ثقافة و فنونعربي الرقمنة تخرس “الحكواتي” المغربي by admin 22 مارس، 2023 written by admin 22 مارس، 2023 17 من بين 19 راوياً في ساحة جامع الفنا بمراكش لم يتبق سوى أقل من أربعة اندبندنت عربية \ حسن الأشرف صحافي وكاتب لم يعد حال “الحكواتي” في المغرب على الوهج والإشعاع الذي كانه منذ سنوات خلت، فالطفرة التكنولوجية والرقمنة أفسدتا متعة مهنة الحكي الشفهي، بعد أن طغت منصات ووسائل التواصل الاجتماعي على عقول وأفئدة الجمهور. وتحاول فعاليات فنية أن تحيي مهنة “شيوخ الكلام” كما يلقبها المغاربة من خلال مبادرات مختلفة، منها تنظيم مهرجانات دولية تجمع “قبيلة الحكائين” من مختلف البلدان، لكن على رغم ذلك يظل الواقع الاجتماعي والمعيشي للحكواتي مزرياً بسبب عدم تكوين أجيال جديدة تسير على خطى أجدادهم القدامى في فن الحكي. تاريخ الحكاية ونوع القصص يعرف الحكاء في بلاد المغرب بأنه عرض شفهي يقدمه فنان يمتلك مهارة الحديث المنمق والمرصوص، يسرد فيه حكايات وقصصاً سواء من الأساطير القديمة أو الأحداث الراهنة، وقد يكون الحكي موجهاً لفئة الأطفال أو يكون مخصصاً للكبار. وترتبط الحكاية والحكواتي في المغرب بالساحات التي يتخذونها فضاء لسرد رواياتهم، مما يجعل تاريخ الحكي مقترناً بأشهر وأقدم الساحات في البلاد، وهي ساحة جامع الفنا بمدينة مراكش. وتورد الروايات التاريخية أن تأسيس جامع الفنا يعود إلى عهد الدولة المرابطية، وتحديداً في سنة 1070 ميلادية، والتي بدأت نواة للتبضع والتسوق، وأيضاً للفرجة والتسلية بالقصص المروية من طرف الحكواتي. وتذهب روايات تاريخية إلى أن فن الحكي بدأ قبل هذه الفترة بسنوات، إذ ذكر العلامة المغربي الراحل الحسن اليوسي في أحد كتبه أنه “في سنة 1060 ميلادية دلف مرة مدينة مراكش، فوجد فيها ساحة يتوسطها رجل مسن يتحلق حوله عدد من المتفرجين، ينصتون إلى حكايات ونكت ونوادر”. بمرور الزمن تطورت بنية الحكاية التي يلقيها الحكواتي في الساحات العمومية بداية الأمر، في القديم تضمنت النكات والمستملحات و”نوادر جحا” وما شابه ذلك، قبل أن يتطرق بعضهم إلى الأساطير القديمة والشعبية مثل حكاية سيف بن ذي يزن، أو بطولة خالد بن الوليد، أو قصة “بغلة القبور”. أقل من عدد أصابع اليد الواحدة هم من تبقوا من الحكواتي المغربي (أ ف ب) وبتطور الوقت وتداول الأجيال صار الحكواتي يسرد حكايات من وحي الواقع، غير أن اقتحام التكنولوجيا حول اهتمام الناس إلى وسائط التواصل التي باتوا يجدون فيها حكايات من نوع آخر. من بين أشهر ساحات الحكواتي المغربي جامع الفنا بمدينة مراكش، وساحة الهديم بمدينة مكناس، وساحة سيد عبدالوهاب بمدينة وجدة، وغيرها من الساحات المعروفة. واشتهرت ساحة جامع الفنا على وجه الخصوص بعروض الحكي ضمن ما يسمى “الحلقة”، والتي تضم عروضاً شعبية من مروضي القرود والأفاعي، ومستعرضي الحركات البهلوانية، فضلاً عن الحكواتيين الذين يسميهم البعض “الحلايقية”. وكانت هذه الساحة العالمية التي صنفتها منظمة اليونيسكو على قائمة التراث العالمي للإنسانية سنة 2001، تضم خلال سنوات الثمانينيات وحتى التسعينيات من القرن الماضي عدداً من الحكواتيين، أبرزهم محمد باريز وعبدالرحيم المقوري الملقب بـ”الأزلية” وياسين الركراكي الملقب بـ”القيرع” وآخرون. أيقونات الحكي محمد باريز أحد أشهر الحكواتيين في المغرب، وكانت “حلقاته” في ساحة الجامع الفنا تجمع جمهوراً غفيراً بفضل طريقته المشوقة في سرد الأساطير والقصص القديمة المليئة بالتفاصيل المثيرة، ويدعمها بحركات يديه وتلون صوته وفق الحكاية ومنعرجاتها. من جهته يعد الحكواتي الملقب بـ”القرع” من أبرع وأمهر الحكواتيين المغاربة، إذ أسر جمهوره في مختلف ساحات البلاد التي كان يشتغل فيها، بفضل سرده الدقيق عدداً من الحكايات والقصص التي يستمدها من الروايات والقصص القديمة. ومن جهته كان الحكواتي الملقب بـ”الأزلية” أحد أشهر الوجوه والشخصيات الحكواتية في المغرب، إذ أبهر الجمهور بعروضه الفردية الممتعة في قلب ساحة جامع الفنا، والذي كان يتنقل بسرده في دهاليز الأساطير ويغوص في أخبار الملوك والأمراء والزعماء عبر العصور الغابرة ليستل منها حكايات مشوقة ومثيرة، قبل أن يعتزل المهنة في 2008. شظف العيش تخلي الحكواتي “الأزلية” عن الحكي قبل سنوات خلت، يقول لـ”اندبندنت عربية”، إنه عندما يزور ساحة جامع الفنا يشعر بالأسى من واقعها في هذا الزمن، بعد أن امتلأت بالمطاعم والمجموعات الغنائية، فلم يعد هناك جمهور يتذوق لسماع الأحجيات والحكايات. تغير الأوضاع وتوالي الأجيال وتنامي الطفرة التكنولوجية عوامل دفعت عديداً من الحكواتيين إلى التواري إلى الوراء، والبحث عن مهن أخرى ضماناً للقمة عيش كريمة، أو أنهم يختفون عن الساحة بسبب المرض والهرم. أنقذت مبادرة العاهل المغربي الحكواتي عبدالرحيم المقوري من مد اليد وشظف العيش بسبب ابتعاده عن المهنة، حين منحه مبلغاً مالياً تكريماً له بعد أن شاهد برنامجاً وثائقياً حول حكي المقوري في قناة أجنبية، وهو المال الذي اقتنى به هذا الأخير سكناً صانه من نوائب الدهر. الحكواتي “القيرع” من جهته يواجه شظف العيش بعد أن خفت بريق المهنة في عديد من الساحات المعروفة بالبلاد، أخبرنا أن هذه الحرفة آيلة إلى الانقراض بسبب تطورات المجتمع المغربي، خصوصاً أنه لم يعد هناك من يرغب في الوقوف أو الجلوس للإنصات إلى حكاية شفهية. وتابع القيرع، الذي يبلغ من العمر قرناً من الزمن، “فن الحكي لم يعد يشبع جائعاً ولا يملأ بطناً، لأن طبيعة الجمهور تغيرت كثيراً، والحكواتيون اقتربوا من الاندثار، وتوقف كثير منهم عن العمل على رغم القدرة على مزيد من العطاء”. احتضار واندثار في السياق، يرى الناقد الفني فؤاد زويريق أن فن الحكي يعد من الفنون العتيقة بالمغرب، وكان الإقبال عليه كثيفاً قبل اكتساح الأجهزة الرقمية الحياة اليومية للناس. وأشار إلى أن “الحكي كان هو الوسيلة الوحيدة للمسامرة والمجالسة، وكان الحكواتيون ذوي شأن رفيع في مجتمعهم”. واستطرد زويريق أن “الأمور تغيرت اليوم، وأصبح هذا الفن يعيش أسوأ أيامه، بل دخل مرحلة خطرة، هي مرحلة الاحتضار والاندثار، مما صعب خلق جيل جديد من الحكواتيين يخلف ويعوض نظيره القديم الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة”. وأضاف “الحكواتي اليوم لا يستطيع تأمين قوت يومه أمام انحسار الجمهور العاشق للحلقة والحكايات الشعبية، وهو الجمهور الذي استمرأ الجلوس مرتاحاً أمام شاشات الهاتف أو الحواسيب مستعرضاً في المقابل حكايات يوتيوب وإنستغرام وتيك توك وغيرها من المنصات الرقمية التي توفر له مواد التسلية والترفيه”. ولفت زويريق إلى أن التكنولوجيا الحديثة بكل أنواعها ساعدت على تقليص دور الحكواتي وقتله مع سبق الإصرار والترصد، كما أن الإهمال والتهميش وعدم قدرة الدولة على حماية هذا الفن وتطويره والتشجيع على ممارسته، عوامل ساعدت أيضاً على التعجيل بانقراض مهنة الحكي. واستحضر الناقد ذاته تصريحاً قديماً للحكاء محمد باريز، الذي يعد أحد رموز الحلقة بالمغرب، ذكر فيه أنه من بين 19 راوياً كانوا ينشطون في ساحة جامع لفنا بمراكش لم يتبق منهم سوى أقل من أربعة، بعد أن توفي 13 منهم، وهرم الباقي ومن لم يهرم أصابه السقم. مبادرات إنقاذ وفي السياق تقام مبادرات بين الفينة والأخرى تروم نفض الغبار عن مهنة الحكي، والالتفات إلى الحكواتيين، من قبيل تنظيم مهرجانات خاصة بهذا الفن التراثي، ومن ذلك مهرجان “مغرب الحكايات” الذي استدعى الحكواتي “القرع” لسرد تجربته الثرية. كما أقيمت أخيراً فعاليات الدورة الثانية من المهرجان الدولي لفن الحكاية، والتي شهدت رقماً قياسياً من حيث عدد الساعات التي ألقيت فيها الحكايات من طرف حكواتيين من 30 بلداً، إذ بلغت مدة الحكي 50 ساعة من دون انقطاع أمام جمهور ورواد ساحة جامع الفنا الشهيرة. المزيد عن: المغربا\لحكواتي\الرقمنة\تيك توك 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “كنتُ من روّاد دور البغاء الرّسمي والسرّي”… نجيب محفوظ وعلاقته بالمرأة next post جهاد الزين يكتب من بيروت عن : هل تستطيع إيران أن تكون قوة بنّاءة في المنطقة؟ You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024