ثقافة و فنونعربي التونسية أمامة الزاير من اللون الغنائي إلى القصيدة المركبة by admin 4 مايو، 2021 written by admin 4 مايو، 2021 23 إستعادة السرد الصوفي شعرياً ومحاورة “منطق الطير” اندبندنت عربية / محمد الغزي في إحدى المحاضرات الشهيرة قارن بول فاليري الشعر بالنثر، مبرزاً وجوه الاختلاف بينهما. ومن أجل توضيح ذلك أهاب بتشبيه الكاتب الفرنسي مالرب الذي عدّ الشعر رقصاً والنثر مشياً. فهذا التشبيه في نظر الشاعر الفرنسي “خصب جميل لا أعرف أصحّ منه ولا أدقّ ولا أشمل”. ثم مضى بأسلوبه الشعريّ الجميل يعدّد هذه الفوارق، ويعلّق عليها شارحاً أومستدركاً. ومن وجوه الاختلاف، نجد المشي كالنثر يقصد به صاحبه أن يصل إلى غاية واضحة ويحقق فكرة مرسومة. فالمشي على هذا واسطة تزول متى برز وجه الغاية، أو هو فعل متجدّد سوف ينطوي بعد حين. أما الرقص فهو الواسطة والغاية، الطريق والهدف، الوسيلة ونقطة الوصول. ومن وجوه الاختلاف أيضاً أن المشي كالنثر يسلك به صاحبه أقصر الطرق وأقومها وأقلها عوجاً ومنعطفات، ليصل إلى بغيته التي يرجوها من دون تريث. ولكن الرقص بخلاف ذلك، لا يحلو إلا إذا أكثر من اللف والدوران، وأمعن في الجيئة والذهاب؛ فالخط المستقيم سبيل الماشي والناثر، والخط المنحرف سبيل الراقص والشاعر! يستمرّ بول فاليري في تعداد الفوارق القائمة بين النثر والشعر واضعاً بينهما، الحاجز تلو الحاجز، لاقناع القارئ أنهما ينتميان إلى طبيعتين مختلفتين بل متباعدتين بل متناقضتين. تداخل الشعري والنثري تذكرت محاضرة بول فاليري وأنا أقرأ ديوان الشاعرة التونسية أمامة الزاير الجديد “أحد عشر تمريناً من أجل القيامة” (رؤى ما بعد منطق الطير)، ففيه يتداخل النثر والشعر تداخل التسوية والتعمية والتشابك. وديوان الشاعرة، كمعظم الدواوين الشعرية المعاصرة، لم يُلق بالاً للفوارق التي أشار إليها فاليري بين الأجناس والأنواع، بل تعمّد عن سابق إصرار، أن يلغي كل الحواجز القائمة بينها، ليكون نصاً بلا ضفاف، فيه تنصهر كل الأنواع والأجناس. لكن على رغم كل هذا فإن القارئ لا بدّ أن يرتبك وهو يقرأ هذه النصوص، لا بدّ أن يتساءل عن طبيعتها. فبعضها يبدو بقوانين النصوص السردية أوثق صلة، لغة وبناء وطريقة تعبير. فما هي الأسباب التي تسوّغ إذن إدراجها في كتاب شعري؟ وهل وجودها ضمن نصوص شعرية يمنحها شرعية شعرية؟ تلك بعض الأسئلة التي لا بدّ أن تراود القارئ وهو يطالع هذا الكتاب. فشكله وطريقة طباعته وعنوانه وطبيعة ورقه، وطريقة تنضيد حروفه كلها رموز علاميّة تشير إلى أنه كتاب شعري. أما إذا تدبرنا تدبراً متأنياً نصوصه فبدا عدد منها ذا طبيعة سردية، نثرية. الديوان التونسي (دار ميارة) كل الكتاب ينهض على هذه المفارقة، هذا التوتّر: شعر/ نثر. حقيقة/ مجاز. ويبلغ هذا التوتر أقصاه حين نعلم أن الشاعرة التي تصوغ نصاً حديثاً في أسئلته وطرائق كتابته، تعلن منذ المقدمة أنها تناهض الحداثة: تلك الحداثة التي جعلتنا، في نظرها، “نرزح تحت وطأة عبودية عصرية وفتكت بنا وأرادت جعلنا نسخاً مطابقة لأصل فرضته سياقاتها وأنظمتها. وفي الوقت نفسه تثني الشاعرة على الذاكرة وتعتبرها منجماً غنياً، لأنها كشفت لها عن كنوز التصوف الإنساني. استعادة التصوف وإذا تجاوزنا رأي الشاعرة المثير للجدل، فإن الديوان اختار أن يكون امتداداً لـ”منطق الطير” للشاعر الفارسي فريد الدين العطارأو تكملة له، أو ربما استدراكاً عليه. فليس غريباً، بعد هذا، أن يستعير الديوان بنية ملحمة العطار: أعني تقسيم العمل إلى عدد من الأودية، وتذييل الأودية ببعض الحكايات والقصص. فالديوان قائم على صوتين متداخلين يصعب الفصل بينهما، هو صوت الشاعرة وصوت العطار. وكل محاولة لفك الارتباط بينهما تبدد سحر الديوان وتحول لألاء ناره إلى رماد. لهذا نجد أنفسنا ونحن نقرأ الديوان نستمع إلى صوت ثالث هو جماع الصوتين السابقين. هذا الصوت الثالث يومئ إلى الحاضر والماضي، إلى الذات والجماعة، إلى الواقعي والأسطوري. الشاعرة التونسية أمامة الزاير (دارميارة) أقامت الشاعرة في كلّ قصائدها بين جنسين أدبيين وتمكنت، من عقد حوار ثري بينهما، بما يقوي وشائجهما ويجعل كلاً منهما يغتذي من الآخر. لهذا نجد الشعر يتخلل النصوص ذات الطابع السردي، ويمنح لغتها شحنة استعارية، كما نجد النفَس الحكائي يتسلل إلى القصائد ليحولها إلى خطاب درامي يجمع بين صيرورة القص وكينونة الشعر جمع تآلف وانسجام: “سمعت أن الفداء اكتمال الدائرة منذ المحبّ الأوّل/ ويحكى أن السالك إذا وصل ارتفع/ ولم تره عين/ فما الطريق إلا أن تذوب فيك فيه حتى تمّحي/ وحدثتني العجائز أن المحبّ الأخير فقط سيمنح الكشف/ ويستوي على الأرض حتى كأنه هو هو على عرشه”. القصيدة المركبة يعدّ هذا الديوان، تحوّلاً في مسيرة أمامة الزاير جعلها تنأى شيئاً فشيئاً عن هتاف البدايات وغضبها. هكذا خرج شعرها إلى آفاق القصيدة المنفتحة على متخيل حرّ والقائمة على الاستعارة والأسطورة والرمز. لكن قصيدة الشاعرة ظلت، على رغم كل تحولاتها وهي كثيرة متنوعة، متفاعلة مع لحظتها التاريخية، منصتة إلى إيقاع زمنها، راصدة “نبض التاريخ بمختلف تجلياته”. ولعلنا نذهب إلى أن قصيدة “العتبة” هي أقرب ما تكون إلى بيان شعري يتضمن مفهوم الشاعرة لفعل الكتابة وتصورها لوظيفة الشعر في عالم مضرج بالموت. وهذا ما يمكّن المتقبل من بعض المفاتيح التي تساعده على التوغل في دروب هذه القصائد والدخول في مسالكها المعتمة: الأب/ الماء/ الطفولة/ الغيب… تلك هي مصادر القصيدة لدى الشاعرة وينابيعها القصية. وثمة جرح أولي منه انطلقت هذه المغامرة الشعرية، جرح غائر، عميق لا تسميه الشاعرة، لكنه حاضر حضوراً غامراً في قصائد الشاعرة يحدّث عن نفسه بأكثر من لغة، لعلّه موت الأب. ونحن لا نجانب الصواب إذا قلنا إن كل قصائد المجموعة على اختلافها وتنوعها، تدور حول هذا الجرح. فالشعر هنا حركة دائبة بين الداخل والخارج، بين أعماق الذات ورحابة العالم، بين عالم النص ونص العالم. وتُعدُّ قصيدة “القيامة السعادة” من أهم قصائد هذه المجموعة وأكثرها وفاء لتصور الشاعرة لوظيفة الكتابة. فهذه المجموعة التي جاءت في الأصل احتجاجاً على الدمار والموت وفداحة الصمت، احتفت في المقام الأول بفعل القص، القص بوصفه إرجاء متواصلاً لحدث الموت، بوصفه تشبثاً بتلابيب الحياة، بوصفه القوة التي تكمن في قلب الظلام. لقد خرجت الشاعرة في هذه المجموعة من القصيدة الغنائية البسيطة ذات الصوت المفرد إلى القصيدة المركبة ذات الأصوات المتعددة المتداخلة، حيث الصور لا تنهض على أساس من التتابع المنطقي الذي يجعل بعضها يفضي إلى بعض، وإنما تنهض على منطق التداعي المنفلت من كل رقابة عقلية واعية. الشعر هنا دفق من الاستعارات التي لا يمكن استيعابها إلا بالاستسلام إليها، بالتعاطف معها، بالدخول مباشرة في متاهاتها المعقدة. المزيد عن: شاعرة تونسية/شعر/تصوف/منطق الطير/قصيدة مركبة/غنائية/إلتزام/تونس 9 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post سليم بركات يستثمر روائيا في الأسطورة الإغريقية next post جان نوفيل يحول العمران إلى تحفة في “لوفر جزيرة السعديات” You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 9 comments sbobet 5 مايو، 2021 - 12:00 ص Yes! Finally something about sbobet. Reply Togel Hongkong 5 مايو، 2021 - 12:09 ص Thanks in support of sharing such a pleasant idea, post is good, thats why i have read it fully Reply kampus lampung 5 مايو، 2021 - 12:21 ص Every weekend i used to visit this web site, for the reason that i want enjoyment, for the reason that this this web site conations really good funny information too. Reply garden flag arbor 5 مايو، 2021 - 12:23 ص Having read this I thought it was really enlightening. I appreciate you finding the time and effort to put this content together. I once again find myself spending a significant amount of time both reading and leaving comments. But so what, it was still worthwhile! Reply best university in indonesia 5 مايو، 2021 - 12:23 ص When I originally commented I appear to have clicked the -Notify me when new comments are added- checkbox and from now on each time a comment is added I recieve 4 emails with the exact same comment. There has to be an easy method you can remove me from that service? Appreciate it! Reply off web hosting 28 أغسطس، 2021 - 6:15 م Excellent blog here! Also your web site loads up fast! What host are you using? Can I get your affiliate link to your host? I wish my web site loaded up as quickly as yours lol Reply t.co 31 أغسطس، 2021 - 3:50 م Good post! We are linking to this particularly great content on our website. Keep up the great writing. Reply j.mp 3 سبتمبر، 2021 - 11:49 ص Hi there! This post couldn’t be written any better! Reading through this post reminds me of my old room mate! He always kept chatting about this. I will forward this post to him. Fairly certain he will have a good read. Thanks for sharing! Reply j.mp 5 سبتمبر، 2021 - 4:05 ص You have made some good points there. I checked on the internet to learn more about the issue and found most individuals will go along with your views on this web site. Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.