ثقافة و فنونعربي “بتروشكا” لسترافنسكي… وصية روسية أخيرة من كبير كلاسيكيي القرن العشرين by admin 7 أكتوبر، 2021 written by admin 7 أكتوبر، 2021 63 مساهمة مدهشة من موسيقي الأزمان الحديثة في تيار “الباليهات الروسية” اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب من ناحية مبدئية ليس من المنطقي الربط بين الموسيقي الروسي إيغور سترافنسكي وتلك الظاهرة الفنية الهائلة التي انطلقت عند نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، لتحمل عنواناً عاماً هو “الباليهات الروسية”. وهي الظاهرة التي ستحمل دائماً، وسط مجموعة من أسماء بارزة في العديد من الفنون، اسم رائدها الذي عرف العالم كله عليها، سيرغي دياغيليف. وربما يعود إلى هذا الأمر بالتحديد عدم إمكانية ربط اسم سترافنسكي بذلك التيار – الظاهرة. فاسم سترافنسكي يكفي بمفرده ليكون ظاهرة، وهو الذي كان وبقي سيد أعماله مهما جرى اقتباسها في أعمال فنية أخرى، أسوة بكبار مؤلفي الموسيقى على طول الأزمنة التاريخية. ومع ذلك لا بد لنا من أن نلاحظ أن ثمة عملاً من إبداع سترافنسكي نفسه يمكن دائماً، ليس فقط اعتباره من درر “الباليهات الروسية”، بل حتى من أشهر نتاجات تلك الباليهات، بل ربما يكون “الباليه الروسي” الوحيد الذي “غلب فيه اسم واضع الموسيقى على اسم المخرج والمدير الفني للعمل”، بحسب قول كبار النقاد الموسيقيين عند بدايات القرن العشرين. فهؤلاء وغيرهم كانوا دائماً ما يعتبرون الموسيقى التي توضع لأي باليه من ذلك النوع ثانوية الأهمية ولها دور محدد يقوم على إحاطة الرقص، الفولكلوري دائماً، والأداء الراقص والديكور والأزياء، بما يناسبه من أطر تلحينية غالباً ما تكون مستقاة من الفولكلور ومن ألحان متشابهة، ولكن مع اللحن الذي وضعه سترافنسكي تبدل الأمر جذرياً. من الباليه إلى التقديم المنفرد هذا اللحن هو لحن باليه “بتروشكا” الذي ضم به سترافنسكي جهوده إلى جهود دياغيليف ورفاقه، ليجعل من ذلك اللحن مساهمته الكبرى في عالم الباليهات الروسية. وكانت النتيجة مزدوجة: فمن ناحية قفزت الموسيقى في ذلك العمل الراقص إلى الصف الأول من الاهتمام إلى درجة أنها سرعان ما اتخذت مساراً لها منفرداً، وراحت من دون كل تلك الألحان التي تألفت من متونها الباليهات الروسية، راحت تعزف منفردة بصرف النظر عن إطاراتها الراقصة والبصرية كما لو كانت عملاً موسيقياً كلاسيكياً، ومن ناحية ثانية أضفت على الباليهات المذكورة بعداً موسيقياً نادراً، في وقت تمكنت فيه من أن تشكل رابطاً عميقاً بين الموسيقى وبقية العناصر الفنية في ذلك التيار، من دون أن يسهو عن بالنا كونها شكلت لاحقاً نوعاً من وصية فنية شديدة الخصوصية تركها سترافنسكي كعلامة “أخيرة” على انتمائه الروسي، وهو الذي سرعان ما سيحلق بعدها في آفاق عالمية لن تُنسي أحداً أنه روسي الأصل، لكنها ستأتي كعمل من تلك الأعمال، التي بقدر ما تنهل من روح بلد ما ومن تراث شعب ما، تأتي لتضيف إلى تراث ذلك الشعب ليس كفولكلور مجهول المبدع وإنما كإضافة من مبدع محدد إلى روح ثقافة بلده. الموسيقي الروسي إيغور سترافنسكي (الموسوعة البريطانية) أصل الحكاية ولعل النقطة التاريخية التي يمكننا أن نعود إليها في معرض حديثنا عن هذا العمل الفذ، سواء كعمل إبداعي من نتاج سترافنسكي، أو كعمل من تلك الأعمال الأساسية التي شكلت هوية “الباليهات الروسية”، تبدأ في عام 1910 حين توجه إيغور سترافنسكي من لوزان إلى سانت بطرسبرغ، بعدما كان التقى سيد الباليهات الروسية دياغيليف وتمكن من إقناعه بتقديم عمل موسيقي للباليه كان كتب فصليه الأولين وشرع يفكر بالثالث والأخير. وفي الحاضرة الروسية التقى سترافنسكي يومها مهندس الديكور ألكسندر بنوا ومصمم الرقص ميشال فوكين، بغية الاتفاق معهما على تفاصيل العمل. وكان لديه من الوقت هناك ما مكنه من وضع موسيقى الفصل الثالث. وأخيراً حين غادر إلى باريس كان الباليه مكتملاً معه. حداثة مدهشة وكان الاتفاق قد تم على تقديم “بتروشكا” في باريس بعد شهور قليلة وسط دعاية صاخبة تركز على موسيقى سترافنسكي بقدر ما تركز على تيار “الباليهات الروسية” بالعناصر الفنية العديدة التي تشتغله، وكان لكل عنصر منها مكانته وسمعته العالمية. ولقد قُدم العمل بالفعل في العاصمة الفرنسية للمرة الأولى في يونيو (حزيران) 1911 تماماً كما كان مخططاً، بحيث بدا أن كل شيء يتم كما رسم منذ البداية. غير أن ما لم يكن في الحسبان حينها هو أن سترافنسكي لن يعود إلى وطنه الأم طوال الخمسين سنة التالية، ما جعل باليه “بتروشكا”، يعتبر آخر عمل له وضعه في روسيا. ولسوف يكون أكثر أعماله روسية على أية حال وضمّنه أغنيات وأناشيد فولكلورية روسية، كأنه كان في ذلك وصيته الأخيرة فنياً، قبل أن يغوص نهائياً في حداثة مدهشة. روسي حتى الأعماق ونعرف أن “بتروشكا” عمل روسي إلى حد عميق جداً. ومع هذا اشتغل سترافنسكي عليه أوركسترالياً بطريقة تخرج عن المألوف الروسي موفراً للراقص الكبير نيجنسكي -الذي قام فيه بدور بتروشكا- فرصة لتقديم أفضل ما عنده. لكنه وفر فيه أيضاً لتامارا كورسافينا دوراً لا ينسى، إذ لعبت دور الباليرينا. ومع هذا فإن الاثنين ليسا أكثر من دميتين في حكاية الباليه، وإلى جانبهما “دمية” ثالثة هي “الموريسكي” ذو الأحاسيس الباردة. أما ما يجمع الدمى الثلاث معاً فهو الساحر النزق الذي يتجول في الأعياد الشعبية الروسية التقليدية عارضاً فنونه وسحره من خلال حكاية الغرام التي تدور بين الدمى ويتحكم هو فيها كما يشاء، فإن لامه في نهاية الأمر لائم أو شعر بعض الجمهور بأنه مستفز وعلى وشك البكاء على مصير بتروشكا، سيسارع الساحر قائلاً “لا تنسوا أن ما ترونه هنا ليس أكثر من دمى صُنعت من قماش وقشّ ورؤوس من خشب.. فعلامَ العويل؟”. ومع هذا حين ينتهي كل شيء في نهاية الأمر لن تنقضي الأمور على تلك البساطة، طالما أن العرض يترك المتفرج، متفرج العرض في العيد الروسي، أو حتى متفرج العرض في حفل الباليه نفسه، وهو محتار، وقد ترك له، من خلال طيف بتروشكا الذي يظهر كأنه كائن بشري على سطح مسرح العرض، أن يسائل نفسه: وماذا لو أن مأساة الغرام حولت بتروشكا من دمية إلى كائن له عواطفه ودموعه؟ ساحر وفرقته وسط الزحام يتألف باليه “بتروشكا” الذي أعاد سترافنسكي الاشتغال عليه ثلاث مرات، أولاها طبعاً حين قُدم على مسرح الشاتليه الباريسي في العرض الأول، ثم ثانية في عام 1947 ثم مرة ثالثة وأخيرة في عام 1965، علماً بأن تعديل عام 1947 هو المعتمد غالباً في التقديمات المعاصرة. يتألف هذا الباليه من أربع لوحات تدور أولاها في ساحة عيد شعبي ديني روسي، حيث وسط الزحام والفقرات يصل الساحر مع فرقته لنتعرف على بتروشكا والباليرينا والموريسكي يتناوبون على الرقص، ونكتشف أن بتروشكا مولع بالباليرينا لكن هذه لا تعيره أدنى اهتمام، بل تكاد توحي لنا بأنها مولعة بالموريسكي. وفي اللوحة الثانية نجدنا في مهجع بتروشكا حيث نجده حائراً بين حبه للباليرينا وخوفه من الساحر الذي سرعان ما يقذف بالموريسكي إلى المكان لتتضح الصورة، التي يفرضها نزق الساحر حين لا تستجيب الباليرينا إلى دعوة بتروشكا المولهة، معتبرة إياه مثيراً للشفقة لا أكثر، مفضلة الموريسكي المليء بالحيوية. وإذ تدور اللوحة الثالثة في مهجع الموريسكي حيث يقذف الساحر بتروشكا إلى المكان ليدور الصراع بين الاثنين منتهياً على طرد بتروشكا، نلتقي الجميع من جديد في اللوحة الختامية حيث خلال العرض وتحت رعاية الساحر يمتشق الموريسكي سيفاً خشبياً “يقتل” بتروشكا به، ليحمل الساحر دميته خارجاً وسط صراخ الجمهور ونحيبه، فيما يظهر فوق السطح طيف بتروشكا تاركاً للجمهور أن يخمن ما يمكن أن يحدث. كلاسيكية وتجديد لا شك أن هذا العمل الذي جمع كل العناصر الأساسية التي صنعت الباليهات الروسية منها، جمع في الوقت نفسه معظم التيمات، بل حتى الإيقاعات الموسيقية التي كان سيرغي سترافنسكي (1882–1971) قد اشتغل عليها في مراحله الأولى، حين لم يكن قد أفلت بعد من غوصه في التراث الموسيقي والغنائي الشعبي الروسي، وبالتالي قبل اشتغاله على الموسيقى الاثني عشرية، رابطاً إياها بكلاسيكية متفلتة، ما شكل بالنسبة إليه خصوصيته المطلقة خلال المراحل التالية من عمله الموسيقي الكبير، الذي جعله واحداً من كبار المجددين في كلاسيكيات القرن العشرين بأعمال مثل “تطويب الربيع” و”عصفور النار” و”حكاية جندي” و”أورفيوس”. المزيد عن: الباليه\الموسيقي الروسي إيغور سترافنسكي\الباليه الروسي\بتروشكا 23 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post بيروت الثقافة تقاوم حرب إلغائها بالرمق الأخير next post السينمائي سمير حبشي: الدراما المشتركة هرطقة إذا لم تكن حقيقية You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 23 comments Angkabagus 7 أكتوبر، 2021 - 2:56 م Hi there, I found your website by the use of Google even as searching for a similar topic, your web site got here up, it seems to be good. I have bookmarked it in my google bookmarks. Hello there, simply changed into alert to your blog through Google, and located that it’s truly informative. I am going to be careful for brussels. I will appreciate if you happen to continue this in future. Many people will likely be benefited out of your writing. Cheers! Reply Give Me A Little Sexy Hug 7 أكتوبر، 2021 - 2:56 م When someone writes an piece of writing he/she retains the thought of a user in his/her mind that how a user can know it. So that’s why this article is perfect. Thanks! Reply Bridget 7 أكتوبر، 2021 - 3:33 م I like looking through a post that can make men and women think. Also, thank you for allowing me to comment! Reply pkv terpercaya 7 أكتوبر، 2021 - 3:57 م It’s really a great and useful piece of info. I’m happy that you simply shared this helpful info with us. Please stay us up to date like this. Thanks for sharing. Reply Common English 7 أكتوبر، 2021 - 4:12 م I am really enjoying the theme/design of your site. Do you ever run into any browser compatibility issues? A number of my blog audience have complained about my blog not operating correctly in Explorer but looks great in Firefox. Do you have any solutions to help fix this problem? Reply covid 19 made in asia 7 أكتوبر، 2021 - 4:18 م Why users still use to read news papers when in this technological globe all is accessible on web? Reply 마사지 후기 7 أكتوبر، 2021 - 4:18 م It’s an remarkable paragraph designed for all the web viewers; they will obtain benefit from it I am sure. Reply laptop key replacement uk 7 أكتوبر، 2021 - 4:29 م Hi there! Do you know if they make any plugins to safeguard against hackers? I’m kinda paranoid about losing everything I’ve worked hard on. Any suggestions? Reply codego 7 أكتوبر، 2021 - 4:32 م Excellent goods from you, man. I have be mindful your stuff previous to and you are simply extremely great. I actually like what you’ve acquired right here, certainly like what you’re saying and the best way wherein you assert it. You are making it entertaining and you still take care of to stay it wise. I cant wait to read far more from you. That is actually a great site. Reply creditkarma.com/reg/document-verify login 7 أكتوبر، 2021 - 4:46 م Link exchange is nothing else however it is only placing the other person’s blog link on your page at suitable place and other person will also do similar in support of you. Reply weed dispensary near me 7 أكتوبر، 2021 - 4:48 م Hi I am so excited I found your website, I really found you by error, while I was searching on Aol for something else, Anyhow I am here now and would just like to say thank you for a marvelous post and a all round exciting blog (I also love the theme/design), I don’t have time to look over it all at the moment but I have book-marked it and also included your RSS feeds, so when I have time I will be back to read a lot more, Please do keep up the fantastic job. Reply website 7 أكتوبر، 2021 - 4:58 م I am regular reader, how are you everybody? This post posted at this web site is really good. Reply daftar agen togel 7 أكتوبر، 2021 - 5:07 م I am curious to find out what blog system you’re using? I’m having some small security problems with my latest blog and I’d like to find something more secure. Do you have any solutions? Reply 먹튀검증 7 أكتوبر، 2021 - 5:43 م My spouse and I stumbled over here from a different web page and thought I should check things out. I like what I see so now i am following you. Look forward to looking at your web page repeatedly. Reply Tipobet 7 أكتوبر، 2021 - 5:47 م Hey there! I could have sworn I’ve been to this website before but after checking through some of the post I realized it’s new to me. Nonetheless, I’m definitely happy I found it and I’ll be book-marking and checking back often! Reply link slot 994 7 أكتوبر، 2021 - 6:11 م Hi there! Do you know if they make any plugins to assist with Search Engine Optimization? I’m trying to get my blog to rank for some targeted keywords but I’m not seeing very good results. If you know of any please share. Many thanks! Reply магнитная пластина на телефон 7 أكتوبر، 2021 - 6:44 م Начнем с классического держателя, который имеет круглую форму и может гнуться во все стороны. Here is my blog … магнитная пластина на телефон Reply Обзор kiplar.org 7 أكتوبر، 2021 - 6:49 م Hola! I’ve been reading your blog for some time now and finally got the bravery to go ahead and give you a shout out from Houston Tx! Just wanted to say keep up the fantastic work! Reply Helen 7 أكتوبر، 2021 - 7:00 م Hi there, yeah this piece of writing is truly nice and I have learned lot of things from it concerning blogging. thanks. Reply fun888asia 7 أكتوبر، 2021 - 7:39 م I loved as much as you’ll receive carried out right here. The sketch is attractive, your authored material stylish. nonetheless, you command get bought an edginess over that you wish be delivering the following. unwell unquestionably come more formerly again since exactly the same nearly very often inside case you shield this hike. Reply doodleordie.com 27 يناير، 2023 - 5:53 ص Разработка сайта с афишей и форумом для мам Казани. Reply Raymond 6 يونيو، 2023 - 8:13 م The concentrate is usually Google, as the UK and the world’s biggest search engine. Reply seo копирайтинг 27 يونيو، 2023 - 7:37 ص Вставлять нужные ключи в текст после его написания – неправильно. Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.