ثقافة و فنونعربي الفائزون يحصلون على كل شيء: كيف اجتاح البوب الاسكندنافي العالم؟ by admin 27 أبريل، 2022 written by admin 27 أبريل، 2022 22 تعتبر السويد اليوم، وفق تقرير حديث، ثاني أكبر مصدر للموسيقى في العالم بعد الولايات المتحدة. رويزن أوكونور وباتريك سميث يتحدثان مع منتجين وكتاب أغان، من سيغريد وداغني إلى ريان تيدير، عن فرقة “آبا” وكيف تصدر “الهوس الاسكندنافي” قوائم موسيقى البوب العالمية اندبندنت عربية \ رويزن أوكونور – باتريك سميث بين الحين والآخر، يحقق نجم “بوب” اسكندنافي خطوة جبارة على الساحة العالمية، فتخفق قلوب الجمهور لروعة الأغنية وسهولة حفظها وتردادها. اليوم، تتصدر فرقة الـ”آبا” المشهد الموسيقي، فيما يسير فنانون آخرون إلى السيطرة على الساحة العالمية. عودوا بذاكرتكم لتلك الأيام الصاخبة سنة 2017، يوم كان نجوم البوب الاسكندنافيين الجدد يتدافعون للاستئثار بالمشهد: السويديتان زارا لارسون ولوف لو، والنرويجية سيغريد، والدنماركية مو. ثم جاءت بعد سنة المغنية الأهم بينهن، روبين، التي عادت كي تستعيد عرش الصدارة من خلال إطلاق ألبومها الأول، “هاني” Honey، بعد غياب دام أكثر من عقد. هذا طبعاً من دون ذكر عدد الأشخاص العاملين وراء الكواليس في الأستوديوهات لصناعة هذه الموسيقى. عودة زمنية سريعة إلى عام 2021، حيث يظهر تقرير حديث لـ”إكسبورت ميوزيك سويدين” Export Music Sweden أن السويد الآن، على وجه التحديد، تمثل ثاني أكبر مصدر للموسيقى في العالم بعد الولايات المتحدة، وتليها بريطانيا. فالأغنيات التي يؤلفها كتاب أغان ومنتجون سويديون، تعد سويدية الأصل، وقد كشف التقرير المذكور أن هذه الأغنيات تبث، بالدرجة الأولى (27 في المئة)، في أميركا الشمالية، ما يشير إلى سيطرة السويديين القوية على قائمة البوب. الأمر ليس مفاجئاً بالنسبة إلى النجمة داغني، التي جرى استلهام أغنيتها “لوف يو لايك ذات” Love You Like That لكتابة الأغنية الفريدة التي حققت فيها كاتي بيري عودتها سنة 2019، “نيفير ريلي أوفر” Never Really Over. وتقول داغني في هذا الإطار: “جميعنا نحب اللازمات الجميلة والنغمات الجذابة، وهذا ما يشتهر به ويتقنه كتاب الأغاني والمنتجون السويديون”. لا يحتاج المرء سوى للنظر إلى “تيك توك” كي يعاين الدليل: من بين أكثر الأغاني انتشاراً هذه السنة على المنصة المذكورة أغنية “ماما سيد” Mama Said للمؤدي الدنماركي لوكاس غراهام، و”ستاي” Stay لـجاستن بيبر، و”ذا كيد لاروي” The Kid Laroi (إنتاج شركة [كشمير كات] Cashmere Cat النروجية). أما قائد البوب الاسكندنافي المعاصر الأكبر، ماكس بيري، فقد قام بوضع لمساته العجائبية على أغان لـكاتي بيري (“هوت أن كولد” Hot’n Cold). كما شكل المغني “ويكند” Weeknd (بأغنيته “بلدينغ لايتس” Building Lights)، أحد أبكر الأمثلة على انتشار فنان بوب من الموجة السائدة على “تيك توك”. والحال فإن سويدي آخر أسهم في كتابة أغنية “بلدينغ لايتس”، هو أوسكار هولتر، الذي شارك أيضاً في تأليف أغنية “تشارلي إكس سي إكس”، “الخيرون” Good Ones، التي مدتها دقيقتان. على أن كل ما تقدم ليس سوى “رأس جبل جليد” البوب الاسكندنافي خلال الأشهر الـ12 المنصرمة. والحقيقة، فإن الاسكندنافيين بارعون جداً في إنتاج الموسيقى التي تتصدر القوائم، لدرجة أنه حتى لو كانت الأغنيات التي يؤلفونها غريبة وعابثة، ستبقى قادرة على التحول إلى أعمال ضاربة. الأمثلة على ذلك تبدأ من “باربي غيرل” Barbie Girl (1997) لـ”أكوا” Aqua، وتصل إلى “وات داز ذا فوكس ساي؟” What Does the Fox Say? للثنائي الكوميدي النرويجي “إلفيس” Ylvis (إنتاج “ستارغايت”)، هذه الأخيرة التي غدت في سنة 2013 الأعلى مرتبة في القوائم الأميركية لفنان نرويجي منذ “تايك أون مي” Take On Me للـ”آها” A-ha. كما أن البلدان الاسكندنافية تنتج أكثر من أي مكان آخر في العالم المزيد من نجوم “التنسيق الموسيقي” (الـ “دي جيينغ”) الدوليين الكبار، أمثال: “سويديش هاوس مافيا” Swedish House Mafia، وتود تيرجي Todd Terje، وآلان والكر، وكيغو، والراحل آفيتشي. عن الأمر المذكور يتحدث ريان تيدير، قائد فرقة “وان ريبابليك” One Republic، والفنان والمؤلف الكبير الذي كتب أغاني لفنانين أمثال أديل، وبيونسيه، وإد شيران، وكاميلا كابيلو، وسويفت، فيقول: “السويديون في صدارة قائمة الأغاني، وهم يتقدمون على جميع الدول– ويحققون، أكثر من أي بلد في العالم وبفارق كبير، أوسع انتشار للأغاني بحسب عدد السكان. الأمر يشبه اليابان الذي يضم أكبر عدد من المطاعم المصنفة بنجوم ميشلان، مقارنة مع أي بلد على وجه الأرض. أعتقد أن السويديين حققوا ذلك في مجال الموسيقى”. من هنا فإن اختيار فرقة الـ”آبا” Abba هذا الوقت الخصب بالذات لإطلاق عملها الجديد الأول منذ 40 سنة، والذي يذكر الجميع بهذه الفرقة الرائدة، يمثل اختياراً موثوقاً. وفي مسابقة “يوروفيجين” سنة 1974، كانت الفرقة التي يرتدي أفرادها ثياباً حريرية، قد أدهشت العالم بأدائها الخارق لأغنية “واترلو” Waterloo، مطلقة بها آنذاك ما يعرف بـ”الهوس الاسكندنافي”. ويعد ألبوم “غولد” Gold للـ”آبا” ثاني أكثر مبيعاً في كل الأزمنة بعد “غريتيست هيتس” Greatest Hits لـ”كوين”. وفي الآونة الأخيرة غدا “غولد” الألبوم الأول والوحيد الذي يبقى على مدى ألف أسابيع متواصلة في قائمة البوب بالمملكة المتحدة. وعن ذلك، في وقت سابق من هذا العام، قال كارل ماغنوس بالم، الكاتب السويدي وكاتب سيرة فرقة “آبا” [أضواء ساطعة، ظلال قاتمة] Bright Lights, Dark Shadows: “إننا هنا أمام موهوبين، لكني لا أعتقد أن هناك من يتمتع بمستوى الطموح ذاته”. وانطلاقاً من إرث كبير كهذا، تابعت الفرقة منذ ذلك الحين تنويرها لموسيقى البوب الاسكندنافية من ناحيتي البنية والأسلوب. وفي هذا السياق ذاته تقول داغني: أعتقد أن كثيراً من تقنيات كتابة أغنيات البوب الاسكندنافي جاءت من محاولات التمايز عن أغنيات فرقة [آبا]”. هذا الأمر الذي ذكرته داغني يمارس على نحو غير واع، وأحياناً أخرى بانتباه. وفي السياق تقول المغنية “آنا أوف ذا نورث” المقيمة في أوسلو: “من المؤكد أنني سمعت أغاني الـ[آبا] لملايين المرات، لذا يستحيل على ألا أكون متأثرة بهم. في مكان ما داخل رأسي ثمة مصرف لجميع الألحان التي سمعتها في حياتي. وهذه جميعها تمثل جزءاً صغيراً من الموسيقى التي أصنعها اليوم”. سيغريد هي واحدة من أهم النرويجيين الذي حققوا نجاحاً هائلاً، إذ إنها فازت سنة 2018 باستفتاء الصوت الذي تنظمه “بي بي سي” (BBC Sound) واحتل ألبومها المرتبة الرابعة في المملكة المتحدة (سنة 2018). ترى سيغريد أن جزءاً من جاذبية فرقة “آبا” يعود إلى عنصر المفاجأة في موسيقاهم. وتشرح “إن ما يستأثر بانتباه المستمعين، وطريقتهم المختلفة في كتابة الأغاني… إذ لن يكون بوسع المرء أن يتوقع ماذا ينتظر بعد، ولا يمكن توقع النوتة الموسيقية الآتية. فبإمكانهم تحويل الصوت الموسيقي المفهومي المعقد إلى صوت سهل– وهنا يكمن سحر البوب!” من هنا فإن ماكس مارتن، أحد أبرز منتجي موسيقى البوب في العالم، سوف يركز منذ ذلك الحين على كثير من سحر البوب الذي ذكرته سيغريد. وقد أسهم مارتن في تعريف نمط “واي تو كي” Y2K بوب، كما عمل على أغنيات مثل “بايبي وان مور تايم” Baby One More Time لـبريتني سبيرز، وبعدها حقق إنتاج أشهر أغاني البوب في العقد الذي تلا، من “آي كيسد إي غيرل” I Kissed A Girl لـكاتي بيري، إلى “شايك إت أوف” Shake It Off لـتايلور سويفت. صدارة مارتن هذه تستمر إلى اليوم. فهو حقق المرتبة الثالثة بالأغنيات التي احتلت المركز الأول في الولايات المتحدة، ولا يسبقه في المجال المذكور سوى بول ماكارتني وجون لينون. بيد أن أصواته لا تنفصل أيضاً من تاريخ البوب الاسكندنافي. وقد كتب المؤلف والصحافي في الـ”نيويوركر” جون سيبروك واصفاً “أصوات ماكس مارتن” بأنها تشبه “بوب الـ[آبا] في نغماتها وقوامها، وتحاكي أغنيات دينيز بوب في بنيتها وحيويتها، وأغنيات روك الملاعب الشهيرة في الثمانينيات، وتنويعات موسيقى الـ[آر أند بي] الأميركية في التسعينيات”. ماكس مارتن (على اليسار) برفقة جاستن تيمبرلاك والمنتج شيلباك في جوائز غرامي (غيتي) وكان المغني الراحل دينيز بوب مهندساً أساسياً لموسيقى البوب الاسكندنافية، لكنه ربما ظل أقل شهرة من الفنانين الذين علمهم وأشرف عليهم. وقد أسس بوب أستوديوهات “تشيرون ستوديوز” Cheiron Studios بالشراكة مع توم تالوما في ستوكهولم سنة 1992، ثم قام، بعد مرور عام، بتوظف الشاب ماكس مارتن للعمل في الأستوديو المذكور. وخلال حياته القصيرة جداً (توفي في عمر الـ35 بسبب سرطان المعدة)، هندس بوب أصوات موسيقى البوب في التسعينيات، وعمل وتعاون مع فنانين أمثال “أن سينك” N Sync، وروبين، وإيس أوف بايس، و”فايف” 5ive. وفي هذا الصدد يذكر تيدير قائلاً: “بدأت أعير انتباهاً لكتاب الأغنيات بناء على ما كنت أستمع إليه بين السنتين 1994 و1995. وقد غدوت مهووساً بذلك [بكتابة الأغنيات] ورأيت أن الأمر يمثل أعظم عمل على وجه الأرض. وقد قادني ذاك بعد عدة سنوات إلى دينيز بوب الذي اكتشف ومرن ماكس مارتن، ورامي يعقوب، والباقين. أنه أب جميع الأصوات (الموسيقية) السويدية”. بالطبع من الصعب التفكير بموسيقى من القائمة الأولى لم يكن عملها، في مرحلة من المراحل، مصاباً ببعض شظايا السحر الموسيقي الاسكندنافي. وإن جال المرء أيضاً في مجال موسيقى الـ”أر أند بي” والـ”هيب هوب” سيجد أن بعض أهم المؤدين والموسيقيين المقيمين في لوس أنجليس هم نرويجيون، مثل الثنائي النرويجي “ستارغيت” Stargate، واسمهما تور إي هيرمانسين وميكيل أس إريكسن. وللمصادفة هنا فإن الفنانين المذكورين ولدا في السنة ذاتها التي شهدت انطلاق الـ”آبا” عام 1972. واقتحمت “ستارغيت” مشهد صناعة الموسيقى في بريطانيا عبر عملهم مع نجوم البوب البريطانيين في التسعينيات أمثال “أس كلوب 7″ S Club 7، و”بلو” Blue، و”آتوميك كيتين” Atomic Kitten، إلا أنهم أيضاً أسهموا في إطلاق فرقة موسيقى الـ”آر أند بي” اللندنية “ميس تيك” Miss-Teeq، التي حققت مع أغنيتها “سكاندالوس” Scandalous إنجاز أن تكون ضمن لائحة “العشر الأوائل” Top 10 الأميركية. ولفرقة “ذا نوردز” The Nords اليوم لائحة هائلة من المتعاونين، تضم ماريا كاري، وبيونسيه، وريانا، وجينيفر لوبيز، وجانيت جاكسون، سام سميث، وويتني هيوستن. وهم اليوم “ذا نوردز” لا يقلون تركيزاً في ابتكار “دود الآذان” (أي ما يغزوا آذان العالم) من تركيز باقي أقرانهم من نجوم البوب. وقد قالوا في سنة 2019: “نتأكد من وجود وفرة من الألحان في المسار، كي تقوم بإلهام الكتاب (كتاب الأغاني). كما أننا غالباً ما نقوم بتعديل الأغنية وتبسيطها، ولا نتوقف إلا حين نتأكد من بلوغنا خطافة قاتلة (أي حين تغدو الأغنية بالغة الجاذبية ولا يمكن مقاومتها)”. تلك المقاربة أسهمت بالتأكيد في وسم حقبة البث (بث الموسيقى) الراهنة. وقد اشتكى النقاد من كيف أدى التضاؤل المفترض في الاهتمام عند الأجيال الأصغر إلى تنامي الطلب على خطافات متعددة تُغذَّى عبر أغنيات أقصر. عن هذا الأمر تذمرت مقالة في “ذا أتلانتيك” نشرت سنة 2015، فكتبت: “نحتاج إلى ذروة جديدة كل سبع ثوان – وهو المعدل الوسطي للوقت الذي يبقى فيه المستمع على محطة إذاعية قبل انتقاله إلى محطة أخرى”. لكن من الواضح أن ذاك لعب لمصلحة المنتجين وكتاب الأغاني الاسكندنافيين، وذلك بالنظر إلى نجاحهم الجماعي العظيم على منصات مثل “تيك توك“، حيث يمكن لمقتطفات قصيرة أن تقود الأغنية إلى رواج هائل. وتوافق داغني من جهتها على أن البوب الاسكندنافي توصل إلى الوصفات المناسبة للنجاح في مجال البث، وهي ترى أن تلك الجاذبية تمثل كل شيء. توضح قائلة: “أعتقد أن طريقة تماهي الكلمات مع الألحان تكاد تكون أهم من معاني الكلمات بحد ذاتها. كما أننا بطبيعتنا لدينا موقف من قبيل [نريد المعنى مباشراً، من دون لف ودوران]، وهذا يساعد حين نكتب أغنيات بوب مدتها ثلاث دقائق! لا مهلا، هل بتنا الآن في مرحلة الدقيقتين والثلاثين ثانية …؟” القدرة على “عدم اللف والدوران” تلك يمكن أن تؤثر على حقيقة أن كتاب الأغاني الاسكندنافيين يعملون بلغتهم الثانية، أو حتى الثالثة، وليس لغتهم الأم. في هذا الموضوع توافق سيغريد قائلة “الإنجليزية هي لغتي الثانية، لذا أميل للتفكر في الألحان قبل الكلمات. وهذا الأمر طبيعي أكثر بالنسبة لي. هكذا وجدت طريقي إلى الكتابة عندما كنت في سن الـ16 تقريباً. لم أكن أعرف بعد كيف أعبر عن نفسي بطريقة مناسبة في الإنجليزية، ولم أحب الغناء بالنرويجية، لذا قمت بطباعة كلمات أغنيتي المفضلة من أغنيات فرقة “كولدبلاي” Coldplay وألفت لها موسيقى جديدة. بعدها انتقلت شيئاً فشيئاً إلى كتابة الأغاني بنفسي”. ملكة الساكنديبوب روبين تغني في كاليفورنيا (غيتي) وفي هذا الإطار، فإن الاستماع إلى أغان للـ”آبا” أو لـ”روبين” يوضح الدور الكبير الذي تلعبه بساطة الكلمات، إذ تنجح في تكثيف المشاعر الكونية المتعلقة بالحب أو الانكسار أو العزلة، وتسير بموازاة الإيقاعات الناشطة والأنغام المبهجة. وتميل الكلمات إلى استحضار الصور المبعثرة، كما نسمع في كلاسيكية روبين سنة 2010 “دانسينغ أون ماي أون” Dancing on My Own: “أنا في الزاوية، أشاهدك تقبلها، أووه/ أنا هنا تماماً، لماذا لا يمكنك رؤيتي؟ أووه”. “دانسينغ أون ماي أون” هذه غدت منذ ذلك الحين حجر زاوية أساسي بالنسبة لكتابة الأغاني الاسكندنافية ونموذجاً لما بات يوصف بأنه نمط الـ”ساد بانغر” (العصبوي الحزين). وعن هذا تشرح داغني: “روبين التقط على نحو مثالي روحية البوب الاسكندنافي– تلك الصورة التي تستحضر شخصاً منتحباً عند حلبة الرقص فيما قلبه يتراقص أمامه. ذاك يبدو حيوياً، وحامياً، وبارداً، وشاملاً، وعزلوياً، ومتفائلاً بلا حدود، في وقت واحد”. وفيما تبدو داغني غير مهتمة بالأسلوب حين تكتب أغنية جديدة، إلا أنها تنتبه إلى حقيقة ارتباط السمة العامة للبوب الاسكندنافي بـ”الكآبة المتفائلة”، التي تمثل توتراً مثالياً بين السعادة والحزن. لكن هناك أيضاً عوامل أخرى لها دور في تحديد شكل ووجهة البوب الاسكندنافي. إذ إن سيغريد مقتنعة بأن الطبيعة الدراماتيكية والجميلة لبلدها تمثل أحد أسباب الكثافة في الموسيقى التي تؤلفها. عن ذلك تقول: “المطر المنهمر في الخارج يصنع لك مزاجاً، والريح المولولة عبر الأشجار، وتلك الجبال الصاعدة إلى السماء من المضائق السحيقة. الأمر مثل جوقة بوب دراماتيكية”. ومثل داغني، تسعى سيغريد إلى خلق تباينات في كتابتها، متأثرة ببلدتها “أليسوند”، التي يمكن أن تشهد الشمس الساطعة والثلج وانهمار الأمطار الغزيرة في نفس اليوم. وتقول، “لا أريد من الأشياء أن تكون سعيدة هكذا ببساطة. ينبغي أن يكون هناك شيء من المقاومة في مكان ما”. كيف حقق كتاب الأغاني الاسكندنافية هذا النجاح على المستوى العالمي؟ كايت هافنيفيك، مؤلفة موسيقى الأفلام النرويجية والمغنية وكاتبة الأغاني التي من أعمالها موسيقى تصويرية لـ”غرايز أناتومي” Grey’s Anatomy و”ذا أو سي” The OC، و”ذا ويست وينغ” The West Wing، تجيب: “نحن الاسكندنافيين نتمتع بما أسميه [شخصية أبناء البلدان الصغيرة]، المستضعفين الذين يريدون الخروج إلى العالم وغزو أراضٍ أكبر. نذهب إلى بريطانيا، ونذهب إلى الولايات المتحدة، نحقق [أغنية المرتبة الأولى] ونعود إلى بلدنا مكللين بالنجاح”. وعلى الرغم من امتلاك بريطانيا والولايات المتحدة ربما لقطاع صناعة موسيقية أكبر، فإن هافنيفيك ترى أن المقاربات الاسكندنافية تبقى أكثر نضارة. وتشرح، “لو نظرت إلى فنانين مثل أورورا وسيغريد وروبين… فإنهم أكثر صدقاً مع أنفسهم، ومنخرطون تماماً في كتابة أغانيهم وهم عفويون إلى حد كبير. وهذا يترجم نجاحاً في الأسواق العالمية”. سيغريد: المطر المنهمر في الخارج يوحي بوضع الأغاني وكتابتها. فالريح المولولة عبر الأشجار، وتلك الجبال الصاعدة إلى السماء من المضائق السحيقة. الأمر مثل جوقة بوب دراماتيكية (هولي ويتاكر) ويتوافق كل من هافنيفيك وتيدير على أن الأمر يرتبط أيضاً بالتأثير المستمر لتقاليد وأنماط الموسيقى الفولكلورية الاسكندنافية القديمة، التي وصلت إلى كتابة أغاني البوب الاسكندنافي الحديث. وذاك يسهم في ولادة أشياء فريدة حين يعمل الاسكندنافيون في أستوديوهات البوب الأميركية. توضح هافنيفيك قائلة: “نحن نأتي من ثقافة ذات أنغام قوية واضحة– حتى عندما يتعلق الأمر بالموسيقى الفولكلورية والرقص على أنغام كمنجات [هاردانغر]”. ويشير تيدير إلى أن المقاييس الموسيقية التي يفضلها كتاب الأغاني والفنانون الاسكندنافيون هي مقاييس “متأصلة في تاريخهم، وغالباً ما تكون أكثر أهمية من المقاييس ذات الأصل الأميركي”، ما يؤدي إلى “عاصفة موسيقية من الفرادة والإبداع”. كما يتساءل تيدير، إن كانت طريقة الاسكندنافيين الاشتراكية في كتابة الأغاني أسهمت في هذا النجاح الاسكندنافي. فيقول متحدثاً عن طريقة العمل في الأستوديوهات: “في صلب عملنا هناك فكرة التعاون وغياب الـ[إيغو] [تضخم الأنا]. الطريقة الأميركية في مقاربة كتابة الأغاني تتمثل بـ[لا، أنا فقط! سأحقق الأمر بمفردي، أنظر إلي!]” يتابع، “حتى أن كثيراً من أغنياتي الأولى عبر عني مئة في المئة، لأنني نشأت متأثراً بطريقة [أو مدرسة] ديان وارين [كاتبة الأغاني الشعبية والحائزة على جائزة “غرامي”]. السويديون يفكرون على هذا النحو: [لنضع أربعة أو خمسة كتاب في غرفة واحدة ليعملوا على الأغنية ذاتها إلى أن تغدو مثالية. هناك قوة في الأرقام، ولهذا في رأيي تصدرنا قوائم البوب على مدى فترات طويلة”. لكن هناك أيضاً سبباً واضحاً آخر لتدفق المواهب، وهو يتمثل بما تلقاه الفنون في السويد والنرويج على وجه التحديد من تكريم ودعم. إذ في السنة الماضية اقترحت الحكومة النرويجية رفع الميزانية المخصصة لمنح الدولة للفنانين بمعدل 100 مليون كرون نرويجي (8.7 مليون جنيه إسترليني). وفي شهر سبتمبر (أيلول)، طرحت السويد خططاً لزيادة سنوية ابتداء من عام 2023 وصاعداً، تبلغ 200 مليون كرون سويدي (17.2 مليون جنيه إسترليني) لدعم الموسيقى ومدارس الفن. وهذا يشكل تناقضاً حاداً مع واقع الحال في بريطانيا، حيث قامت مدارس عديدة بإلغاء مواد تدريس الفن نهائياً بسبب غياب التمويل. ويلاحظ تيدير في هذا الإطار “أن التربية تركز على نحو حيوي جداً على الموسيقى في التعليم الثانوي السويدي. كل شخص هنا، أكثر من الأشخاص في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو أي مكان آخر، ينغمس انغماساً مرهقاً في الموسيقى”. أغنية النجمة داغني، التي جرى استلهامها “لوف يو لايك ذات” Love You Like That لكتابة الأغنية الفريدة التي حققت فيها كاتي بيري عودتها، “نيفير ريلي أوفر” Never Really Over. (ساندرين ومايكل) من جهته إرليند بوفلاتن، المدير التنفيذي لـ”بروبيلير مانيجمينت” المتمركزة في أوسلو ولندن، وهو أحد مؤسسيها، يشرح قائلاً، إن العديد من الفنانين والكتاب والمنتجين الاسكندنافيين على قوائم البوب البريطانية تعلموا منذ سن مبكرة العزف على الآلات الموسيقية، إما في “أندية بعد المدرسة” أو في “مدارس الفن” المحلية التي تعتمد برامج تدعمها معظم بلديات المدن في النرويج. ويقول بوفلاتن الذي يدير أعمال فنانين حازوا على جوائز “غرامي” ويحظون بمعدلات بث تساوي مليارات عديدة، بينهم سيب وتوماس كونغشافن وسيف SIVV، إن هذا الأمر معطوفاً على الدعم السخي الذي تقدمه الحكومات للفنون، يتيح للناس إمكانية اختيار مهنة موسيقية على الرغم من محدودية قطاع صناعة الموسيقى، نسبياً، في السويد. قد تكون فرقة “آبا” اليوم عادت في الوقت المناسب لموسم الاحتفالات والأعياد، بيد أن الإطار الضخم لدعم الفنون هو الذي يشير إلى أن الاسكندنافيين سيستمرون في تصدر قوائم البوب لوقت طويل بعد عيد الميلاد. وقد قامت أديل، مغنية موسيقى السول والبلوز البيضاء، بالتعاون مع ماكس مارتن وشيلباك لصناعة أغنيات لألبومها المنتظر، “30”. كما أن مارتن وشيلباك من جهتهما أسهما في إعادة تسجيل ألبوم “ريد” Red لـتايلور سويفت كي يطلق في 19 نوفمبر (تشرين الثاني)، فيما يشارك الثنائي النرويجي “إليكتريك” Electric في ألبوم ليتل ميكس الأهم “بيتوين أس” Between Us، الذي سيطلق في الأسبوع ذاته. مجد البوب الاسكندنافي البلدي انتشر وعم في كل مكان – وربما لن يمضي وقت طويل حتى تتقدم السويد على الولايات المتحدة وتغدو أكبر مصدر للموسيقى في العالم. “أعتقد أنه لأمر رائع أن يحقق النجاح اسكندنافيون كثر”، تقول داغني، وتضيف: “عسى أن يستمر ذلك”. نشرت اندبندنت هذا المقال في نوفمبر 2021 © The Independent المزيد عن: موسيقى \ سكانديبوب \ بوب \ النرويجآبا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أونتاريو: سقف جديد لعدد المصابين بكورونا في المستشفيات next post “الرقم 13” فيلم بدايات سيد سينما الرعب والتشويق ونسيه You may also like بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024