بورتريه كلاريسا لتيسيانو (موقع الفن الإيطالي) ثقافة و فنون بورتريه رسمه البندقي تيسيانو لشارليكان غير حياة الرسام إلى الأبد by admin 25 نوفمبر، 2023 written by admin 25 نوفمبر، 2023 386 حكايات لافتة من حياة أشهر رسام للبورتريهات عند بدايات عصر النهضة الإيطالية اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب حدث ذلك تحديداً في عام 1533 حين تسلم الإمبراطور شارليكان من يدي رسام البندقية الشهير يومها تيسيانو البورتريه التي رسمها له الفنان بعد مماطلة ولأي. أبدى الإمبراطور على الفور إعجاباً مطلقاً باللوحة طالباً منذ تلك اللحظة ألا يرسمه أي فنان آخر سوى ذلك الذي، وبحسب رأيه الحماسي، لم يكتف بالوصول إلى رسم ملامحه الخارجية بإتقان ما بعده من إتقان، بل كذلك وصل إلى حد مذهل في تصوير روحه الداخلية. والحقيقة أن الانتشار الفوري لهذا الرأي إذ أبداه الإمبراطور، ما إن انتشر في قصور أوروبا وصالوناتها ومحافلها لدى علية القوم حتى بات تيسيانو يعتبر رسام البورتريهات الأكثر شهرة في أوروبا، وفي الأقل في عواصمها الفنية بدءاً من الفاتيكان مروراً بباريس وصولاً إلى إمبراطورية شارليكان الألمانية، من دون أن ننسى عاصمة الإمبراطورية العثمانية التي توجت سمعة تيسيانو “حتى لدى الأعداء” عبر رسمه بورتريهاً لا تنسى لسيدها سليمان الملقب بالقانوني. مجد وفن ومال إذاً منذ اللحظة التي وقعت فيها عينا شارليكان على صورته وراح هذا الأخير يتأملها بزهو كبير حتى انهالت الطلبيات على تيسيانو وازداد ثراء على ثراء وبات واثقاً من مستقبله المالي والاجتماعي. ومع ذلك لم يكن الرسام قد انتقل إلى عاصمة شارليكان لرسمه، ولا كان هذا الأخير قد وافاه في مدينته أو مرسمه بطبيعة الحال. كل ما في الأمر أن القصر الإمبراطوري استدعى واحداً من أشهر رسامي البورتريهات النمسويين في ذلك الحين جاكوب سيسينيغر وطلب منه أن يرسم بورتريهاً لشارليكان، وهي تلك التي أرسلت إلى الرسام ليرسم على منوالها. ولم تكن لوحة تيسيانو في نهاية الأمر سوى نسخة ملونة من بورتريه الرسام النمسوي تحاكيها تماماً، ولكن أية محاكاة! تيسيانو فاتشيليو (1488 – 1576) (موقع الفن الإيطالي) نقطة التحول تنبع من الروح ففي النهاية، حتى وإن بدت بورتريه تيسيانو مجرد تقليد دقيق للبورتريه التي رسمها سيسينيغر كان ثمة فارق جوهري بين اللوحتين الشقيقتين يكمن في ما وراء المظاهر الخارجية، وهذا ما أدركه الإمبراطور نفسه قبل أن يدركه أي شخص آخر، فكان رأي شارليكان نقطة تحول في المسار المهني والحياتي للفنان الذي لم يتوقف بعد ذلك عن رسم البورتريهات مقابل أسعار اعتبرت ضخمة في مقاييس ذلك الزمن، ولكن لئن كانت حكاية تيسيانو مع بورتريه الإمبراطور الألماني معروفة ومتداولة في تاريخ الفن النهضوي، فإن ثمة حكايات كثيرة متنوعة لا تزال طي التواريخ والكتب لم تخرج من صفحاتها إلى العلن بعد. ومنها على وجه الخصوص حكاية الرسام نفسه مع البورتريه التي حققها للصغيرة كلاريسا ابنة الثري روبرتو ستروتزي الذي لدى مروره ذات مرة في مدينة البندقية لبعض شؤونه التقى تيسيانو وطلب منه أن يرسم بورتريهاً لابنته التي لا تزيد سنها في ذلك الحين على 13 سنة. وكان ستروتزي من معارضي سياسة آل مديتشي مما جعله وعائلته يسلكان درب المنفى. ولاحقاً حين عاد الثري وعائلته إلى فلورنسا كانت البورتريه في ركابهما حيث ستبقى اللوحة معلقة في الدارة العائلية طوال 300 سنة تالية. وطبعاً لا يمكن القول عند هذا المستوى من حكاية لوحة كلاريسا أن ثمة في الأمر من الغرابة ما يجعلها حكاية استثنائية. بعد قرون ثلاثة الاستثناء يأتي هنا إذاً مما سيحدث بعد تلك القرون الثلاثة التي مضت على رسمها ورحيل الصبية عجوزاً ورحيل أحفادها وأحفاد أحفاد هؤلاء. ففي أواسط القرن الـ17 حدث أن كان ثمة صبي في الـ11 من عمره يدعى لورانزو ماغالوتي يزور قصر آل ستروتزي مع أهله فشاهد البورتريه القديمة فيما كان يشاهد خلال جولة بين قاعات القصر. ويبدو أنه من فوره وقع في غرام الصورة وصاحبتها، ومن دون أي اعتبار لمرور الزمن على إنجاز الفنان للوحة. أو هذا ما يمكن على أية حال استشفافه من تلك الرسالة التي سيبعث بها الصبي وقد بات رجلاً في مقتبل العمر يعرف بلقب نبالته، الكونت ماغالوتي، إلى المدعو ليوني ستروتزي المتحدر من عائلة كلاريسا. وفي الرسالة التي تكشف كم أن ماغالوتي بقي هائماً طوال عقود من السنين بالبورتريه وصاحبتها، يتوجه الكونت إلى حفيد حفيد حفيد كلاريسا بطلب غريب و… مؤثر على أية حال. فهو يقول لليوني “إنني أعتقد أن ثمة في قصركم الزاهر لوحة أصلية من رسم الفنان تيسيانو. وهذه اللوحة تصور فتاة صغيرة رائعة واقفة على قدميها مرتدية ثياباً ناصعة البياض كما أعتقد ومن زينتها ساعة معلقة بشريط ربط بحزامها. وإنني لراغب في الحصول على نسخة من هذه اللوحة”. وبعد ذلك يشرح الكونت كيف أنه كان في شرخ طفولته هو الآخر حين شاهد تلك اللوحة للمرة الأولى. و”كنت في صحبة كبير مرافقي والدتي فأغرمت بالبورتريه وصاحبتها غراماً لا يفارق مخيلتي. لقد انطبع كل تفصيل من تفاصيل اللوحة في ذهني إلى حد أني لو كنت رساماً لكنت قادراً الآن على أن أرسمها اعتماداً على ذاكرتي وحدها. ولعل في إمكاني أن أضيف هنا إلى أن أحداً ممن كانوا محيطين بي يوم شاهدت بورتريه كلاريسا في تلك المرة الأولى، لم يجد ضرورة لإخباري بأن من رسم اللوحة هو تيسيانو. كل ما أذكره على أية حال هو أن مرافقي نظر إليَّ إذ لاحظ ذهولي أمام اللوحة وقال بلهجة احتفالية من دون أن يبدو عليه أي اهتمام من قبلي بهوية الرسام: (إن هذه الفتاة هي من إبداع يدين لم يخلق تاريخ الفن مثيلاً لهما) أما أنا فإنني في تلك اللحظة بالذات اكتشفت أن ثمة فوارق كبيرة بين الفنانين…”. كي لا يغضب الإمبراطور ولئن كان قد بقي لنا هنا أن نذكر بأن ستروتزي لم يجد مغبة في أن يبعث إلى الكونت الذي أضحى صديقاً له منذ ذلك الحين، نسخة دقيقة لـ”بورتريه كلاريسا” ستقول الحكاية إن الكونت أمضى بقية سنوات حياته وهو يتأملها يومياً، معتبراً كلاريسا امرأته مدى الحياة متجاهلاً كل تلك السنين الطويلة التي تفرق بينهما، ومتجاهلاً أن اللوحة التي بات يملكها ليست في حقيقتها لوحة لتيسيانو، فإن أشخاصاً آخرين لم يكونوا محظوظين مثله في مواقف مشابهة، وعبر خيال متماسك. ومن هؤلاء الأشخاص فرانشيسكو دي لوس كوبوس المستشار الخاص لشارليكان نفسه الذي طلب مرة من الدوق حاكم فيراري وباسم الإمبراطور أن يتخلى له عن بورتريه كان تيسيانو قد رسمها للدوق، واعداً إياه بأن الإمبراطور سيقدر تلك الخطوة تقديراً كبيراً يعود بالفائدة على دوقية فيراري إن فعل وبعث إليه بتلك “الهدية التي لا تقدر بثمن”. غير أن مستشاري الدوق حاولوا بشتى الوسائل معارضة نقل اللوحة بإقناع رجال الإمبراطور بأن الشبه معدوم تقريباً بين البورتريه والدوق، وبأن هذا الأخير نفسه قد تقدم في السن كثيراً. غير أن كل تلك الحجج على ما فيها من منطق سليم لم تردع رجال الإمبراطور وعلى رأسهم كوبوس فكانت النتيجة أن اللوحة وتحت تهديد واضح هذه المرة سلكت طريقها لتنضم إلى ما في مجموعة شارليكان من بورتريهات ولم يقيض لصاحبها الأصلي أن يراها أبداً بعد ذلك. والواقع أن الدوق وقد أغضبته تلك الحكاية راح يتوسل إلى تيسيانو أن يرسم له نسخة جديدة من البورتريه القديمة مقابل 50 دوكا فقبل تيسيانو ولكنه راح يماطل حتى اضطر بعد وفاة الدوق الكبير وحلول ابنه في الدوقية مكانه، إلى الإذعان أخيراً ورسم بورتريه جديدة للدوق الراحل، كانت من الدقة والرونق إلى درجة أن وكيل الدوق الجديد كتب لسيده من البندقية رسالة يطمئنه فيها إلى قرب إنجاز الرسام البورتريه الجديدة التي وصفها له بأنها “تشبه البورتريه القديمة السليبة تشابه نقطين من الماء”… المزيد عن: الإمبراطور شارليكانفن البورتريهالرسام تيسيانو 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post هرمونات الجوع تؤثر في قدرة الدماغ على اتخاذ القرارات next post مهرجان مراكش يحتفي بفوزي بنسعيدي شاعر الكاميرا You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024