الأحد, نوفمبر 24, 2024
الأحد, نوفمبر 24, 2024
Home » الجسد السيادي المريض في سوريا (1): على من اتكأ حافظ الأسد؟

الجسد السيادي المريض في سوريا (1): على من اتكأ حافظ الأسد؟

by admin

بعد إصابته بسرطان الدم وإصراره على إبقاء الأمر بعيداً عن التداول، كان حافظ الأسد مثالاً لمن يؤسس أجساداً كثيرة ليخفي صعوباته الجسدية، ولم يُركز على أن يكون الجسد المعافى القوي، بقدر ما كان عقلاً ناظماً لأجساد كثيرة. 

درج ميديا/ مكسيم عثمان

ماذا تفعل السلطة أمام الأمراض المستعصية؟  وحتى الشيخوخة؟ كيف تتعامل مع سطوة الزمن على جسد “السيد الرئيس”، رأس الهرم القيادي الذي قد يخونه جسده ليقع مثلاً كفيدل كاسترو، أو يُلقى في المستشفى في غيبوبة هدّدت حكمه كحال حافظ الأسد مطلع الثمانينات؟

بعد إصابته بسرطان الدم وإصراره على إبقاء الأمر بعيداً عن التداول، كان حافظ الأسد مثالاً لمن يؤسس أجساداً كثيرة ليخفي صعوباته الجسدية، ولم يُركز على أن يكون الجسد المعافى القوي، بقدر ما كان عقلاً ناظماً لأجساد كثيرة.

في الثمانينات، كان على حافظ الأسد أن يصطدم، وهو مريض، بأخيه رفعت الذي حاول إقصاءه واستغلال مرضه لينقلب على حكم البلاد.

مرض حافظ الأسد غيّر شكل سوريا حينها، وافتقد كل شيءٍ من الممكن معرفته وفهمه عن طبيعة السلطة…

مذّاك، كان لحافظ الأسد أن يملك أجساداً كثيرة، وأصبح لـ”البطل المغوار” عقل وأجساد مُعمّمة، أجساده الكثيرة والماثلة أمام الجميع ليست سوى دُمى لها وجودها المادي وعصاها الغليظة.

بعد مرض حافظ، تعاظم دور مقربين منه من ضباط كبار ومساعدين مثل علي دوبا، وعلي حيدر، ومحمد حويجة، وغازي كنعان، ومصطفى طلاس، وعبد الحليم خدام، وغيرهم، هم من قاوموا رفعت ووقفوا بقرب الجسد المريض ينفّذون أوامره.

الكاتب الأميركي باتريك سيل الذي اشتهر بمعرفته الوثيقة بالأسد، وكتب عنه يصف المشهد درامياً، حينما خرج حافظ المريض وهو يتّكئ على ابنه البكر باسل وواجه رفعت وسط دمشق.

كان الجسد المريض يتكئ على باسل، وحوله ضباطه الذين باتوا هوامش وبأجساد متجمدة تنتظر المواجهة ونهايتها. كان الجسد الأصدق لحافظ الأسد باسل، الذي كان المتكأ والأمل، كان أكثر جسدٍ لحافظ الأسد ثقةً، فلقد اتكأ عليه دوناً عن أي أحدٍ وقف في وجه رفعت حينها.

الديكتاتور مكسوراً

توتر آخر  شهدته  أجساد السلطة في سوريا، مات باسل الأسد مطلع التسعينات بحادث سير، فتغير انطباع السوريين عن حافظ الذي كُسر بموت ابنه، وافتقد حافظ الكثير من توازنه الجسماني، وتغيرت نبرة صوته، وأُلبست المدن السورية كلها حِلة الحزن، لا بل انطوى شكل غرائبي تاريخي على مُحبي النظام بأن تُترك اللحية وتُهمل، وأن تتّشح النساء والرجال بالسواد أيضاً ولوقتٍ طويل، وأن يُصبح كل شيءٍ في البلاد اسمه باسل الأسد.

منذ وفاته عام 1994 وحتى اليوم، هناك بقايا للافتات تحمل صور باسل الأسد، الذي كان تعويضاً جسمانياً جمالياً أيضاً، تم الدفع بباسل الأسد، بصوره على الفرس، وانكشاف زنوده، وسياراته الفارهة، بوصفه بطلاً جماهيرياً، ودون جوان نساء. إنه أكثر شابٍ سوري دُفع به بوصفه ظاهرة جمالية ورياضية وسياسية متكاملة، فإن كان لبنان ومصر يشكلان أبطالاً ورجالاً مفعمين بالجمال تلفزيونياً وسينمائياً، فقد خلقت السلطة لباسل الأسد هذا المعنى.

كان كل مظهر شبابي أو رجولي منتقصاً ما دام باسل موجوداً، حتى الفنانون لم يكن صداهم سوى بوصفهم جوقة غناء للقائد أو للوطن، وأعمالهم لا تملك سوى حسّ ساخر أو كوميدي، بدلاً من أي جمالية رومانسية.

حتى في الصور التي رافقت العزاء والحداد، تم التركيز بشكلٍ مكثف على صور الشابات الباكيات الراكعات النادبات. لقد مات الجسد الأشد رمزيةً وقوةً وجمالاً على الإطلاق. وأقله أنه واجه مع أبيه أحد أعتى الرجال وأقساهم قلباً وقسوة، أي رفعت الأسد. كانت القنوات التلفزيونية السورية ضعيفة التأثير، فتم اللجوء إلى مقاطع فيديو مُنتجة في لبنان، حمل “البرومو” عناوين: موت الفارس، موت القائد، الشهيد الحي، راعي الشباب. كان على الراعي البديل أن يموت، وعلى أبيه أن يذوق حزناً مختلفاً. أُلّفت لباسل الأسد أغانٍ كثيرة، واستُخدمت أغاني فيروز مع فيديوهات تُبطئ حركات باسل على الجواد. كانت الأجيال السورية تنمو على صور تملأ كل جدران البلاد ومشاهدها المرئية.

أكثر جسد يُراد له أن يبقى حياً قد مات. ثم شعرت هوامش النظام بأن السرد ناقص، السيرة الذاتية للميت خاصة جداً، تعني حافظ الأسد وحاشيته المُقربة، فمن يعرف مِنا ماذا أنجز باسل الأسد؟ لا أحد. هذه المصيبة في قلة السرد والمعنى والإنتاجية، عُوّضت بصفات مضخمة، بعضها تاريخي كالفروسية، وبعضها مُضمر جمال الشعر والطلعة البهية الأخّاذة. الفقر في المسرود عُوّض في الصور وعلى شاشة التلفاز، صُنع الوعي السوري على اكتشاف كلاسيكي لشوبنهاور، بأن الفنون البصرية تصنع انطباعات أفلاطونية للجمال ومن ثم قياسية وأخلاقية.

حُرمة جسد السلطة

من هنا، كان باسل الأسد افتقاداً للجمال والفروسية وكل الصفات المادية للبطل والنجم، يُضاف إلى ذلك التوحش، فكثيراً ما صُنعت له أساطير عن قوته ومواجهته الجسدية لعلي حيدر الذي رفض أن يرفع له التحية بوصفه ممثلاً لحافظ الأسد. منذ ذلك الوقت، انهزمت الدمية الجسدية علي حيدر، وكان أهم إنجازات باسل المفترضة أنه أخرج علي حيدر من العسكر، ويُشاع أنه ضرب أولاد عمه في الساحل. فقر السرد جعله يُصبح مجرد صورة لشابٍ جميل.

من يراجع المحطات السياسية السورية الكبرى، يعرف أن حافظ الأسد كان مديراً لكل شيء داخل البلاد. حتى مذكرات الساسة اللبنانيين، على رغم امتلائها بالأسماء السورية، إلا أن تلك الأسماء خاوية الأثر، أسماء خاوية من القدرة على اتخاذ قرار: غازي كنعان، عبد الحليم خدام، رستم غزالة، ورؤساء الأفرع الأمنية، كلهم كانوا أجساداً معممة لحافظ الأسد، يرسلها لتستمع وتأتي إليه ليأخذ القرار لا أكثر.

لقد أخفى حافظ الأسد جسده مراراً عن الانطباعات والإعلام ليكون عقلاً بأجساد كثيرة، لكن الجسد الذي هيأه للعمل قد مات.

لا نستطيع تخيّل أثر المنعطفات المختلفة في حياة حافظ الأسد ورعبه وخوفه على جسده والأجساد المقربة إليه. يلي هذا زواج ابنته بشرى من الضابط المقرب منه آصف شوكت، الذي خضع لمرتبة مختلفة من انطباعات الجسد المفقود، فنحن لم نشاهد مثل أي دولة عربية أخرى صور العريسين اللذين تزوجا في قرية نائية، تحت خوف من أن يمنع ماهر حافظ الأسد الزواج، بعدما أطلق الرصاص عليه على ما تقول الروايات المتداولة.

قبل هذا، كان باسل الأسد يمانع هذا الزواج، لأسباب طبقية وقيمية، ضابط في الحرس الجمهوري يُعلق ابنة الرئيس بعدما كان حارساً لها، وهو متزوج أيضاً، ما جعل باسل يعتقله، أما ماهر فأطلق النار عليه من دون قتله. وعلى رغم هذا، كان حافظ الأسد حكيماً ولبى طلب ابنته وساعدها على الهرب، لكن بلا شك كان هذا مكلفاً، فلا صور للعرس، ولا زواج بالطريقة التقليدية للشخصيات الكبرى، لكن حافظ منع ابنه ماهر من التلوث بالدم أكثر، ولم يُرعب جسد ابنته بمقتل حبيبها.

لقد عفا عن ضابط الحرس وجعله صهراً من دون أن يدخل في العائلة بشكل واضح، بقي حافظ حزيناً في وجهنا حتى مات، ولا تظهر ابتسامته أبداً إلا في الاستقبالات التقليدية لزعماء دول ورؤسائها.

حافظ اعتمد على أجساد كثيرة ليظهر فيها، لقد عرف تماماً أن لحظات المرض تعوض بأجساد مُقادة، يمكن أن تتحول إلى دمى جسدية موجودة لكن لا تقرر شيئاً.

الجسد السيادي المريض في سوريا (2): أسماء الأسد وسياسات “الياسمينة المُصابة”

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00