ثقافة و فنونعربي المخرج خيري بشارة ينافس الروائيين في “الكبرياء الصيني” by admin 22 مارس، 2023 written by admin 22 مارس، 2023 20 رواية شبه ملحمية عن الهوية المزدوجة وطريق الصين الذي يمر بالقاهرة اندبندنت عربية \ سيد محمود باحث مختص في الشأن الثقافي يتحرك المخرج السينمائي المصري المعروف خيري بشارة (76 سنة) في روايته الأولى “الكبرياء الصيني” (دار الشروق)، في فضاء جغرافي لم يقاربه السرد الروائي العربي من قبل، إذ يتخذ من الصين مكاناً رئيساً لكثير من أحداثها التي تتقاطع مع وقائع رئيسة في التاريخ المصري المعاصر. تغطي الرواية عبر 517 صفحة ما يقرب من قرنين من التحولات التي عاشتها الصين، منذ أن أصبحت هدفاً للسيطرة الغربية وطرفاً فاعلاً في الصراعات العالمية. تدور أحداث الرواية حول سيرة “كونغ يونغ” الذي ينتقل في ثلاثينيات القرن الماضي من قرية صغيرة في الصين عبر رحلة تأخذه بالمصادفة غير المتوقعة إلى مصر حيث يستقر هناك. ويخوض “يونغ” في القاهرة كثيراً من المغامرات العاطفية والسياسية التي تمكنه من تحقيق ذاته وبناء شبكة واسعة من العلاقات والروابط مع أطراف فاعلة في المجتمعين الصيني والمصري في ظل منعطفات تاريخية تنعكس في سلوكاته وتقوده إلى متاهة من التساؤلات تنتهي به في حال تشرد أقرب إلى الجنون أو الهذيان الذي يستعيد معه ذاكرة أيامه الأولى وقت تمسكه بكبرياء نادر وطموح لا ينقطع على أمل تحقيق ذاته وبلوغ آماله في العدل والحرية. وعلى رغم أن بشارة يخوض تجربة الكتابة للمرة الأولى ويستعمل اللغة وسيطاً بديلاً عن الكاميرا، فإن المغامرة تبدو ناجحة إلى حد بعيد على رغم هوسه الواضح بتقديم حشد معلوماتي يثقل النص أحياناً بصبغة تقريرية. ويصعب على قارئ الرواية التغافل عن خبرات سابقة لمؤلفها، وهو صاحب تجارب مهمة في تحويل نصوص روائية مميزة مثل “الطوق والأسورة” ليحيي الطاهر عبدالله إلى فيلم يعد من علامات السينما المصرية، وكذلك فعل مع فيلمه الأشهر “آيس كريم في جليم” المأخوذ عن قصة للكاتب محمد المنسي قنديل. معرفة روائية رواية السينمائي خيري بشارة (دار الشروق) يبدو للقارئ منذ الصفحات الأولى أن الكاتب الذي درس الأدب الإنجليزي في جامعة القاهرة على معرفة كبيرة بتاريخ النوع الأدبي الذي يجرب فيه، ولهذا نجح في تقديم عمل مشوّق يقوم على وعي واضح بالشروط الفنية اللازمة لكتابة رواية لجهة البناء أو القدرة على رسم الشخوص وخلق مبررات ودوافع تبرر أفعالها، استناداً إلى ماضيها الدرامي. يستخدم بشارة أكثر من تكنيك سردي داخل الرواية التي تعتمد على ثيمة الرحلة باعتماد الراوي العليم الذي ينقل ما يعيشه “آدم” البطل المعاصر الذي وظفه الكاتب كقناع يعكس هواجسه الذاتية ويحكي من خلاله فشل هذا البطل في دراسة الطب بعد أن أصيب بالغثيان والدوار خلال أول درس في التشريح، ويتذكر كيف بدأ شغفه بالسينما ثم وقع فريسة هلاوس تمزج بين الجنس والموت مما دفعه إلى الانخراط في قراءات حول الأديان والفلسفة وعلم النفس، آملاً في فك طلاسم هذه الذات القلقة وكاشفاً عن رغبته المترددة في الانضمام إلى الحركة الطلابية المصرية في أوج صعودها عام 1972، ثم تراجعت حماسته لها بسبب ما استقر في عقله وقلبه من مخاوف نقلتها أمه له حول أخطار العمل في السياسة لكونه مزدوج الهوية، فهو ابن لأم مصرية قبطية وأب صيني. يجرب آدم التصوف ويصبح من مريدي طريقة الإمام أبو الحسن الشاذلي ويذهب مع صديق له إلى مقام الإمام في صحراء “حميثرا”، ولكن بعد انتهاء رحلته يذهب إلى دير مسيحي داخل وادي النطرون ويخبر عائلته بنياته في أن يصبح قديساً. خيري بشارة يوقع روايته (اندبندنت عربية) وبمرور الوقت يدرك رتابة الحياة داخل الدير، وبينما هو على هذه الحال تأتي إلى الدير مصورة إيطالية لتصور طقس رسامة خمسة رهبان جدد، وبعد أن يرافقها لتنجز عملها هناك بأمر من رئيس الدير يجد نفسه وقد غادر معها، فهو لم يصمد أمام سحر الغواية التي جاءت من جسدها ومعها تعلم خبراته الأولى، وبفضلها تعرف إلى كاميلا التي كانت في سريره حين استيقظ على اتصال من والدته ذات صباح تخبره باختفاء والده الصيني “كونغ يونغ” الذي أتم 77 سنة عاش منها أكثر من 50 سنة في مصر. المهاجر الأبدي يبدأ القارئ تقصي سيرة كونغ يونغ منذ أن غادر قريته في يناير (كانون الثاني) عام 1936 إلى شنغهاي بحثاً عن حبيبته “لونغ هو” بائعة الهوى التي كانت أول امرأة ضاجعها في حياته، وخلصته من خشونته وطابعه البري كرجل ريفي، وكانت تحلم بأن تصبح مثل “آنا ماري وونغ” أول نجمة أفلام أميركية ذات أصول صينية، لكنها اختفت بطريقة غامضة في مدينة غيّرت هويتها الصينية وأصبحت غربية بالكامل، وسرعان ما يعرف يونغ أن حبيبته راحت ضحية للعصابة الخضراء التي رمت جثتها ليأكلها نمر جائع، ولذلك يترك عائلته الريفية الفقيرة ويواصل رحلة البحث عن حبيبته ويعطي ظهره لماضيه ولأفراد أسرته بمن فيهم زوجته “ينغ بي” التي تزوجها ليعتقها من العبودية، غير أنه تركها في شهور الحمل الأولى غير آسف عليها ومضى في رحلة الشقاء التي اختارها. يلتقي يونغ مع الصحافية “روشي” التي تخبره بمصير عشيقته قبل أن تقرر السفر إلى فرنسا لتستطيع الكتابة من هناك عما تعيشه الصين من مشكلات ناتجة من تحالف قوى الفساد المحلية مع قوى الاستعمار الغربي، وحين يقوم يونغ بتوصيل “روشي” إلى السفينة التي تحملها إلى فرنسا يصعد معها مستسلماً لمصيره الجديد وطامحاً في الهجرة إلى أميركا، وعلى سطح السفينة تخبره “روشي” أن أميركا أغقلت أبواب الهجرة أمام الصينيين، فيضاجعها على سطح السفينة التي اشترط عليه قائدها القيام بأداء الأعمال الخدمية في مقابل السفر معه. مرفأ بور سعيد تتوقف السفينة في بورسعيد، وهناك يقرر يونغ التخلي عن صحبة “روشي” والنزول ليسلم رسالة حصل عليها من امرأة كانت تحمل طفلة وتبكي في الميناء، لأنها تبحث عن من يحمل منها رسالة إلى زوجها المقيم في مصر. من الإحتفالات الصينية في القاهرة (مؤسسة التعاون الثقافي) وقرب قناة السويس يشهد يونغ تسليم شحنة من التحف الصينية للسيد سيمون يانوفسكي الإنجليزي وابنته تاليا، لكن السلطات المصرية تقوم بالقبض على يونغ قبل أن يأتي طالب صيني يدرس بالأزهر ليقوم بالترجمة بينه وبين أفراد الشرطة، ثم يأخذه هذا الطالب إلى مقر القنصلية الصينية ويتمكن هناك من استخراج أوراق إقامة مزورة، ويستطيع بعدها كسب العيش في مصر. يبدأ يونغ سلسلة من العلاقات أولاها مع الراقصة “كوكب” التي تعمل لمصلحة الجيش الألماني، ومن خلالها يجد عملاً في صالون نسائي ثم يتحول إلى تجارة التحف الصينية ثم تجارة الحرير، وتدريجياً يتعامل مع وجوه من الأرستقراطية المصرية ويخوض تجاربه العاطفية المتتالية مع نسائها، مثل تاليا ابنة سيمون يانوفسكي ثم الأميرة المصرية نورهان وأخيراً روزانا المصرية القبطية التي يتزوجها بعد أن رفضته سابقاً. ينجح يونغ في مشاريعه التجارية التي أسسها ويأتي بشقيقه “كونغ يان” ليعمل معه في إدارة سينما شعبية في شارع شبرا تعرض أفلام “بروس لي”، ثم يجد نفسه طرفاً في أزمة مع أفراد آخرين مع الجالية الصينية ينافسونه في الأعمال التي ينجح في التميز فيها، ومنها تأسيس ثاني مطعم للأكلات الصينية في القاهرة، وحين تطلب منه العودة للصين في مهمة رسمية لدعم نظام ماوتسي تونغ يزور عائلته الأولى، ويكتشف هناك أن لديه ابناً يحتل موقعاً حزبياً في إحدى المدن الصينية، لكن هذا الابن يقابله بلا اهتمام ولا يتسامح مع غيابه عن العائلة. يعود يونغ لمصر مؤرقاً بحسابه مع ذاته، وتلح عليه تساؤلات الهوية مما يقوده إلى حال من الهذيان تدفعه للخروج من بيته متشرداً إلى الشارع قبل أن تعثر عليه عائلته وهو لا يتحدث سوى الصينية. جهد بحثي هائل بفضل موضوعه المشوق المستند إلى سيرة حقيقية لمخرج سينمائي مصري من أصل صيني اسمه “هاني يان”، طور خيري بشارة نصاً تخيلياً فريداً يتيح أمام القارئ فرصة نادرة للعبور بين ثقافتين، ويكشف عن جهد هائل قام به المؤلف في البحث التاريخي وتخيل فضاء جغرافي يحكم حركة شخوص الرواية، فضلاً عن نجاحه في تضفير وقائع الرواية وسير أبطالها مع وقائع حقيقية، سواء في تاريخ الصين المعاصر أو تاريخ مصر منذ تولي الملك فاروق حكم مصر عام 1936 وحتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي. وحملت الرواية كثيراً من الرسائل الكاشفة عن انحيازات مؤلفها ورفضه سياسات الجماعات الأصولية وكل الأفكار اليمينية المحافظة أياً كان مصدرها، وقد دانت الرواية عبر أبطالها التحالفات التي بنتها السلطات في الصين أو مصر مع قوى محافظة، ودانت كذلك جرائم بحق مفكرين مثل فرج فودة ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ. تحفل الرواية كذلك بكثير من الإشارات والعلامات الثقافية المرجعية الكاشفة عن رغبة الكاتب في الاحتفال برموز ثقافية وسياسية بارزة وتأكيد أدوارها التقدمية، بداية بنجيب محفوظ ووصولاً إلى قادة الحركة الطالبية المصرية في السبعينيات من أمثال أحمد عبدالله رزة وسهام صبري وأروى صالح. وإلى جانب ذلك تبدو رغبة المؤلف في تذكير قارئ الرواية بأنه ابن مخلص لمخيلة سينمائية، وقد ألح في تأكيد انجذاب أبطاله الى هذا العالم سواء بإبراز طموح أولى عشيقات يونغ في العمل بالتمثيل أو بالإلحاح على دور السينما في تنمية ثروته أو دورها في تقديم الصين إلى العالم من خلال أفلام “بروس لي” التي كانت موضوعاً للاستعمال السياسي، فقد رفض يونغ وقف عرضها في الصالة التي يملكها بدعوى أن الحكومة الشيوعية قد حظرتها. يعد خيري بشارة أحد أبرز مخرجي الواقعية الجديدة في السينما المصرية، وهو نشأ في حي شبرا بالقاهرة وتخرج في المعهد العالي للسينما قسم إخراج عام 1967، وكانت بدايته من خلال السينما التسجيلية إذ يمثل أحد أعمدة جماعة السينما الجديدة، كما تحمل أفلامه بصمته في خلق واقعية شاعرية راقية ومن أبرزها “العوامة 70” و “الطوق والأسورة” و “يوم مر ويوم حلو” و “آيس كريم في جليم” و “أمريكا شيكا بيكا” و”كابوريا”. المزيد عن: سينمائي مصري\رواية\الهجرة\شخصية صيني\ةبور سعيد\القاهرة\الهوية\الحكم الملكي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الإنسانية الرقمية كمفهوم يضع الإنسان قبل التقنية next post طوني بولس يكتب عن : الكل ضد الكل في لبنان: المودعون والمصارف والدولة You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024