photo / المجلة عرب وعالم برهان غليون لـ”المجلة”: السلطة لم تنتقل من العلويين إلى السنة… والجناح المسيطر برغماتي by admin 10 مارس، 2025 written by admin 10 مارس، 2025 28 خريطة الطريق تبدأ بالإعلان الدستوري وتشكيل مجلس تشريعي… والأجندة الوطنية رهن الحكومة الانتقالية المجلة / إيلي القصيفي باريس- لا تتوقع أن يكون منزل برهان غليون في باريس سورياً إلى هذا الحد، في الطريق إليه كل شيء فرنسي، الشارع طبعا، ثم مدخل العمارة وبواباتها المرمّزة، لكن عندما يفتح لك الباب ويستقبلك تكثر المداخل إلى سوريا، تحديدا إلى حمص. أولا اللهجة الحمصية، ثم الأثاث الشامي، ثم الصورة بالأبيض والأسود لرجل إلى جانبه فرس أصيلة. تسأل عنه فهو الوالد الذي كان يربي الخيول العربية ويذهب بها إلى بيروت للسباق. هذه كلها مداخل إلى تلك البلاد البعيدة والتي كانت بعيدة أكثر من أي وقت خلال السنوات الماضية، سنوات الدم والهجرة والتخلي والتواطؤ. أما الآن فقربت المسافات، عادت سوريا لتكون قريبة أينما كان السوريون، عادت لتكون حاضرة حضورا مختلفا لكل من يسأل عنها، عن تلك البلاد التي لم تعد “بلاد البعث” والتي طال طوفانها عقودا طويلة. شيق الحديث مع برهان غليون ومختلف، لأنه يسقط الربط بين السياسة والسلطة فلا تشعر أنك أمام رجل يبحث عن منصب وإنما عن تصور جديد للوطنية السورية، هنا إعادة تعريف للوطن وللوطنية، فلا تعود الكلمة بين مزدوجين لالتباس المعنى، ولكي لا يظنك الناس تجافي الواقع أو تتكلم لغة الحاكم. هنا أيضا عودة إلى البدايات، بداية السياسة وبدايات الوطن السوري التي يسردها منذ مطلع القرن الماضي كتقديم للراهن، وهي عودة تبدو الآن خاصية سورية، لأن إعادة البناء ممكنة هناك في وقت تبدو مستحيلة في بلدان قريبة. ماذا يريد الرئيس أحمد الشرع وفريقه؟ ما المتوقع من الحكومة الانتقالية؟ ما ترتيب الأولويات في سوريا الآن؟ ماذا عن الطائفية؟ وعن التهديدات الإسرائيلية؟ كلها أسئلة أجاب عليها برهان غليون، فكان نص الحوار التالي: * انطلاقا من قراءتك لتاريخ سوريا منذ مطلع القرن الماضي ماذا يمثل سقوط النظام؟ هل خروج سوريا من تحت عباءة العسكر والمخابرات؟ -باستثناء السنتين من 1918إلى 1919تحت حكم الأمير فيصل بن الحسين والذي شهد وصلا بين بلاد الشام والحجاز يتكرر الآن، وكذلك من 1946إلى 1948وهو الحكم بعد الاستقلال والذي انتهى بانقلاب حسني الزعيم، ثم الأربع سنوات بين 1954و1958، فإن سوريا عاشت منذ 1920إلى 2025 تحت حكم عسكري…عسكري ومخابراتي. أنا لا أعتبر بشار الأسد عسكريا بل هو بالأساس مخابراتي، حتى الجيش محكوم بأجهزة الأمن، ولذلك خلال الثورة عندما كانوا يقولون دمرنا الجيش كان ردي أن النظام لن يسقط إن لم تسقط أجهزته الأمنية التي هي الذراع الأساسية في حكم الأسدين حافظ وبشار. * إذن، كيف تعرف النظام الجديد.. هل هو حكم مدني؟ هل هو بمستوى آخر انتقال للسلطة من مجموعة سورية إلى مجموعة أخرى؟ انتقال من العلويين إلى السنة؟ – ليس هناك صورة نموذجية تنطبق على واقع معقد ومركب جدا كالواقع السوري، أرى أنه من الممكن القول إن الحكم في سوريا الآن هو عسكري فالذين أخذوا السلطة هم مسلحون لكن قسما كبيرا منهم هم من أطلق ثورة 2011 وكان عمرهم 15 سنة أو 10 سنوات أو 20 سنة، وفي ذهنهم بلدهم الذي نزع منهم وفكرة الثورة، ومعهم أيضا أناس إسلاميون من المفروض بالنسبة إليهم إقامة دولة إسلامية، أي إن هؤلاء عسكر أيضا وفي الوقت نفسه مؤدلجون على اختلاف أيديولوجياتهم. الآن هذا الحكم هو ما قبل انتقالي، أي أقصد مثل أي انقلاب، عملية تغيير مفاجئة، ما كان أحد منتظرا أن تحصل. هو حكم مختلط، هناك شيء وطني، شيء إسلامي، شيء انتقامي، شيء رومانسي أيضاـ كل هذا موجود مع بعضه البعض، بالتالي هناك ديناميكية جديدة نشأت من وضع سوريا المختلف ومن 14 عاما من العنف والتشرد، مثلما حصل عندما ظهر الفدائيون الفلسطينيون لم يكن لهم مثيل، لا في آسيا ولا في أميركا اللاتينية، أيضا كانوا فريدين لأن وضعهم كان فريدا ووضع فلسطين أيضا. * ماذا تريد السلطات الجديدة في سوريا؟ ما مشروعها؟ – حتى الآن لا يعرفون ماذا يريدون بعد، برأيي هم يتلمسون طريقهم، قسم منهم يريد دولة إسلامية وقسم آخر يريد الرجوع إلى بلده ويريد بلدا يعيش فيه مع أهله، وقسم آخر تحركه السلطة، لكن السلطة تستدعي تقديم تنازلات، أن تتفاعل مع فاعلين آخرين وتعرض عليهم تسويات، أي أن تكون برغماتيا. حتى الآن الجناح المسيطر هو الجناح البرغماتي. وأنا أرى أن أحمد الشرع وأربعة أو خمسة أشخاص من حوله أو عشرة يقولون دعونا نتعامل مع العالم، فالنماذج القديمة التي قدمها الإسلاميون في المنطقة فشلت. التيار العام بسوريا الآن هو “كل على دينه الله يعينه”، وأنا أرى أن هذا التوجه سيربح في النهاية، وإذا ربح فسيكون ذلك في صالح السوريين جميعا، والتحدي الأساسي هنا أتصور أنهم يتفكرون الآن لأن مصيرهم على المحك، وأتصور أن هناك أناسا منهم وبالأخص الذين في القيادة البرغماتية بالنسبة إليهم تعني أننا متدينون والإسلام هو الشيء الجوهري في كل تاريخنا وعملنا وإنما يجب أن نتعامل مع العالم كما هو، أي يجب أن نؤسس دولة مدنية لكي نستطيع أن نستمر، وفي المستقبل نرى، وربما ينخرطون في هذه الديناميكية، أي التعامل الواقعي والعقلاني مع العالم ومع المجتمع وهم يدركون أنه متنوع دينيا وحتى داخل المسلمين أنفسهم فهناك تنوع كبير، حتى إنه يصعب أن تقيم نظاما سنيا في سوريا لأن السنة مجتمع واسع جدا، برجوازيون وأرستقراطيون وعمال وفلاحون وناس متدينون وناس أقل تدينا وبالتالي لا تستطيع أن تعاملهم كطائفة والأمر نفسه ينطبق على الطوائف الأخرى. وأعتقد أن التيار الغالب أو السائد الآن يريد التفاعل مع القوى الدولية لأنه إذا لم ترفع العقوبات فإن النظام لن يستقر، وإذا لم يستمر الدعم الخليجي وتحديدا من قبل المملكة العربية السعودية لا يمكن أن يحصل تقدم في إعادة الإعمار، والخليجيون ليسوا الآن على نغم دول إسلامية بل دخلوا في طرق أخرى. لذلك أرى أن المنطق العقلاني يدفع إلى أن يمشوا في طريق أقرب، لا أريد القول إلى الأتراك، بل أقرب إلى حكم محافظ، أي إلى نظام يتلبس بالتقاليد والقيم الدينية لكن في الوقت نفسه يتعامل بشكل عقلاني وواقعي مع المجتمع. أنا أرى أن هذا هو التيار القائد الآن في السلطة، لكنه لا يعرف بعد كيف يتفاعل لكن إرادته أن يتفاعل ويقدم تنازلات إذا لزم الأمر، لكن التحدي ليس هنا، ليس في أن يقيم تعددية أو أن يعطي للأقليات حقوقها، هذه ليست تحدياته، إنما التحدي أمام أحمد الشرع أن لا تهتز قاعدته السياسية، الناس الذين يعتمد عليهم في السلطة. أ.ف.ب / الرئيس السوري أحمد الشرع * من هي قاعدته؟ – قاعدته هي الناس الذين قاتلوا معه. * أليست قاعدته السنة؟ – كلا ليست لديه قاعدة طائفية، السنة كجماعة ليسوا قريبين أبدا من التوجه الذي تمثله “هيئة تحرير الشام”، قاعدته هي الفصيل الذي أوصله إلى السلطة والذي يعتمد عليه لكي يبقى فيها. هو الآن يمشي على حبل مشدود فمن ناحية هناك جماعته التي تطالبه بتطبيق المبادئ الإسلامية ومن ناحية ثانية هناك المجتمع السوري وتطلعاته كلها اليوم إلى الحرية والمساواة والعدالة والتنوع… إلخ. بالإضافة إلى المجتمع العربي والخليجي والدولي وهو في اتجاه قريب من الشعب السوري من حيث تقديم الأولويات الاقتصادية والاجتماعية وحلها، والتيار العام بسوريا الآن هو “كل على دينه الله يعينه”، وأنا أرى أن هذا التوجه سيربح في النهاية، وإذا ربح فسيكون ذلك في صالح السوريين جميعا، والتحدي الأساسي هنا. هذا التحليل مهم برأيي لأنه يجعلنا نفهم القرارات الغامضة والمتقلبة التي يأخذها من هم في السلطة الآن. ما حصل منذ سقوط النظام برهن على أن السوريين شعب متحضر ومتمدن وقادر على أن يعيش في إطار ديمقراطي وتعددي ومدني الناس يظنون أن على أحمد الشرع أن يراعي الحساسيات كلها، لكنه لا يستطيع أن يراعي فقط ما أفكر به أنا، ربما يقرأ لي ويسمع ما أقول ويتفاعل معي، أنا أو غيري من المثقفين العلمانيين المدنيين، لكن أيضا عليه أن يأخذ في الاعتبار الناس الذين يستند إليهم في الحكم، ولا أقصد السنة، فالسنة ليسوا مجموعة واحدة ولا أحد يستطيع أن يأخذهم كذلك. يمكن أن يؤخذ جزء كبير من الدروز لأن لديهم تجمعا محدودا، حتى الأكراد ليسوا كتلة واحدة فهم أنفسهم منقسمون أحزابا عدة، والعلويون يمكن أخذ قسم منهم، حتى إن هذا كان في الماضي، فهم الآن يشبهون الآخرين فيهم المتدينون وفيهم العلمانيون وفيهم الملحدون وفيهم أناس متعصبون أي فيهم من كل شيء، فهذا ليس تحديا، أي إن الشرع لا يفكر كيف يكسب السنة بل يفكر أكثر كيف يمكن أن يحد من تأثير السنة الذين يريدون أن ينتقموا لأن هناك سنّة شعورهم أنهم فقدوا وخسروا ويريدون أن يعوضوا من خلال الانتقام من الآخرين. * من الموالين للنظام السابق؟ – طبعا، هذا يجب أن يجد له أحمد الشرع حلا، والحل هو العدالة الانتقالية لكي يمنع الرغبة أو الدافع نحو الانتقام. أ.ب / سوريون يتجولون في أول أيام شهر رمضان، في المدينة القديمة بدمشق، 1 مارس 2025 * هل ترى أن الشرع قادر على إدارة مسألة الحد من الانتقام؟ – حتى الآن هو يديرها بشكل جيد، وأنا لا أتصور أن هناك وضعا مثل الوضع السوري أي 54 سنة أو 60 سنة من العنف الاستثنائي ضد الشعب، وبرأيي لم يحصل أن حكم نظام في العالم بالعنف خلال هذه الفترة الطويلة مثلما حصل في سوريا. سوريا ضحية حقيقية لعنف استثنائي خلال أكثر من نصف قرن، ما حصل بعد سقوط النظام كان مفاجئا لناحية مدنية الشعب السوري ونبل السوريين، هذا لا يعني أنه لم تحصل انتقامات لكن قياسا على حجم العنف الذي عاشه السوريون خلال أكثر من نصف قرن وقياسا على الطريقة التي حصل بها الانقلاب على النظام القديم أي إنهاءه، فتقريبا لم يحصل عنف، وتقريبا مرّ الانتقال بسلام. لقد كان من الصعب تصور أنظف من هكذا انتقال، وأصلا كان الناس يقولون لا نريد أن نسقط الأسد لأنه ستحصل مذابح، وتحديدا ضد الأقليات. بالتالي بالمقارنة مع ما كان متصورا برأيي أن ما حصل برهن على أن السوريين شعب متحضر ومتمدن وقادر على أن يعيش في إطار ديمقراطي وتعددي ومدني، وهو مجتمع مدني. * إذن بالنسبة إليك الحكم الجديد ليس انتقال السلطة من العلويين إلى السنة، هنا ندخل في المسألة الطائفية، مسألة الأكثرية والأقليات كما يتم تناولها، ما هو تعليقكم على القراءة الطائفية السائدة للوضع السوري؟ – كل المجتمعات فيها تنوع ديني والتنوع يشمل أيضا الدين الواحد، هذا أمر تتعايش الناس معه. وبلادنا منذ 14 قرنا، أي سوريا ولبنان، وقبل أن تحدث الأزمات الأخيرة كان الناس يتعايشون ويتفاعلون مع بعضهم البعض، الكنيسة بجوار المسجد والتاجر المسيحي بجوار التاجر اليهودي والتاجر المسلم فقد كان هناك عقد اجتماعي، العقد بمعنى شيء مضمون مترسخ بالذهن وهو أن الدين لله والوطن للجميع، أي إن وجود اختلاف في الدين أمر مستبطن ولا يحدث حساسية ولا رد فعل ولا نزاع. ما جرى حتى الآن هو بالنسبة للسوريين خطوة مهمة وإن لم تكن نهائية على طريق نزع الفتيل الطائفي الذي كان يستخدمه الأسد أين يقع النزاع؟ عندما تأتي السلطة السياسية لتستخدم الانتماء الديني أو العرقي لمصالح سياسية وتغذيه، وهذا ما فعله نظام الأسد، قال للعلويين السنة يريدون أن يقتلوكم وقال للسنة إن العلويين وحوش، ولذلك كان يستخدم أكثر الوسائل وحشية في التعذيب ليعبئ الطرفين ضد بعضهم البعض. فعندما تملأ الأجهزة الأمنية بالعلويين وتجعلهم أدوات للعنف فأنت تخلق صورة عند الآخرين، مسيحيين ومسلمين، أن هؤلاء متوحشون وإذا تركوا سيقتلوننا بينما النظام يحمينا منهم. أي إن النظام كان يشحن العلاقات ليكون لنفسه قاعدة فعندما يكره الناس العلويين خشية منهم فحتى العلوي المعارض يصبح خائفا من سقوط النظام خشية أن يكون هدفا لانتقام طائفي. والنظام كان يتقصّد في أوقات العنف أن يتكلم بلهجة علوية لتعميق الشرخ الطائفي. وفي الوقت نفسه كان يدفع السنة في اتجاه أن يكونوا أكثر تدينا، فمثلا حافظ الأسد أنشأ مكاتب تحفيظ القرآن التي لم تكن موجودة من قبل، ويقدم نفسه على أنه الوحيد الذي يحمي العلويين من السنة والسنة من العلويين، وكل ذلك لضمان استمراريته على حساب توحيد المجتمع وخلق وطن سوري يشعر الناس فيه بأنهم متساوون. وفي المحصلة، فإن الطائفية هي مسألة تخص السلطة وليس المجتمع، وهدفها تحطيم أي إمكانية لوجود إرادة جماعية، وجعل الناس يفكرون كطوائف ومجموعات متعادية، فعندما تكون هناك إرادة وطنية لا يعود النظام قادرا أن يحكم من دون أن يأخذها في الاعتبار، أي يصبح هناك مجتمع مقابل نظام وليس طوائف مقابل نظام. أقصد أن الطائفية هي صناعة سياسية من قبل النظم أو الأحزاب وليست أمرا مستبطنا في المجتمع فيكفي أن يتوقف الاستخدام السياسي للاختلاف الطائفي حتى يلقى الناس طريق التفاهم بين بعضهم البعض. * هل نحن في بداية هذه اللحظة، أي خروج سوريا من الاستخدام السياسي للاختلاف الطائفي؟ – ما حصل حتى الآن خلال ثلاثة أشهر تقريبا رغم بعض التجاوزات التي يقول البعض إنها من قبل هيئة إدارة العمليات وبعض آخر يقول إنها فردية، يؤشر إلى أننا ذاهبون في اتجاه تجميد النزاعات الطائفية، وبرأيي المرحلة الثانية يفترض أن تشهد مصالحة وطنية وعدالة انتقالية حتى يفهم الناس أنه لا يوجد عداء بينهم في الأصل وليس هناك سبب لتكون بينهم مصالح متناقضة، بين علويين وسنة ومسيحيين، بالعكس مصالح الجميع أن يتعاونوا مع بعضهم البعض لكي يحسنوا شروط حياتهم من خلال خلق اقتصاد واجتماع. لذلك، فإن ما جرى حتى الآن هو بالنسبة للسوريين خطوة مهمة وإن لم تكن نهائية على طريق نزع الفتيل الطائفي الذي كان يستخدمه الأسد، وبالتالي هي خطوة مهمة في اتجاه السير نحو مجتمع ديمقراطي يعترف الناس فيه باختلافاتهم وتنوعهم ويتفاهمون مع بعضهم البعض على أساس مصالحهم المشتركة وأنهم شعب واحد أمام الدولة والسلطة. لا نريد أن يحصل في سوريا ما حصل في العراق حيث حل الجيش بالكامل فحلت محله ميليشيات طائفية، لا نريد أن تتحول الفصائل إلى ميليشيات على الطريقة العراقية ما أريد قوله أيضا إن الحكم لم يكن في الأصل بيد طائفة فبالتحليل العلمي الحكم لم يكن بيد العلويين بل بيد عائلة الأسد، حكم يشبه الإقطاع ولديه أقنان يستخدمهم، لكنهم عرضة للاضطهاد أيضا. أنا أعتقد أن نظام الأسد اضطهد واعتدى على العلويين بقدر ما اعتدى على السنة. وهو ضحى بالعلويين الذي دفعوا الثمن الأعلى للنزاع قياسا بعددهم، فلو فكر قليلا في مصلحتهم لكان بحث عن تسوية ليحافظ على أهله إذا كان يعتبر العلويين أهله. * كيف ترى الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سوريا الآن، وسبق أن تحدثت عن أولوية معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فهل العملية السياسية ممكنة في ظل هذا الوضع؟ – لن يستقر المجتمع السوري ويتجاوز الخلافات السياسية والفكرية والدينية والطائفية إلا إذا انطلق قطار التنمية الاقتصادية وأصبح لدى الناس فرصة أن يعملوا ويحسنوا حياتهم، أن يصيروا بشرا ، هم يشعرون الآن بأنهم مهمشون ومسحوقون ماديا وإنسانيا، والمجتمع جرّف كليا ماديا وسياسيا، لكن استرداد الثقة للناس وإطلاق التنمية لا يأتيان وحدهما وإنما ضمن شروط سياسية واجتماعية وثقافية. * ما هذه الشروط؟ – أولا أن تعيد بناء الدولة التي تفككت كليا، ومن دون دولة لا تستطيع أن تنجز تنمية وأن تتعامل مع الشعب، ومن دون قضاء لا تستطيع أن تحل الخلافات ومن دون عدالة تعجز عن إقناع الناس بأن لا ينتقموا من بعضهم البعض وبأن القانون يحكم بينهم. فأساس التقدم الاقتصادي هو الاستقرار والاستقرار أساسه أن الناس تتفاعل مع بعضها البعض وتعيش وتتعاون دون خوف ودون حقد ودون نزعة انتقام. إذن برأيي الأولوية هي إعادة بناء المؤسسات. أ.ف.ب / برهان غليون * ما إمكانية ذلك بالنسبة للوقت والواقع والأدوات؟ – هم يحاولون، وهذا أمر ليس سهلا، إعادة بناء المؤسسات وفي مقدمتها الجيش ولا نريد أن يحصل في سوريا ما حصل في العراق حيث حل الجيش بالكامل فحلت محله ميليشيات طائفية، لا نريد أن تتحول الفصائل إلى ميليشيات على الطريقة العراقية بل أن تنخرط مع ضباط آخرين وجنود ومتطوعين جدد ويشكلون جيشا بالمعنى الحرفي للكلمة، أي جيشا كمؤسسة مستقلة غير خاضعة للسلطة السياسية. هذا يحصل لكن لا نعرف إلى أين وصل وهناك أناس يمانعون وآخرون يساومون سواء “قسد” أو في الجنوب، لكن الجميع قالوا إنهم يريدون الاندماج في الجيش، وأنا أعتقد أن هناك رعاية إقليمية عربية وأوروبية ودولية لهذا الاندماج وربما يشجعون عليه وبالتالي إمكاناته محتملة وأنا أعتقد أنه سيحصل على الرغم من المصاعب. الأمر الثاني هو إعادة بناء مؤسسات مثل القضاء، فمن دونه لا يستطيع الناس التعامل مع بعضهم البعض. هم الآن يكونون الشرطة وهذا أكثر أمر تقدموا فيه. الأمر الثالث هو معالجة الوضع الاقتصادي، أكثر من 90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، و27 في المئة في فقر مدقع، التغذية الكهربائية ضعيفة جدا، والرواتب ضئيلة جدا أيضا. هم يطرحون الآن فكرة الخصخصة وهذا برأيي خطأ، فالمفروض أن تظل الدولة لفترة راعية للناس الفقيرة وذوي الدخل المحدود، فالآن ليس الوقت لتخصيص الاقتصاد بل لإيجاد حلول سريعة للخدمات. وإضافة إلى إعادة بناء الجيش والقضاء يجب تشكيل مجلس تشريعي. * من دون انتخابات؟ -هم يقترحون تشكيل مجلس وطني تشريعي بعد الحوار الوطني الذي يجري الآن وإطلاق إعلان دستوري، وهذا كاف. * تؤيد خريطة الطريق هذه؟ – طبعا، من المستحيل إجراء انتخابات الآن، نصف الشعب مشرد، والبيوت مدمرة والدوائر لا تعمل، وإجراء انتخابات ليس أولوية الآن، خصوصا أن الآراء لم تتبلور داخل المجتمع السوري، وبرأيي أن الحوار الوطني مهم قبل الانتخابات وأن يكون أوسع من الحاصل الآن لكي يتعرف المهتمون بالمستقبل السياسي للبلد على المشاكل المطروحة من خلال اختصاصيين وتقنيين. الآن لا توجد ثقافة سياسية بعد نصف قرن من تغييب النقاش والصحافة. أنا ضد التشكيل من الصفر، يمكن أن يحصل ذلك في أجهزة الأمن التي كانت تابعة كليا للنظام السابق وربما يكون فيها عناصر يمكن الاستفادة منهم، ففي النهاية كلهم أولاد البلد لذلك الأهم الآن هو الحوار الوطني، وفتح الباب أمام تفاعل ونقاشات وندوات ومنتديات ليس من قبل الدولة فقط. المفروض الآن أن تفتح منتديات مثل أيام “ربيع دمشق”، أي منتديات ثقافية، بكل مدينة يدعى إليها مثقفون وخبراء ومحامون… إلخ. * قصدك حوار غير محصور بالشق السياسي؟ – الحوار الحاصل الآن من نوع ثان، هناك ضرورة لإجراء حوار واسع ضمن إطار المصالحة الوطنية، ما يحصل الآن هو حركة مشاورات بين أشخاص منتقين ليستشفوا الآراء الأساسية والحساسيات وما يطرحه الناس بكل المحافظات وهذا أمر جيد لكنه ليس الحوار الوطني بالمعنى الذي أقصده. هدفهم الآن أن يعرفوا مواقف الناس من أجل العمل على الإعلان الدستوري وتشكيل مجلس تشريعي، وهذه مرحلة يمكن أن تستمر لثلاث سنوات، إلى حين إجراء انتخابات تشريعية والعمل لاحقا على صياغة دستور جديد.هذا هدف الحوار اليوم وهدفه ربما أن يكون مدخلا للعدالة الانتقالية، أي طرح مسألة العدالة ومن هم المتهمون والذين يجب تعويضهم. * هل تؤيد إعادة بناء المؤسسات من الصفر؟ – أنا ضد التشكيل من الصفر، يمكن أن يحصل ذلك في أجهزة الأمن التي كانت تابعة كليا للنظام السابق وربما يكون فيها عناصر يمكن الاستفادة منهم، ففي النهاية كلهم أولاد البلد، لكن بالنسبة للجيش يجب أن يستعيدوا قسما كبيرا من الكوادر والعناصر، كذلك الأمر في القضاء، وفي مختلف الدوائر المدنية أيضا، يحب أن تحصل تسويات مع الكوادر الراغبة في ذلك وأن يضاف إليها، فالدول لا تصنع من الصفر، يُستبعد أصحاب الانتهاكات والذين هم موضع شك لكن البقية تريد أن تعيش وهم جزء من المجتمع. رويترز / سوق الحميدية في دمشق، 27 فبراير 2025 * ألا يمكن للأوضاع الاقتصادية الصعبة أن تهدد خريطة الطريق هذه؟ – برأيي هم ينتظرون المساعدات الأجنبية والمساعدات العربية تحديدا، كذلك هناك انتظار لاستئناف عملية الإنتاج ولو بمبادرات داخلية ورفع العقوبات طبعا، لكن أنا أعتقد أن الأجندة الجديدة التي على أساسها يمكن أن نرى كيف ستبنى الأجندة الوطنية هي الحكومة الانتقالية المقبلة والتي قالوا إنها ستكون حكومة متنوعة وشاملة وكل الناس يراهنون على هذا الأمر، وهذه نقطة حساسة ومفصل مهم. فإذا شكلت حكومة مقنعة أي ليست حكومة “هيئة تحرير الشام” بل حكومة سورية متنوعة وهدفها ليس برنامجا محددا للسلطة وإنما إعادة بناء مؤسسات الدولة وتشغيلها لدمج المجتمع مع بعضه البعض وإعادة بناء الاقتصاد، هذا يحل مشكلات عدة ويصبح التعاون الدولي والإقليمي مع الحكم الجديد أفضل، أي يتم فتح طريق المساعدات وتشكيل هيئة العدالة الانتقالية فيحاكم المجرمون ويعوض المتضررون، كذلك يفتح نقاش حول مسألة النازحين وكيف يمكن مساعدة الناس في المخيمات ليستقروا. إسرائيل هي مفجر عام لكل المنطقة، وأطماعها لا حدود لها. والاحتلالات الجديدة في سوريا هدفها في تصوري السيطرة على منابع المياه، التي ستكون ثروة حقيقية في المستقبل بالتالي هناك مشكلات كثيرة، وهذه الحكومة إذا كانت قوية ومتنوعة وفيها تكنوقراط فعندئذ تبدأ عملية انتقال جدي، فكل ما يحصل الآن هو مقدمة وأنا وصفت هذه المرحلة بأنها ما قبل انتقالية، وهي للملمة الأوضاع. * تتوقع أن تكون المرحلة الانتقالية طويلة للوصول إلى نظام واضح المعالم؟ – الحكومة الجديدة تبين ما هو النظام عمليا، فإذا كانت حكومة متنوعة وفيها تمثيل كبير وأكملنا مع إعلان دستوري يضمن الحريات الفكرية والسياسية والدينية إلى آخره، أنا برأيي الانتقال يصبح أسهل وينتظر الناس سنتين أو ثلاث لتنظم انتخابات، لا يعودوا مهتمين بمن يحكم، فالمهم أن تكون هناك سلطات محددة وحكومة تعمل بفاعلية وتنجز على المستوى العسكري والسياسي والأمني وليس فقط الاقتصادي، توقف الانتقامات وتقيم محاكمات جدية للمجرمين والناس يشعرون أن هناك سلطة تؤمّن لهم حقوقهم، ساعتذاك ينتظر الناس لتحل أمور كثيرة لأن الانتخابات تحتاج وقتا وتحضير أرضية، الشعب يجب أن يأكل أولا. * في مسألة عودة السوريين ليس فقط النازحون وإنما أيضا المهاجرون منذ ما قبل 2011، هل ستشهد سوريا مسار عودة لهؤلاء؟ – تقدير المفوضية السامية للأمم المتحدة أن 30 في المئة من السوريين مستعدون للعودة، وهذه نسبة مهمة جدا. * أقصد أيضا المهاجرين أصحاب رأس المال والخبرات… – هؤلاء مستعدون أيضا للعودة، الكثير من رجال الأعمال، وأنا قابلت بعضهم، يريدون العودة للعمل في سوريا. نحن نشهد الآن ولادة وطنية سورية حقيقية بعد كل هذه الأزمات، ورجال الأعمال يفكرون أنه يجب عليهم أن يكونوا جزءا من المشهد ليس فقط لجني الأرباح بل يعتبرون أن من واجبهم أن يتعاونوا لإعادة إطلاق الحياة الاقتصادية بسوريا، ومعظمهم قريبون في الخليج أو أوروبا. أ.ف.ب / ورشة عمل خلال مؤتمر الحوار الوطني الذي دعت إليه السلطات الجديدة في سوريا، دمشق في 25 فبراير 2025 * كيف تنظر إلى المشهد الجيوسياسي حول سوريا؟ الدور التركي؟ التهديدات الإسرائيلية؟ – أنا برأيي أنه لا سوريا ولا لبنان ولا الأردن ولا حتى العراق يمكن أن يتقدموا إلى الأمام بثقة ويصبحوا مجتمعات مستقرة ولو لعشرين سنة إذا لم يكن هناك تعاون عربي لحل المشكلة مع إسرائيل. إسرائيل هي مفجر عام لكل المنطقة، وأطماعها لا حدود لها. الآن الاحتلالات الجديدة في سوريا هدفها في تصوري السيطرة على منابع المياه، التي ستكون ثروة حقيقية في المستقبل في مناطق كهذه، هم يحاولون أن يضعوا أيديهم على كل منابع الأنهار والمياه. السوريون يريدون جميعا السلام والاستقرار وأن يعودوا إلى حكم القانون وميلهم جميعا ليس ميل تعصب، حتى الذين يتحدثون لغة طائفية وأنا أرى أنه لا سوريا قادرة على أن تقف وحدها ولا لبنان كذلك، يجب أن نجد طريقة على المستوى العربي وفي رأيي هذا من مصلحة دول الخليج أيضا، لأنه إذا بقي المشرق العربي غير مستقر فإن ذلك سينعكس لاحقا على الخليج، والأردن الذي هو المعبر المشرقي إلى الخليج مهدد في كل لحظة. وإذا سمح العرب للإسرائيليين بأن يفرضوا إرادتهم على سوريا ولبنان فسيفرضونها لاحقا في مصر وسيناء، وبالتالي كل مجتمعاتنا معرضة للمفاجآت وعدم الاستقرار. أنا برأيي أنه لا حل لهذه المعضلة إلا بتعاون كبير بين سوريا ولبنان، هذه المنطقة كلها يجب أن تكون جزءا من صفقة مع الأميركيين والعالم مفادها أن المشرق لا يجب أن يظل يعيش في مثل هذه الظروف، ولا حل أيضا إلا بإجبار إسرائيل على أن تعترف بدولة فلسطينية، فالقصة لا تنتهي بالقضاء على “حزب الله” فهي يمكن أن تتعقد أكثر، كذلك الفلسطينيون الذين يريدون طردهم يمكن أن ينشئوا مئة “حماس” مستقبلا. والمشكلة برأيي في علاقة أميركا بإسرائيل، أي إن أميركا تستخدم إسرائيل كذراع متقدمة في المنطقة لتضغط على الجميع وتستغل الجميع وتخضعهم لمصالحها ولنفوذها، هذا ما يجب أن يتم التفاوض عليه، أي إعادة صياغة دور إسرائيل الإقليمي في نظر الأميركيين، فإذا أراد الأميركيون الاستمرار في استخدام إسرائيل كقاعدة عسكرية في المنطقة لإرهاب وتجويع وقمع الشعوب العربية وتقسيمها فلا حلول في المنطقة وكلنا مهددون. * متفائل بالمستقبل السوري القريب؟ – برأيي أن السوريين يريدون جميعا السلام والاستقرار وأن يعودوا إلى حكم القانون وميلهم جميعا ليس ميل تعصب، حتى الذين يتحدثون لغة طائفية فإذا سارت الأمور كما يجب ينسون الطائفية. الناس يريدون السكينة والأمن والسلام وأن يعلّموا أولادهم ويعيشوا حياة طبيعية وفي لبنان الأمر نفسه وفي كل المنطقة. أن يعود الناس ليعاملوا بعضهم البعض كبشر، قبل أن يكونوا مسلمين ومسيحيين وعلويين. المزيد عن: برهان غليون سوريا سقوط الأسد تغطية خاصة أحمد الشرع 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “سينماتيك بيروت” يجدد الأمل بإنعاش مجتمع السينما في لبنان next post متخيل الصويرة المغربية في الرواية العالمية You may also like رئيس وزراء كندا المقبل مارك كارني: لا يمكننا... 10 مارس، 2025 تباطؤ التضخم في مصر يثير تساؤلات حول الجنيه... 10 مارس، 2025 أحداث سوريا… أمور دبرت بليل أم أخطاء فردية؟ 10 مارس، 2025 قانون العمل الجديد يمس الاستقرار الوظيفي في الأردن 10 مارس، 2025 قلق في إسبانيا من أن يعلن ترمب سيادة... 10 مارس، 2025 القضاء بين سندان المجلس الشيعي ومطرقة الضغوط الدولية 10 مارس، 2025 إزالة صور نصرالله عن طريق المطار: من قرَّر؟ 10 مارس، 2025 تمرد “الفلول” في الساحل السوري… ما دور روسيا... 10 مارس، 2025 خليفة ترودو: كندا لن تكون أبدا جزءا من... 10 مارس، 2025 مسؤولون أميركيون يكشفون “ما يريده” ترامب من زيلينسكي 10 مارس، 2025