الثلاثاء, أبريل 22, 2025
الثلاثاء, أبريل 22, 2025
Home » الوجه الخفي لفيرجينيا وولف في مقالاتها المجهولة

الوجه الخفي لفيرجينيا وولف في مقالاتها المجهولة

by admin

 

الأوساط الأدبية تحتفل بمئوية روايتها “السيدة دالواي”

اندبندنت عربية / لنا عبد الرحمن

في عصر تلاشي الحدود بين الأدب والإعلام، وتحول الكتابة السريعة على منصات التواصل الاجتماعي إلى ميدان للنقاشات الفكرية والمعارك الثقافية، تعود فرجينيا وولف إلى الواجهة من جديد، ليس كشبح أدبي، بل كقوة حيوية تتردد أصداؤها في قلب أسئلة الحداثة. ففي مناسبة الذكرى المئوية لروايتها الرائدة “السيدة دالواي” (1925) تتجلى وولف كموجة نسوية هادرة، تعود إلى أرفف المكتبات الباريسية في إصدارات نادرة تعيد إحياء نصوصها، وترجمات جديدة تفتح آفاقاً مغايرة لعوالمها، ودراسات جريئة تكشف النقاب عن وجوه أقل شهرة لـ”الكاهنة العليا” للأدب الحديث، مبرزة كيف شكلت رؤيتها المتفردة جسوراً بين عصور الأمس وتحديات اليوم.

تتنوع الإصدارات، من طبعة “البلياد” الفاخرة، التي تجمع “السيدة دالواي” مع روايات أخرى بترجمة منقحة، إلى إصدار ثنائي اللغة لـ”غرفة تخص المرء وحده” بعنوان جديد: “مكان لي” بترجمة ماري داريوسك، وصولاً إلى مختارات نادرة تنشر لأول مرة في طبعة الجيب، تحت عنوان “المرأة في المرآة”.  ولكن ماذا تضيف هذه الموجة الجديدة لقراءة إرث وولف اليوم، في زمننا هذا المفرط في ضجيجه التواصلي والمتناقض مع مفهوم العزلة؟ هل تطل “السيدة دالواي” مثل مرآة عتيقة، كي تعكس تشظينا المعاصر وتخبرنا أنه كلما زاد العالم اتصالاً اشتدت وحدتنا!

الصحافية المستترة

تتشابك تجربة وولف كصحافية وروائية ومفكرة مع تساؤلاتنا المعاصرة حول الهوية والجندر والكتابة. تتجسد عودتها في قلب هذه الاحتفالية، عبر كتاب صغير مثير للجدل: “ڤيرجينيا وولف، صحافية”، دار آبوجي، للباحثة ماريا سانتوس ساينز، الذي يحطم صورة الكاتبة المنعزلة في برجها العاجي.

كتاب “فيرجينيا وولف: صحافية” (دار ابوجيه)

 

غالباً ما طغت شهرة فيرجينيا الأدبية في الأدب والدراسات، لكن الصحافة أدت دوراً حاسماً في انطلاقتها الأدبية، حين شكلت مدرسة للكتابة، أسهمت في صقل أسلوبها وتطوير مقاربتها مواضيع ستتناولها لاحقاً في أعمالها المهمة، كذلك فإنها اختبرت في الصحافة حدود حرية التعبير، وصقلت رؤيتها النسوية قبل أن تعبر عنها في كتبها، في مقال عام 1931 كتبت: “الصحافة ليست مرآة للواقع، بل مطرقة نكسر بها جدران الصمت”.

وفقاً للدراسة، كتبت وولف بانتظام لمجلات جماهيرية مثل “فوغ” و”بي بي سي”، وأدارت حواراً مع القارئ العادي بلغة تخلو من تعقيداتها الأدبية، ومارست الكتابة الصحافية طوال حياتها بأكثر من 500 مقال، كما نشرت تحت أسماء مستعارة أحياناً، فهل كان ذلك هروباً من قيود الرواية أم بحثاً عن صوت أكثر حرية؟ الكتاب يفتح نافذة على وولف “المراوغة”، التي حولت زوايا الصحف إلى مختبرات لأفكارها الثورية، من التعليم النسوي إلى نقد النظام الطبقي، لتثبت أن الصحافة لم تكن هواية هامشية، بل ورشة أفكار انطلقت منها شرارة أعمالها الروائية.

طفولة حرة

لعل القصة الأكثر دلالة، تبدأ في غرفة أطفال عائلة ستيفن عام 1891، هناك تحمل فرجينيا ذات السنوات التسع قلمها لتحرير صحيفة “هايد بارك غيت نيوز” العائلية مع شقيقيها. لم تكن تسجل تفاصيل الحياة اليومية وحسب، بل كانت تدشن صوتها الساخر الذي سيطبع لاحقاً مقالاتها النقدية. كان والدها ليزلي ستيفان، وهو صحافي مرموق، القارئ الأوحد، لكن فرجينيا الصغيرة تعاملت مع المهمة بجدية تنذر بمصيرها، تقول ماريا سانتوس: “كانت تنقح النصوص بعين لا تغفل فاصلة”.

قبل أن تصبح أيقونة أدبية كانت وولف امرأة عملية تبحث عن لقمة العيش، في 1904، وعندما كانت في الـ22، نشرت أولى مقالاتها المدفوعة في “الجارديان”، تبعها تعاون مكثف مع “ملحق التايمز الأدبي”. أعواماً كانت المقالات الصحافية مصدر دخلها الوحيد، قبل صدور روايتها الأولى “الرحلة إلى الخارج” عام 1915، حتى بعد الشهرة استمرت في الكتابة للصحف، حتى قبل أشهر من رحيلها المبكر عام 1941، وكأنها ترفض الانفصال عن ذاك العالم الواقعي الذي استمدت منه شخصياتها الروائية المعذبة.

دراسة ماريا سانتوس تقدم تفسيراً جريئاً لهذا الأمر، يمكن وضعه ضمن تأويل صناعة الهالة. ترى المؤلفة أن المؤسسة الأكاديمية، التي قدست وولف كـ”كاهنة الحداثة النسوية”، رأت في مقالاتها الصحافية تهديداً لأسطورتها. كيف لعقل أدبي متسامٍ أن ينزل إلى ساحة الأخبار العابرة؟ لقد تحولت وولف إلى “علامة تجارية” أدبية (VW)، كشعار سيارة فاخرة، أكثر منها كائناً بشرياً. تقول: أصبحت “ڤ و” أيقونة مبهمة تكرم كتمثال من دون أن تقرأ حقاً، أو تفهم خارج إطار الأسطورة التي التصقت بها، تواجه اليوم سؤالاً وجودياً: كيف نعيد قراءة من حولها التاريخ إلى “براند” ثقافي يسهل تسويقه؟

إعادة اكتشاف الصحافية فرجينيا وولف ليست مجرد إضافة إلى سيرتها، بل مرآة لعصرنا الحالي، هل كانت وولف لتصبح مدونة ثائرة في هذا الزمن؟ أم أنها كانت ستحتفظ بعزلتها كملاذ أخير من ضجيج العصر؟

تلخص سانتوس ساينز الأمر بعمق، قائلة: “وولف الصحافية كانت تمارس الكتابة كفعل مقاومة للنسيان، ومقاومة التهميش، ومقاومة أية محاولة لتجميدها في صورة واحدة، ربما هذا ما يفسر لماذا بعد قرن ما زلنا نقرأها كأنها تكلمنا من وراء الزمن، بصوت يرفض أن يدفن تحت تراب التأويلات”.

أسئلة حارقة

الكتاب الثاني بعنوان “وولف” للكاتبة أديل كاسينيول، يتناول المناطق الظليلة لـڤيرجينيا، ويتخذ مساراً أكثر جرأة، ويضيء على تناقضات الكاتبة الشخصية والفكرية من دون تقديس. كانت وولف تعيش صراعاً مريراً بين ثوريتها النسوية وقيود عصرها الاستعماري: تقول كاسينيول: “نسويتها المناهضة للاستعمار ظلت ملوثة بنزعة عنصرية بدائية كانت ابنة لأوضاع تاريخية لم تستطع تجاوزها تماماً”.

هل كانت نسوية من دون قيود؟ أم أن طبقيتها وعلاقاتها المعقدة مع الآخرين ترسم صورة أقل مثالية؟ النقد الذي تقوم به أديل كاسينيول ليس هدماً، بل محاولة لـ”العبور إلى وولف الحقيقية، بتعقيداتها التي تجعلها إنسانة قابلة للقراءة من جديد”. لذا يأتي الاحتفاء بوولف اليوم ليس فقط من أجل استعادة الماضي، بل يتضمن إعادة تشكيل أسئلة ما زالت حارقة: كيف نقرأ صراعات المرأة المبدعة في عصر الرأسمالية الرقمية؟ وهل يمكن للعزلة أن تكون فضاءً للتمرد بدل الاستسلام؟ وكيف تتحول الكتابة نفسها إلى “غرفة خاصة” نحمي بها وجودنا من ضجيج العالم؟

وولف التي كتبت يوماً: “لا يوجد بوابة، لا مفتاح، لا قفل… لا شيء يحاصر تلك الحرية التي أتحدث عنها”، تمنحنا اليوم مفاتيح جديدة، لكن الأقفال تتغير، والبوابات تولد من جديد. الكتاب لا “يهشم” تمثال وولف، بل يحركه بعناية نحو ضوء مختلف، عبر فصول تشبه لوحات تكعيبية، تجمع بين التحليل الدماغي والشعر، تضع كاسينيول وولف في حوار مع تيارات لم تعرفها، كـ”الأفرو-نسوية”، مظهرة كيف أن خطابها على رغم راديكاليته ظل حبيس رؤية بيضاء أوروبية، لكن هذا النقد يأتي كـتطهير بالمحبة، كمن يقلب تراب نبتة عزيزة لإنقاذ جذورها من التعفن.

أيقونة حداثية

الخلاصة المدهشة للكتاب تكمن في رفضه فكرة “الأيقونة الثابتة”. الأسطورة، بالنسبة إلى كاسينيول، كائن حي يجب أن يتفاعل مع أزمات العصر، تقول: “لن تتوقف إعادة تدوير ‘ڤ و’ بل لنتركها تتحول إلى سماد تخصب تربة ثقافة جديدة”.  ربما هذا ما يفسر إصرار الكاتبة على مناداة وولف بأحرفها الأولى (VW)، كتذكير بأنها ليست ملكاً لأحد، بل مادة خاماً لكل من يجرؤ على الحفر تحت السطح.

هكذا، بين سطور هذا الكتاب، تتحول وولف من أيقونة مغلفة بالغموض إلى سؤال مفتوح: كيف نقرأ تراث الماضي من دون وقوع في فخ التقديس أو الإلغاء؟ الإجابة قد تكون في جملة كاسينيول الأكثر إثارة: “الأساطير لا تورث، بل تكتشف من جديد كلما احتجنا إليها”.

لكل هذه الأسباب، لا تبدو إعادة قراءة وولف اليوم مجرد فعل نقدي أو ترف أكاديمي، بل ضرورة وجودية، ففي زمن الخطابات النسوية المكررة تأتي مقولتها عن “غرفة تخص المرء وحده”، مثل جرس إنذار لأجيال محاصرة في غرفها الافتراضية، حيث الحدود الشخصية تنتهك تحت ذريعة “الاتصال”، و”المشاركة”، بينما الواقع يخفي استعماراً جديداً لمساحاتنا الخاصة المنتهكة.

المزيد عن: فيرجينيا وولفالكاتبة الصحافيةمقالات مجهولةرواياتالوسط الادبيكتاب فرنسيةباحثة

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili