فرويد سرقوا فكرته في صراعهم الفكري (غيتي) ثقافة و فنون بين فرويد ومؤسسة فرانكلين “أعداء الإنسانية” سبعة بدلا من ثلاثة by admin 21 أكتوبر، 2023 written by admin 21 أكتوبر، 2023 54 مؤسس التحليل النفسي وضع نصاً عن “جرح البشرية النرجسي” فاتهموه بالغرور اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب خلال السنوات الأولى من العقد الخمسيني في القرن العشرين كان الصراع محتدماً بين من كانوا يسمون أنفسهم “عالماً حراً” والآخرين المعتبرين أنفسهم “معسكراً اشتراكياً”. وكان صراعاً يتخذ العديد من السمات ومنها السمة الفكرية التي ستؤرخ لها الباحثة الإنجليزية فرانسيس سامرز في كتابها الذي صار كلاسيكياً منذ أصدرته في سنوات الثمانين بعنوان “من يدفع أجر الزمار”. وهو كتاب لقي من الانتشار والشعبية بقدر ما كان قد لقي قبله بثلث قرن كتاب آخر، أتى من المعسكر المقابل بعنوان “سبعة ضد البشرية”. صحيح أن ليس ثمة علاقة واضحة بين الكتابين، لكن ما يبرر ذكرهما معاً بالنسبة إلينا هنا، إنما هو ورود ذكر هذا الكتاب في محضر الاتهام الذي كانه كتاب سامرز: اتهام وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي أي”. بإنفاق مبالغ ضخمة من المال لإصدار مؤلفات وكتب تحاول نسف أسطورة الاشتراكية في العالم، وفي ركاب هذه الأخيرة كل فكر عقلاني تنويري، وبخاصة عبر شراء “خدمات” شيوعيين سابقين خيبت الستالينية آمالهم ومنهم غلاة التروتسكيين، كما محاولة اجتذاب من كانوا، في بلدان العالم الثالث ومنها البلدان العربية الأكثر تطوراً من الناحية الفكرية حينها، لا يزالون يؤمنون بالفكر الشيوعي دافعينهم بإغراءات شتى إلى تبني أفكار ذلك العالم الحر. ولعل المثال الأكثر شهرة في هذا السياق الأخير تشجيع الشاعر بدر شاكر السياب على وضع كتابه “كنت شيوعياً” الذي “فضح” فيه ممارسات رفاقه السابقين معلناً انصرافه عن ذلك الفكر، من ناحية. ومن ناحية ثانية “تكليف” شاعر عربي كبير آخر بصياغة كتاب عن صاحب “دكتور جيفاغو” بوريس باسترناك يجعله في نظر القراء العرب نبي الانشقاق عن الاتحاد السوفياتي… وكانت الـ”سي آي أي”. في الوقت نفسه تمول مطبوعات عربية، بين أخرى في العالم كله تقريباً، عبر مؤسسات تتولى نشر تلك الكتابات وغيرها دافعة للكتّاب مكافآت سخية. ومن بين تلك المؤسسات، وربما أشهرها، الفرع العربي من “مؤسسة فرانكلين” التي تخصصت تقريباً في نشر كتب تقدمية لكنها تناوئ كل فكر تنويري. وكان مركزها في القاهرة! دعاية باهظة الكلفة ولعل الكتاب الأشهر الذي نشرته “مؤسسة فرانكلين” وروجت له بدعاية باهظة الكلفة كان ذلك الكتاب الذي يبدو منسياً تماماً الآن، “سبعة ضد البشرية” الذي ذُيل بعدة تواقيع إن لم تخنّا الذاكرة. والسبعة الذين رأى الكتاب أنهم أعداء للبشرية، يبدأون بكوبرنيكوس لينتهوا بفرويد الذي بدا يومها خاتمة قوية للكتاب إنما من دون أن يذكر هذا الكتاب أظنه مأخوذ في الأصل عن نص لفرويد نفسه كما سنرى بعد سطور. ذلك أن فكرة “سبعة ضد البشرية” في الأساس فكرته سرقها منه الكتاب في الأصل ليوسعها ويعطيها ذلك البعد الأيديولوجي الذي كان هو محور كتاب “مؤسسة فرانكلين” المنشور ليلعب دوره في الصراع الفكري بين الشرق والغرب. وكانت وسيلة “سبعة ضد البشرية” تحويل نص كتاب فرويد الذي يحمل عنواناً مختلفاً إلى حد ما هو يتعلق بمفكرين ثلاثة أتت أفكارهم لتدمر نظرة الإنسان إلى ذاته مسببة له برأي فرويد ذلك الجرح النرجسي الذي لن يمكنه أبداً أن يندمل. والثلاثة بالنسبة إلى فرويد هم كوبرنيكوس الذي أثبت أن الأرض ليست سوى كوكب صغير يدور حول الشمس بعدما كان الإنسان يعتقد أنه يعيش في كوكب هو مركز الكون تدور من حوله الكواكب والنجوم. وداروين الذي بعدما كان الإنسان يعتقد أنه متحدر من السماوات العليّة أتى ليقول للإنسان إنه ليس سوى مخلوق متحدر من الحيوان في تطور طبيعي عادي. أما الثالث بالنسبة إلى مؤسس التحليل النفسي فليس سواه هو نفسه، فرويد الذي أتى ليقول للإنسان إن كل دوافعه وغرائزه وأفكاره وأفعاله إنما تعود إلى اندفاعات جنسية صغيرة “خسيسة” نابعة عن رغبات معيبة تولد لديه منذ صغره! كارل ماركس: سلاح فكري المعركة ضده (غيتي) تهكم وهذيان ذاتي طبعاً نعرف أن فرويد كتب ذلك النص ضمن إطار علمي لا يخلو من تهكم وهذيان ذاتي أراد من خلالهما أن يقرّب فكرته من قرائه تمهيداً للتبحر فيها والتعمق لاحقاً بصورة أفضل. فماذا فعلت “مؤسسة فرانكلين” بالفكرة؟ بكل بساطة وكما أشرنا حولت المفكرين الأساسيين الثلاثة ومن بينهم فرويد طبعاً إلى سبعة مضيفة إلى أصحاب “الجرح النرجسي” كما وصفه فرويد – وهو ربما طلع بالفكرة أصلاً انطلاقاً من غرور جعله يضع اسمه إلى جانب اسمي كوبرنيكوس وداروين اللذين كانا يعتبران في ذلك الحين من أكبر العلماء المفكرين في تاريخ البشرية كما سيتهمه مناوئوه حينها -، مضيفة أربعة آخرين كانت إضافات اثنين منهم أساسية بالتأكيد، بل مبررة لوضع الكتاب أساساً، جان جاك روسو وكارل ماركس. الأول لكونه قد أعاد العلاقات بين البشر ومنها خاصة علاقات الملكية العقارية، إلى ذلك “المغتصب” الأول لحقوق الآخرين والذي كان أول إنسان بادر إلى إحاطة قطعة أرض بسياج ليزعم ملكيته لها. أما الثاني وهو الأخطر فلأنه أرجع كل الصراعات بين البشر إلى أسباب اقتصادية تنبع مما سماه “صراع الطبقات” فيما كان الإنسان ينظر إلى تلك الصراعات بوصفها مقدسة في أغلب الأحيان، تنبع من دوافع عليا… ذكاء ما… كان من الواضح أن الكتاب، حتى وإن كان يستهدف كارل ماركس ضمن إطار الصراع الفكري الذي تحدثنا عنه، لا يقوم على تناول موضوعه بصورة مباشرة – وموضوعه الأساس هو طبعاً نسف فكر كارل ماركس – ولكن من خلال التركيز على المفكرين التنويريين الذين يمكن القول إنهم إما كانوا أسلافاً لماركس نفسه بشكل أو بآخر، أو لاحقين به، كما حال فرويد، يعارضونه في فكره ولكن من منطلق يفوقه تنويرية. وكان من الواضح أن الكتاب في عدم استهدافه ماركس مباشرة إنما يتوخى نوعاً من “موضوعية” تبعده بـ”ذكاء” عن أن يبدو ككتاب مناهض للماركسية التي كانت “على الموضة” حينها ما يستدعي الدنو من مناوأتها بحذر، وغالباً على أية حال من خلال الاستعانة بمن تبدو شهادتهم في هذا المجال قوية ولا يمكن اتهامهم بالعداء لذلك الفكر وكانوا غالباً، في رأي فرانسيس سامرز التي تفصل الأمر في كتابها سابق الذكر، من التروتسكيين الذين إثر اضطهاد ستالين وسلطاته القمعية لهم – وصولاً إلى اغتيال تروتسكي نفسه في منفاه المكسيكي من طريق فريق عمل بتوجيه رسام الجدران المكسيكي الشهير سيكييروس وربما بمعرفة الرسام الأكثر شهرة منه، ريفيرا -، هربوا إلى الولايات المتحدة حيث تمكنت الوكالة الأميركية من تجنيدهم والاستفادة من معرفتهم العميقة بالشيوعية ودهاليزها ليصبحوا لاحقاً العقل المفكر لمن سُمّوا في سنوات الثمانين “المحافظون الجدد”. هل انقلب السحر على الساحر؟ والذي لا شك فيه هو أن واضعي “سبعة ضد البشرية” كانوا من بينهم من دون أن يكون من بينهم أولئك الذين ترجموا الكتاب إلى العربية في ما بعد من الذين لم يدركوا أن أصله يعود إلى ذلك النص الفرويدي الطريف الذي سيظل ثمة دائماً من يرى أن فرويد لم ينشره في عام 1917 إلا بغية تعظيم ذاته من دون أن يخطر في باله أن فكرته سوف تسرق منه ذات يوم ليبني عليها أيديولوجيون لا يعرف عنهم شيئاً نصاً سوف يُقرأ على نطاق واسع ولا سيما في العالم العربي في سنوات الخمسين. تماماً على النحو الذي لم يخطر به في بال ناشريه في “مؤسسة فرانكلين” أنه سوف يكون له في هذا العالم العربي مفعول عكسي إذ سيسر كثر من الماركسيين المبتدئين بوضع الكتاب لرائدهم الفكري الكبير في عداد مفكري البشرية الكبار الذين، وكما يقترح الكتاب نفسه على أية حال، استعرض في طريقه جوانب عدة من الأفكار العلمية والتنويرية التي أحدثت في البشرية ذلك الوعي الجديد الذي أيقظها من ثباتها حتى ولو أن الكتاب اتهمهم بإحداث ذلك الجرح النرجسي الذي لم يندمل أبداً. ولكن هل ترى أحداً اهتم حينها بعدم اندماله؟ المزيد عن: مؤسسة فرانكلينكوبرنيكوسسيغموند فرويدأعداء البشرية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الضفة الغربية “جبهة ثالثة” محتملة لإسرائيل next post حرب غزة بداية مرحلة خامسة من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي؟ You may also like اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 فيلم “مدنية” يوثق دور الفن السوداني في استعادة... 21 نوفمبر، 2024 البلغة الغدامسية حرفة مهددة بالاندثار في ليبيا 21 نوفمبر، 2024