الأحد, ديسمبر 22, 2024
الأحد, ديسمبر 22, 2024
Home » “انقلاب موسيقي” من إيغور سترافنسكي في أواخر حياته

“انقلاب موسيقي” من إيغور سترافنسكي في أواخر حياته

by admin

 

عودة مباغتة إلى “الموسيقى الدينية” وغوص في التسلسلي وتمهيد لخاتمة كلاسيكية مفاجئة

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

خلال الـ12 من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 1952 وفي قاعة تغص بالحضور داخل مدينة لوس أنجليس الأميركية، كان ثمة حفلة موسيقية لم يتوقع أي من المئات من محبي هذا الفن أن تشهد ثورة موسيقية، سيكون بطلها ذلك الموسيقي الروسي الأصل الباسم الملامح على رغم الحزن البادي في عينيه، والذي تزيد سنه على الـ70 عاماً. لم يكن أي من الحضور يتوقع أن يفاجئ إيغور سترافنسكي (1882-1971) قبل نحو عقدين من رحيله العالم بتقديم ذلك العمل الموسيقي الغنائي، الذي سيحمل منذ ذلك المساء عنواناً في غاية البساطة هو “كانتاتا” (مغناة) لكنه سيكون أكثر كثيراً مما يوحي به ذلك العنوان، سيكون تلك الثورة الموسيقية التي أشرنا إليها أول هذا الكلام. بل لنقل بصورة أكثر تحديداً، تلك الثورة المضادة الموسيقية على رغم أنها حملت بالتعريف لواء الموسيقى التسلسلية التي كان سترافنسكي من روادها الكبار، وأعلنت منذ اندلاعها أنها إنما تندلع كي تضع حداً للموسيقى الاثني عشرية التي كانت “تزعم” كونها الأخيرة بين ثورات القرن الـ20 في مضمار الموسيقى وعلاقة الموسيقى بالذهنيات العامة. ولا يجب أن يخفى على أحد هنا أن سترافنسكي نفسه كان من كبار مؤسسي ذلك التيار الموسيقي الذي ها هو يعلن نهايته بنفسه، ليسهم بدوره في ولادة البديل التسلسلي. وكان من علامات الزمن حينها أن يكون العام السابق 1951 هو نفسه عام رحيل شوينبرغ المؤسس الحقيقي للتيار المنهار، تيار الموسيقى الاثني عشرية. لقد بدا التوقيت غريباً وإن كان ملائماً تماماً لولادة شيء ما على أنقاض شيء ما آخر.

نهوض أم تراجع؟

للوهلة الأولى إذاً بدا الأمر وكأن سترافنسكي يثور على ذاته في محاولة منه للقيام بقفزة موسيقية مندفعة إلى الأمام، غير أن ذلك الموسيقي الروسي الأصل الذي كان بارح بلاده نهائياً منفياً إلى الغرب، دون أن يفرط في إعلان ذلك كخطوة سياسية ناشراً في طريقه وفي ذلك الغرب تجديدات جاء بها من فولكلوره الروسي الأصيل، ولكن كذلك من تأثر إلى حد كبير بالموسيقى الغربية التي كان من بين أنبه متلقيها في وطنه الأصلي، الذي كانت نخبته الثقافية تتوق إلى اتباع خطى ذلك الغرب مغلفة ذلك بألف قناع وقناع بحسب تعبير أحد مؤرخي جماعة “الخمسة”، التي أحدثت ثورة قبل حفلة لوس أنجليس بقرن من الزمان من خلال زعمها العودة إلى التراث المحلي كنقيض لما ابتكره تشايكوفسكي ورفاقه من “المتغربين”. غير أن تلك التنظيرات كلها إنما أسفرت عن موسيقى رائعة من “الخمسة” وممن هم عارضوا الخمسة فتوالت التيارات ثم نسيت لتبقى الأعمال نفسها في روعة تجديداتها وحتى روعة عودتها إلى القديم المحلي أو الأممي أو حتى الشرقي الخالص. ولعل هذا الدرس هو الذي أراد سترافنسكي إعلانه في ذلك العمل الذي كانت ليلة لوس أنجليس ليلته، مكتفياً بأن يعنونه “كانتاتا” جاعلاً منه ما يشبه أن يكون “ديواناً” يختصر علامات مشعة من تاريخ الموسيقى منذ موسيقى الأسرار الدينية مروراً بموسيقى الحانات التي كانت “كارمينا بورانا” لكارل أورف ذروة لها، مروراً بأورفيو مونتيفردي التي كانت أول أوبرا بالمعنى الحديث للكلمة في تاريخ الفن العالمي، وصولاً إلى ما عده صاحب العلاقة نقيضاً للاثني عشرية لكنه لم يكن في حقيقته سوى امتداد لها حمل كما نوهنا اسم الموسيقى التسلسلية. ديوان تاريخي؟ ثورة؟ تبدلات جذرية؟ ربما كل شيء معاً، ومن هنا بدا ذلك كله كعالم موسيقي بأكمله اكتفى مؤلفه بتوزيعه على ما يصل بالكاد إلى نصف دزينة من الآلات، كانت هي نجوم تلك السهرة في لوس أنجليس ولكن إضافة إلى صوتين هما “متزو سوبرانو” و”تينور”، وكورس يكاد يكون كنسياً. أما الأوركسترا المحدودة العدد فتتألف من آلتي ناي وآلة أوبوا وبوق إنجليزي وفيولونتشيللا. مع هذا المجموع المتواضع أعلن المؤلف الروسي الأصل ثورته ليلتذاك على أية حال.

أعمال سترافنسكي الموسيقية على أسطوانة (أمازون)

عودة الشيخ إلى إيمانه

بالنسبة إلى سترافنسكي، إذا كانت تلك الثورة خطوة على طريق تجديد موسيقي لم يتوقف مبدعو العالم عن الخوض فيه، فإن ذلك العالم نفسه رأى في ذلك كله إبداعاً فنياً قد يتسم بقدر كبير من نخبوية تقنية، لكنه في تلك السهرة استقبل بحفاوة كان من غريب أمرها أنها عابرة. فالحقيقة أن الهواة سرعان ما نحوا “كانتاتا” جانباً قبل أن ينسوا وجودها مقارنة بما يعرفونه من قبل من أعمال كبيرة لسترافنسكي نفسه، كانت ومنذ بدايات القرن الـ20 ذات حظوة لديهم، من “أعراس” إلى “تطويب الربيع” و”بتروشكا” وطبعاً “حكاية جندي”. والحقيقة أن الهواة العاديين وجدوا في ذلك العمل الجديد نوعاً قد يكون محبباً على أية حال من موسيقى ممتعة، ولكن ليس أكثر من ذلك. أما النخبويون فقد وجدوا فيها شيئاً مما كان سائداً من تراجع يتضمن تفاصيل تبرر وتوضح أهميته إن لم يكن في تاريخ الموسيقى، ففي الأقل في التاريخ الشخصي للمبدع نفسه. ووجدوا في الأمر ما يشبه عودة الفنان الذي دائماً ما عُرف بمشاكسته، إلى جذور مغرقة في القدم تشي بما يفعله المشاكسون المسنون عادة من البحث عن ضمانات إيمانية لهم وقد اقتربت آخرتهم! ولعل هذا كان في هذا المضمار من أغرب الأفكار التي تناولت ذلك العمل الذي كان مبدعه يريده أن يبدو خطراً في تاريخ الموسيقى بل نوعاً من ثورة ذاتية تقيم الدنيا ولا تقعدها. ويقيناً أن هذا الأمر في حد ذاته سيبدو لمؤرخي حياة سترافنسكي وعمله واحدة من الهزائم الكبرى التي مني بها خلال آخر سنوات حياته. غير أنه هو شخصياً لم يبال بذلك الاستنتاج كثيراً. بل إنه بدا مهتماً أكثر بالكم الكبير من الأبعاد الفكرية والإبداعية التي تضمنتها “الكانتاتا” في ما بدا بالنسبة إلى كثر نوعاً من تحيات وجهها الفنان إلى أسلاف له، معلناً سداد ما يدين به إليهم.

كثر منهم هنا

على رغم أن تلك المغناة لا تستغرق في عزفها زمناً طويلاً، لا شك أن كثراً من المتلقين وجدوا في الاستماع إليها وإلى فقراتها المتعاقبة، ولا سيما من تلك الفقرات القسمين المعنونين “ريتشيركاري واحد واثنين” (أي بحث 1 و2)، عدداً كبيراً من إشارات تستعيد مقطوعات موسيقية أو حتى مقاطع شعرية تعود في تاريخها إلى أزمنة مغرقة في القدم. ناهيك بسطور من حوارات مسرحية ومقاطع عابرة من أوراتوريو من هنا وآخر من هناك. وقس على ذلك، بحيث يجد المتلقي نفسه في دوامة من الشعر والغناء والمناجاة والتحاور تبدو محيرة له للوهلة الأولى، أي قبل أن يعتاد على التعامل معها بصورة يستقل بها عن ماضيها المعرفي. غير أن المشكلة كمنت هنا في أن كثراً اكتفوا حينها بالاستماع الأول، مما منع سترافنسكي من أن يحقق غايته المعرفية الأولى، وكذلك منعه من أن يظهر وبقوة نمطه الموسيقي الجديد الذي كان إطار تحركه الرئيس هنا، وبالتحديد النمط القائم على التسلسلية التي ستدين بوجودها إلى تلك الليلة التي سيفشل الفنان الكبير العابر حينها من الكهولة إلى الشيخوخة، في أن يعلنها كما يليق بها. كل ما في الأمر حينها أن الجمهور المحب للموسيقى الحقيقية راح يتعامل مع “كانتاتا”، وانطلاقاً من تركيز ما على توجيه التحية فيها إلى “أورفيو” مونتيفيردي على أنه في صدد إحياء للكلاسيكية الخالصة، فوسم تلك القطعة بأنها نيو-كلاسيكية وكفى الله المعجبين شر التبحر في حداثة… لا مكان لها!

المزيد عن: إيغور سترافنسكيالموسيقى التسلسليةالفولكلور الروسيمونتيفيردي

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00