ثقافة و فنونعربي الطهطاوي أحيط بمعلومات خاطئة ولم يكن إماماً في فرنسا by admin 7 مايو، 2022 written by admin 7 مايو، 2022 81 أكاديمي مصري يفند أكاذيب حول رائد التنوير وبعثة تعلم الفرنسية اندبندنت عربية \ عبد الكريم الحجراوي يحظى رفاعة رافع الطهطاوي (1801- 1873) بمكانة كبيرة في الإرث الثقافي العربي باعتباره الرائد في مجال التنوير. فالقضايا التي تتصل بالنهضة وحقوق المرأة والدستور والتعليم والمجتمع والثقافة ونشأة أنواع أدبية والترجمة، تتقاطع مع الطهطاوي بشكل من الأشكال، وكان له السبق فيها والريادة. وعلى الرغم من أهميته تلك لدوره الكبير والفاعل في الثقافة المصرية والعربية، إلا أن جل المعلومات الشائعة عنه غير صحيحة. وفي هذا الصدد، يقول مدرس الأدب المقارن في جامعة القاهرة والأستاذ المساعد في كلية الدراسات العليا للإنسانيات في جامعة أوساكا – اليابان الدكتور عبد الرحمن الشرقاوي إن من المعلومات الشائعة حول رفاعة أنه سافر كإمام لطلاب البعثة التي ذهبت إلى فرنسا. ويضيف: “نحن أمام قولين مشهورين: أحدهما أن رفاعة ذهب إلى البعثة إماماً، والثاني أنه أحب التعليم وأنه اجتهد في البداية من تلقاء نفسه حتى أجبر البعثة على ضمه، وكلاهما خطأ فادح لا يمكن أن يصدقه أو يقبله مدقق”. المسألة ببساطة – يقول الشرقاوي – أنه عندما تقرأ كتاب رفاعة “تخليص الإبريز في تلخيص باريز”، ستلاحظ أنه لم يتكلم على الإطلاق في أي شيء ديني يخص طلاب البعثة أو فقه المسافرين من قَصْر الصلاة وتحريم لحم الخنزير وغير ذلك. وأن رفاعة في مقالته الرابعة من المقالات السِت في الكتاب كان دائماً ما يستخدم الضمير المتكلم للجمع (نا) بوصفه طالباً من طلاب البعثة وليس واعظاً وإماماً لهم، فهو يقول مثلاً: “منذ وصولنا إلى مارسيليا بدأنا في تعلم الهجاء وعندما وصلنا إلى باريس تابعنا دروسنا باللغة الفرنسية… “. كما أن المراسلات المتبادلة بين البعثة ومحمد علي والتقارير المالية تؤكد بشكل لا لبس فيه، أن رفاعة كان طالباً فقط، ومن الغريب أن هذه الأشياء واضحة ولا تحتاج إلى تأويل والناس تتجاهلها على مدى قرنين من الزمان. وفي الامتحان النهائي، تشير الشهادة التي حصل عليها إلى أنها كانت في الترجمة، الصنعة المختارة له من بلده، أي أنه مرسل منذ البداية لدراسة الترجمة والعمل كمترجم. النقل الأعمى كتاب الطهطاوي الشهير (نيل وفرات) ويضيف الشرقاوي أن رفاعة كان واضحاً جداً في موقفه والمعلومات التي قدمها حول نفسه ولم يذكر فيها إلا أنه كان طالباً بالبعثة. لكن هذه المعلومة المغلوطة حوله استمرت طويلاً ولا يمكن تجاوزها إلا بالرجوع إلى الوثائق المتعلقة برفاعة في زمنه ومنها جريدة “الوقائع المصرية”، التي فيها أكثر من إشارة إلى أن الشيخ رفاعة “سافر إلى فرنسا لتحصيل الفنون والعلوم المرغوبة”. وتكررت هذه الإشارة مرتين في “الوقائع”: منها مرة لما كان رفاعة يعمل بنفسه في تحرير تلك الجريدة بعد وفاة شيخه ومعلمه حسن العطار. وتلك الإشارة تعني أنه لم يسافر على الإطلاق كإمام للبعثة. ومن المعلومات التي نقلها رفاعة أن طلاب البعثة تفرَّقوا في المدارس منذ عام 1827، وهذه المعلومة تنفي أسطورة الإمام أو تؤكد أن الطلاب لم يكُن لديهم وقت حتى لصلاة الجمعة ولا صلاة الجماعة عموماً، لأن كلاً منهم كان يقيم في مكان بعيد من الآخر. مصدر الخطأ يوضح الشرقاوي أن مصدر هذه المعلومة المغلوطة أولاً من السيد صالح مجدي، خريج ما عُرف لاحقاً بـ”مدرسة الألسن” (كانت تُسمّى وقتذاك مدرسة المترجمين)، عندما كتب كتابه “حلية الزمن بمناقب خادم الوطن” وأصدره بعيد وفاة رفاعة، متضمناً معلومات شخصية عنه ومعلومات عن تلاميذه وعن “مدرسة الألسن”. ووثَق الناس بهذه المعلومات اعتقاداً منهم أن صاحبها كان قريباً من الطهطاوي ويعرفه حق المعرفة. فقال في الكتاب إن رفاعة سافر إماماً للبعثة، لكن عبارة صالح مجدي هنا تفيد بأن رفاعة كان إماماً، أي أنه من الرؤساء وليس إماماً بمعنى رجل دين، لأنه في الحقيقة في ذلك الوقت لم تكُن الكلمة المستخدمة هي “إمام”، فكان الشخص الذي يسافر كي يؤمّ الناس يدعى “واعظاً”. فحتى رفاعة عندما تحدث عن نفسه قال إنه كان “واعظاً في الجهادية”. فكلمة إمام هنا ليست بالمعنى الذي فُهم لاحقاً على أنه رجل دين. ثم انتقلت هذه المعلومة من صالح مجدي بثقة إلى من هم بعده. وهناك معلومات أخرى غير دقيقة نقلها صالح مجدي عن رفاعة رافع الطهطاوي وليست هذه فقط. كتاب آخر (نيل وفرات) وانتقلت المعلومة إلى علي مبارك الذي كان رئيس السيد صالح مجدي ووضعها في “الخطط التوفيقية”، وانتقلت منهما إلى جرجي زيدان، تحديداً في كتابه “مشاهير القرن التاسع عشر”، ومن هؤلاء اكتسبت المعلومة سلطة قوية. يكشف الشرقاوي أن كلمة “شيخ” تحوّلت دلالتها قليلاً في الاستخدام منذ قرنين عما هو الآن، فنحن أمام استخدام واضح ومحدد لكلمة “شيخ” التي تُطلق على خريج الأزهر. وهي ليست دليلاً على أن رفاعة كان إماماً بالمعنى الديني لمجرد أنه يُنادى بالشيخ. فرفاعة قبل حصوله على لقب “بك” لم يكُن يحمل لقب “أفندي”، لأنه كان رجلاً معمَّماً، حتى وهو ناظر مدرسة الألسن/ المترجمين بعد عودته من باريس. وكان هناك خمسة طلاب مع رفاعة في البعثة يسبق اسمهم وصف الشيخ. وهم أحمد العطار – ربما تكون هناك صلة قرابة له بالشيخ حسن العطار شيخ الإسلام في ذلك الوقت- ودرس علم الميكانيكا، ومحمد الدشطوطي درس الطب والتشريح، ورفاعة درس الترجمة وعبدالله وأحمد – تذكر الوثائق اسمهما الأول فقط – عادا إلى مصر قبل أن يكملا دراستيهما. أكذوبة تعلم الفرنسية في شهر وحول ما هو شائع بأن رفاعة أتقن الفرنسية في شهر واحد، يقول الشرقاوي: “نحن أمة تعشق الأساطير وتحب إنجازات جبارة والحديث عن أشياء فذة يصعب على الأشخاص العاديين أن يفعلوها، تعزز منطق المصادفة وتبعد منطق الاجتهاد والدأب. فإذا كان رفاعة قد تعلم الفرنسية في شهر، فمن لا يتعلمها في مثل ذلك الوقت ليس جديراً بالتعلم. والحقيقة أن رفاعة تعلم هجاء الفرنسية في أكثر من شهر بنص كلامه هو: “منذ وصولنا إلى مارسيليا شرعنا في تعلم الهجاء”، واستمروا في تعلم الهجاء حتى وصلوا إلى باريس. والمعروف أنهم قضوا فترة الكرنتينه في مارسيليا 40 يوماً”. وهناك معلومة مغلوطة أيضاً نقلها جرجي زيدان عن صالح مجدي وهي أن رفاعة كان يجيد الفرنسية كتابة ولكنه لم يكُن يحسن الحديث بها. ولكنني لم أقرأ – يقول الشرقاوي – على الإطلاق ما يشير إلى هذا الأمر، فرفاعة درس في فرنسا شفاهة وامتحن شفاهة. الدراسة على نفقته الخاصة وقيل عن رفاعة إنه درس على حسابه الشخصي. ويؤكد الشرقاوي أن تلك معلومة مجتزأة، “فهو كان يدرس على حسابه إذا كان لديه وقت فراغ، بعيداً من الأستاذ الذي وفرته له البعثة. وتشير الوثائق التي اطلعتُ عليها بشكل قاطع إلى نفقات المدرسة التي تعلم فيها رفاعة، وأنهم كانوا يدفعون لمدرّسه الفرنسي 450 فرنكاً، إضافة إلى بعض الكتب والمستلزمات التي وصلت تكلفتها أحياناً إلى 100 فرنك، وذلك بحسب دفاتر نفقات البعثة المعروف باسم “كشف خصوم الأفندية المسافرين إلى بلاد أوروبا لتحصيل العلوم”… و”مهيات (رواتب) رفاعة رافع – لا يُذكر فيها لقب الطهطاوي- مسجلة في هذه الكشوف منذ السنة الأولى لبعثته التي استمرت 5 أعوام. ورفاعة نقل تعليقاً لأحد الطلاب الفرنسيين الذي لاحظ البذخ والكرم في معاملة الطلاب المصريين مقارنة بالفرنسيين: ’لا شك في أنكم تمثلون أهمية كبيرة لبلادكم حتى تنفق عليكم كل هذا المال‘، فهم كانوا يعيشون في مستوى اقتصادي عالٍ جداً مقارنة بأقرانهم”. ديوان الطهطاوي (نيل وفرات) وتكشف وثائق تلك الفترة أن محمد علي كان يتابع هذه البعثة بشكل شخصي ومباشر ويسأل عن أفرادها ويكلفهم بالأعمال. وفي هذا الصدد، ينقل عبد الرحمن الشرقاوي معلومة على عكس الشائع بأنه كانت هناك تفرقة بين الطلاب العرب والطلاب من ذوي الأصول التركية والشركسية، وأنه كان يفضل الأتراك على العرب. لكن الوثائق تنقل طلباً أرسله محرم آغا من الإسكندرية يلتمس فيه من محمد علي السماح لأولاد الأتراك الدخول في المدارس الأميرية إسوة بأولاد العرب، لأن المدارس كانت تقبل بشكل أساسي أولاد العرب، فردَّ عليه محمد علي أن لا مانع من قبولهم وأن هذه المدراس لأولاد الناس جميعاً. والمقصود بالعرب هنا هم عموم المصريين ومَن ليسوا من أصل تركي أو شركسي. وتنقل الوثائق أيضاً رسالة توبيخ عنيفة من محمد علي إلى طلاب البعثة جميعاً و”أنه لا يجوز لهم الانصراف إلى اللهو والشراب وأن عليهم أن يلتزموا تعاليم دينهم وأن يحترموا تقاليدهم. وإذا اعتذر واحد منهم بأنه بدَّل دينه ليصبح عيسوياً – أي تحوّل إلى المسيحية – فإنه لا يفعل ذلك إلا رغبة باللهو، بالتالي فإن محمد علي سيعاقبه عقاباً شديداً”. راتب رفاعة وتذكر الوثائق التي ينقل عنها الشرقاوي، الأجر الذي كان يتقاضاه رفاعة في البعثة منذ بداية رحلته إلى فرنسا كطالب، أنه كان يحصل على 250 قرشاً، وكان ذلك أجراً متوسطاً أقل من الكبار الذين يحصلون على آلاف القروش وهم قادة الطلاب. ولكنه أفضل كثيراً من كثير من الطلاب في البعثة الذين كانوا يحصلون على أقل من 100 قرش في الشهر. فكان هناك تفاوت بالأجور ولم تكُن لهذا التفاوت علاقة بالمادة التي يتخصص بها الشخص. فمن درس الميكانيكا حصل على 100 قرش فقط ومن درس الطب حصل على 80 قرشاً، فالمعوّل عليه في الراتب كانت سابقة العمل ومدة الخدمة في دوائر الحكومة المصرية. فرفاعة عمل منذ نهاية دارسته (في حدود 1821) واعظاً في الجيش المصري. ويوضح الشرقاوي أن من الشائع أن رفاعة هو مؤسس “مدرسة الألسن” وهذا شبه صحيح، لكنه لم يؤسس “مدرسة الألسن”، فتلك المدرسة التي يقصدها الناس كانت تُسمّى وقتها بـ”مدرسة المترجمين”، وهي مدرسة متخصصة في الترجمة من اللسان “الفرنساوي” إلى اللسان العربي. فهي لم تكُن تدرّس ألسناً وإنما كانت تدرس لساناً واحداً. وتدريس الفرنسية بدأ في مصر مع عودة رفاعة 1831، بحيث أصدر محمد علي أمره إلى ديوان الجهادية (وزارة الحربية أو الدفاع) الذي كان مسؤولاً عن التعليم، بتعيين رفاعة مترجماً في مدرسة الطب. ولكن هذا لم يتم كما أمر محمد علي، مما جعله يوبخ القائمين على هذا الشأن: “سبق أن أشرتُ إلى تعيين الشيخ رفاعة العائد من فرنسا بوظيفة مترجم في مدرسة الطب، لكني عندما راجعتُ مضابط المجلس وجدتُ أنه لم يتم هذا الأمر ولا أدري هل نسيتم أمري أم نسيتم تدوينه، لكنني قد غيّرت قلبي، وأرى الآن أن يدرّس هذا الشيخ المذكور اللغة الفرنسية ليخرج لنا كل سنة 25 أو 30 مترجماً. هذا سيكون مناسباً لإيجاد أكبر عدد من المترجمين سريعاً، وبناء عليه أرى أن تعيّنوه مدرساً في مدرسة أبي زعبل وأن يُفتح له فصل يدرس فيه الترجمة لـ25 أو 30 من التلاميذ”. ثم رأى محمد علي أن يحوّل هذا الفصل إلى مدرسة مستقلة ليرفع عدد الطلاب إلى 50 طالباً، واختير لها مكان في الأزبكية، منزل أحمد باشا الدفتردار. ووضع رفاعة شروطه لدخول المدرسة ومنها أن تضم 25 طالباً من الوجه القبلي (جنوب البلاد) ومثلهم من الوجه البحري (شمال البلاد)، وأن يكونوا صحيحي البدن وعمرهم بين 13 و14. المزيد عن: التنوير \ الفكر العربي \ النهضة العربية \ مفكرون \ الازهر \ باريس \ محمد علي \ رفاعة رافع الطهطاوي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post رواية بروست الكبرى على شاشات متنوعة يجمعها الطموح ومآلها الإخفاق next post الأطماع البشرية لا تنتهي في مسرحية “كونكان” المصرية You may also like بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024