الحيلة الأدبية بريشة عبد القادري (صفحة الرسام - فيسبوك) ثقافة و فنون الحيلة أغرت الكتاب العرب وأوقعتهم في شركها by admin 20 أغسطس، 2023 written by admin 20 أغسطس، 2023 161 الناقدة المغربية نعيمة بنعبد العالي تناقش الأبعاد الاقتصادية والإناسية في السرد اندبندنت عربية \ أنطوان أبو زيد منذ أن باشر الكاتب اللبناني-المصري جرجي زيدان (1861-1914)، أوائل القرن العشرين، وقبيل ذلك، في درس تاريخ العرب والإسلام، وبل تاريخ التمدن الإسلامي (على ما كان يؤثر تسميته)، وتصنيفه الأدب مراحل تاريخية متناسبة مع مراحل سياسية معينة، جرياً على منهج هيبوليت تان الفرنسي، أحد رواد المنهج التاريخي في الغرب، وتلاه حسن توفيق العدل، وأحمد الإسكندري، وأحمد أمين، وأحمد حسن الزيات، وغيرهم، محاولين تصنيف الأدب، والتراث العربيين، على المنهج التاريخي نفسه. ودارسو الأدب والتراث العربي لا يزالون يأخذون بمناهج النقد الغربية، المستمدة بدورها من العلوم الإنسانية الحديثة، من أجل أن يضيئوا على جوانب من هذا التراث لم تكن قيد التداول، وإن كانت موجودة في النصوص، وخافية عن العيون والأفهام. في السياق البحثي نفسه، ها هي الكاتبة الباحثة المغربية نعيمة بنعبد العالي، والمتخصصة بالأنثروبولوجيا الاقتصادية، تعاود النظر إلى التراث الأدبي السردي، الشعبي منه والرسمي، مركزة على مفهوم “الحيلة” دون غيره من المفاهيم، وحاصرة مجال درسها في مدونة واسعة جداً من الأعمال السردية العربية (كتب الجاحظ، والبيهقي، والميداني، والتنوخي، والجوبري، وكتب الفقه، وألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، والأغاني، وكتب التاريخ، والموسوعات، وشعر الصعاليك) ومستعينة بالمنهج الأنثروبولوجي الاقتصادي لتأويل سائر العلاقات التي تكشف عنها الظاهرة المدروسة، أي الحيلة وما يعادلها. والكتاب الصادر حديثاً (2023) عن دار المتوسط، بعنوان “في البدء كانت الحيلة”، هو الثمرة الأولى في جهود الباحثة نعيمة بنعبد العالي، وقد قسمته إلى ثلاثة أبواب كبرى، وهي: في البدء كانت الحيلة، وواقع عجيب غريب، والاقتصاد المقنع أو لعبة التجلي والخفاء في الاقتصاد العربي الإسلامي. مفهوم الحيلة ومراتب أبطالها في الباب الأول، سعت الباحثة العالي إلى التعريف بمفهوم الحيلة، وتبيان الفوارق بينها وبين كل من الخديعة، والمكر، والغش والوعظ، والكيد، ولكن من دون أن تعود الى أمهات المعاجم العربية التي تقول إن الحيلة هي “الحذق وجودة النظر والقدرة على دقة التصرف” (محيط المحيط). ومن ثم نظرت الباحثة في مراتب أبطال الحيلة، فوجدت أن جل هؤلاء كان من الشحاذين، والمهمشين في مجتمعاتهم، والمنبوذين من طبقاتهم ومللهم ومجامعهم المتلونة بألوان البيئة والزمن والإطار السياسي القائم. وقد دلتها على هذا الواقع نوادر جحا، وبهلول، والقاضي المحتال، واللص الذكي، وهبنقة، وغيرها كثير من الشخصيات الماثلة في النوادر الشعبية، وفي الموسوعات وفي كتب الهمذاني، ومقامات الحريري، وحكايات البخلاء للجاحظ، وابن الجوزي، وكليلة ودمنة، وألف ليلة وليلة، وغيرها. وقد تكفي الإشارة إلى الشخصيات النموذجية الماثلة في هذا التراث، من مثل: أبو الفتح الإسكندري، والصياد (والمارد)، والقبرة (والفيل)، والقرد (والغيلم)، ومعاذة العنبرية، وغيرها، للدلالة على وظيفة الحيلة المنقذة من الهلاك أو التهميش. الكتاب الجديد (منشورات المتوسط) وبالمقابل، تبين للباحثة أن ثمة، في الأدب السردي الجاد والرسمي، تصير الحيلة من خصائص الأقوياء، على حد ما رأته لدى كل من: أياس المعتضد، وأبي حنيفة، وعلي بن ابي طالب، ومعاوية ابن مسعود، وغيرهم. واتضح للباحثة نعيمة العالي أن وسيلة الحيلة كانت من نصيب النساء أيضاً، وإن وصمتهن بعض المراجع بأنهن ناقصات العقل، ولعل نجاحهن في تدبر خلاصهن بالحيلة، حمل البعض على تصور فعلتهن “بالكيد العظيم”، في حين أن الكيد هو “إرادة مضرة بالغير خفيةً، وهو من الخلق، أو حيلة سيئة”. ونظراً إلى مكانة المرأة، وانعدام سلطانها وضآلة مرجعيتها الاجتماعية والسياسية، في بغداد وبلاد الشام، موئل تلك الأفعال المروية في النصوص، فإن نسبة حيلة النساء إلى الكيد بدت للباحثة مجحفة وغير مطابقة لواقع الحال، إذ إن لجوء النساء، برأيها، إلى الحيلة غالباً ما يكون لتحسين موقعهن في إطارهن الاجتماعي القائم، وليس لإحداث شروخ في مجتمع تقليدي ذي بنية عائلية متماسكة، وأدوار محددة مسبقاً للرجال دون النساء، وللنساء دون الرجال. الحيلة في الأدب العالمي ولما كانت الباحثة نعيمة بنعبد العالي وثيقة الصلة بالتراث السردي الغربي، قديمه وحديثه، وتلقي نظرات فاحصة عليه، بقصد التبصر في وظائف الحيلة فيه، وجدت أن للأدب التشردي الإسباني والإنجليزي والفرنسي وغيره مكانة للحيلة في القرون الوسطى. وقد أمكن الإشارة إلى عديد من الشخصيات المتخيلة المستمدة من الحكايات الشعبية، مثل فولبوني، أو الثعلب، والعجوز الطماع، رمز التحايل الخبيث، وجحا، بصيغته الإسبانية، وميكي ماوس، وغيرها. وفي الباب الثاني، من الكتاب، تقيم الكاتبة الحدود بين الحيلة والعجائبي، ولئن صح أن الحكاية العجائبية تتميز بالجدية واستعمال الخوارق والكائنات الخيالية والمزج بين العوالم، فإن الحيلة حكايةٌ منطقية تتحرى الواقعية وتعترف بحدود الزمان والمكان والإنسان. وليس أدل على ذلك من حكاية “الصياد والمارد” في كتاب ألف ليلة وليلة، التي ينجو فيها الصياد من الموت المحتم الذي يهدده به المارد بعيد إخراجه من القمقم الذي أقام فيه ألفاً من السنوات، بأن استخدم الصياد عقله الإنسي، واحتال عليه بأن ألزمه العودة إلى القمقم تصديقاً لإقامته فيه على رغم ضخامة جثته. وقد تبلغ الحيلة عند القائم بها درجة من الذكاء عالية، في نوادر إياس بن معاوية، وحيَل أبي حنيفة، حتى لتقرن بالسحر ومعرفة الغيب. ومثل ذلك تعامل أبي زيد الهلالي في مغامراته البطولية مع العجائبي، ذلك أن اعتماده الوحيد هو على عقله وقدراته الجسمانية وشجاعته وإقدامه. وقد ظهرت الحيلة، بحسب الباحثة العالي، في بعض الحكايات وكأنها نوع من القيافة (أي تتبع الأثر) والفراسة، ولربما تذكر بطريقة شرلوك هولمس في تتبع العلامات لكشف الحقيقة المتوارية خلف الوقائع. وتختم الباحثة هذا الباب بالإشارة إلى التداخل بين السرد الواقعي وبين ميدان العجيب والغريب، في كثير من القصص في طيات كتب الآداب مثل الأغاني، والأمالي، وزهرة الآداب، وكتب الأمثال، وغيرها كثير. وتعلل ذلك بأن نظرة الأديب العربي، من مثل الغرناطي، والأصفهاني، أو ابن الوردي وغيرهم، إلى الواقع هي نظرة عجائبية، بالتالي تختلط فيها الحقيقة الواقعية بالحلم والجن والملائكة. وهي نظرة أكثر ما تناسب “عالم بورخيس حيث يتمازج الواقع بالخيال بصورة يصبح فيها الواقع مضطرباً، وتصبح فيه الحكاية لا إشكالية خيال، بل إشكالية واقع” (ص:78) البعد الاقتصادي في الأدب العربي في الباب الثالث والأخير من الكتاب، انفردت الكاتبة نعيمة بنعبد العالي بدرس البعد الاقتصادي في الأدب العربي، شعراً وسرداً، فانتبهت، بعد قراءة بانورامية ومعمقة للشعر، من وجهة نظر أنتروبولوجية، أن ثمة شكلين بارزين في الاقتصاد العربي، على نحو ما تبينه النصوص: اقتصاد الهبة، وفاعلوه الأبرزون هم ذوو السلطان (الأمراء، والحكام) والمال، يغدقونه على طالبيه المتكسبين، لا سيما الشعراء، ويحصلون بالمقابل على لذة العطاء ونعمة الخلود: “ليس يعطيكَ لرجاء أو خوف، ولكنْ يلذ طعمُ العطاءِ”. وقال أبو تمام: “تكادُ عطاياهُ يجن جنونها/ إذا لم يعوذها بنغمةِ طالبِ”. وختمت الباب ببحث عنوانه “التفاعل بين اقتصاد السوق في المجتمع العربي الإسلامي” مفاده أنه كان ثمة فصل واضح، في بنية المجتمع العربي القديم، حتى العصور العباسية المتأخرة، بين موقع التاجر باعتباره عملاً مدينياً يؤديه أي كان، وبين سائر الجماعات التي ينقسم لها المجتمع عائلياً ودينياً ومناطقياً. كما خلصت فيه الباحثة إلى أنه لا يمكن التوفيق بين المنطق الاقتصادي وبين منطق الهبة، على رغم تعايشهما زمناً طويلاً. يضيف الكتاب طرحاً، إلى طروح كثيرة في سياق معاودة النظر في التراث السردي والشعري من منظور العلوم الإنسانية البينية، ومنها الأنثروبولوجيا والاقتصاد وغيرهما. للكاتبة والأستاذة الجامعية المغربية دراسات في الأنثروبولوجيا الاقتصادية في العالم العربي، مثل: الهبة والاقتصاد المضاد”، إلى مجموعتين من الشذرات، ومجموعة قصصية بعنوان “السمكة الحمراء”. المزيد عن: الحيلةالأدب العربيالأدب العالميالحداثةالتراثألف ليلة وليلةكليلة ودمنة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post خورخي سمبرون بين الأدب والسينما: الذاكرة فعل مقاومة next post هل تصلح الشرائط المصورة للحديث عن إحباطات الفنان؟ You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024