ثقافة و فنونعربي انتحار ستافسكي يفجّر فضيحة سياسية/ مالية في فرنسا by admin 26 يوليو، 2020 written by admin 26 يوليو، 2020 189 فيلم آلان رينيه يأتي ليؤكد أن لليسار أيضاً فضائحه اندبندنت عربية/ إبراهيم العريس باحث وكاتب منذ شهور قليلة، أي مباشرة قبل استشراء وباء كورونا والتزام الناس بيوتهم وإغلاق صالات السينما أبوابها في معظم مدن العالم، كان واحد من آخر الأفلام الفرنسية المعروضة في الصالات، فيلماً عن قضية درايفوس من تحقيق السينمائي البولندي الأصل رومان بولانسكي المقيم في فرنسا منذ سنوات. لقد أثار الفيلم ضجة كبيرة وسجالات برز من خلالها سؤال محق عن ندرة الأفلام التي تُحقّق في الآونة الأخيرة لتتناول تلك القضايا الكبرى التي عرفها العالم خلال القرن العشرين وربما ما قبله. وكانت مناسبة ملائمة لتذكّر حقبة طغى فيها هذا النوع من الأفلام حتى في نشاط سينمائيين كانوا يبدون أبعد ما يكونون عن اهتمامات مثل هذه، وبالتحديد يومها ذُكر فيلم يبدو منسياً بعض الشيء اليوم لواحد من أكثر المخرجين الفرنسيين إبداعاً، ولكن كذلك أكثرهم ابتعاداً عن سينما السياسة المباشرة: آلان رينيه. وتذكر غلاة الهواة كيف أنه كانت ثمة مرحلة في مسار رينيه حدث خلالها تقاطع سينمائي بينه وبين زميله الأميركي/ الإنجليزي جوزف لوزاي بدا فيها وكأن كلاً منهما يحقق فيلم الآخر بل تعاونا مع كتاب سيناريو كانوا هم أنفسهم في عدة أفلام متقاطعة. حينها لئن حقق لوزاي فيلماً عن “اغتيال تروتسكي” من تمثيل ريتشارد بيرتون والفرنسي آلان ديلون، أقدم رينيه على تحقيق فيلم فرنسي من بطولة جان بول بلموندو يرتبط بصلة ما بتروتسكي بحيث اختلط الفيلمان ببعضهما البعض وتطابقا في الذاكرة السينيفيلية، كما كانا متقاربين في الذاكرة التاريخية. وفيلم رينيه المعني هنا هو “ستافسكي” الذي يدور من حول واحدة من الفضائح الإقتصادية/ السياسية الكبرى التي عرفها التاريخ الفرنسي خلال النصف الأول من القرن العشرين. انتحار غامض في كوخ منعزل والحقيقة إذا كانت الذاكرة السينيفيلية تحتفظ بمشهد أساسي من مشاهد فيلم “ستافسكي” (1974) فإن المشهد يدور تقريباً على الشكل التالي: ثمة كوخ شتوي غارق في هدوئه، الثلج يحيط به من كل جانب، لا صوت هناك، سوى صوت حفيف الرياح الآتي من البعيد، ولا أثر لحياة في المكان إذا استثنينا خيطاً رفيعاً من الدخان يعلو السقف القرميدي، لينبئ بأن ثمة حركة ما. رجال الشرطة يطوّقون المكان، من دون أن يقتربوا منه على الرغم من أن أحداً لم يكن يقاومهم. والغريب في الأمر أن رجال الشرطة راحوا يبالغون في انتظارهم قبل أن يقرروا، أخيراً، الدخول إلى الكوخ. في الداخل رأوا بأم أعينهم المشهد الذي كانوا يتوقعون رؤيته من دون أدنى ريب: رأوا السيد ألكسندر مستلقياً يتنفس بصعوبة وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، على صدغه دماء تسيل من ثقب، وفي يده مسدس من نوع هيرستال لا تزال فوهته ساخنة. كان من الواضح أن السيد ألكسندر قد انتحر. ولكن كان من الواضح أيضاً أن الشرطة هي التي أعطته، في انتظارها، ما يكفي من الوقت كي ينتحر. كان من الواضح، بكل اختصار، أن السيد ألكسندر دُعي للانتحار، لأن حياته لم تعد مفيدة لأحد، ولأنه لو حدث وألقي القبض عليه، لخرجت من بين شفتيه حكايات ومعلومات تهز الطبقة السياسية الفرنسية بأسرها. ملصق فيلم آلان رينيه (1974) كل التفسير السياسي في مشهد واحد في الواقع إن ذلك المشهد حمل جوهر الفيلم كله. بل التفسير السياسي لحادثة انتحار ظلت تشغل بال الفرنسيين طويلاً من دون أن يجدوا تفسيراً لها. وبعد نصف قرن حينها، أتى الفيلم ليفسر الأمور باحثاً من جديد عن دور للسينما في حركة التاريخ. فما الذي قاله لنا الفيلم: قال أولاً إن اسم السيد ألكسندر لم يكن كذلك، بل كان يخفي وراءه اسماً هز الأوساط المالية والمصرفية الفرنسية، ومن ثم أوساط رجال السياسة والحكم، فحياة السيد ستافسكي (وهذا هو اسمه الحقيقي) خلال السنوات الأخيرة كانت سلسلة من المغامرات وأعمال النصب التي اختلطت فيها السياسة بالاقتصاد والصفقات المالية بالقوانين والاستثناءات الخاصة، وعرفت كيف تورط أساطين السياسة والحركة المصرفية. وهكذا حين انكشف أمر الرجل أخيراً وبات لا بد من اعتقاله، كان من الأفضل التخلص منه بالانتحار إذا أمكن، ولكن بالقتل إذا تبين أنه لن يقدم على الانتحار. والأرجح أن الرجل استجاب لدعوة الانتحار لأن الفضيحة كانت هذه المرة أكبر من أن تحتمل. مهما يكن، أتى الفيلم ليذكرنا بأن العصر كان في فرنسا (كما في غيرها) في ذلك الحين ـ سنوات الثلاثين من القرن العشرين ـ عصر الفضائح المالية الكبرى، العصر الذي اختلطت فيه حياة الناس الشخصية بمغامراتهم لأي نوع انتمت. ولم يكن ستافسكي، إذن، استثناءً لكنه كان الأكثر شهرة والأكثر جرأة والأكثر تحقيقاً للأرباح. الفضيحة الآتية من موسكو فالحال أن ذلك المغامر الساحر، الذي وُجد منتحراً على ذلك النحو في أحد أيام يناير (كانون الثاني) 1934 في كوخه في شامونيكس وسط جبال الألب الفرنسية، كان حين قرر غزو الحياة السياسية والمالية الفرنسية لا يغيب عن باله أنه غريب آت من روسيا وأنه سيظل يعتبر غريباً وسيعامل معاملة الغرباء إلا إذا كوّن لنفسه ثروة يشتري بها الناس ودهاقنة السياسة، ولقد ساعده على ذلك ذكاؤه الشديد، وطمع العديد من رجال الحكم في فرنسا ذلك الحين، من الذين كانوا على الدوام في انتظار من يحركهم ويستخدم نفوذهم ثم يقاسمهم الأرباح. وستافسكي كان على استعداد دائم للعب اللعبة، ولم يردعه عنها حتى ولا انتحار أبيه، طبيب الأسنان، في 1926، حين علم بأولى فضائح ابنه المالية. كان ستافسكي مغامراً أفاقاً لا يردعه رادع، ولقد زاد من جرأته زواجه من الحسناء آرليت سيمون، ومشهد فرنسا في ذلك الحين بوصفها بلد “أموال سائبة تعلم الناس الحرام”. ومن هنا راح يركض، من بلدة إلى مدينة، متنقلاً بين البنوك والبلديات. وكانت الوصفة بسيطة: في ذلك الحين كانت المصارف البلدية مخولة بأن تقرض الناس أموالاً كبيرة مقابل رهونات يودعونها لديها، ثم تصدر مقابل تلك الأموال صكوكاً تباع للمستثمرين بضمانة الرهونات. وكانت لعبة ستافسكي تقضي بأن يصدر من الصكوك ويبيع للجمهور، كميات تفوق قيمة الرهونات بكثير، وذلك بالتواطؤ مع رؤساء البلديات (وبخاصة الراديكاليين – الاشتراكيين منهم، الذين استضافوا تروتسكي حين وصوله إلى فرنسا فأمن هذا الحضور نوعاً من غطاء يساري لستافسكي ما يفسّر حضور تروتسكي ولو بشكل عابر في الفيلم)، ومع مديري المصارف الذين كانوا ينالون حصصهم. والأدهى من هذا أن ستافسكي كان يستخدم أموال البلديات لإقراض البنوك، ثم أموال البنوك لإقراض الناس… الخ. اقرأ المزيد أغنيس فاردا ومكانتها في قلب الحركة السينمائية الفرنسية الجديدة لماذا يبقى “برسبوليس” أحد أعظم أفلام التحريك في زمننا؟ لليسار أيضاً فضائحه! بعد إفلاسات عدة انكشفت لعبة ستافسكي الذي كان خلال السنوات الأخيرة من عمره يستخدم الأموال لخوض حياة عابئة يتنقل خلالها بين كان وبياريتز ودوفيل، وهي حياة صورها المخرج آلان رينيه بشكل رائع في الفيلم الروائي الذي ننطلق من الحديث عنه هنا، وصدر أمر بالقبض على الرجل. وراحت الجماهير تؤلب ضده من قبل الروابط القومية اليمينية المتطرفة التي وجدت في يهوديته مادة رائعة لدعاياتها المعادية للسامية. وسادت فرنسا تظاهرات عنيفة وبات لا بد من القبض عليه. ولكن كان من الواضح أنه لو قبض عليه حياً، سوف يتكلم ويفضح كبار القوم. إذن، لا بد من التضحية به، وهكذا أعطته الشرطة وكما يروي لنا الفيلم، ما يكفي من الوقت كي ينتحر. ومع ذلك افتُضحت القضية وسقطت رؤوس، وسقطت الحكومة المتواطئة معه، وعثر على جثث أخرى قيل إنها لأناس انتحروا وقيل إنها لأناس نحروا، واعتقلت الفاتنة زوجة ستافسكي، وكان من الممكن للفضيحة أن تتواصل لولا أن أتى حكم الجبهة الشعبية اليساري فلف القضية برمتها. ثم أتى فيلم آلان رينيه الذي بدا أميناً للحقيقة التاريخية ليحييها من جديد ولو ليقول إن اليسار أيضاً لم يكن منزهاً عن الفضائح. وربما من هنا ذلك الفشل النقدي الذي كان من نصيب الفيلم حين عرض في مهرجان “كان” مقابل نجاح جماهيري كبير اجتذب لمشاهدته أكثر من 300 ألف متفرج في فرنسا وحدها ما بدا استثنائياً في مسيرة ذلك المخرج الطليعي الذي لم تعتد أفلامه سوى جمهور النخبة فإذا بالفضيحة تضاعف العدد مرات ومرات! المزيد عن: رومان بولانسكي/آلان رينيه/جوزف لوزاي/فيلم اغتيال تروتسكي/فيلم ستافسكي 27 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post البشر وصلوا إلى القارة الأميركية قبل 11 ألف سنة مما ظنه العلماء سابقا next post “سيدة أميركا” دراما تاريخية تقدم رموز حركة تحرير المرأة You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 27 comments зарубежные сериалы смотреть онлайн 24 مارس، 2024 - 11:22 م My family members all the time say that I am wasting my time here at net, but I know I am getting experience every day by reading such nice articles. Reply бот глаз бога телеграмм 10 أبريل، 2024 - 1:40 م I will right away grab your rss as I can not find your email subscription link or newsletter service. Do you have any? Please permit me recognize so that I may just subscribe. Thanks. Reply steam cs live casino website 2024 8 مايو، 2024 - 12:48 م Heya i’m for the primary time here. I came across this board and I find It truly useful & it helped me out a lot. I am hoping to provide something back and help others like you helped me. Reply University 15 مايو، 2024 - 5:31 م One of the leading academic and scientific-research centers of the Belarus. There are 12 Faculties at the University, 2 scientific and research institutes. Higher education in 35 specialities of the 1st degree of education and 22 specialities. Reply Гостиничные Чеки СПБ 25 مايو، 2024 - 5:10 ص Hi, Neat post. There is a problem with your site in internet explorer, may check this? IE still is the marketplace leader and a large section of other people will miss your great writing due to this problem. Reply купить удостоверение тракториста машиниста 30 مايو، 2024 - 11:39 ص I think this is one of the most significant information for me. And i’m glad reading your article. But want to remark on few general things, The website style is perfect, the articles is really excellent : D. Good job, cheers Reply 乱伦色情 4 يونيو، 2024 - 6:50 ص What’s up it’s me, I am also visiting this web site regularly, this web site is actually pleasant and the users are in fact sharing nice thoughts. Reply www.russa24-diploms-srednee.com 10 يونيو، 2024 - 3:15 م This is a topic that is close to my heart… Take care! Where are your contact details though? Reply hot fiesta игровой автомат 12 يونيو، 2024 - 4:42 م What’s up to all, how is everything, I think every one is getting more from this website, and your views are good for new users. Reply Теннис онлайн 27 يونيو، 2024 - 5:22 م Why users still use to read news papers when in this technological world all is accessible on net? Reply Теннис онлайн 30 يونيو، 2024 - 5:51 ص It is appropriate time to make some plans for the future and it is time to be happy. I have read this post and if I could I want to suggest you few interesting things or suggestions. Perhaps you could write next articles referring to this article. I want to read more things about it! Reply Теннис онлайн 1 يوليو، 2024 - 7:31 ص Hey there, You have performed an excellent job. I will definitely digg it and in my opinion recommend to my friends. I am sure they will be benefited from this site. Reply Прогнозы на футбол 3 يوليو، 2024 - 12:47 ص Hello there, You have done a great job. I will definitely digg it and personally recommend to my friends. I am sure they will be benefited from this site. Reply Прогнозы на футбол 4 يوليو، 2024 - 3:24 ص I constantly spent my half an hour to read this blog’s posts every day along with a cup of coffee. Reply строительство автомойки под ключ 6 يوليو، 2024 - 1:12 م Строительство автомойки под ключ – это наш профиль! Обещаем качество, соблюдение сроков и построение устойчивого бизнеса от идеи до открытия. Reply Прогнозы на футбол 9 يوليو، 2024 - 11:14 ص I got this site from my pal who told me concerning this web site and now this time I am visiting this website and reading very informative posts at this place. Reply Прогнозы на футбол 10 يوليو، 2024 - 7:23 ص I think the admin of this website is really working hard for his site, because here every stuff is quality based stuff. Reply автомойка под ключ 15 يوليو، 2024 - 8:14 ص Предлагаем строительство автомоек под ключ для вашего бизнеса. Всё будет выполнено быстро, качественно и по конкурентоспособным ценам. Reply строительство автомойки под ключ 15 يوليو، 2024 - 4:46 م “Строительство автомойки” возлагает на нас полную ответственность за проект, включая выбор оборудования, стандарты безопасности и управление проектом. Reply строительство автомойки 16 يوليو، 2024 - 1:20 ص Строительство автомоек под ключ – это возможность получить готовое к эксплуатации и прибыльное предприятие без лишних хлопот. Reply автомойка под ключ 16 يوليو، 2024 - 9:47 ص Заказывая автомойку под ключ, вы получаете полный комплекс услуг, который включает выбор местоположения, проектирование, строительство и установку оборудования для качественной мойки авто. Reply автомойка под ключ 16 يوليو، 2024 - 6:35 م Автомойка самообслуживания под ключ – наше предложение для тех, кто ценит эффективность и инновации. С нашей помощью вы войдете в рынок быстро и без проблем. Reply мойка самообслуживания под ключ 17 يوليو، 2024 - 3:36 ص Преимущество строительства автомойки под ключ заключается в оперативности запуска проекта и минимизации забот для заказчика, так как исполнитель берет на себя все этапы работ. Reply мойка самообслуживания под ключ 17 يوليو، 2024 - 12:25 م Предлагаем строительство автомоек под ключ по индивидуальным проектам. Все работы выполняются в срок и с гарантией. Reply купить JAC 19 أغسطس، 2024 - 3:04 م Hello! I could have sworn I’ve been to this blog before but after browsing through some of the posts I realized it’s new to me. Nonetheless, I’m definitely pleased I discovered it and I’ll be bookmarking it and checking back frequently! Reply theguardian.com 22 أغسطس، 2024 - 6:55 م Hmm it seems like your website ate my first comment (it was extremely long) so I guess I’ll just sum it up what I submitted and say, I’m thoroughly enjoying your blog. I as well am an aspiring blog blogger but I’m still new to the whole thing. Do you have any helpful hints for novice blog writers? I’d certainly appreciate it. Reply theguardian.com 23 أغسطس، 2024 - 3:01 م My brother suggested I would possibly like this website. He was totally right. This submit actually made my day. You cann’t believe just how so much time I had spent for this information! Thank you! Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.