السعودية تعزز بـ”يوم التأسيس” وجهها الجديد

الملك سلمان أكد أن بلاده منذ تأسيسها عام 1727 حتى اليوم “أرست ركائز السلم والاستقرار وتحقيق العدل”

اندبندنت عربية \ مصطفى الأنصاري كاتب وصحافي @mustfaalansari

احتفلت السعودية للمرة الأولى في تاريخها بـ”يوم التأسيس” الذي يعود إلى نحو ثلاثة قرون عندما أسس جد الأسرة المالكة الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن الدولة السعودية الأولى في الدرعية في 22 فبراير (شباط) من عام 1727، وحيا العاهل السعودي الملك سلمان مواطنيه بالمناسبة، مؤكداً أنها ذكرى “احتفاء بتاريخ دولة، وتلاحم شعب، والصمود أمام كل التحديات، والتطلع للمستقبل”. 

وأقيمت في الرياض تظاهرة فنية عنوانها “مسيرة البداية” شارك فيها 3500 فنان وممثل ومؤد، قدمت لوحات بانورامية تحاكي تاريخ الدولة السعودية على مدى القرون الماضية، ومشاهد استعراضية مختلفة، في سيمفونية غنائية، تبارى المغنون في البلاد أمثال محمد عبده وعبد المجيد عبد الله وراشد الفارس وغيرهم في إبهار حضورها بأنغامهم التي صاغها الملحن السعودي المعروف باسم “سهم”، وما هو إلا الأمير أحمد بن سلطان بن عبد العزيز، وكتب كلماتها الشاعران فهد المساعد وخلف الخلف.

وتخلل التظاهرة الفنية الضخمة، عرضاً لملحمة شعرية في المنطقة تبرز أبياتها مسيرة الدولة السعودية وامتدادها الطويل في أطوارها الثلاثة جيلاً بعد جيل، وما سطرته من أحداث أكدت تماسك صف الدولة السعودية حتى وقتنا الحاضر، وذلك عبر 10 مشاهد مستلهمة من مراحل الدولة السعودية تغنى بها كبار الفنانين السعوديين، بمشاركة عروض مسرحية فنية للخيول العربية والجمال الأصيلة، ولوحات تصف الوجود الإنساني خلال الدولة السعودية الممتدة إلى يومنا هذا.

هكذا احتفل السعوديون بيوم التأسيس (اندبندنت عربية – صالح الغنام)

الحفلة الموسيقية

وأقيمت الاحتفالية في ضاحية “وادي نمار”، أحد أبرز المعالم السياحية جنوب مدينة الرياض بطول يصل إلى أكثر من 2كلم، وسط أشجار النخيل، على وقع خرير المياه المعروف بها وادي نمار، لإمتاع الزوار باللوحات الإبداعية المنسجمة مع أنفاس الطبيعة في الوادي الذي يلتقي مع جاره الأكبر “وادي حنيفة” الذي مثل شريان الحياة للإقليم على مر القرون.

شهدنا مع لوحة "سيرة سعودية" في #مسيرة_البداية قوة التلاحم والوحدة بين أبناء الوطن العظيم! وارتباطهم بالقيادة والأرض.#يوم_التأسيس#يوم_بدينا pic.twitter.com/6hZTFmXXTC

— يوم التأسيس (@SAFoundingDay) February 22, 2022

احتفاء بالاستقرار

وفي الذكرى التي احتفل بها السعوديون من كل الأعمار والمناطق، شارك الملك سلمان بن عبد العزيز شعبه فرحته بتغريدة على حسابه الرسمي في “تويتر”، كما جرت العادة في الأعياد والمناسبات الوطنية الخاصة، وقال “نعتز بذكرى تأسيس هذه الدولة المباركة في عام 1139هـ (1727م)، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم؛ أرست ركائز السلم والاستقرار وتحقيق العدل، وإن احتفاءنا بهذه الذكرى؛ هو احتفاء بتاريخ دولة، وتلاحم شعب، والصمود أمام كل التحديات، والتطلع للمستقبل، والحمد لله على كل النعم”.

وعلى الرغم من أن المناسبة تقام للمرة الأولى، فإن تفاعل السكان معها كان لافتاً، خصوصاً من الجيل الجديد الذي تسابق إلى ارتداء ملابس الأجداد، حسب ما شاع في كل منطقة وناحية من نواحي البلاد مترامية الأطراف، وبعد ساعات قليلة من تغريد الملك السعودي بالمضمون السابق، سجلت تدوينته المقتضبة تفاعلاً بنحو “نصف مليون” تفاعل، ما بين تفضيل وإعادة تغريد واقتباس وتعليق. كما تلقى قادة السعودية اتصالات من زعماء العرب والعالم والتهاني بيوم التأسيس الجديد.

نعتزّ بذكرى تأسيس هذه الدولة المباركة في العام 1139هـ (1727م)، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم؛ أرست ركائز السلم والاستقرار وتحقيق العدل.
وإن احتفاءنا بهذه الذكرى؛ هو احتفاءٌ بتاريخ دولة، وتلاحم شعب، والصمود أمام كل التحديات، والتطلع للمستقبل.
والحمد لله على كل النعم.

— سلمان بن عبدالعزيز (@KingSalman) February 22, 2022

وكان من بين المشاهد اللافتة في هذا السياق، تسجيل السفارة الأميركية مقطعاً مصوراً بالمناسبة، حاولت فيه إبراز تنوع اهتمام الأميركيين بالسعودية صحراء وجبالاً وأعمالاً، بإخراج اتسم بطابع اجتماعي اشترك فيه الدبلوماسيون والعمال والعائلات، في لقطات نادرة في المناسبات السابقة.

وكالة الأنباء السعودية “واس”، حاولت إبراز أن الاهتمام بتأسيس السعودية الأولى وليس فقط الدولة الحديثة، كان نهجاً مبكراً بين الملوك السعوديين منذ عقود، حتى وإن تقرر إطلاق “يوم التأسيس” فقط هذا العام كيوم وطني. وفي سبيل ذلك رصدت الوكالة عدداً من المقولات التاريخية التي وثقت تفاعل واهتمام الملوك السابقين منذ المؤسس عبدالعزيز ومن بعده أبناؤه بتأسيس وطنهم الأول في الدرعية وسط الجزيرة العربية.

وأوردت قول الملك عبد العزيز “لقد ملكت هذه البلاد التي هي تحت سلطتي بالله ثم بالشيمة العربية، وكل فرد من شعبي هو جندي وشرطي وأنا أسيِر وإياهم كفرد واحد لا أفضل نفسي عليهم ولا أتبع في حكمهم غير ما هو صالح لهم حسبما جاء في كتاب الله وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم”، ثم أضافت قول الملك سعود “تولينا حكم المملكة العربية السعودية معتزين بهذا التراث المجيد الذي ورثناه كابراً عن كابر، والذي أسس على تقوى الله وطاعته، دستوره القرآن الكريم، وعماده سنة محمد- صلى الله عليه وسلم- وعلى أسسه نحن ماضون”.

وسردت بعد ذلك قول الملك فيصل، “إيمان هذا الشعب بالله وتماسكه وتفانيه في خدمة وطنه والكفاح في سبيل استقلاله وحريته هو السبيل الذي أوصل هذا الشعب وهذا البلد الكريم إلى ما هو عليه الآن”، ومن بعده الملك خالد الذي اعتبر أن والده “استطاع بفضل الله أن يؤسس هذا الكيان الكبير ليعيد له الأمن بمعايير يعز على الآخرين الوصول إليها ويحقق لشعبه أفضل مستويات الحياة الإنسانية المرفهة والمستقرة، حتى أصبحت بلادنا مضرب الأمثال في العزة والكرامة والتقدم”.

وأكملت الوكالة الرسمية في البلاد بالملك فهد الذي أكد أن “الدولة السعودية الأولى قامت منذ أكثر من قرنين ونصف على الإسلام، وعلى منهاج واضح في السياسة والحكم والدعوة والاجتماع”، كما نقلت عن خلفه الملك عبد الله قوله، “إن بلادنا، ولله الحمد، شهدت منذ تأسيسها نهضة حضارية شاملة استهدفت الإنسان السعودي في عيشه وعمله وأمنه وصحته وتعليمه”.

تاريخ ممتد 

وختمت بالعاهل السعودي الحالي الملك سلمان الذي أوردت مقولة له سابقة في هذا الصدد، خلص فيها إلى أن “هذه الدولة التي قامت منذ ثلاثة قرون تقريباً أو أكثر هي دولة التوحيد التي قامت على أسس ثابتة من الكتاب والسنة… لقد كان توحيد المملكة الواسعة الأرجاء في كيان واحد تسوده المساواة والعدالة والثقة كأول نموذج ثابت الأركان في العصر الحديث في منطقتنا”، وذلك في إشارة إلى أن الجد الأكبر للأسرة مانع المريدي المتوفى 1463م، سبق تأسيسه إمارة الدرعية تاريخ تأسيس الدولة في عام 1727الذي اعتمد حديثاً بوقت طويل، إلا أن كتبة التاريخ السياسي للدولة، فضلوا بناء ذلك التاريخ عند اكتمال البناء على يد محمد بن سعود، على الرغم من إقرارهم بأن استحواذ عائلته على سلطة “الدرعية” سبق ذلك بكثير، إلى حد دفع باحثاً في تاريخ “بني حنيفة” الذين تنتمي إليهم الأسرة السعودية المالكة إلى القول بأن امتداد الإمارة في البيت السعودي يتجاوز 600 عام.

الأمن كان الغائب وليس الدين

ورأى باحثون ومؤرخون سعوديون أمثال راشد العساكر، أن بين أهم ما حمله “يوم التأسيس”، هو إعادة الاعتبار للأسس التي بنيت عليها الدولة السعودية منذ لحظاتها الأولى، وهو توحيد كيانها عبر توفير الأمن وحماية الإنسان، تحت سلطة العدل والقانون، وأن التمسك بالإسلام ليس شأناً جديداً في ساكنة المنطقة حتى قبل دعوة “الشيخ محمد بن عبد الوهاب” الإصلاحية، التي جرى إحاطتها من جانب بعض المؤرخين بهالة من التضخيم مبالغ فيها، بينما الحاجة الملحة للجميع كانت “الأمن” الذي جاء ابن عبد الوهاب إلى مؤسس الدولة باحثاً عنه، والكيان السياسي الجامع، الذي خلت منه منطقة تأسيس الدولة وسط الجزيرة العربية، منذ مقتل الخليفة عثمان بن عفان، بعد نحو 3 عقود من العهد النبوي.

وواجهت الدولة السعودية الأولى كما الثانية تحديات جسيمة، أدت إلى انهيار الأولى على يد الغزاة العثمانيين الأتراك، والثانية جراء خلاف سياسي بتحريض من الأتراك وبدعم من وكلائهم، قبل أن تنشأ الثالثة الحالية على يد الملك عبد العزيز الذي أعاد بناءها على أسس متينة وقام بتوحيد صفوف شعبها وتمدين باديتهم، في ملحمة استوقفت العديد من المؤرخين العرب والغربيين أمثال أمين الريحاني وجون فيلبي وخير الدين الزركلي.

المزيد عن: السعودية \ الملك سلمان بن عبد العزيز \ يوم التأسيس