ثقافة و فنونعربي “الحضرة” عرضٌ صوفيّ تونسيّ يطوّع آلات غربية للتجديد by admin 6 أبريل، 2023 written by admin 6 أبريل، 2023 23 النهار العربي \ تونس-كريمة دغراش على ركح مسرح الأوبرا في مدينة الثقافة في العاصمة تونس كانت السهرة الرمضانية ضمن “مهرجان رمضان في المدينة” مع عرض “الحضرة” لصاحبه الفاضل الجزيري، المخرج الذي نفض الغبار عن الموسيقى الصوفية في تونس قبل أكثر من ثلاثين سنة، ونقلها من مقامات الأولياء الصالحين وحلقات الذكر الى كبريات مسارح تونس. الجزيري الذي ينتمي الى جيل من المسرحيين الذين درسوا في ستينات القرن الماضي في أوروبا ثم عادوا الى تونس لتقديم تجارب فنية مختلفة لا تزال راسخة في أذهان التونسيين، قدم عرضاً جديداً لـ”حضرته” التي لا تستنسخ عرض “حضرة” سنة 1991، مع أنها حافظت على معالمها الأساسية، وبخاصة على روحها المستمدة من الإنشاد الصوفي. على صوت نغمات المديح الصوفي وكلماته وبالقرع على الدفوف والبندير (آلة موسيقية إيقاعية تشتهر بها منطقة المغرب العربي)، انطلق الحفل بالأدعية والأذكار ليضع جمهوره في جو روحاني صوفي صرف يليق بليلة رمضانية طويلة. دخل المنشدون الحفل رافعين رايات تعود إلى الطرق الصوفية التي مرت على تونس مثل “العيساوية” و”القادرية” و”السلامية”، وعلى امتداد ساعتين قدموا عرضاً سحر الحضور بفئاته العمرية المختلفة، شيباً وشباباً، كلهم تفاعلوا وغنوا وحتى رقصوا متماهين مع موسيقى تخاطب وجدانهم قبل أجسادهم. بين الأصوات الخافتة والأصوات الهاتفة وبين الأصوات القوية والأصوات الرقيقة وبين الآلات الحديثة وآلات الإيقاع والقرع، كان المزيج غريباً ومألوفاً في آن، يشبه الى حد كبير ذلك الذي عرض للمرة الأولى قبل 33 سنة من دون أن يستنسخه. وكأغلب عروضه في السنوات الأخيرة اختار الجزيري أن يمزج بين الموسيقى الصوفية والإيقاعات الحديثة. وعلى وقع القيثارة والساكسوفون والباتري أنشد المنشدون فرادى وجمعاً “طالت الأشواق” و “يا بلحسن يا شادلي” و “الليلة ليلة” و”فارس بغداد” و”نادو لبابكم” و”البردة” وغيرها من الأناشيد والابتهالات الصوفية التي يعشقها الجمهور ويحفظها عن ظهر قلب، بينما تمايل الراقصون في لوحات تجلٍّ وتأمّل فبدت كأن أرواحهم انعتقت عن أجسادهم. اختزال الشخصية التونسية قبل أكثر من ثلاثة عقود صعد منشدون كان أغلبهم مغموراً على ركح قرطاج للمرّة الأولى، ولم يكن يدور في أذهانهم أنهم سيحدثون ثورة في عالم الإنشاد الصوفي. “الحضرة” أو كيف تكون في حضرة الله منشداً راقصاً، عرض استمر لأكثر من ثلاثين سنة، غادره رعيله الأول من المنشدين والعازفين والراقصين لكنه استطاع أن يصمد وأن يتجدّد وأن يحافظ على شعبيته وعلى حبّ الجمهور له، حتّى أنه صار ملهماً ومصدراً لتجارب أخرى كثيرة استطاعت بدورها أن تشقّ طريقها في عالم الإنشاد الصوفي. حلّ بدل الجيل الأول من المنشدين جيل جديد ينتمي الى مدرسة جديدة وثقافة أخرى، عمر الكثير منهم أقل من عمر “الحضرة”، لكنه جيل متميز بتمكنه من الموسيقى التي درسها في المعهد العالي للموسيقى، يقول الجزيري لـ”النهار العربي”، مشدداً على أن هذا الجيل يملك موهبة الصوت الجميل والاتقان والمعرفة العلمية، في حين كان الجيل الأول يملك الموهبة الكبيرة وشغف البدايات الذي لا ينضب. إلى ذلك، ظل الجمهور وفياً لـ”الحضرة” رغم مضي أكثر من ثلاثة عقود، يقول الجزيري “وكأنه الجمهور نفسه”، مضيفاً: “في البداية كان الجمهور يقصد الحضرة لاكتشافها، أما اليوم فقد بات يحضرها متعطشاً وشغوفاً بها بعدما طرقت بابه ودخلت بيته عبر التلفزيون، وصارت تختزل الشخصية التونسية الأصيلة بملامحها ولباسها وحركاتها ورقصاتها وشطحاتها وتجلياتها”. “السرّ” عن سرّ صمودها طيلة هذه العقود يقول الجزيري إنه يكمن في قدرتها على التجدّد، إضافة إلى شغف الجمهور بها. “الحضرة مزيج بين الاحتفال والغناء والرقص والصورة والفرجة، وقد أدخلنا عليها لمسات فنية جعلتها قادرة على جذب الجيل الجديد عبر توظيف الآلات الغربية حتى أنها بدت وكأنها خلقت لتؤدي الايقاعات الصوفية”، يشرح. وعن الفروق بين عرض الجمعة و”حضرة” التسعينات التي أقامت الدنيا ولم تقعدها حينها، يقول الجزيري: “ليست هناك فوارق كثيرة، فالعرض يستبطن روح الصوفية المتمثلة في التسابيح والإذكار والإنشاد الديني بغض النظر عن برنامجه”، لكنه يؤكد أن لكل عرض “روحاً خاصة يستمدها من تفاعل الجمهور الحاضر”، مضيفاً: “عروض الحضرة لا تتشابه، فالعرض يتماهى مع المتلقي وينسجم مع الروح التي تسود المكان وكل عرض نقدمه يكون كأنه العرض الأول”. ومنذ تسعينات القرن الماضي أصبح الإنشاد الصوفي مادة لعروض فنية يقبل عليها التونسيون، خصوصاً في شهر رمضان، ويعتبرونها جزءاً من هويتهم وتعبيراً عن أصالتهم واختزالاً لتراثهم اللامادي الثري والمتنوع. ففي عام 1991 قام الجزيري والفنان سمير العقربي بنفض الغبار عن الإنشاد الصوفي في تونس، وعملا على تجميع كبار المنشدين الذين كانوا ينشطون ضمن فرق للإنشاد في عرض فرجوي كبير، نقل فرق موسيقى الطرق الصوفية المنتشرة في معظم الجهات التونسية حول مقامات الأولياء الصالحين، من طابعها الفلكلوري إلى آخر موسيقي روحاني. تتغنّى “الحضرة” بالأولياء الصالحين ومقاماتهم في تونس والمغرب العربي، وهي أسماء حاضرة في الوجدان الجماعي وتتناقلها الذاكرة الشعبية. أكثر من 100 منشد وعازف وراقص قدّموا سهرة جديدة من عرض “الحضرة”، لكن المؤكد أنها لن تكون الأخيرة. فالجمهور الذي قصد مدينة الثقافة ذات سهرة رمضانية لن يخلف موعده معها مستقبلاً مواصلاً سعيه الدؤوب للتقرب الى الله. المزيد عن : “الحضرة”\ الفاضل الجزيري\ تونس\ عرض صوفي\ سهرة رمضانية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post جهاد الزين يكتب من بيروت: بعيداً عن التجليط الإعلامي حول معاهدة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل next post طهران تعترف بتهريب السلاح للحوثي وتعد بإيقافه You may also like عندما يتحول التأويل الثقافي حافزا على عدم الفهم 12 يناير، 2025 مهى سلطان تكتب عن : الرسام الهولندي موندريان... 12 يناير، 2025 ليلى رستم تسافر إلى “الغرفة المضيئة” في الوجدان 12 يناير، 2025 زنوبيا ملكة تدمر… هل يسقطها المنهج التربوي السوري... 11 يناير، 2025 (15 عرضا) في مهرجان المسرح العربي في مسقط 11 يناير، 2025 أبطال غراهام غرين يبحثون عن اليقين عند الديكتاتور 10 يناير، 2025 رحيل “صائدة المشاهير”…ليلى رستم إعلامية الجيل الذهبي 10 يناير، 2025 سامر أبوهواش يكتب عن: حسام أبو صفية… الرجل... 10 يناير، 2025 كتب يناير الإنجليزية: سيرة هوليوودي واعترافات 3 نساء 9 يناير، 2025 عبده وازن يكتب عن: بثينة العيسى تروي خراب... 9 يناير، 2025