ريتشارد فاغنر (1813 – 18839 (غيتي) ثقافة و فنون “المركب الشبح” الأوبرا في خدمة التعبير الجواني للبشر by admin 13 يوليو، 2024 written by admin 13 يوليو، 2024 76 حين كتب ريتشارد فاغنر عمله هذا كان الصراع احتدم لديه بين هوية درامية مسرحية لفن الأوبرا وأخرى موسيقية تأتي النصوص لتخدمها لا أكثر اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب بالنسبة إلى الكاتب المصري الراحل د. ثروت عكاشة الذي وضع في ما وضع من كتب فنية وحضارية رائعة، كتاباً مفصلاً متميزاً عن موسيقى ريتشارد فاغنر، قد لا تكون “الهولندي الطائر”، المعروفة خارج ألمانيا عادة بـ”المركب الشبح”، ضمن أعمال فاغنر الأوبرالية الكبيرة أي الأساسية، لكنه عرف كيف يقدم فيها ودائماً وفق عكاشة، “ما يمكن أن نعده تقدماً عظيماً بالقياس إلى مؤهلاته في تلك الفترة”، حتى يمكن القول إن الدراما الموسيقية الحديثة ولدت بميلاد أوبرا “الهولندي الطائر”. فقد أثبت فاغنر فيها رسوخ خياله وسعته، وقدرته على رسم الشخصيات المسرحية رسماً حياً دقيقاً يتناول أعماقها أكثر مما يتناول مظهرها الخارجي. ونجح في رسم شخصيتي الهولندي وسانتا، وهما الشخصيتان الرئيستان في الأوبرا، إلى حد نقتنع معه بواقعيتهما، وهي المرة الأولى التي نحس بواقعية الشخصيات المسرحية الفاغنرية (…). ونجح أيضاً فاغنر في أن يقدم لنا، إلى جانب شخصياته المسرحية، البحر بهديره وصفير رياحه وتلاطم أمواجه “لا على أنه مجرد إطار مسرحي، بل على أنه العنصر الأساس الذي انبثقت منه هذه المسرحية”. بين الموسيقى والدراما من الواضح هنا أن باحثنا المصري يضع “الهولندي الطائر” في موضع وسط بين العمل الموسيقي والعمل الدرامي. وهو في هذا التقويم إنما يدخل في عمق الحيرة الخلاقة التي كانت تعتمل في ذهن ريتشارد فاغنر في تلك المرحلة المبكرة من مراحل اشتغاله على فن الأوبرا في صورة عامة. فحين كتب فاغنر هذه الأوبرا، كان لا يزال في الـ30 من عمره، وبقي أمامه 40 عاماً أخرى سيحقق خلالها أعماله الكبيرة التالية. وهو قبل “الهولندي الطائر” كان كتب أعمالاً كثيرة، لكن أياً منها باستثناء “رينزي” إلى حد ما، لم يكن أسبغ عليه المجد الذي كان ينتظر. وإلى ذلك كان الصراع احتدم لديه بين هوية درامية مسرحية لفن الأوبرا، وهوية موسيقية لهذا الفن تأتي النصوص لتخدمها لا أكثر. وهو كان من قبل عبر عن ذلك الصراع في نصوص كتبها وراح يصدرها تباعاً. ومن هنا في هذا السياق التاريخي تحديداً تكمن بالأحرى، أهمية “الهولندي الطائر” التي، بعدما استقى فاغنر أعماله السابقة من شكسبير أو من غوته (افتتاحية “فاوست”)، ها هو يستقي موضوعها من أسطورة قديمة تنتمي إلى أساطير البحر في الشمال الأوروبي، كان هاينريش هاينه اكتشفها قبله وصاغها في قصيدة رائعة. غير أن فاغنر لم يقتبس قصيدة هاينه، بل عاد مباشرة إلى الأصل القديم للأسطورة معيداً كتابته على هواه – الدرامي. مشهد من تقديم لأوبرا “الهولندي الطائر” (موقع الأوبرا) “أوليس” واليهودي التائه تتحدث “الهولندي الطائر” (“المركب الشبح”)، عن موضوع يبدو متشابهاً إلى حد كبير، مع موضوع تشرد “أوليس”، من ناحية، وتشرد “اليهودي التائه” من ناحية ثانية: إنه التجوال الأبدي من مكان إلى مكان تحت ظل لعنة معينة. ومن يتجول في أعالي البحار على مركبه الشبح هنا، هو الهولندي الذي حكمت عليه اللعنة بأن يظل على تجواله ذاك حتى يعثر على المرأة التي ستكون مخلصة له إلى الأبد. وحين تبدأ أحداث الأوبرا تكون عاصفة بحرية عاتية قد ألقت عند شاطئ مهجور سفينة لبحار نرويجي يدعى دالاند، سرعان ما يكتشف هو وبحارته وجود سفينة سوداء اللون أشرعتها حمر بلون الدم وقد ألقتها العاصفة غير بعيد من سفينتهم. وحين تهدأ العاصفة يتعرف بحارة السفينتين إلى بعضهما بعضاً. أما قائد السفينة الشبح وهو الهولندي، فإنه سرعان ما يحكي لزميله النرويجي حكايته وحكاية لعنته، مخبراً إياه أنه لم يعد يطلب سوى الموت للخلاص من اللعنة، لكن الموت يتباطأ في الوصول إليه. وهنا تستبد الشفقة على مصير الهولندي، بالملاح النرويجي إضافة إلى أنه يقوم في الوقت نفسه خير تقويم الكنوز التي يمتلكها هذا الأخير، فيدعوه إلى اللحاق به في وطنه واعداً إياه بأن يزوجه ابنته سانتا. في حضرة الحسناء سانتا في الفصل الثاني ننتقل إلى بيت دالاند، إذ تطالعنا ابنته الحسناء سانتا، وهي تتأمل ميدالية حفرت عليها صورة شخص مجهول، سرعان ما سيتبين لنا أن الفتاة، كما لو بقوة سحرية تناجي الصورة منشدة “بالاد” الهولندي الطائر، واعدة هذا الهولندي الذي يرسمه خيالها بأن تكون له إلى الأبد امرأة محبة ومخلصة. وفي تلك اللحظة بالذات يدخل الغرفة إيريك، الشاب الذي يرتبط، أصلاً، بسانتا بعلاقة عاطفية تجعله يعتبر نفسه خطيباً لها. وإذ كان إيريك عازماً على إخبار سانتا بقدوم أبيها وضيفه، ويجدها في حال المناجاة تلك، يعاتبها سائلاً إياها أن تكون مخلصة له وألا تنسى أنه هو خطيبها. ولكن يبدو من الواضح هنا أن سانتا لم تعد مبالية بإيريك كل المبالاة… وإذ يدخل دالاند وضيفه، وتنظر سانتا إلى الضيف حتى تتعرف فيه إلى فارس أحلامها، ذاك الذي تناجيه في ليلها ونهارها مقسمة له على الإخلاص… ولاحقاً، إذ يخلو المكان لسانتا، وللهولندي الحقيقي هذه المرة، تصارحه بحبها قائلة له إنه الحبيب الذي تنتظره منذ زمن بعيد، وأقسمت أن تهبه كل حياتها من أجل خلاصه. وعلى هذا الاعتراف يختتم الفصل الثاني، لننتقل إلى الفصل الثالث، وميدانه الشاطئ هذه المرة. هنا تبدو سفينة الهولندي صامتة ساكنة يلفها غموض الحزن في كل مكان. أما سفينة النرويجيين فتضج بالحياة. وإذ يصخب البحارة النرويجيون وسط رهط من بنات حسناوات أتين لهم بالطعام والشراب، لا يتوقف البحارة الهولنديون عن أداء أناشيدهم الكئيبة، فيما البحر يعلن عاصفة هوجاء من حول الجميع. وأخيراً تهدأ العاصفة وتظهر سانتا، يلحق بها إيريك (خطيبها المفترض) وهو يرجوها أن تعود إليه مذكراً إياها بوعود إخلاص قديمة ها هي تتنكر لها الآن. العودة إلى اللعنة وإذ يستمع الهولندي إلى ما يقوله إيريك، يدرك أن اللعنة لا محال ستحل بسانتا بسبب عدم إخلاصها لإيريك، وإذ يرغب في أن ينقذها من تلك اللعنة، يكشف للجميع عن سره العميق متحدثاً عن اللعنة التي أصابته والتي تدفعه إلى مخر البحار إلى الأبد… وإذ ينتهي من ذكر ذلك يقفز إلى سفينته وقد قرر أن يعود إلى حمل لعنته واستئناف مطاردة مصيره. وهنا تناديه سانتا واعدة إياه بالإخلاص والخلاص في آن معاً، لكنه يبدو واضحاً أنه غير راغب في الإصغاء إليها، وجرها معه إلى لعنته، فلا يكون منها إثبات لإخلاصها المعلن، إلا أن تقفز لتبدأ الغرق، في وقت تختفي سفينة الهولندي غارقة في الأفق المعتم… وهنا إذ يعم الهدوء وتستكين الأمواج، يفاجأ الجميع بظهور الهولندي وسانتا، من قلب الأمواج كظهور عاشقين تبدلا جذرياً وتعاهدا على الحب والوفاء إلى الأبد. قدم فاغنر هذه الأوبرا للمرة الأولى في عام 1843 في درسدن فحققت نجاحاً كبيراً، وربما لكونها عملاً درامياً أكثر مما لكونها عملاً موسيقياً. ويبدو أن فاغنر ساعد على هذا، إذ إنه كثيراً ما صرح في ذلك الحين بأنه “إنما يريد أن يصل مباشرة إلى جوهر الدراما” موحياً بأن الموسيقى هنا وسيلة بالنسبة إليه وليست هدفاً. وهي المعادلة نفسها التي سيعود إلى البحث فيها مطولاً في كتابه “الأوبرا والدراما” الذي أصدره في عام 1852. ولكن في عام 1843 كان البعد عملياً أكثر منه نظرياً، ومن هنا جرى الحديث كثيراً عن أن ما جذب فاغنر إلى هذا العمل إنما كان أبعاده الدرامية، إثر قراءته للأسطورة في وقت كان يتذكر عاصفة عاتية ألقت سفينة كان على متنها عند شواطئ ريغا. قصيدة بحرية باريسية وهو لاحقاً إذ وصل باريس، فرغ ما في ذاكرته عن تلك الحادثة وأحاسيسه تجاهها في قصيدة كتبها بعنوان “الهولندي الطائر” ثم أسس الأوبرا التي كتب نصوصها بنفسه على هذه القصيدة ثم خلال الـ40 عاماً التي فصلت بين كتابة ريتشارد فاغنر (1813 – 1883) لـ”الهولندي الطائر” ورحيله أواخر القرن الـ19، أنجز هذا الموسيقي الكبير عدداً ضخماً من أعمال أوبرالية، كاد عمله كله يقتصر عليها، إضافة إلى كتب نظرية ودراسات، كان يصدرها بين الحين والآخر، مثل “الفالكيري” “غروب الآلهة” و”خاتم نيبولونغن” و”لوهنغرين” و”أساطين الغناء” و”ذهب الرين” وغيرها من أعمال جعلته واحداً من أكبر مبدعي فن الأوبرا في التاريخ. المزيد عن: ثروت عكاشةريتشارد فاغنرالأوبراأوبرا الهولندي الطائر 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post عشرات الأطنان.. ما مصدر “القنابل الضخمة” في مجزرة المواصي؟ next post أحوال المصريين في الثلاثينيات كما سجلها مستشرق ألماني You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024