مشهد من فيلم _المطر الأسود_ لشوهاي إيمامورا (موقع الفيلم) ثقافة و فنون الياباني إيبوزي يستجمع أصوات ومصائر ضحايا حروب الآخرين by admin 27 أبريل، 2025 written by admin 27 أبريل، 2025 18 “المطر الأسود” أول عمل إبداعي يسبر أعماق من ورثوا آثام قنبلتي هيروشيما وناغازاكي وأصبحوا طائفة من الهامشيين المنبوذين في مجتمعهم اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب عندما وقع قبل نحو خمس سنوات من الآن، وفي مدينة بيروت بالتحديد ذلك الانفجار الإجرامي الضخم الذي ها هو يستعاد وذكراه اليوم بعدما عاد التحقيق في المسؤولية فيه التي جعلت منه ثالث أكبر انفجار في التاريخ الحديث، حدث – وكما يحدث دائماً في كل مرة تدمر فيها مدينة في عالمنا هذا، سواء كان التدمير بفعل الطبيعة أو بفعل قسوة “الإنسان” على أخيه الإنسان – حدث أن عاد إلى أذهان هواة السينما الجادة واحدة من أشهر العبارات في تاريخ الفن السابع خلال النصف الأخير في القرن الـ20، عبارة “أنت لم تشاهدي شيئاً في هيروشيما”. وهي العبارة الحاضرة في طول وعرض فيلم الفرنسي آلان رينيه “هيروشيما… يا حبي“، هذا الفيلم أخرجه رينيه الذي سيعد واحداً من أهم أقطاب الموجة الجديدة في السينما الفرنسية، أواخر سنوات الـ50 من القرن الـ20، كفيلم روائي طويل أول له عن نص كتبته الروائية – والسينمائية اللاحقة – مرغريت دورا، بعدما كان حقق قبله بضع تحف تسجيلية من أهمها “ظلال وضباب” الذي كان واحداً من أول الأفلام المهمة التي تحدثت عن حرق النازيين ملايين اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، لكن الحقيقة هي أن “هيروشيما… يا حبي” كان منتمياً إلى الكاتبة دورا، أكثر من انتمائه إلى رينيه. ثم إن الفيلم بدأ تسجيلياً أكثر منه روائياً. وإلى هذا كله تغلف هيروشيما ومأساتها الكامنة في قصف الأميركيين لها، ولأختها ناغازاكي بأول قنبلتين نوويتين قاتلتين الأخيرتين كما يأمل الناس جميعاً في تاريخ البشرية، تغلف الفيلم لكنها ليست موضوعه الأساس، موضوعه كان حكاية حب بين ممثلة فرنسية ومهندس ياباني شاب على خلفية ذكرى هيروشيما ودمارها. إبداع حول مجزرة ومع هذا اعتبر الفيلم فاتحة إبداع يتناول تلك المجزرة الرهيبة، وظل له مكان أول في سلم تراتبية أعمال هيروشيما، حتى عام 1989، حين ظهر فيلم “المطر الأسود” الذي حققه الراحل لاحقاً شوهاي إيمامورا، عن رواية كانت صدرت في عام 1966 في اليابان لتعتبر، وعن حق، رواية هيروشيما من دون منازع. مقارنة بـ”المطر الأسود” لم يعد لـ”هيروشيما… يا حبي” سوى أهمية تاريخية. ذلك أن تلك الرواية، ثم فيلمها من بعدها بنحو ربع قرن، أتيا للإجابة عن سؤال استنكاري كبير: لماذا تأخرت هيروشيما قبل أن تلهم الأدباء والفنانين، في اليابان خصوصاً؟ الحقيقة أن اليابانيين كتبوا كثيراً عن هيروشيما، كتبوا أدباً ودراسات وتحقيقات وسجلوا شهادات وما إلى ذلك. غير أن كل ذلك الإنتاج ظل حدثياً، آنياً لا قيمة إبداعية كبيرة له، حتى وإن كانت قيمته التاريخية كبيرة، ولا سيما بوصفه نصوصاً تفصح عن نظرة الشعب أيضاً إلى تلك الجريمة التي ارتكبها الأميركيون في حقه. أما “المطر الأسود” فقد أتت إبداعاً خالصاً، ذلك أنها – كرواية ثم كفيلم – تجنبت التعبير المباشر والوصف الميداني الذي ما كان في إمكانه أن يحمل جديداً، لتتناول المأساة من خلال انعكاسها على البشر، ما دام صورة المأساة نفسها، الحسية، تفقد بسرعة أهميتها وقدرتها على التعبير، إذ تستخدم وتستخدم، بحيث تتسم في نهاية الأمر بتلك “العادية المقلقة” التي يمكن الإشارة إليها هنا. ويقيناً أن في إمكاننا في هذا السياق أن نفتح هلالين لنقارن: صور أحداث 11/9/2000 الإرهابية في نيويورك والعمارتين المتساقطتين والوجوه المرتعبة، من ناحية، وحكاية الشرطي الإطفائي ذات النزعة الإنسانية، التي صورها أوليفر ستون في فيلمه عن تلك الجريمة الإرهابية، من ناحية ثانية. ذلك أن المهم في الأحداث ليس كيف حدثت والشكل الذي تتخذه الجغرافيا الموضعية كنتيجة لذلك، بل مدى تأثير ما حدث على الكائن الوحيد المعني به: الإنسان. ولا سيما الإنسان الذي لا يكون له، في الأساس، أي دخل في الأمر برمته. ذلك أن الذين “لهم دخل”، يكونون دائماً سبب المأساة لا ضحيتها، انطلاقاً من أننا، إذا ما كنا نتحدث هنا عن الحروب والصراعات ونتائجها، نعرف جيداً أن كل صراع يحتاج إلى طرفين لكي يوجد ويكون قاتلاً، والطرفان عادة مسؤولان حتى ولو سمي أحدهما “جلاداً” والآخر “ضحية”!. إيبوزي صاحب الرواية الاستثنائية (موقع الأدب الياباني) الضحية الحقيقية إذاً، بعد هذا التوضيح الذي كان لا بد منه في هذا السياق، نعود للضحية الحقيقي: أي الإنسان الذي يأتي من خارج الصراع والرغبة فيه ويكون هو من يدفع الثمن. والإنسان هنا، في رواية “المطر الأسود” فتاة شابة تدعى يازوكو، تعيش مع أسرة عمها شيفيماتسو، وهم جميعاً ينتمون إلى طائفة خاصة من اليابانيين “ولدت” من رحم كارثة هيروشيما/ ناغازاكي، وتتألف من أفراد أصيبوا بالإشعاعات الذرية فنحوا جانباً، لخطرهم على حياة الآخرين… وصار من المستحيل الزواج منهم أو معاشرتهم أو حتى الاقتراب من حيث يعيشون. والأدهى من هذا أن المحتل الأميركي، الذي غزا اليابان إثر استسلامها أمام هول القصف الذري، تواطأ مع السلطات المحلية، لإسكات هؤلاء الناس خلال عشرات السنين بفعل قانون للصحافة صدر عام 1945، ومنع أي إشارة في أي مقال أو كتاب أو أي نص، إلى القنبلة وما فعلته بالبلد. وهكذا تجد يازوكو نفسها محرومة من الزواج على رغم كل الحيل والحلول التي يصيغها عمها. إذ إن كل عائلات الخطاب كانت سرعان ما تبتعد حين يتناهى إلى علمها أن يازوكو قد مرت في واحدة من عواصف “المطر الأسود” المرعبة التي تكاثرت بعد رمي القنبلتين. وإذا كان ما ترويه هنا بالنسبة إلى حياة العائلة قد جرى سنين بعد القصف، فإن ثمة مشاهد تعيدنا إلى تلك الأحداث، نطلع عليها من خلال اليوميات التي كتبها شيفيماتسو أثناء القصف وبعده. المهم أننا هنا، من خلال حياة هذه العائلة، نجد أنفسنا في قلب الاستبعاد الفردي والجماعي كمأساة إضافية، ظلت مسكوتاً عنها سنوات وسنوات، مرتبطة بحدث هيروشيما وناغازاكي. ولقد صورته الرواية – كما الفيلم بعد ذلك – بطريقة أخاذة تضع المتلقي في قلب تاريخ الناس البسطاء الطيبين وقد وقعوا، غالباً دون علم أو إرادة منهم، في شرك التاريخ الكبير: تاريخ الدول والأمم وتاريخ ألعاب الجيواستراتيجية، التي، ليس فيها عداوات دائمة أو صداقات دائمة. كل شيء فيها موقت، أما الدائم فهو المآسي التي تكون من نصيب الناس العاديين الذين، هم، لا يتقنون فنون التحليل السياسي المعمق وانقلاب التحالفات! دور للهامشيين ومؤلف الرواية ماسوجي إيبوزي، لكي يجعل الصورة أكثر وضوحاً وفصاحة، يرسم في روايته شخصية هامشية أخرى هي شخصية الجندي السابق يووشي، الذي يبدأ ذات لحظة اهتماماً فائقاً بالصبية يازوكو. يووشي ليس من المصابين بما ترتب على انهمار “المطر الأسود”، لكنه في المقابل كان جندياً خاض الحرب. وها هو الآن ينفعل بصورة تقرب من الجنون ما إن يسمع ضجيج محرك لعربة، أي عربة من أي نوع، لينفعل ويركض منحنياً تحت عجلات العربة ويقوم بحركات سريعة تشبه حركات من يزرع قنبلة بين تلك العجلات. إنه يتصور العربة تابعة للجيش الأميركي ويتخيل نفسه مكلفاً مهمة زرع قنبلة تحت العربة لتنفجر. من هنا ينجز مهمته ثم يخرج من بين العجلات سعيداً وهو يصرخ بانتصار: “لقد أنجزت المهمة”… ويحدث له أحياناً، مثل كل المنتصرين البائسين أن يرفع يده علامة النصر. هو الآخر من بين المنتصرين إذاً. هنا لا بد أن نشير إلى من يرى الفيلم أو يقرأ الرواية أنه لن يعثر إثر لهذه الشخصية في الرواية مع أنها موجودة في الفيلم، إذ يذكر الباحث الفرنسي جان – مارك جنويت، الذي استندنا إلى نص له للحصول على معلومات إضافية حول علاقة الفيلم بالرواية، إلى أن إيمامورا استقى شخصية يووشي من قصة أخرى لإيبوزي. والحقيقة أن هذه الاستعارة لا تبدو زائدة في الفيلم، إذ إن شخصية يووشي تتكامل تماماً مع شخصية يازوكو، لتشكلان معاً، صورتين لما سماه جنويت في نصه “اليابان الجريحة المهزومة” ولكن ليس فقط بفعل الحرب وقنبلتي هيروشيما وناغازاكي، بل كذلك بفعل الآثار الطويلة التي نتجت وظلت حاضرة عقوداً من السنين. بفعل الأكاذيب الكثيرة التي مورست وانتشرت بعد الحرب وبعد الكارثة، في محاولة لإسكات صوت الحقيقة. هذا الصوت الذي، بعدما تولى كثر التعبير عنه باسم اليابانيين، استحوذ هؤلاء عليه ليصير جزءاً من ملكتهم الإبداعية، ولتكون رواية “المطر الأسود” خير شاهد عليه… على ما حدث حقاً. المزيد عن: هيروشيماالمخرج الفرنسي آلان رينيهالحرب العالمية الثانيةالنازيةالمخرج الياباني شوهاي إيمامورافيلم المطر الأسودالروائي الياباني ماسوجي إيبوزي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post المدعية في قضية الملياردير جيفري إبستين انتحرت في أستراليا next post هل ما زال فن الغرافيك صوتاً للجماهير كما في الزمن الايديولوجي؟ You may also like “6 أيام” فيلم استثنائي لكنه مصاب بلوثة الاقتباس 27 أبريل، 2025 هل ما زال فن الغرافيك صوتاً للجماهير كما... 27 أبريل، 2025 إدوارد مونخ: وجوه بين العزلة والجنون 26 أبريل، 2025 رحيل محسن جمال رائد الأغنية المغربية العصرية 25 أبريل، 2025 شعر تحذيري للإنجليزي سوينبرن في معمعان السياسة الأوروبية 25 أبريل، 2025 “نافذة على الشعر الصيني” مختارات من الحقبات القديمة... 25 أبريل، 2025 أكثر اللحظات الصادمة التي غيرت مجرى الأفلام عبر... 25 أبريل، 2025 بيلاسكويث رسم لوحته الأكثر إنسانية بعد 10 أعوام... 24 أبريل، 2025 مهى سلطان تكتب عن: حادثة واحدة وحروب كثيرة... 24 أبريل، 2025 عبده وازن يكتب عن: نجوى بركات تروي تراجيديا... 24 أبريل، 2025