أنطونين دفوراك: اللحن الرومانطيقي الأخير (موقع الموسيقى الكلاسيكية) ثقافة و فنون التشيكي دفوراك افتتح من أميركا أزمنة العولمة بموسيقاه by admin 19 يناير، 2025 written by admin 19 يناير، 2025 11 “سيمفونية العالم الجديد” تعطي أنغام الأفارقة مكانة لم تعرفها في تاريخ هذا الفن اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب قبل التشيكي أنطونين دفوراك (1841 ـ 1904) وسيمفونيته السادسة التي أطلق عليها هو نفسه اسم “سيمفونية العالم الجديد”، لم يكن أحد قد فكر من بين كبار الموسيقيين مبدعي السيمفونيات الكبرى في تاريخ الموسيقى، بأن تكون موسيقى الجاز التي ولدت من تراث الأفارقة الأميركيين ومخيلتهم، جزءاً من الموسيقى التي ستبقى كلاسيكية حتى حين أطل القرن الـ20 ليأتي بموسيقاه وألحانه التي قلبت فنون الموسيقى في العالم قلبات جذرية، لكن دفوراك فعلها في وقت كان القرن الجديد يوشك أن يولد وتولد معه تلك العولمة التي لم يكن أحد قد عرف اسمها بعد، وكان ذلك في عام 1894 حين كان ذاك المعتبر ثاني أكبر موسيقي تشيكي، بعد سميتانا ووريثه في تزعم عالمية الموسيقى في ذلك البلد الأوروبي، حين كان مقيماً بضع سنوات في نيويورك مديراً لكونسرفتوار تلك المدينة التي كانت لا تزال مؤمنة بكفاءة الأوروبيين مستعينة بتلك الكفاءة وأهلها في الأقل لإدارة شؤونها الفنية. حينها وإذ راح دفوراك يطمئن أهله وأصدقاء في الوطن، مؤكداً لهم أن إغراءات أميركا والعالم الإداري لم تشغله عن الإبداع، أخبرهم ذات يوم أنه بصدد إنجاز تلحين عمل سيمفوني فريد في مساره. وهو حين سألوه عن موضوع العمل قال ببساطة: إنه العالم الجديد! والحقيقة أن دفوراك حين استخدم التعبير لم يكن قد قرر بعد لا موضوع سيمفونيته ولا عنوانها، لكنه منذ تلك اللحظة راقه الأمر وقرر أنه عثر على الموضوع. مثل طفل في دكان حلويات من هنا سيقول دفوراك دائماً إنه يخيل إليه أن هذه السيمفونية تكاد تكون من الأعمال الفنية القليلة في تاريخ الإبداع التي أنتجها عنوانها، وإلحاح الأهل الذين لولاهم لكان فكره اتجه ناحية مختلفة، ليضيف، “والحقيقة أن نيويورك كان تعج حينها بملايين الموضوعات متواكبة مع ملايين الأضواء والألوان وكان علي، مثل أي طفل شَرِه دخل دكانا للحلويات وطلب إليه أن يختار ما يحب، كان لي حرية الاختيار، وأعتقد أن اختياري كان صائباً. كما أعتقد أنه كان في إمكاني أن أضيف مليون اختيار آخر وكان يمكن لأية اختيارات أن تسفر عن نتيجة مشابهة على أية حال”. والحقيقة أن اختيار دفوراك حينها أعطاه ليس فقط العمل الأشهر في نتاجه الموسيقي، بل حتى العمل الأقوى والأجمل، ناهيك بالعمل الذي يكاد النقاد والمعلقون يعدونه واحدة من أبدع السيمفونيات في تاريخ موسيقى نهايات القرن الـ19 وتلك التي كانت مسك الختام لهذا النوع الفني قبل أن يتبدل جذرياً على يد إيغور سترافنسكي، بل حتى على يد جورج غرشوين الذي قال مرة إنه يرى أن كلاسيكية موسيقاه، وحتى في استيعابها للجاز، إنما تدين بكثير لعمل دفوراك هذا. والحال أن “العالم الجديد” التي تعد سيمفونية دفوراك السادسة، حتى وإن كانت ذات بناء سيمفوني كلاسيكي، بل صارم في كلاسيكيته، كانت تتطلع لأن تكون، من ناحية محتواها في الأقل، نوعاً من التعبير عن جملة من المشاعر والانطباعات والذكريات الشخصية التي سجلت في ذاكرة دفوراك. أسطوانة “سيمفونية العالم الجديد” (أمازون) في أحياء الزنوج ولن يخفي دفوراك على أية حال أن المصدر الرئيس لكل ذلك إنما كان ملاحظاته التي اختزن معظمها ودون بعضها خلال تجوالاته النيويوركية خاصة في “أحياء الزنوج وأزقتهم” بحسب تعبيره. وهي تجوالات كانت يومية يطلق خلالها العنان لنفسه ملتقطاً الألحان المتنوعة، ولا سيما الإيقاعات منها، من تلك التي تتردد في كل لحظة وحين في الزوايا والمقاهي البائسة متصاعدة همها الأساس الشكوى مما تؤول إليه أحوال الناس وحياتهم في ذلك المنفى الجماعي الكبير. ومن هنا ليس غريباً أن نلاحظ كيف أن الموسيقي المرهف قد جعل ركيزة الحركة الأولى من بين الحركات الأربع التي تتألف منها السيمفونية، قائمة على مبادئ إيقاعية صرفة، يفتتحها “أداجيو” مرتبط من فوره بما يسمى في المصطلح “أليغرو مولتو”، مما يدعو المستمع فوراً إلى حركات راقصة دورها أن تطرد القهر من داخل الأجساد المتعبة… بالتالي ليس صدفة هنا أن تسيطر الإيقاعات على تلك الحركة الأولى كنوع من الدعوة إلى الدخول المباشر في الرقص تماماً كما هي الحال عادة في أية موسيقى “زنجية” – وربما يذكرنا هذا الواقع هنا بما يتوقف عنده مؤرخنا العربي الكبير ابن خلدون، بشطحة “عنصرية” منه حين يتحدث عن كون زنوج أفريقيا يتحركون راقصين منذ اللحظة التي يستمع فيها الواحد منهم إلى أي إيقاع يصل إلى أذنيه. واللافت أن ما يعده صاحب “المقدمة” مأخذاً على السود يراه العالم ميزة لهم! بعده بنصف الفية من السنين. المهم أن دفوراك التقط ذلك في مصادره ليجعله مدخلاً لتفاعله الخلاق مع العالم الجديد كما رآه. ولا سيما حين نكتشف أن الإيقاعات التي بثها دفوراك في تلك الحركة الافتتاحية تأتي لتضعنا أمام رقص غرائبي يبدو وكأنه آتٍ من أماكن شديدة البعد لتنصهر هنا في أزقة نيويورك. شيء من الهدوء لكن دفوراك ما إن ينتقل إلى الحركة الثانية حتى يبدو أكثر هدوءاً، بل كلاسيكية، حيث يمزج عدداً من الألحان العذبة الخاضعة لشاعرية غير متوقعة وكأن الوقت قد حان لقسط من راحة الراقصين والراقصات، والبحث عن دفء اجتماعي لا بد منه بعدما دفع ثمنه مرتين، مرة في العمل والكدح أو البحث عنهما طوال النهار، ومرة ثانية في الجهد المبذول رقصات وغناءً. وهنا يبدو وكأن صخب الرقص الأفريقي قد ذكر الموسيقي بعالم السهوب واستكانتها الذي يفضل ألا ينساه. وهكذا نراه بعدما ينجز هذه المهمة ويوالف بين دعة السهوب وامتداداتها اللامتناهية وبين صخب الأدغال الأفريقية وتموج تحركها المتواصل، نراه يعود إلى ايقاعات الحركة الأولى في الحركة الثالثة التي يهيمن عليها صوت الترومبون، ولكن شراكة مع الأوركسترا التي تدخل بكاملها في اللعبة، ولا سيما عبر “السكيرزو” الذي منذ تلك اللحظة يسيطر على الحركة الثالثة التي سيبدو فيها وكأن الموسيقي قد انتقل من شكاوى السود الصاخبة الإيقاعية، إلى شكاوى الهنود شركائهم في البؤس والخسارة. وكل هذا يبدو مع انطلاق الحركة الرابعة والختامية، وكأنه أتى في منتهى الأمر ممهداً لذلك اللحن العظيم الذي سيحفظه الجمهور العريض وحده في غالب الأحيان، على اعتبار أنه أقوى وأجمل ما في هذه السيمفونية، ولا سيما أنه يذكر إلى حد ما بخاتمة سيمفونية بيتهوفن التاسعة، ومباشرة بعد نشيد الكورس العظيم إلى الفرح على كلمات الشاعر شيلر، حيث تصدح الأوركسترا هنا بألحان من الواضح أنها مستعارة من موسيقى هنود أميركا الأصليين، ولكن في قالب رومانطيقي لم يُغالِ النقاد والمعلقون حين اعتبروه نوعاً من نقطة النهاية للموسيقى الرومانسية بجمال تعبيره والإحساس الذي يوحي التوزيع عبره بأن ثمة ألوف الأصوات تنشد معاً أغنية إنسانية واحدة رائعة. المزيد عن: الموسيقى السيمفونيةالموسيقار التشيكي أنطونين دفوراكالعولمةإيغور سترافنسكي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post رحيل فرحان بلبل رائد مسرح العمال في سوريا عن 88 عاما next post حبل يطوّق أيزنهاور وتنصيب تحت تأثير الكحول، ما أبرز قصص تنصيب الرؤساء الأمريكيين؟ You may also like رحيل فرحان بلبل رائد مسرح العمال في سوريا... 19 يناير، 2025 “المعلم” ديفيد لينتش صنع سينما جديدة بالأحلام والكوابيس 19 يناير، 2025 (11 مشهدا) سيئا أوشكت أن تقضي على أفلام... 18 يناير، 2025 مازارين الابنة السرية للرئيس فرانسوا ميتران تروي سيرتها 18 يناير، 2025 ليسنغ صاحب أول دراما سياسية في المسرح الألماني 18 يناير، 2025 “ثومة”… كل شيء سوى أن تكون امرأة عادية 18 يناير، 2025 الرسام الهولندي روبنز وأرشيدوقة النمسا والسياسة ثالثهما 17 يناير، 2025 صقيع السينما المصرية يستدفئ بـ6 ملايين دولار إيرادات 17 يناير، 2025 وفاة عملاق السينما الأميركية المخرج ديفيد لينش عن... 17 يناير، 2025 التراث العربي بين التحديات الرقمية والفرص التكنولوجية 16 يناير، 2025