ثقافة و فنونعربي المغربي عبدالرؤوف خرج من سجن الاستعمار نجما كوميديا by admin 5 يناير، 2023 written by admin 5 يناير، 2023 33 جسد شخصية الإنسان الذي يواجه العالم ببساطته وعانى في بداياته وقدم أدواراً فكاهية على مدار 60 عاماً اندبندنت عربية \ عبد الرحيم الخصار جاء عبدالرحيم التونسي إلى الكوميديا من أوسع أبواب الالتزام الفني والسياسي. فالفنان الفكاهي الشهير، الذي غادرنا أخيراً عن 86 سنة بسبب مشكلات في القلب، كان مقاوماً وعضواً في الحركة الوطنية، وتعرض للاعتقال في شبابه، خلال المرحلة الكولونيالية، بسبب هذا الانتماء الوطني. قضى التونسي خمسة أشهر في السجن خلال عام 1954، أي قبل سنتين من استقلال البلاد، وشهد بعينه حالات تعذيب وانتقام، من بينها إعدام ثلاثة مناضلين حرقاً. غير أن ذلك لم يكن يمنعه من ممارسة التمثيل داخل السجن. ولم يكن الجمهور سوى رفاقه من النزلاء. لقد خرجت الكوميديا من قلب المأساة، ولعلها كانت في البداية ملهاة سوداء، تقوم على السخرية من الظلم والقهر والاستبداد. فقد عرف المغرب خلال الخمسينيات تنامي الحس الوطني وتظافر أشكال المقاومة بالسلاح والكلمة والفن، من أجل تسريع خروج الاحتلال الفرنسي من الأراضي المغربية. وهو ما تم بالفعل سنة 1956 عقب عودة الملك الراحل محمد الخامس من منفاه الإجباري. ولم يكن لقب التونسي اعتباطاً لدى الفنان المغربي، فوالده قدم من تونس مع بداية القرن الماضي واستقر في المغرب، عمل مترجماً بأمر من الفرنسيين. وظل الدم التونسي يسري في عروق ابنه، الذي غادر المدرسة الفرنسية احتجاجاً على مقتل المناضل التونسي فرحات حشاد. تكريم عبد الرؤوف في مهرجان مراكش الدولي (موقع المهرجان). تأثر في بداياته بالفنانين أحمد القدميري وبوشعيب البيضاوي، وهذا الأخير كان يقدم أدواراً نسائية، بديلاً عن المرأة التي لم تكن تجرؤ في ذلك العهد على الوقوف أمام الكاميرا أو أمام الجمهور في المسارح. ومن داخل السجن جسد برفقة زملائه دور الرجل البدوي الساذج، سعياً منه إلى إضحاك النزلاء والتخفيف عنهم. ولم يكن يعرف أن هذه الأدوار الترفيهية الصغيرة ستقوده بالتدريج إلى أن يغدو أسطورة الفكاهة في المغرب. لكن المفارقة الكبيرة كانت عقب خروج التونسي من السجن، إذ وجد نفسه مضطراً للعمل في مقبرة، والإقامة فيها. فالتمثيل آنذاك لم يكن مصدراً لتوفير الحاجات اليومية، ثم إن الاحتراف لم يكن فكرة تطرق رأس عبدالرحيم التونسي. فالأدوار الأولى قدمها في بداية مساره كانت بالمجان، وهو نفسه لم يكن يعتقد أن هذا العمل الترفيهي له بالضرورة مقابل مادي. شخصية واحدة على مدار ستة عقود مع مطلع الستينيات اهتدى الفنان المغربي بالصدفة إلى الشخصية التي ستجعل منه الكوميدي الأشهر في تاريخ المغرب. لقد ابتكر سنة 1960 شخصية “عبدالرؤوف” الرجل البسيط الذي استطاع أن يضحك أجيالاً من المغاربة على مدار ستة عقود. صاحب الحضور الشعبي (نقابة الممثلين) إثر عودته من مدينة الجديدة القريبة من الدار البيضاء، بعد مساهمته في عمل مسرحي برفقة فريق من الهواة، اكتشف أن الفرقة قد نسيت بعض الملابس في سيارته، ارتداها ووقف أمام المرآة. كانت أزياء التمثيل أكبر من مقاسه بكثير، لذلك بدا له أن ارتداءها في حد ذاته هو مشهد كوميدي. صنع لهذه الشحصية صوتاً خاصاً بها، هو أقرب إلى صوت الطفل، وجعل لها خصائص تميزها، أولها السذاجة التي لا تخلو من مكر، ثم عدم الخوف من الآخر، والتفاعل معها كيفما كانت طبيعته، فضلاً عن قول الحقيقة مهما كلف الأمر. وكانت هذه الصفات الطفولية تقوده في الغالب إلى الوقوع في مواقف محرجة عليها تدبر أمره كي يخرج منها. وكان يجسد هذه المواقف بشكل ساخر على الدوام، وينال بالتالي تعاطف الجمهور مع شخصية بسيطة وهشة، لكنها بقدر ما تخلق المشكلات تخلق الفرجة وتنتزع الضحكات من الجمهور على اختلاف فئاته. استلهم التونسي شخصية عبدالرؤوف من الطفل. لذلك كان تعاطف الجمهور يحصل معه باستمرار. وإن كان في الحقيقة طفلاً كبيراً قادراً على التعبير عن المفارقات الاجتماعية التي تحول الفرد إلى أضحوكة، في مجتمع مستعد باستمرار للسخرية من المحن الفردية. قدم عبدالرؤوف عشرات التمثيليات الفكاهية، وحافظ على هندامه الفني في مختلف أعماله: بنطلون تقليدي فضفاض، وسترة كبيرة، وطربوش مغربي أحمر. وصار هذا اللباس جزءاً أساسياً من شخصية عبدالرؤوف. استطاع عبدالرحيم التونسي أن يخترق مختلف وسائل التواصل الفني في زمن صعب، ولم يكن مدعوماً سوى من موهبته الفردية. ومن المسارح الصغيرة إلى الخشبات الكبرى مروراً بالإذاعة والتلفزيون، والسينما لاحقاً، وقبلها الأقراص والأشرطة السمعية، أصبح عبدالرؤوف الشخصية الكوميدية الرائدة الأكثر تقديراً في تاريخ المغاربة. استطاع أن يحافظ على هذه الحظوة على رغم أنه ظل على مدار ستة عقود يقدم شخصية واحدة، يتغير سياقها الاجتماعي، ولا تتغير هي. ومع ذلك لم يقع في الرتابة، على رغم ظهوره بالطلة الفنية ذاتها والصوت نفسه واللباس عينه. فقد كان قادراً باستمرار على مفاجأة محبيه والإتيان بالجديد، لا على مستوى الشكل، بل على مستوى المضامين الاجتماعية، ولغة الحوار، والتفاعل الآني مع الجمهور. المزيد عن: ممثل مغربي\مسرح\كوميديا\فن شعبي\الإستعمار الفرنسي\السجن\شخصية شعبية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “قصة لعبة الشطرنج” مباراة بين عقليتين أم أسئلة حرب مدمرة؟ next post دبابات فرنسية إلى كييف ومسيرات إيران تحت المجهر الأميركي You may also like محمود الزيباوي يكتب عن: صيد الأسود على وعاء... 12 فبراير، 2025 محمد أبي سمرا عن : حوار غير منشور... 12 فبراير، 2025 سامر أبوهواش يكتب عن: ما يرويه ألمودوفار عن... 12 فبراير، 2025 إيطالية من البندقية تؤسس الكتابة النسوية في فرنسا 11 فبراير، 2025 «خلّ التفّاح» القاتل… تجرّعَته الضحية والجلّاد الدجّال 11 فبراير، 2025 بوب ديلان يتألق غناء وشعرا في فيلم “مجهول... 10 فبراير، 2025 “سر الأسرار”… هل يكشف دان براون لغزه الأخير؟ 10 فبراير، 2025 همينغوي ابن طبيب ناجح وشغل شاغل لأم كرست... 10 فبراير، 2025 عبده وازن يكتب عن: “المساحات هشة” خريطة عاطفية... 9 فبراير، 2025 “إميليا بيريز” يفوز بجائزة “غويا” لأفضل فيلم أوروبي 9 فبراير، 2025