رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى وحكومته يحضرون مراسم أداء اليمين الدستورية، رام الله، مارس 2024 (محمد تركمان/ رويترز) بأقلامهم السلطة الفلسطينية تنهار by admin 2 أغسطس، 2024 written by admin 2 أغسطس، 2024 99 مساعدتها في التعافي هو السبيل الوحيد لإنقاذ حل الدولتين اندبندنت عربية / شيرا عفرون / مايكل جاي. كوبلو *شيرا عفرون هي مديرة أبحاث السياسات مؤسسة “ديان وغيلفورد غليزر” في “منتدى السياسة الإسرائيلية”. عملت من عام 2020 إلى عام 2021 مستشارةً مع فريق الأمم المتحدة في القدس، ومن 2011 إلى 2022، شغلت منصب زميلة في مؤسسة “راند” للبحوث. **مايكل كوبلو، كبير مسؤولي السياسات في “منتدى السياسة الإسرائيلية” وزميل في مركز بحوث “كوغود” التابع لمعهد “شالوم هارتمان”. منذ أبريل (نيسان)، اعترفت تسع دول رسمياً بدولة فلسطين، وهي أرمينيا وجزر الباهاماس وبربادوس وإيرلندا وجامايكا والنرويج وسلوفينيا وإسبانيا وأرخبيل ترينيداد وتوباغو، في حين ألمحت بلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا إلى أنها قد تحذو حذوها قريباً. وكذلك فعل رئيس وزراء المملكة المتحدة الجديد، كير ستارمر. بطريقة موازية، في فرنسا، دعت الأحزاب اليسارية التي انضمت إلى الائتلاف الفائز في الانتخابات الأخيرة في البلاد إلى الاعتراف بدولة فلسطين. وهكذا، وصل عدد الدول التي تعترف حالياً بدولة فلسطين إلى 149 دولة (إضافة إلى منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها)، أي ما يساوي تقريباً عدد الدول التي تعترف بإسرائيل (165 دولة). هذه الوتيرة السريعة للاعترافات يمكن أن تجعل الأرقام شبه متساوية قريباً. ويذكر أن الموجة الجديدة من الدول التي تعترف بفلسطين تشمل بلداناً كبرى في أوروبا الغربية التي أعرب قادتها صراحة عن أملهم في أن تسير بقية أوروبا على خطاهم. في الواقع، تشكل الاعترافات الجديدة بفلسطين لفتات رمزية للتعبير عن الاستياء الشديد من الحرب الدموية في غزة والسياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وأشار زعماء الدول التي تعترف الآن بفلسطين إلى أنهم يأملون في أن يكون للاعتراف الدبلوماسي تأثيرات عملية في الأرض، مما يعزز سيادة الفلسطينيين وقدرتهم على التفاوض ويزيد فرص انتهاء الحرب من خلال تحقيق حل الدولتين بنجاح. إن غالبية الجهات الفاعلة الخارجية التي تحاول التوسط من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار طويل الأمد بين إسرائيل و”حماس” تعتقد بأن المضي قدماً في إنشاء دولة فلسطينية قادرة على البقاء لا بد من أن يشكل أساساً لأي اتفاق من هذا القبيل. وفي هذا السياق، وصف رئيس وزراء النرويج، يوناس غار ستوره، الاعتراف بفلسطين بأنه “استثمار في الحل الوحيد الذي يمكن أن يحقق السلام الدائم في الشرق الأوسط”. لكن الاعتراف بالدولة الفلسطينية من جانب واحد هو خطوة أولى خاطئة، إذ إنها قد تؤدي إلى تفاقم الاضطرابات في المنطقة. ولن تنظر قيادة إسرائيل وشعبها إليها على أنها مكافأة غير عادلة فحسب بعد المذبحة التي ارتكبتها “حماس” في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بل إن هذه الخطوة لن تحقق وحدها أي فوائد ملموسة للفلسطينيين. وحتى مع تزايد الحاجة الملحة إلى سيادة فلسطينية حقيقية، فإن السلطة الفلسطينية، الحاكم المفترض للدولة الفلسطينية، أصبحت أقرب إلى الانهيار مما كانت عليه منذ ذروة الانتفاضة الثانية في فترة 2002-2003. إن الجهود التي بذلتها الحكومة الإسرائيلية خلال العام الماضي لتدمير موارد السلطة الفلسطينية المالية دفعت هذه الأخيرة إلى شفا الإفلاس التام، وفي مايو (أيار) الماضي، حذر البنك الدولي من أن السلطة الفلسطينية قد تضطر قريباً إلى مواجهة أزمة مالية لا يمكن تداركها بسهولة. كما أنها ليست جاهزة بعد للحكم، ولا تحظى بإعجاب الفلسطينيين أو بثقتهم، وهذه الظروف الصعبة ستجعل الدولة الفلسطينية الجديدة معرضة للفشل منذ لحظة تأسيسها تقريباً. هناك خطر حقيقي يكمن في الاعتراف بالدولة الفلسطينية ورفع سقف التوقعات في شأن قدرتها على البقاء من دون توفير الدعم اللازم الذي يتيح لقياداتها الحكم بفاعلية. ويتعين على البلدان التي ترغب في تمهيد الطريق نحو حل الدولتين أن تتبنى نهجاً مختلفاً ذا شقين. أولاً، عليها استخدام وسائل سياسية واقتصادية ودبلوماسية، مثل فرض عقوبات تستهدف قادة المستوطنين وكياناتهم، بل حتى المجالس الإقليمية الإسرائيلية في الضفة الغربية، لضمان توقف إسرائيل عن التعدي على أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية. وثانياً، يُفترض أن تعمل تلك البلدلن على تعزيز أسس الدولة المستقبلية قبل إعلان قيامها رسمياً. من دون مساعدة فورية وموجهة من الجهات الفاعلة الخارجية، يُرجح أن تفقد السلطة الفلسطينية نفوذها في الضفة الغربية قريباً، مما يتركها مجردة من أي فرصة لاستعادة السيطرة الفاعلة على غزة. ومعظم الفلسطينيين الذين خاب ظنهم بصورة كبيرة في السلطة الفلسطينية، أصبحت لديهم آراء متناقضة حيال استمرار حكمها، وعلى الجهات الفاعلة الخارجية الراغبة في رؤية السلطة تقود دولة فلسطينية مستقبلية، أن تساعد السلطة أولاً على استعادة ثقة شعبها ومواجهة الشكوك الإسرائيلية حول قدرتها على الحكم بفاعلية. بعبارة أخرى، فإن أي شخص لديه نية جادة بالدعوة إلى قيام دولة فلسطينية يجب أن يدعم أقواله بالأفعال والأموال اللازمة لتحقيق ذلك. حال عدم استقرار قد يبدو أن الاعتراف بدولة فلسطين ينطوي على إيجابيات كثيرة وأخطار قليلة. ووفقاً للتعريف الموحد [التقليدي] في القانون الدولي، فالدولة عليها أن تؤكد سيطرتها الفاعلة على سكان دائمين ومساحة جغرافية واضحة الحدود وحكومة، ويجب أن تتمتع بالقدرة على إدارة العلاقات الدولية. ومع ذلك، يُظهر التاريخ أن قرارات الاعتراف بدولة جديدة لم تكُن مبنية دائماً على استيفاء الدولة لهذه الشروط، بل تأثرت بالدوافع السياسية والمعيارية الداعمة لحق الشعب في تقرير المصير. وأظهر اعتراف عدد من الدول السريع بدولة إسرائيل عام 1948 أن النزاعات الإقليمية لا تشكل دائماً عائقاً أمام إقامة الدولة. وعلى نحو مماثل، اعترفت الولايات المتحدة ودول أخرى بجمهورية الكونغو الديمقراطية عام 1960 بينما كانت لا تزال منتظمة في حرب أهلية، وبجنوب السودان عام 2011 على رغم عدم ممارسة الدولة سيطرة فاعلة على أجزاء كبيرة من أراضيها. الاعتراف الرمزي بفلسطين لن يحقق نتائج إيجابية في غياب هيئات ومؤسسات حاكمة قوية واستطراداً، فإن حالة كوسوفو، على سبيل المثال، تشير إلى أن الاعتراف الدولي المبكر، في ظل الظروف المناسبة، يمكن أن يساعد في تعزيز عملية بناء الدولة بصورة بناءة. في أعقاب إعلان استقلال كوسوفو من جانب واحد عام 2008، سارعت الدول الكبرى، بما في ذلك فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، إلى الاعتراف بسيادتها. ومنحت هذه الخطوة كوسوفو الشرعية، وفتحت أبواب المساعدات والدعم الأجنبي، وسمحت لها بالانضمام إلى المؤسسات الدولية الرئيسة. لكن الظروف المناسبة ليست متوافرة بعد للاعتراف بالدولة الفلسطينية. في بعض النواحي، بدأت فلسطين تتحول بالفعل من دولة على الورق إلى جهة فاعلة حقيقية ومهمة على الساحة العالمية. منذ قرار الأمم المتحدة عام 2012 بمنح فلسطين صفة المراقب، وقّعت على ما يقارب 200 معاهدة، وانضمت إلى كثير من المنتديات المتعددة الأطراف، وشاركت في حرب قضائية نشطة ضد إسرائيل. ولكن الاعتراف الدولي لن يساعدها في التغلب على أكبر العوائق التي تحول دون الاستقلال الحقيقي، على غرار تجزئة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية والحكم الذاتي المحدود والجزئي في المناطق المخصصة شكلياً للفلسطينيين والتوسع المستمر للمستوطنات الإسرائيلية، والأهم من ذلك، العجز الشديد الذي تعانيه السلطة الفلسطينية نفسها. منذ السابع من أكتوبر بدأت السلطة الفلسطينية التي كانت ضعيفة أصلاً، تفقد بسرعة قدرتها على الحكم. وعلى رغم أن الاستعداد ينبغي ألا يكون المعيار الوحيد للاعتراف بالدولة، فإن الاعتراف الرمزي بفلسطين لن يحقق نتائج إيجابية في غياب هيئات ومؤسسات حاكمة قوية. واستكمالاً، تشكل الحكومة الإسرائيلية الحالية تهديداً رئيساً لاستقرار السلطة الفلسطينية وسلامتها. وعلى رغم الجهود السطحية الرامية إلى منع انهيار السلطة الفلسطينية، فإن دولة إسرائيل تسعى، ضمناً وصراحةً، إلى إضعاف السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. وحتى وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي يعتبره كثير من المحللين في واشنطن معتدلاً، أعلن في مايو الماضي أنه سيُسمح للإسرائيليين بالعودة لثلاث مستوطنات سابقة في الضفة الغربية انسحبت منها إسرائيل عام 2005، منتهكاً بذلك الالتزامات التي تعهدت بها للرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في 2005. أما الأعضاء اليمينيون الأكثر تطرفاً في الحكومة الإسرائيلية الحالية، بقيادة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، فهم أكثر صراحة في شأن اعتزامهم تقويض السلطة الفلسطينية. لقد أنشأ سموتريتش “إدارة المستوطنات” ويتولى الإشراف عليها، وهي هيئة حكومية جديدة داخل وزارة الدفاع يمكنها مصادرة الأراضي في الضفة الغربية وبناء مستوطنات جديدة وهدم المباني الفلسطينية التي أنشئت من دون تصاريح. وباعتباره قائداً في حركة الاستيطان، فهو يستخدم منصبه السياسي للتغاضي عن إنشاء البؤر الاستيطانية غير القانونية، ويضفي الشرعية عليها بأثر رجعي في ما وصفه بأنه انتقام من اعتراف الدول الأخرى بفلسطين. في الواقع، إن الاعتراف من جانب واحد بالدولة الفلسطينية خارج إطار المفاوضات مع إسرائيل، على رغم اعتراض هذه الأخيرة، ربما يؤدي إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات الانتقامية. وكثيراً ما رغب اليمين المتطرف في إسرائيل في إضفاء الشرعية على مبانيه غير القانونية بأثر رجعي. لكن وصفه هذا النشاط بأنه الرد المناسب على الاعتراف الأحادي الجانب بفلسطين يجلب دعماً أوسع لمثل هذه التعديات على الضفة الغربية حتى بين المجموعات التي لا تنتمي إلى المستوطنين المتطرفين. ومن الممكن أن يؤدي اعتراف دول إضافية بفلسطين إلى إضفاء الشرعية على مطالبات اليمين الإسرائيلي الطويلة الأمد بضم الضفة الغربية بالقوة. عام 1948، عندما أعلن القادة الصهاينة قيام دولة إسرائيل، اندلعت الحرب. ولكن على رغم أن إسرائيل المستقلة حديثاً تتمتع بالقدرة على الدفاع عن الحدود التي أنشأتها، فالدولة الفلسطينية لا تملك هذه القدرة. استراتجية الضغط تمارس السياسات الإسرائيلية بصورة مطّردة ضغوطاً اقتصادية متزايدة على السلطة الفلسطينية. فتحصّل تل أبيب الضرائب على البضائع التي تمر عبر إسرائيل إلى الضفة الغربية نيابةً عن السلطة الفلسطينية. وبموجب اتفاق أوسلو يُشترط تحويل هذه الضرائب إلى رام الله شهرياً. وخلال الأعوام الأخيرة، شكلت عائدات هذه الضرائب نحو 70 في المئة من دخل السلطة الفلسطينية. وانخفضت هذه الإيرادات من متوسط شهري قدره 220 مليون دولار في الأشهر التي سبقت السابع من أكتوبر إلى 55 مليون دولار حالياً، نتيجة التباطؤ الاقتصادي الناجم عن الحرب في غزة. لكن إسرائيل لم تدفع حتى الإيرادات المتضائلة المستحقة للسلطة الفلسطينية في الفترة ما بين السابع من أكتوبر 2023 وأوائل يوليو (تموز) الجاري، ثم في وقت لاحق تم التوصل إلى اتفاق في اللحظة الأخيرة لتحويل جزء من تلك الأموال المحتجزة. علاوة على ذلك، انخفضت عائدات الضرائب المحلية التي تجمعها السلطة الفلسطينية بنسبة تزيد على 50 في المئة منذ السابع من أكتوبر. أما السياسات الإسرائيلية الأخرى، بما في ذلك إلغاء تصاريح العمل للفلسطينيين وتوسيع نطاق القتال ضد “حماس” إلى الضفة الغربية مما أدى إلى زيادة نشاط قوات الدفاع الإسرائيلية وفرض قيود أكثر صرامة على حرية التنقل، فقد أسفرت عن انخفاض إنتاجية العمل في الضفة الغربية وزيادة معدل البطالة. إضافة إلى ذلك، فإن التبرعات الدولية التي أسهمت تاريخياً بصورة كبيرة في إيرادات السلطة الفلسطينية تلاشت تقريباً بسبب فتور همة الجهات المانحة وإعادة توجيه المساعدات الإنسانية الحالية إلى الأزمة في غزة. ووصلت هذه التبرعات الآن إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2012. بصورة عامة، من المتوقع أن يتجاوز العجز النقدي للسلطة الفلسطينية 2 مليار دولار عام 2024، مقارنةً بـ 740 مليون دولار في 2023 و451 مليون دولار عام 2022. ويرجح أن يرتفع إجمالي دين السلطة الفلسطينية إلى 5 مليارات دولار بحلول نهاية هذا العام. ونتيجة لهذه المشكلات المالية، اضطرت السلطة الفلسطينية إلى خفض رواتب موظفي القطاع العام بنسبة تصل إلى 50 في المئة وتأخير المدفوعات لمزودي الخدمات في القطاع الخاص. وفي الضفة الغربية، لا تعمل الوزارات الحكومية الآن إلا ثلاثة أو أربعة أيام في الأسبوع. وبعد إغلاق إسرائيل أبوابها في وجه الفلسطينيين، أصبحت حاجاتهم أكثر إلحاحاً، لكن السلطة الفلسطينية اضطرت إلى تقليص الخدمات بصورة كبيرة في مجالات مثل التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية. على سبيل المثال، أدى انخفاض الإنفاق العام على المساعدات الاجتماعية إلى تقليص وتأخير المدفوعات النقدية للأسر الأكثر فقراً في الضفة الغربية. ونفدت أدوية الأمراض المزمنة في المستشفيات العامة، مما أجبر الفلسطينيين العاديين على الاعتماد على الجمعيات الخيرية أو اللجوء إلى الخدمات الطبية الخاصة ذات الكلف المرتفعة، وتواجه الرعاية الصحية الخاصة صعوبات أيضاً لأن نحو 60 في المئة من المتأخرات التي تدين بها السلطة الفلسطينية للقطاع الخاص تعود لمقدمي الرعاية الصحية في هذا القطاع والمنظمات غير الحكومية. حتى إن المحاكم توقفت عن إصدار مذكرات توقيف مطبوعة لكي لا تدفع كلف الورق والحبر المستخدم في الطابعة. تلاشت التبرعات الدولية التي تسهم بصورة كبيرة في إيرادات السلطة الفلسطينية علاوة على هذه التحديات، دخل قانونان إسرائيليان جديدان حيز التنفيذ في الأول من يونيو (حزيران) الماضي من شأنهما أن يقوّضا وضع السلطة الفلسطينية المالي على نحو أكبر. وهما ينصان على منح تعويض تلقائي من السلطة الفلسطينية لضحايا الهجمات الإرهابية الفلسطينية، ويمكن تطبيقهما بأثر رجعي اعتباراً من السابع من أكتوبر. ويُتوقع أن تخصم إسرائيل من عائدات الضرائب التي تحجبها عن السلطة الفلسطينية 1.3 مليون دولار عن كل إسرائيلي أصيب بجروح في هجوم إرهابي و2.7 مليون دولار عن كل إسرائيلي قُتل. وعلى رغم أن هذا التشريع لا يزال قابلاً للتغيير وتعرض للطعن أمام المحكمة، إلا أن تنفيذه بصورة كاملة ربما يؤدي إلى إفلاس السلطة الفلسطينية على الفور. وأعرب سموتريتش بوضوح عن حماسته لانهيار السلطة الفلسطينية المالي، حين قال في مايو الماضي “دعوها تنهار”. فهو يمتلك مصلحة شخصية قوية في إبقاء السلطة الفلسطينية في وضع مالي حرج وغير مستقر، إذ إن ذلك يمنحه نفوذاً كبيراً. في الوقت الحالي تقوم وزارة المالية الإسرائيلية بتعويض البنوك الإسرائيلية التي تحول الأموال إلى البنوك الفلسطينية، وتحميها بهذه الطريقة من العقوبات أو الدعاوى القضائية المتعلقة بتحويل أموال قد تساعد في الأنشطة الإرهابية. وهدد سموتريتش مراراً وتكراراً بإيقاف هذا التعويض، مما سيجعل من المستحيل على الإسرائيليين إجراء أي أعمال تجارية مع الشركات أو الأفراد الذين لديهم حسابات مصرفية فلسطينية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية نفسها. ومقابل الموافقة على تمديد تعويضات البنوك الإسرائيلية بصورة موقتة والإفراج عن أجزاء من عائدات الضرائب للسلطة الفلسطينية، انتزع سموتريتش تنازلات كبيرة، مثل الموافقات على بناء مزيد من المستوطنات وإلغاء تصاريح السفر لمسؤولي السلطة الفلسطينية. في الواقع، أظهر سموتريتش استعداده للتوصل إلى حل وسط في شأن التدابير الاقتصادية مقابل تنازلات إقليمية أكثر أهمية، وهي خطوة من شأنها أن تزيد عرقلة احتمال قيام دولة فلسطينية ذات معنى. وقوبلت تهديدات سموتريتش الاقتصادية بقلق عميق داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي تدرك أن تفكك السلطة الفلسطينية والاقتصاد الفلسطيني يمكن أن يزعزع استقرار الضفة الغربية. ومع ذلك، لم تؤخذ هذه التحذيرات بجدية لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غير راغب في فعل أي شيء قد يؤدي إلى انهيار ائتلافه الذي يعتمد على سموتريتش وبن غفير. إذا سمح سموتريتش بانتهاء تعويض البنوك عندما ينقضي تمديد العمل به في أكتوبر المقبل، فإن ذلك قد يحوّل الاقتصاد الفلسطيني بين عشية وضحاها إلى اقتصاد يعتمد على النقد فحسب، مما يعيده عقوداً إلى الوراء ويقوّض شرعية السلطة الفلسطينية على نحو أكبر. فاسدة من الداخل إن السلطة الفلسطينية ليست مقيدة بسبب سياسات إسرائيل فحسب. في الواقع، يعاني حكمها في الداخل الفساد والاستبداد، وفي المنطقتين الخاضعتين لسيطرتها المباشرة، أي المنطقتين (أ) و(ب) في الضفة الغربية اللتين تشكلان 40 في المئة من الأراضي، تواجه السلطة الفلسطينية صعوبات كبيرة في توفير الخدمات وسبل العيش والكرامة للسكان. ويرجع ذلك جزئياً إلى مشكلاتها المالية، فضلاً عن أنها لم تنجح قط في إنشاء اقتصاد يعمل بصورة سليمة في الضفة الغربية. يدير الرئيس محمود عباس الذي سيبلغ التسعين من عمره العام المقبل، السلطة الفلسطينية على نحو شبه حصري بموجب مراسيم تنفيذية، مع قليل من الشفافية أو الرقابة. ويمثل الأمن مشكلة خاصة، إذ إن مسلحين من فصائل مختلفة يتحدون علناً قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية التي تعاني نقص التمويل وغياب الحافز والحماسة في مدن مثل جنين ونابلس وطولكرم. ويتجلى أداء السلطة الفلسطينية الضعيف في أرقامها المزرية في استطلاعات الرأي. فأظهر استطلاع للرأي أجراه “المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية” في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة في الفترة ما بين الـ26 من مايو والأنو من يونيو الماضيين أن نسبة الرضا عن أداء عباس لم تتخطَّ 12 في المئة. وقال ربع سكان غزة إنهم يرغبون في إعادة تشكيل السلطة الفلسطينية برئيس منتخب وبرلمان ومسؤولين حكوميين محليين لحكم غزة بعد الحرب، مقابل نسبة 11 في المئة في الضفة الغربية. وأشار 10 في المئة من سكان غزة إلى أنهم يفضلون حكم السلطة الفلسطينية تحت قيادة زعيم جديد، مقابل ستة في المئة فقط في الضفة الغربية، مما يكشف عن افتقار حركة “فتح” إلى الشعبية بين الأشخاص الخاضعين لحكمها المباشر. واستجابةً للضغوط من أجل الإصلاح، أنشأت السلطة الفلسطينية في فبراير (شباط) الماضي، حكومة تكنوقراط جديدة برئاسة الخبير الاقتصادي محمد مصطفى الذي أعلن على الفور عن أجندة إصلاحية طموحة. وهو يحاول تنفيذها، على سبيل المثال، من خلال الدعوة إلى تقديم طلبات لمناصب مساعدي الوزراء عوضاً عن تعيين الموالين المعتادين لـحركة “فتح”. لكن قدرته الحالية على إحداث تحول واسع النطاق محدودة. وفي أواخر مايو الماضي، أعرب المشاركون في استطلاع “المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية” بغالبية ساحقة عن شكوكهم في نجاح حكومة مصطفى الجديدة في تنفيذ الإصلاحات الضرورية. لا يمكن لأي جهة فاعلة أخرى أن تملأ الفراغ إذا انهارت السلطة الفلسطينية إن تحويل السلطة الفلسطينية من سلطة انتقالية إلى دولة دائمة بجرّة قلم لن يجعل هذه السلسلة من المشكلات تختفي. ويُذكر أن خطر تحوّل دولة فلسطين إلى دولة فاشلة حقيقي للغاية نظراً إلى الخلل الوظيفي الذي تعانيه السلطة الفلسطينية والإفلاس المالي وافتقارها إلى الشرعية في نظر الشعب. ومن الممكن أن يؤدي مزيد من التراجع في قدرتها على تقديم الخدمات الاجتماعية والحفاظ على القانون والنظام إلى خلق ظروف يصبح فيها أمراء الحرب والعصابات حكاماً فعليين في بعض مناطق الضفة الغربية، وهو سيناريو أسوأ مما كانت عليه الحال عامي 2002 و2003، خلال الانتفاضة الثانية. جدول الأعمال إذا كانت الجهات الفاعلة الدولية جادة في شأن تعزيز حل الدولتين، فإن الخطوة الرمزية المتمثلة في الاعتراف بدولة فلسطين يجب أن تسبقها إجراءات ملموسة للإصرار على إصلاح السلطة الفلسطينية ووقف محاولات إسرائيل لتقويض حل الدولتين ومساعدة الفلسطينيين في بناء الدولة فعلياً. وفي ما يتعلق بإسرائيل، ينبغي على الدول الأخرى توجيه نفوذها السياسي والاقتصادي والدبلوماسي نحو منعها من إضعاف ما تبقى من القدرة الفلسطينية الضئيلة من دون إثارة المخاوف الإسرائيلية إزاء نزع الشرعية عن بلادهم بصورة كاملة. وهذا يعني اتباع نهج دقيق وحذر ومحدد عوضاً عن التدابير الواسعة النطاق والشاملة لإجبار إسرائيل على تحمل عواقب سلوكها في الضفة الغربية من دون المساس بوضعها الأمني العام في مواجهة التهديدات الحقيقية والمستمرة من إيران ووكلائها. ويمكن لدول أخرى أن تمنع الإسرائيليين والمشاريع والأصول الإسرائيلية في الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية المستقبلية من المشاركة في البرامج الثقافية وبرامج البحث والتطوير في الخارج، وأن تلزم البنوك الإسرائيلية تسجيل العملاء والمؤسسات التي تعمل في الضفة الغربية، وأن تستخدم الأدوات الدبلوماسية في المنظمات الدولية لمعارضة مشروع إسرائيل الاستيطاني من دون المساس بشرعيتها الواسعة كدولة، وأن تفرض العقوبات على الائتلافات التي تدعم المستوطنات، وعلى قادة حركة المستوطنين، وحتى المجالس البلدية الإسرائيلية التي تحرض على بناء البؤر الاستيطانية غير القانونية وتمويلها أو عنف المستوطنين. ويُعَدّ الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأميركي جو بايدن في فبراير الماضي الذي اقتضى فرض عقوبات على بعض هؤلاء القادة، بمثابة نموذج، ولكن هناك مجالاً لتوسيع تأثيره وتشجيع الدول الأخرى على تبني تدابير مماثلة. وفي ما يتعلق ببناء الدولة الفلسطينية، فإن الخطوة الأكثر إلحاحاً تتمثل في إيجاد مساعدات مالية طارئة لتلافي انهيار السلطة الفلسطينية. وطلب مصطفى مبلغ 2.7 مليار دولار لدعم الموازنة الطارئة على مدى الأشهر الـ 12 المقبلة، وهو مبلغ من شأنه أن يعيد التمويل الدولي للسلطة الفلسطينية إلى مستويات ما قبل عام 2013. لكن هذا التمويل البديل الموقت لن يشكل سوى علاج قصير الأمد، مما يمنح السلطة الفلسطينية شريان حياة لبضعة أشهر فحسب. ويُشار إلى أن استياء الشعب العميق من السلطة الفلسطينية له ما يبرره. ومع ذلك، لا يمكن لأي جهة فاعلة أخرى أن تملأ الفراغ إذا انهارت السلطة الفلسطينية. فعلى رغم كل أخطائها وعيوبها، تمكنت من إنشاء مؤسسات وأجهزة بيروقراطية تمتلك الآن خبرة ثلاثة عقود في الحكم، بالتالي تشكل أصولاً قيمة ونادرة. إضافة إلى ذلك، هي تواصل الحفاظ على علاقات دبلوماسية مهمة في جميع أنحاء العالم. ومن أجل ضمان فاعلية المساعدات الدولية للسلطة الفلسطينية، يجب على الجهات المانحة أن تجعل هذا الدعم مشروطاً بتنفيذ السلطة الفلسطينية لإصلاحات محددة والتزام المساعدة في تنفيذها، على أمل أن يؤدي تعزيز شرعية السلطة الفلسطينية تدريجاً إلى تشجيع إصلاحات مجدية أكثر. عوضاً عن محاولة إنشاء دولة فلسطينية يجب على الدول الأخرى أن تساعد السلطة الفلسطينية على تعزيز قدراتها لقد شكلت السلطة الفلسطينية حكومتها الجديدة في أعقاب وعد بايدن بدعم حكم السلطة الفلسطينية “المجددة” لغزة بعد انتهاء الحرب. لكن مثل هذه الوعود ستكون فارغة ما دام أن أي جهة دولية لم تساعد السلطة الفلسطينية على تنشيط نفسها. ولا تستطيع هذه الأخيرة تحقيق ذلك بمفردها، ويرجع ذلك جزئياً إلى حملة الضغط الإسرائيلية. وفي الواقع، فإن تعليق آمال كبيرة (وغير واقعية حالياً) على حكم السلطة الفلسطينية لا يؤدي إلا إلى المخاطرة بتسليط الضوء على الفجوة بين الأمل والواقع، وإضفاء الشرعية على الادعاءات الإسرائيلية بأن المؤسسات الفلسطينية غير مؤهلة لحكم أي منطقة على الإطلاق. ومن أجل المساعدة في بناء القدرات على المدى الطويل، يتعين على البلدان المانحة الرئيسة أن تتبنى استراتيجية شاملة تعمل فيها معاً في سبيل تحقيق الهدف نفسه ولكن مع توزيع المهمات. ويشكل تقسيم العمل أهمية بالغة لتجنب إثقال كاهل جهة فاعلة دولية واحدة بمهمة شاقة وخطرة سياسياً، وطُرحت هذه الفكرة عندما كان سلام فياض رئيساً للوزراء في العقد الأول من القرن الـ21، لكنها لم تُنفذ بالكامل. ولدى السلطة الفلسطينية بالفعل أمانة لتنسيق المساعدات، قادرة على دعم التعاون بين عدد كبير من المساهمين ومقدمي المساعدات. ويمكن للبلدان أن تضطلع بأدوار داعمة مختلفة ومتكاملة. فبوسع الولايات المتحدة، على سبيل المثال، أن تستمر في تدريب قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية والمساعدة في إعداد قوة مسؤولة عن إعادة فرض القانون والنظام في غزة وإعانة الحكومة الجديدة على تنفيذ خططها الرامية إلى إصلاح القطاع الأمني. ويمكن لألمانيا أن تقود جهوداً شاملة من أجل إصلاح التعليم مما يؤدي إلى تحسين النتائج التعليمية ومعالجة مخاوف إسرائيل من أن المناهج الفلسطينية الحالية تحرض على العنف. ومن الممكن أن تساعد المملكة المتحدة السلطة الفلسطينية في تعزيز مجالسها البلدية، فيما تسهم هولندا في تعزيز قطاع المياه والطاقة. ويتعين على تلك البلدان التي تعترف بفلسطين أو تدعو إلى حل الدولتين أن تضمن حصول الدولة الفلسطينية على فرصة القتال من أجل كرامة شعبها من خلال توفير الخدمات المناسبة واستعادة ثقة الجمهور، وإلا فإن أي خطوات نحو إنشاء الدولتين ستكون خيالية ومبنية على أساس متهالك، مما يسهم على الأرجح في تحويل الضفة الغربية إلى جبهة ثالثة في الحرب الحالية. وعوضاً عن تجاوز الخطوات والاكتفاء بمحاولة إنشاء دولة فلسطينية، وتمجيد ما يسمى “السلطة الفلسطينية المعاد تشكيلها”، يجب أن يكون الهدف هو المساعدة في إقامة سلطة فلسطينية قوية، قادرة على حكم الضفة الغربية بصورة فاعلة وربما العودة قريباً لحكم غزة. وبعد ذلك، عندما تتغير الظروف السياسية ويستأنف الإسرائيليون والفلسطينيون المفاوضات في شأن حل الدولتين، ستكون هناك بالفعل دولة فلسطينية فاعلة بحكم الأمر الواقع ومستعدة للنجاح، دولة ستحظى بالدعم العالمي فعلياً وليس ظاهرياً فحسب. مترجم عن “فورين أفيرز”، 17 يوليو (تموز) 2024 المزيد عن: فورين أفيرزالسلطة الفلسطينيةحرب القطاعإسرائيلالدولة الفلسطينيةأقرها واسمعها 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post عبده وازن يكتب عن: عندما ترتفع أصوات الشعر المتوسطي في مدينة سيت الفرنسية next post إليزابيث إيكونومي تكتب عن: نظام الصين البديل You may also like فرانسيس توسا يكتب عن: “قبة حديدية” وجنود في... 24 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: وقف النار في الجنوب... 24 نوفمبر، 2024 مايكل آيزنشتات يكتب عن: مع تراجع قدرتها على... 21 نوفمبر، 2024 ما يكشفه مجلس بلدية نينوى عن الصراع الإيراني... 21 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: عودة هوكستين… وعودة الدولة 19 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: حين ينهار كلّ شيء... 19 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: ماذا جرى في «المدينة... 15 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: ترمب ومشروع تغيير... 15 نوفمبر، 2024 منير الربيع يكتب عن..لبنان: معركة الـ1701 أم حرب... 15 نوفمبر، 2024 حميد رضا عزيزي يكتب عن: هل يتماشى شرق... 15 نوفمبر، 2024