لوحة للرسام المغربي بوشتى الحياني في معرضه (خدمة المعرض) ثقافة و فنون المغربي بوشتى الحياني يرسم تحولات جسد الكائن by admin 23 ديسمبر، 2023 written by admin 23 ديسمبر، 2023 258 معرض يستعيد 50 سنة من تجربة فنان مشغول بالتحديث التشكيلي اندبندنت عربية / عبد الرحيم الخصار يتخذ المعرض الجديد للتشكيلي المغربي بوشتى الحياني، المقام في غاليري “الورشة 21” في الدار البيضاء، طابعاً تكريمياً. فهو يقام تحت عنوان احتفائي: “خمسون عاماً من الإبداع”، ويستعيد تجربة الفنان المغربي في تحولاتها على مدار عقود من التجريب والممارسة. فالحياني الذي ولد عام 1952 يعتبر من رواد التشكيل في المغرب، ويسجل حضوره منذ مطلع السبعينيات في معارض وطنية ودولية، فقد شارك في تظاهرات فنية عدة في المغرب وفرنسا وإسبانيا وسوريا وعمان وكندا ومصر والإمارات وإيطاليا وأميركا والسنغال وساحل العاج وبنغلاديش وغيرها. يحسب للحياني أنه أسهم في تطوير الفن المغربي، والخروج به نحو فضاءات تجريبية جديدة، تختبر الميتافيزيقا وترصد تحولات الجسد وتأثره بالفجائع المحيطة به، في محاولة لقراءة الوجود الغامض للذات البشرية. أصيب بوشتى الحياني بهوس الرسم منذ طفولته، وبدأ يرسم على دفاتر المدرسة الابتدائية، في مدينته الصغيرة تاونات، أشكالاً ووجوهاً تتناسب مع خياله الطفولي. ومنذ المراهقة بدأ يحاكي رسامي عصر النهضة، سواء باستخدام قلم الرصاص أو الحبر. وبعد تخرجه من معهد الفنون التطبيقية في الدار البيضاء، بدأ الحياني يخرج بالتدريج من التيار الكلاسيكي، وينحو جهة الحداثة والتجريب، وتجلّت لاحقاً رغبته في القطع مع التراث الفني في المغرب، قطعاً لا يلغيه، بل يبحث عن امتدادات مغايرة، وعن أشكال تعبيرية جديدة تلائم روح العصر. الجسد القلق تظهر أجساد الحياني، في بعض أعماله، كما لو أنها في حالة قيامية، حيث تقف عارية وراء بعضها في طابور الانتظار، لكنها أجساد منزوعة الشهوة، فطريقة وقوفها توحي بأنها مشدودة إلى هول ما، حيث اليدان على الفخذين في حالة من الانضباط لسلطة عليا. كائنات الرسام في المعرض (خدمة المعرض) العري هو الشكل الظاهري للأجساد التي يرسمها الحياني، لكنه عري يرمز إلى حيرة الكائن وضياعه ومحدوديته، وإلى ضآلته في هذا الوجود الغامض واللامنتهي. في أحد أعماله يقف الجسد الذكوري منضبطاً أمام ثور أسطوري بعينين حمراوين، كما لو أنه يواجه مصيره من دون مقاومة. وفي عمل آخر يقف الجسدان، الأنثوي والذكوري، بشكل مهيب أمام شجرة سوداء، لكن كل طرف يقف قبالة الآخر، كما لو أن هذا السواد يفصل بينهما. لا يتعلق الأمر بالشجرة التي نزلا بسببهما من السماء إلى الأرض، كما في المروى القديم، لكن يتعلق بشجرة أرضية تمدد المسافة بين كائنين مختلفين فيزيولوجياً. وهذا ما يجعلنا نحدس أنها شجرة واقعية منغرسة في الأرض، لا في السماء، هو الحضور الطاغي للون البني في خلفية الصورة، بما هو رمز للتراب، بداية الإنسان ونهايته. في لوحة أخرى يقف الجسد بين صخرتين تحدان حركته، وفي عمل آخر يواجه الجسد المنتصب خمسة أجساد مغلّفة وفي حالة من الحصار الجماعي، وربما تختبر هذه اللوحة المسافة بين الفرد والجماعة. وفي لوحة أخرى يقف الجسدان، عاريين كما العادة، قبالة بعضهما، بالانضباط ذاته، لكنهما مغلولان بحبال. وربما يرمز هذا الوضع إلى ما يحاصرنا من أفكار وتصورات ضيقة عن الآخر، خصوصاً أن الجسدين يظهران بلونين مختلفين: الأصفر والأسود، وما يحمله اللونان من دلالات إثنية في عالم غالباً ما يقدّر قيمة الكائن وفق لونه. الألوان الترابية الرسام المغربي بوشتى الحياني (خدمة المعرض) غالباً ما تظهر أجساد الحياني بالألوان الترابية، لكنها في حالات نادرة تبدو باللون الأسود، وهي حالات مرتبطة في الغالب بالموت، حيث يظهر الجسد مسجى. فتغير لون الجسد العاري من البني والقمحي إلى الأصفر والرمادي والأبيض ثم الأزرق والأسود، لا يعكس فقط تحولات الحالات النفسية للكائن، بل يعكس أيضاً مراحل رحلة الجسد في الوجود. في لوحات أخرى تتحول أجساد الحياني إلى خطوط ونقاط، في إشارة إلى ضآلتها وإلى الازدحام الوجودي الذي يتحول فيه إنسان الحياة الراهنة إلى كائن غير مرئي. في عدد من لوحات الحياني تطغى الغرائبية على الأجساد المرسومة، ويصير البحث عن المعنى عملاً مستعصياً. فثمة وجوه بلا عيون، وعيون بلا وجوه، وكائنات سريالية، ودوائر تتجاور مع مثلثات، وأجساد متخففة من المادة، وتفاصيل شبحية، وعناصر منفصلة عن بعضها يزيد تغير اللون من الهوة بينها. ويبدو أن الفنان غير مشغول بإيصال دلالات أعماله للمتلقي، فهذه ليست مهمته، لكن رغبته واضحة في ما يتعلق بنقل الأثر إليه، وتقريبه من الأجواء التي تخلقت فيها هذه الأعمال. فالحيرة التي قد تتملك الواقف أمام هذه الأعمال الغرائبية ربما هي الحيرة ذاتها التي رافقت الفنان أثناء تخلّق لوحاته. إن الغموض الذي يكتنف إنسان الحياة الجديدة لا يمكن التعبير عنه بأشكال واضحة، بل إن الغموض هو ما سيرافق ترجمته إلى عمل فني. في حالات نادرة جداً يقحم الحياني الكتابة في رسوماته، فنلحظ عبارة “من أجل حياة أفضل” مكتوبة فوق قارب صغير يقف أمامه جسد بني، بينما جسد آخر أزرق مسجى بجانب القارب، في إشارة إلى مأساة الهجرة السرية عبر البحر التي قادت الآلاف من المغاربة والأفارقة إلى الهلاك، وهم في طريقهم نحو تلك “الحياة الأفضل”. في لوحاته المعروضة في صالة “الورشة 21” في الدار البيضاء إلى غاية 5 يناير (كانون الثاني)، يرسم الحياني كائنات عزلاء تسائل وجودها، وتواجه مصائرها، غير أنه لا يضع عناوين لهذه اللوحات، ولا يرفقها بتعليقات وتفاسير، ذلك أنه يريد أن يترك للمتلقي حرية التأويل، من دون توجيهه والتدخل في قراءته. المزيد عن: رسام مغربيالفن الحديثمعرضلوحاتالتجريدالجسدالجماليات اللونيةالرسم 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post بطارية متقدمة تكفي السيارة الكهربائية 1000 كيلومتر لكل شحنة next post مارك روتكو فنان الفاجعة البشرية العائد بعد غياب طويل You may also like فلسفة الحياة أي أن نفكر في أحوالنا اليومية والعالم 29 ديسمبر، 2024 هوبيما الرسام الهولندي الذي أسس المدرسة الطبيعية الإنجليزية 29 ديسمبر، 2024 “الحمار الذهبي” من أقدم السرديات الكبرى في التاريخ 29 ديسمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: بين “سقوط الأسد” و”مئة... 29 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يكتب عن العودة إلى دمشق: قصر... 29 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يكتب عن: العودة إلى دمشق.. عشوائية... 29 ديسمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: جدلية العلاقة بين ابن... 27 ديسمبر، 2024 جون هستون أغوى هوليوود “الشعبية” بتحف الأدب النخبوي 27 ديسمبر، 2024 10 أفلام عربية وعالمية تصدّرت المشهد السينمائي في... 27 ديسمبر، 2024 فريد الأطرش في خمسين رحيله… أربع ملاحظات لإنصاف... 27 ديسمبر، 2024