ميخائيل غلينكا- الأب المؤسس... رغم أنفه! (غيتي) ثقافة و فنون “الخمسة”… موسيقى الأرض الروسية ضد النزعة الغربية by admin 5 أغسطس، 2023 written by admin 5 أغسطس، 2023 63 جذورها لدى غلينكا وفروعها تنتشر حتى بعد انفراط عقدها وتفرق مبدعيها كل في اتجاه اندبندنتعربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب يمكن القول هنا ومنذ مبتدأ هذا الكلام أن الرقم خمسة لا يعكس الواقع العددي الحقيقي لذلك التيار الموسيقي الذي تمكن بسرعة من أن يكون ذا نفوذ وتأثير في الموسيقى الروسية، لاسيما خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وعُرف باسم “مجموعة الخمسة”. فالموسيقيون الذين تألفت منهم المجموعة طوال حياتها التي كانت نظرياً قصيرة إنما ممتدة في الماضي والمستقبل بصورة عملية، لم يكونوا أبداً خمسة كما يدل الاسم، فهم كانوا أحياناً سبعة ووصل عددهم في أحيان أخرى إلى نحو دزينة من موسيقيين متفاوتي الأهمية والموهبة، لكنهم طوال مسارهم عرفوا كيف يعبرون عن مجموعة من أفكار ونوايا تتركز من حول أصالة روسية ما، ونهل من التراث الشعبي، ومهما يكن من أمر فإن ذلك التراث كان دائماً شديد التنوع، على تنوع المناطق الروسية وامتداد أجزاء الإمبراطورية، بل على تنوع النظرة إلى ميخائيل غلينكا الذي كان هو وحده في البداية، المصدر/ المرجع للموسيقيين الذين تألفت منهم المجموعة أول الأمر، ونعرف أن هؤلاء كانوا بالفعل خمسة ولو لفترة التأسيس الأولى. بين الأصالة والأوربة ولكن لماذا ميخائيل غلينكا؟ ببساطة لأنه المؤسس الحقيقي للمجموعة، وفي عام 1857 تحديداً كان ميلي بالاكيريف (1837 – 1910) المعروف بكونه أكثر تلاميذ غلينكا ومريديه إخلاصاً للمعلم وحرصاً على اتباع مساره الذي كان يقوم على متابعة المثل الأعلى الموسيقي الروسي واستلهام الفولكلور القومي والشعبي وتفادي الارتماء في حضن النماذج الموسيقية الألمانية والإيطالية التي كانت ذات سيطرة في تلك المرحلة التي راحت فيها الصراعات وعلى مستوى كل ضروب الإبداع الفني والأدبي وحتى الفكري، تشتد بين من سموا أنفسهم “دعاة الأصالة” والآخرين الذين كانوا يعتبرون “دعاة التوجه إلى أوروبا” استلهاماً لحداثتها. ولئن كان بالاكيريف قد اكتشف كم أن موسيقى غلينكا، بل حتى أفكار هذا الأخير تلائم ما يتطلع إليه من مثل أعلى في إنتاجه وممارساته الموسيقية، فإنه لم يكن وحيداً في ذلك التوجه، إذ سرعان ما انضم إليه سيزار كوي (1835 – 1918)، ثم موديست موسورغسكي (1839 – 1881). وفي عام 1861 كان دور نيقولاي ريمسكي – كورساكوف (1844 – 1908) يتبعه في العام التالي ألكسندر بورودين (1833 – 1887) الذي كان يكبرهم سناً. وبهؤلاء اكتمل العدد خمسة. ولكن ليس تماماً، إذ في الوقت نفسه الذي اعتبر فيه غلينكا الأب الروحي كان لا بد أن ينضم إلى المجموعة تلميذه الأقرب الآخر دارغوميجسكي (1813 – 1869) الذي على رغم مواهبه وثقافته الواسعة التي عززتها ثروة عائلية مكنته من العيش لفترة في فرنسا، بخاصة في إسبانيا حيث درس في الأولى التقنيات الموسيقية وفي الثانية استخدام الفولكلور المحلي في الإبداع الأوبرالي، سيعتبر أقل الموسيقيين نجاحاً هو الذي كان القيصر قد أعجب على أية حال بأوبراه الكبيرة الأولى “حياة في سبيل القيصر” وضع فيها نوعاً من التجميع لكل ما لديه من أفكار موسيقية… ولكن بلا طائل. ومن هنا ربما يكون نجاحه الوحيد قبل أن يعاد له الاعتبار لاحقاً، كونه انضم إلى الخمسة بوصفه عرابهم! تشايكوفسكي- روسي حتى النخاع.. فماذا تريدون؟ (غيتي) شعارات شوفينية المهم أن المنظومة الإبداعية لـ”الخمسة” راحت ترتكز أكثر وأكثر على “العودة إلى الأرض” فإذا كان هناك توجه ما إلى خارج معين، فليكن توجهاً نحو “الشرق” على خطى غلينكا الذي أشار إلى الطريق بخاصة في أوبراه “رسلان ولودميلا” التي اعتبرت دائماً أول أوبرا روسية خالصة، دون أن يؤثر في لقبها هذا كونها تحتوي موسيقى تركمانية وقوقازية وحتى “رقصة عربية” نُظر إليها في بعدها الغرائبي وباتت نموذجاً يحتذى، معتبرة في شرقيتها جزءاً من “الفولكلور المحلي” لا شك أنها مهدت لطريق لريمسكي – كورساكوف في “شهرزاد” كما في “عنترة” ولعبت دوراً ما في ما سيفترضه النرويجي إدوارد غريغ إدماجاً لموسقة راقصة عربية في الموسيقى التي سيضعها لــ”بير جينت” لمواطنه إبسن، وفي السياق لا بد أن نضيف إلى مبدأ “العودة إلى الأرض” الذي نادت به “المجموعة”، مبدأ ثانياً أساسياً هو “النهل من عبقرية العرق” مدموجاً بالألوان المحلية في فهم للجذور الروسية تجعل لها امتدادات شرقية يمكن العثور عليها في المناطق المتاخمة جنوباً. ولعل هذه المؤثرات التي لا شك أنها حققت قبولاً، كانت هي في خلفية الصرخة التي سيطلقها تشايكوفسكي حين وجد نفسه محاصراً ومتهماً من قبل “الخمسة” وأنصارهم، سواء كانوا قوميين روسا شوفينيين، أو “أصوليين شرقيي الهوى”، مقسماً أنه “روسي… روسي حتى النخاع!، ولا يبتعد من الهوى الشرقي كثيراً” والدليل إدماجه رقصة عربية إيقاعية بالغة الجمال في باليه “بحيرة البجع” ولكن ليس كجزء من “جذور شرقية بل كاستعانة بما هو جميل ويمكن اكتشافه لدى الجيران”. ولنتذكر هنا كيف أن تلك الرقصة كانت المحاولة “الشرقية” الوحيدة لتشايكوفسكي الذي في مقابل تهمة “التغريب” أراد أن يؤكد على روسيته المطلقة. عقد ينفرط والحقيقة أننا هنا لم نذكر مثل تشايكوفسكي إلا لنؤكد على القوة التي راحت تتمتع بها نظريات “مجموعة الخمسة”، لكننا نعرف أن تلك القوة ونفوذها لم يدوما طويلاً… وهو ما يحدث عادة لكل تجمع من هذا النوع على مدى التاريخ، إذ سرعان ما تنزعج المواهب الكبرى الحقيقية ذات النزعة التي تميل إلى التفرد أكثر فأكثر فتستقل بإنتاجها محافظة فقط بصورة شكلية على فتات ما كان قد ساد وفرض من قواعد، غالباً ما يتمسك بها أولئك الأقل موهبة. ومن هنا لم يكن غريباً أن يشعر موسورغسكي مثلاً، منذ عام 1872، بالحاجة لأن يصرح قائلاً: “ليست مجموعتنا القوية ذات النفوذ هذه سوى رهط من خونة لا روح لهم”. ومن الواضح تاريخياً أن ذلك التصريح إنما يجد دوافعه في ما حصل خلال السنوات السابقة على إدلاء موسورغسكي به، فهذا الأخير كان يراقب عن كثب زميله رمسكي – كورساكوف والنجاحات الكبيرة التي راح يحققها في داخل البلاد وخارجها، وبلغت ذروتها مع تقديم مغناة “عنترة” القائمة على موسيقاه وعلى نص للبناني الأصل شكري غانم التي قدمت في تلك المرحلة في باريس، وذلك في وقت كان من الملاحظ فيه أن سيزار كوي لم يحصد في مجمل إنتاجه سوى الفشل كما حال دارغومسكي، وإذا أضفنا إلى هذا، الإحباط الذي راح بالاكيريف يحصده، وتقلبات بورودين كما شعور موسورغسكي بأن أمور المجموعة ليست على ما يرام، استنتج هذا الأخير أن الطريق في وجه “الخمسة” أو ما انزاد عليهم أن تقلص حجم اهتمامه منهم، بات مسدوداً. وفي هذا السياق، حتى وإن كان الناقد الموسيقي ستاسوف، ذو النفوذ الكبير في ذلك الحين الذي أمن من ناحية مبدئية دعماً موسكوفيا بدا ضرورياً للمجموعة التي كان نشاطها يتركز على سانت بطرسبرغ، قد بذل كل ما لديه من قوة لإبقاء المجموعة (التي اعتبرت على أية حال، بانضمامه إليها “مجموعة الستة”!) واقفة على رجليها، لن يفوت كثر أن يروا كم أن “معركة ستاسوف” كما أسموها إنما كانت معركة شخصية توخى هذا من خلالها أن يصفي حسابات لا علاقة لها بالمواهب الموسيقية. الصراع الأبدي وإزاء ذلك كله كان من الطبيعي للمجموعة أن تنفرط، لكن انفراطها لم يعن بأية حال من الأحوال أن مبادئها قد اختفت مع اختفاء ذكرها، علماً بأن الاسم الذي كان قد أُطلق عليها منذ البداية لم يكن يحمل أية دلالات على الإطلاق وبأن قواعدها لم تكن لا من اختراع غلينكا ولا من إضافات أي من الموسيقيين الذين كونوا المجموعة، بل تعبيراً عن صراع عرفه عالم الموسيقى، بل عالم الإبداع عموماً منذ بداياته بين من يريدون أن يحصروا الإبداع في أطر محلية ضيقة والآخرين الذي يتطلعون لأن يروه منفتحاً على العالم لا تحده لا قيود “قومجية” ولا حدود محلية، ويقيناً أن الإبداع الروسي كان يعيش تلك السجالات في ذلك الحين قوية كعهدها دائماً، تكشف عبقرية أفراد وانتهازية آخرين بالتأكيد. المزيد عن: الموسيقى الروسيةميخائيل غلينكانيقولاي ريمسكي – كورساكوفألكسندر بورودينبحيرة البجعتشايكوفسكي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post عصيان داخل الجيش الإسرائيلي يهدد باندلاع “حرب أهلية” next post عن “عقدة الاضطهاد” التي تعانيها الثقافة الفرنسية تجاه الإنجليز You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024