من العداء المتبادل وضعف الثقة يبطئ اندفاعة التحالف الروسي- الإيراني by admin 25 يناير، 2024 written by admin 25 يناير، 2024 57 التعاون مع دولة شبه منبوذة في المجتمع الدولي يحرم موسكو بطريقة أو بأخرى من “القدرة على المناورة” الدبلوماسية اندبندنت عربية / سعيد طانيوس صحفي لبناني منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في عام 2022، ازدهرت على نحو ملحوظ العلاقات الثنائية بين روسيا وإيران، ولوحظ هذا الازدهار في جميع مجالات التعاون بين الدولتين، لكن السؤال الذي كان وما زال يطرح نفسه على موسكو وطهران في الوقت نفسه، يدور حول طبيعة هذا الازدهار، ومستواه، ومدى استراتيجيته، وما إذا كان موقتاً أم دائماً؟ من الواضح أن المحرك الرئيس لتطور العلاقات الكمّي والنوعي بين البلدين، هو الأزمة الأوكرانية وما تلاها من عقوبات فُرضت على روسيا الاتحادية من قبل دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرها، والتي حدت بشكل كبير من الدائرة السياسية للتفاعل الروسي. فمن ناحية، سيؤدي تحسين العلاقات مع إيران إلى تحييد عواقب العقوبات نسبياً، بخاصة أن البلدين يقعان تحت وابل من حزم العقوبات المتواترة والمتصاعدة، وهذا ما يجعلهما لا يأبهان لأي عقوبات ثانوية يمكن أن تُفرض على أحدهما. لكن، من ناحية أخرى، فإن هذا التعاون مع دولة شبه منبوذة في المجتمع الدولي، يحرم روسيا بطريقة أو بأخرى، من “القدرة على المناورة” الدبلوماسية، وهو ما يمكن أن يكون له تأثير سلبي للغاية على العلاقات مع الحلفاء المحتملين في منطقة الشرق الأوسط وفي كل أنحاء العالم الأخرى، ويزيد من تعقيد استعادة موسكو لعلاقاتها مع أوروبا وأميركا والدول الغربية عامة، أكثر مما هي معقدّة في الوقت الراهن. تعاون واتفاقات طويلة الأجل خلال الزيارات العديدة المتبادلة بين مسؤولي البلدين خلال العامين المنصرمين، والتي كان منها زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو لطهران في سبتمبر (أيلول) الماضي، وتلتها زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى موسكو يوم 7 ديسمبر (كانون الأول)، أكدت روسيا وإيران تصميمهما على الكشف عن “اتفاقية تعاون استراتيجي” جديدة مدتها 20 عاماً في المستقبل القريب. ووقعت طهران وموسكو أول اتفاقية من هذا النوع في عام 2001، لكن صلاحيتها انتهت. ويقول الخبراء إن الاتفاقية المقبلة التي تبلغ مدتها 20 سنة من المرجح أن تركز ليس فقط على التعاون الاقتصادي الأعمق، ولكن أيضاً على العلاقات العسكرية، كما يتضح من التعاون الروسي- الإيراني المتزايد في هذا المجال. وأثناء زيارته لطهران واجتماعه مع نظيره الإيراني أعلن شويغو إن التفاعل بين البلدين وصل إلى مستوى جديد والحوار بينهما يتطور “بشكل مكثف وخاص”. وأول غيث هذه الزيارة والاتفاقية الطويلة الأجل بين البلدين، كان التوقيع في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على صفقة تسلح كبيرة تشتري طهران بموجبها من موسكو مروحيات “مي 28” الهجومية، ومقاتلات “سو-35” من الجيل الرابع، وطائرات “ياك 130” التدريبية، وقعّ عليها نائب وزير الدفاع الإيراني مهدي فرحي، عند زيارته روسيا. ولم تكن إيران استثناءً من اتجاه تزايد حجم التجارة بين روسيا والدول “الصديقة”، بعد فرض العقوبات الغربية على موسكو، ففي الأشهر التسعة الأولى من عام 2023، ارتفع حجم التبادلات التجارية بنسبة 30 في المئة. وأكد سفير الجمهورية الإيرانية لدى الاتحاد الروسي، كاظم جلالي، أن كلا البلدين مصممان على زيادة هذا الرقم في المستقبل. ومن بين أقرب الفرص “لدراسة جميع المشاريع التي يجري تنفيذها بين البلدين”، يُعقد المنتدى الاقتصادي الثالث لبحر قزوين في طهران، ويشارك فيه رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين. وفي المجال المصرفي أعلن رئيس مجلس الإعلام في الحكومة الإيرانية، سبهر خلجي، عن ربط البنوك الإيرانية مع أكثر من 100 من البنوك الأجنبية بمساعدة من روسيا. وأكد خلجي أن “أكبر ميزة لهذا الإجراء هي عدم التأثر بالعقوبات الغربية” المفروضة على إيران، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن “الأنظمة الوطنية للبنكين المركزيين لإيران وروسيا مرتبطة ببعضها البعض”. ومن أهم مشاريع التعاون في مجال الطاقة، هو موضوع الدخول في عمليات مبادلة للغاز بين البلدين، بحيث تستقبل إيران الغاز الروسي عبر تركمانستان، وتقدم الكمية ذاتها لروسيا أو للشركات الروسية نفسها أو لعملاء الشركات الروسية في الجنوب، وهذا يساعد روسيا على الالتفاف على العقوبات الغربية، بخاصة في مجال تجارة الغاز العالمية التي تُعتبر ذات حساسية خاصة. في السياق، أعلنت إيران في نوفمبر الماضي أنها أبرمت عقداً مع روسيا لتزويدها بأربعين توربيناً بهدف مساعدتها في مجال صناعة الغاز، في ظل العقوبات الغربية المفروضة على موسكو بعد غزوها أوكرانيا. وذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” إن “رجال الأعمال الروس المتضررين من العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، جراء حرب أوكرانيا، يسعون للحصول على دروس من إيران لتجاوز أثر تلك العقوبات”. وأضافت الصحيفة، في تقرير نشرته في يونيو (حزيران) 2022، أن “الخبرة الإيرانية في الوصول إلى السوق السوداء العالمية أصبحت موضع طلب، حيث تقدم الحرب في أوكرانيا فوائد غير متوقعة”. علاقات معقدة على رغم أن العلاقات الروسية- الإيرانية لها تاريخ طويل جداً، تعود بواكيره إلى القرن السادس عشر، إلا أنها لم تكن دائماً صافية ومفيدة لكلا البلدين. وليست فقط الحروب الروسية- الفارسية التي أصبحت تاريخاً، ولكن قبل كل شيء، العلاقات المتناقضة بين الاتحاد السوفياتي وإيران الشاهنشاه، ثم الاتحاد الروسي مع الجمهورية الإسلامية في السنوات الثلاثين الماضية، تجعل العديد من المراقبين يفكرون في ما يدفع التعاون الثنائي الإيراني- الروسي اليوم، وما حدود تعميقه من وجهة نظر موسكو وطهران ونخبهما السياسية. على مدى العقود القليلة الماضية، كانت لدى إيران وروسيا علاقات تجارية في مجال الطاقة، وبعض العلاقات الاقتصادية، ولكن تعاون الدولتين كان منصباً بشكل أساس في القضايا النووية والعسكرية. هناك إمكانية واسعة للتعاون العسكري بين الدولتين، والتي، كما نعلم، توسعت بعد الحرب الروسية على أوكرانيا بسبب حاجة روسيا إلى مزيد من الطائرات الإيرانية المسيّرة التي أثبتت فعاليتها في ميدان الحرب ضد أوكرانيا، وكذلك حاجة طهران لتجديد أسطولها الجوي سواء من الطائرات المقاتلة أو طائرات التدريب أو المروحيات، إضافة إلى محركات الصواريخ طويلة المدى. وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، إن التعاون العسكري الروسي مع إيران لن يخضع للضغوط الجيوسياسية، وذلك في أعقاب تقارير أفادت بأن واشنطن طلبت من طهران التوقف عن بيع طائرات مسيّرة لموسكو. من جهتها، وجدت إيران فرصة مهمة أخرى للتحالف مع موسكو، فبالنسبة إلى طهران صار يمكنها الاعتماد على حق النقض الذي تتمتع به روسيا في الأمم المتحدة، والاستفادة من التحول الرقمي. وأدوات المراقبة التي توفرها روسيا لإيران، بخاصة في مجال الأمن الداخلي، والأهم من ذلك، استعداد روسيا لتبادل المعلومات الاستخبارية حول الولايات المتحدة مع إيران. فأي معلومات حول العمليات في إيران وبالقرب من إيران، تُعتبَر مهمة جداً لأمن نظام الجمهورية الإسلامية، الذي يحتاج إلى ضمان “بقائه في السلطة”، ويمكنها أن تلعب دوراً مهماً في مسألة استمرارية النظام السياسي في إيران، إذ إن تبادل المعلومات السرية بين روسيا وإيران يلعب دوراً مهماً خاصة بالنسبة للنظام الإيراني المحاط بكثير من الخصوم وقليل من الأصدقاء. ضعف ثقة متبادل إيران ممزقة بين دافعين لأسباب أمنية. فالقيادة العليا تريد التوجه نحو موسكو، على رغم “ضعف الثقة تاريخياً بروسيا”، لكن لا يوجد دعم شعبي لذلك. ولا تتمتع روسيا بصورة إيجابية في إيران، لكن لأسباب أمنية قرر النظام الإيراني التوجه نحو موسكو. ما يوحد البلدين على المستوى المفاهيمي هو “معاداة أميركا”، والتعاون الدفاعي الروسي مع إيران من خلال العقوبات ورخص الأسلحة المصنوعة في كلا البلدين. ومع ذلك،لا توجد عملياً أي مناقشات في إيران حول تطور العلاقات الإيرانية- الروسية، وروسيا لا تُذكر عملياً في وسائل الإعلام الإيرانية وفي التلفزيون الوطني. وتحاول القيادة العليا في إيران عدم ذكر روسيا لكنها تقول إن العالم معقد للغاية، لكنه يتغير، وأن روسيا والصين في صعود، وأن إيران بحاجة إلى التكيف مع هذه الظروف الجديدة. وهذا يعني، أن القيادة العليا في إيران تدرك حقاً أن هذا وقت صعب جداً في السياسة الخارجية للترويج لسياسة خارجية مؤيدة لروسيا. وفي مفارقة ليست قليلة الأهمية، طرحت صحيفة “جمهوري إسلامي” الإيرانية التابعة للتيار الأصولي المعتدل، الأسبوع الماضي، فرضية تورط روسيا في اغتيال القادة العسكريين الإيرانيين الموجودين في سوريا عبر استهداف متكرر من قبل إسرائيل. وتساءلت الصحيفة عن سبب عدم فاعلية منظومة الدفاع الصاروخي الروسية “أس 400” التي تنشط في سوريا أثناء شنّ الجيش الإسرائيلي غارات جوية تستهدف الخبراء الإيرانيين. وربطت الصحيفة الوجود الروسي في سوريا بقضية اغتيال خمسة من كبار الضباط في الحرس الثوري يوم السبت الماضي، من بينهم مسؤول وحدة الاستخبارات في “فيلق القدس” الجنرال يوسف أميد زاده المعروف بـ”الحاج صادق” ونائبه وثلاثة من المستشارين. علاوةً على ذلك، في التاريخ الحديث، تصرفت روسيا بشكل غير متسقٍ تجاه إيران. بدءاً من نكثها بتنفيذ صفقة صواريخ “أس-300” التي وقعتها مع طهران في عام 2007، وصولاً إلى التنافس بين الاتحاد الروسي وإيران في سوريا. فالعلاقات بين البلدين كانت دائماً معقدة بسبب انعدام الثقة من جانب روسيا، بما في ذلك بسبب مخاوفها من أن تصبح إيران موالية للغرب. ويقول الخبراء الروس إنه على رغم تراجع التجارة بين طهران والغرب، إلا أن إيران لا تزال تتاجر مع دول الاتحاد الأوروبي أكثر من روسيا. يضاف إلى ذلك الوضع المعقّد في جنوب القوقاز والمليء أيضاً بالتحديات، حيث تتمتع روسيا بعلاقات وثيقة مع كل من أرمينيا وأذربيجان، وفي الوقت نفسه، خلال الصراع الأخير بين البلدين، انحازت روسيا، بحسب الخبير، إلى باكو، الأمر الذي أثار استياء إيران. وفوق ذلك، لم يكن في روسيا نفسها دعم كبير للتقارب مع إيران. وتشير بيانات مركز “ليفادا” المستقل لاستطلاعات الرأي في روسيا، إلى أن عدداً قليلاً من المواطنين الروس يميل إلى النظر إلى إيران باعتبارها واحدة من الدول الصديقة لروسيا. لكن بعد غزو أوكرانيا، لجأت روسيا للمرة الأولى إلى ما يشبه الاعتماد على إيران في مناهضة العقوبات الغربية، فكلا البلدين اليوم يحتاجان إلى بعضهما البعض، لأن كلاهما يخضع لعقوبات دولية. روسيا معزولة في المقام الأول في الغرب، لكن عندما يتعلق الأمر بما يسمى “الجنوب العالمي”، بما في ذلك إيران، فإن روسيا تحتاج إلى هذه المساحة للبقاء واقفة على قدميها، ولإضفاء الطابع المؤسسي على هذه العلاقات، فعلى سبيل المثال قدمت إيران طلباً للانضمام إلى مجموعة “البريكس” ومنظمات أخرى، مثل منظمة “شنغهاي” للتعاون، حيث تلعب روسيا دوراً مهماً. التقارب الروسي مع إيران والوضع في الشرق الأوسط تطوير التعاون بين روسيا وإيران يثير مخاوف الكثير من دول المنطقة، فالمساعدة الروسية لإيران في تطوير صناعتها العسكرية تمثل مشكلة كبيرة للدول المجاورة، كما أن فكرة قيام روسيا بتزويد إيران بطائرات مقاتلة تثير قلق الجميع في المنطقة. إضافة إلى ذلك، فإن دول المنطقة قد تجد نفسها في موقف حرج، نظراً لتاريخها الطويل من الشراكة مع الولايات المتحدة. خلاصة تريد روسيا إبقاء إيران في فلكها، لكن هذا ممكن فقط طالما استمر الجفاء الغربي مع طهران، لأن الأخيرة تتطلع إلى التوجه نحو الولايات المتحدة والغرب، عندما تسنح الفرصة، وهذا يتناقض مع محاولة روسيا بشكل عام “إبقاء” الشرق الأوسط بأكمله في مدارها، لذلك يشير إعلامها باستمرار إلى المكان الذي “خذل” فيه الغرب دول الشرق الأوسط. كما أن روسيا تواصل محاولة التأثير على الصراع العربي- الإسرائيلي وتدعم المشاعر السائدة في الدول الصغيرة والمتماشية مع رغبتها في إعادة توجيه سياستها الخارجية في مواجهة التغيرات نحو عالم متعدد الأقطاب. الحديث عن تقارب استراتيجي كبير بين طهران وموسكو اليوم سيكون مبالغة فادحة، لأن تقاطع مصالح طهران وموسكو في المرحلة الراهنة لا يجعل من علاقاتهما المعقدة تاريخياً علاقات تعاون استراتيجي. اللحظة الحاسمة ستكون عندما تعود الولايات المتحدة إلى إحياء الاتفاق النووي مع إيران، وعندها سيتعين على إيران تقديم تنازلات كبيرة، وحتى تغيير استراتيجيتها، ومن هذه التنازلات فرملة التقارب مع روسيا ومحاولة ربط ما انقطع مع الغرب والولايات المتحدة، فعندما أبرمت طهران الاتفاق النووي في عام 2015، اضطرت إلى تغيير سياستها الخارجية على نحو ملحوظ. والآن، يستخدم المسؤولون الأمنيون والعسكريون في إيران انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي لإقناع مؤسستهم بأكملها بأن إيران لا يمكنها الاعتماد على الولايات المتحدة، لذلك تضطر إلى الاعتماد موقتاً على روسيا، ولكن حتى إشعار آخر، لا أكثر. المزيد عن: روسياإيرانالعقوبات الدوليةالاتفاق النووي الإيرانيالعلاقات الاستراتيجية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post سؤال من عبد اللهيان وجواب من نصر الله next post ما حقيقة المخدر الأفريقي المكون من عظام بشرية؟ You may also like هيئة البث الإسرائيلية: الاتفاق مع لبنان تم إنجازه 24 نوفمبر، 2024 تفاصيل خطة إسرائيل لتسليم إدارة غزة إلى شركات... 24 نوفمبر، 2024 حزب الله وإسرائيل يتبادلان الضربات في استعراض الكلمة... 24 نوفمبر، 2024 صواريخ حزب الله تصل الضفة الغربية وتصيب طولكرم 24 نوفمبر، 2024 أكسيوس: هوكستين يهدد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل... 24 نوفمبر، 2024 ما المتوقع عراقياً في استراتيجية إيران؟ 24 نوفمبر، 2024 علي لاريجاني: إيران تجهز الرد على إسرائيل 24 نوفمبر، 2024 جمال مصطفى: مشوا تباعاً إلى حبل المشنقة ولم... 24 نوفمبر، 2024 هكذا بدّلت سطوة «حزب الله» هويّة البسطة تراثياً... 24 نوفمبر، 2024 ابتعاد النظام السوري من “محور الممانعة”… استراتيجي أم... 24 نوفمبر، 2024