لوحة للرسام العراقي يوسف الناصر (صفحة الرسام فيسبوك) ثقافة و فنون انهيار الطبقة الوسطى في العراق في “وادي الفراشات” by admin 10 أكتوبر، 2024 written by admin 10 أكتوبر، 2024 103 أزهر جرجيس يقارب جيل الخيبة من خلال بطل سلبي اندبندنت عربية / سيد محمود باحث مختص في الشأن الثقافي تؤرخ رواية “وادي الفراشات” لمسيرة حافلة بالخيبات خاضها بطلها عزيز عواد، الموظف المهمش في الأرشيف، وقد اضطر إلى قبول الوظيفة الصغيرة لكي يرضى والد حبيبته تمارا بزواجه منها. وعلى رغم الفوارق الطبقية بينهما فإن تمارا وقعت في حبه خلال الدراسة الجامعية، وكان والدها الذي يعمل في التجارة قد خصها بسيارة وسائق، في حين ينتمي عزيز إلى الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى، وليست له علاقة مع والده عواد الأخرس الذي مات بعد أن تهشم رأسه إثر سقوطه على خطوط السكك الحديد خلال نوبة عمله البسيط، ثم عاش بقية سنوات عمره على الفراش بلا ذاكرة ولا أي تأثير يذكر في حياة أولاده. وحين مات لم يخرج عزيز الذي كان صغيراً مع العائلة إلى الجنازة، ولم يتلق العزاء به، مما أثار غضب الجميع. رفقة الخال تركز الرواية على علاقة البطل عزيز مع خاله جبران، صاحب المكتبة التي لا يدخلها أحد، وهو تمثيل فريد لنموذج المثقف التقليدي المعبر عن جيل الستينيات، حامل المعاني الكبيرة والقادر دائماً على مد يد العون لمن حوله، فهو ” رجل بدين يحوز من البهجة ما يثير حسد الملائكة “، ويحمل كثيراً من الملامح “الزورباوية” التي تستخف بقيمة المال وتؤمن بأن “الحياة ماهي إلا كتب وحفنة أصدقاء”. تجمع علاقة الخال مع ابن شقيقته بين وضع الأبوة وحال الصداقة التي تجعل من الخال ملاذاً دائماً ومرفأ لكل الخيبات التي يصادفها ابن شقيقته. الرواية العراقية (الرافدين ومسكلياني) تشير الرواية إلى أن الصداقة بين الطرفين بدأت بعد أن طلبت الأم من ابنها التوجه إلى بيت شقيقها الذي يعيش وحيداً كي يجد الابن مناخاَ مناسباَ لمراجعة دروسه قبل أن يتقدم إلى اختبارات البكالوريا. هناك يجد عزيز نفسه محاطاً بمئات الكتب، ويقوده الفضول لاكتشاف محتوياتها، فتصيبه الكتب بالفتنة وتشعره بمتعة لا يجدها في الكتب الدراسية، مما يدفعه إلى إهمالها تماماً ويؤدي إلى فشله في تحقيق أحلام والدته في دخوله كلية الطب، بعد أن حصل على مجموع من العلامات غير ملائم. البحث عن تمارا عقب أول فشل دراسي تتوالى حلقات من مسلسل الفشل المتكرر، إذ ينصحه الخال بدرس المسرح في كلية الفنون التي يدخلها بمساعدة صديق قديم للخال، فيتعرف عزيز على زميلته تمارا ويتودد إليها من خلال زميله مهند الذي يشاركه كثيراً من المغامرات. وحتى يتمكن من تدبير المال الذي يساعده في الزواج من حبيبته، يبدأ عزيز رحلة البحث عن عمل رفقة صديقه ويصبح بائعاً على أرصفة أسواق الكرادة، ثم يستجيب لاقتراح من صديقه مهند بالعمل في تجارة الأفلام الجنسية داخل الأسواق الفقيرة لأنها تجلب الربح، لكن الشرطة تدهم مخزن الشرائط ويدخلان السجن للمرة الأولى. وعقب قضاء العقوبة يتورط عزيز بعد أن عمل في مكتبة الخال في طباعة أحد الكتب الدينية الممنوعة، وعند دهم أجهزة الرقابة للمكتبة يتم القبض عليه ويعود للسجن مرة أخرى. وبعد خروجه بمساعدة من الخال أيضاً يقبل بوظيفة موظف الأرشيف بعد أن رفض شقيقه الأكبر صبيح تقديم مساعدة مالية له من الميراث الشرعي، بعد أن استولى على غرف البيت واتخذ زوجة جديدة. الروائي العراقي أزهر جرجيس (الرافدين) وأمام إلحاح عزيز على طلب الزواج من تمارا تضطر أسرتها على مضض إلى قبوله زوجاً على رغم ما بينهما من فوارق، لكنه سرعان ما يفقد الوظيفة بسبب اتهامه بالتحرش بامرأة جاءت لزيارة رئيسه في العمل. وعلى رغم أن تمارا التي اعتادت الرفاهية رضيت بالعيش في بيوت فقيرة، فهي لم تقبل العيش مع زوج متهم بالتحرش، فغادرت إلى بيت أهلها، وبعد مناشدات عادت مع الزوج الذي بات يعمل سائق تاكسي في سيارة قديمة يملكها الخال جبران إلى بيت آخر، ولكن أكثر فقراً. في هذا الحين تحول الصديق مهند استجابة للمتغيرات إلى داعية من الدعاة الجدد الذين استثمروا قدرتهم على التحايل، وفهموا طبيعة اللحظة التي كانت تشهد مداً دينياً أصولياً وتروج فيها المادة الدينية. دفتر أرواح تكرر فشل سعيد في تحسين أحواله ومع ذلك تصمد زوجته وتحمل منه بعد تجارب عدة غير ناجحة، وتلد طفلها سامر، لكنها سرعان ما تفقده بسبب شعورها بالخوف بعد أن ظهر في مطبخها ثعبان خرج من شق في جوف الأرض، وحين يهرع الزوج لإنقاذ زوجته يعود لمدخل البيت فلا يجد طفله في عربته الصغيرة مما يذهب عقله، وبعد هذه الواقعة تتركه تمارا إلى الأبد. يتحول عزيز إلى شخص ضائع في حانات حي السعدون بعد أن تراجعت صحة الخال وغابت قدرته على تصحيح المسار، ويصبح عزيز سائق جنائز ويتورط في نقل جثة لطفلة ويتهم بتجارة الأعضاء، لكنه يعود بعد فترة السجن لمواصلة رحلة البحث عن الابن المفقود بعد أن ساير شبحاً غريباً يزور المقبرة، والأرض موحلة تماماً، لدفن طفلة في مقبرة سرية تسمى “وادي الفراشات”، مخصصة لدفن الأطفال اللقطاء. يختفي الشيخ بعد أن ترك له مبلغاً من المال ومصحفاً سرعان ما اكتشف أنه دفتر أرواح تدون فيه قصص غرائبية عن امرأة تذهب إلى مقام معروف الكرخي ومعها طفل في لفافة، تقدم له القرابين وتتركه وحيداً عند شباك الضريح، ويذهب لأخذه ويتخذه ابناً له. تكتسب هذه الواقعة في الرواية طابعاً فانتاستيكيا بسبب كونها محصلة لمنام، لكن عزيز لا يتوقف بعدها عن الذهاب إلى “وادي الفراشات”، فقد حلت فيه لعنة الفقد وترسخت داخله عقدة الشعور بالذنب. البطل الضد تكشف الرواية بوضوح عن ولع مؤلفها أزهر جرجيس بمتابعة سيرة البطل الضد أو البطل المهمش، ويقدمه شخصية هشة منذ البداية غير قادرة على الدخول في عمل جماعي لأنه يشعر بأنه مراقب من الجميع، فقد تعززت داخل روحه ثقافة الخوف كمحصلة لسنوات التسعينيات التي كانت تمثل أقسى فصول المأساة العراقية بعد الحصار والاستبداد. تشير الرواية إلى قدرة مؤلفها على تفكيك البنى التسلطية الراسخة في الذاكرة العراقية والمرتبطة قبل كل شيء بشخصية الأب الذي يتخلص منه الراوي عبر إزاحته وتهميش حضوره في الذاكرة، ويمنح الشقيق الأكبر صفات الرئيس كافة بسبب نزعته المستبدة، فهو “صاحب دولة لا يريد للآخرين أن يشاركوه في حكمها”. والملاحظ قدرة الروائي على نسج علاقاته السردية ضمن نسيج يتواشج ويعزز الارتباط بالتراث الشعبي، إذ تستدعى الطقوس المرتبطة بحوادث الموت كافة، وما يرافقها من مشاهد وأصوات تجمع بين حالات النحيب والبكاء ومواكب العزاء. وعلى رغم قدرة المؤلف وخبرته في تقديم شخوصه بكثير من العلامات النصية التي يجري تطويرها تباعاً، مع توالي الأحداث، إلا أن شخصية تمارا تثير حيرة القارئ في تكوينها الدرامي، فهي فتاة مدللة تمتلك مقومات الجمال والنفوذ العائلي لكنها بلا طموح، وتخجل من الصعود إلى المسرح على رغم أنها درسته وسقطت في شباك عزيز بسبب رسائله التي كتبها لها مستعيراً مفردات نزار قباني. ولعل شخص مهند، بتكوينه القائم على التحايل، يحفل داخل النسيج السردي بالمقدمات التي تبرر دوافعه للعمل في النشاط الدعوي، كمدخل لجمع المال بعد أن فشل في جمعه من تجارة شرائط الفيديو الجنسية. يستعمل جرجيس لغة ذات طابع تقريري ترغب في نقل الخبر والمعلومة، لكنها تتسم بالتكثيف وتستعير مجازاتها من الحياة اليومية، وتبرز المفارقات الساخرة وتزخر بنبرة تهكمية يسهل إدراكها بسبب قدرة المؤلف على تحويل الرواية إلى قالب لرواية المغامرات الدالة على سوء حظ بطلها المسحوق. يمثل عزيز الطبقة الوسطى العراقية في انتكاستها بعد الحرب العراقية -الإيرانية، وتكشف ما لحق بها من تدهور فأثمرت عن بطل فشل في كل شيء. تحمل الرواية مؤشرات صعود المد الديني وتمدده داخل مفاصل المجتمع العراقي بطريقة نزعت عنه طابعه المدني، فهناك إشارات إلى الدور الذي لعبه نظام صدام حسين في نشر كتيبات دينية وفي رعاية نشاط الحوزات. وتكشف الرواية بطرافة عن صور الصراع الفكري الذي دار على أرصفة بيع الكتب، ومراحل غلبة صور التدين السطحي، وهكذا ” نسي الناس ما حل بهم من جوع وضياع وانشغلوا بالآخرة”. المزيد عن: روائي عراقيروايةقصة حبالطبقيةالحربالخيبةالسردالفانتاستيكبغداد 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الأوبرا تمتزج بإيقاعات الجاز في “ليدي بي غود” next post برادي كوربيت من سجن النازية إلى فخ الرأسمالية You may also like “الحمار الذهبي” من أقدم السرديات الكبرى في التاريخ 29 ديسمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: بين “سقوط الأسد” و”مئة... 29 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يكتب عن العودة إلى دمشق: قصر... 29 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يكتب عن: العودة إلى دمشق.. عشوائية... 29 ديسمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: جدلية العلاقة بين ابن... 27 ديسمبر، 2024 جون هستون أغوى هوليوود “الشعبية” بتحف الأدب النخبوي 27 ديسمبر، 2024 10 أفلام عربية وعالمية تصدّرت المشهد السينمائي في... 27 ديسمبر، 2024 فريد الأطرش في خمسين رحيله… أربع ملاحظات لإنصاف... 27 ديسمبر، 2024 مطربون ومطربات غنوا “الأسدين” والرافضون حاربهم النظام 27 ديسمبر، 2024 “عيب”.. زوجة راغب علامة تعلق على “هجوم أنصار... 26 ديسمبر، 2024