أتش بي لوفكرافت (الموسوعة البريطانية) ثقافة و فنون البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت by admin 21 نوفمبر، 2024 written by admin 21 نوفمبر، 2024 67 الكاتب الذي لقب بـ”كوبرنيكوس أدب الرعب” يصل أخيراً إلى صفوف الروائيين الكبار عن الطريق الفرنسي اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب يمكن بصورة أو بأخرى النظر إلى سلسلة الكتب التي يصدرها الناشر الفرنسي “غاليمار” في طبعات شديدة الأناقة على أن انضمام أي كاتب أتى من أي مكان في العالم إليها مترجماً إلى الفرنسية من أية لغة من اللغات معناه دخوله ذلك الصرح المقدس، الذي يشكل الانضمام إليه الفاصل الحاسم بين أن يكون الكاتب مرموقاً وأن يكون أديباً مميزاً. ومن هنا، لا ريب في أن صدور المجلد البالغ عدد صفحاته أكثر من 1400 صفحة قبل أسابيع من الآن يكرس الكاتب الأميركي أتش. بي. لوفكرافت (1890-1937) باعتباره واحداً من أفراد تلك النخبة المميزة في تاريخ الأدب العالمي، وذلك بعد أن وصل قبل قرن من الآن إلى أن يكرس كواحد من كبار الأدباء الشعبيين في العالم عبر أعمال غزيرة وصلت إلى أوج انتشارها خلال الربع الأول من القرن الـ20، وتنتمي في معظمها إلى آداب كانت تعتبر جماهيرية أي لا تليق بقراء النخبة. ومن هنا أهمية هذا التطور الجديد في النظرة إليه بخاصة أن الإصدار الجديد يأتي مميزاً ووسط ضجة أدبية كبرى، كما حال كل أجزاء السلسلة التي يربو ما صدر منها حتى الآن على مئات الأجزاء. يقتضي منا هنا أن نتذكر أن لوفكرافت لم ينتظر انضمامه إلى السلسلة التي يقول عنوانها الإجمالي، “لا بلياد” (الثريا)، كل شيء، كي يحقق ذلك الانتقال القيمي، وذلك أن أول من حدد له إرهاصات مكانته التي انتهى إليها، كان الأرجنتيني الكبير جورج لويس بورخيس الذي كان منذ عام 1975 قد خصه بواحدة من أجمل القصص القصيرة في كتابه الشهير المعروف بـ”كتاب الرمل”، لتتبعه في ذلك الكاتبة جويس كارول أوتس مواطنة لوفكرافت عبر تقديمها الغني واحدة من مجموعاته القصصية، قبل أن يحذو الكاتب الفرنسي المعاصر ميشال هويلبيك حذوهما، إذ خص سلفه الأميركي الكبير بدراسة في مئات الصفحات عنوانها “لوفكرافت ضد العالم وضد الحياة”. والحقيقة أن هذا الثالوث الأدبي كان من شأنه أن يجعل دهشة لوفكرافت نفسه مضاعفة مرات ومرات، لو أنه ظهر خلال حياته، لكن صاحب العلاقة رحل عن عالمنا حتى قبل أن يحلم بأن يعامله كتاب من هذا المستوى تعاملاً يليق بالكبار، هو الذي كانت الفرحة تغمره خلال حياته ولا سيما في سنوات انطلاقته الأولى حين كان يفاجأ حين تقبل مطبوعات شعبية متخصصة نشر نص له، على رغم أن ما من كاتب يحترم نفسه كان يقبل حينها بأن ينشر في تلك المجلات. غلاف كتاب لوفكرافت (أمازون) لغة الغرابة المطلقة يصعب القول طبعاً إن الصفحات التي يتوزع عليها المجلد الفرنسي الجديد، تضم كل ما نشر لوفكرافت في مساره الكتابي على قصره، لكن ما نشر في المجلد ويربو عدده على 29 نصاً اختيرت من بين أفضل ما نشر خلال تلك الحياة ليس سوى جزء يسير من مجمل نتاجه. ولئن كان من المنطقي أن نتوقع مجلداً ثانياً ربما يصدر لاحقاً على ضوء الإقبال الذي يلقاه هذا المجلد الأول، يؤكد المطلعون بصورة جيدة على أدب الكاتب أن هذه النصوص تعطي فكرة جيدة إلى حد كبير عن أدب، أجمع نقاد تلك المرحلة على أنه حقق تلك النقلة التي حلم بها كثيراً كل أولئك الكتاب الذين خاضوا غمار ما لا يقل عن 10 أنواع في مجالات الأدب الشعبي، برع لوفكرافت في الدنو منها وأحياناً في ابتكارها من دون أن يكتفي بالتجديد في مضمارها وحسب. والحقيقة أنه حتى لو أن محرري هذه الأنطولوجيا الفرنسية اكتفوا في أحيان كثيرة باستخدام ترجمات فرنسية معروفة لنصوص الكاتب، فإنهم كثيراً ما أعادوا النظر هنا في العناوين التي أعطيت سابقاً للنصوص، مما كشف عن تعامل جديد مع هذه الأخيرة أضفى عليها سمات بادية الحداثة تعطي النصوص سمات تقربها إلى أذهان نخب القراء. ومن ذلك مثلاً، بدلاً من عنوان سابق حملته واحدة من أشهر روايات لوفكرافت، “جبال الهلوسة”، بات العنوان الجديد “جبال الهذيان”، وبدلاً من “في وهدة الزمن” اختار المحررون عنوان “ظل ما وراء الزمن”. ولعل أول ما نلاحظ في هذه التعديلات على بساطتها هو أن شبح قاموس يلوح هنا بكل غرابته وتعامله مع المفاهيم ولا سيما منها ما تعلق بقراءة لا تخفى امتلكها بورخيس في ما يرتبط بتعامله مع الزمن تعاملاً كان على الدوام الشغل الشاغل لكاتب الحداثة الأرجنتيني الكبير، بل لعلنا هنا ومن خلال مثل تلك التعديلات نكتشف لدى لوفكرافت جذورَ تعلق بورخيس نفسه بمصطلحات، بل حتى بشخصيات وهمية تنتمي إلى التراث العربي. ولعل خير مثال على ذلك شخصية عبدالحضرة التي نجدها في نص للوفكرافت عن “العربي المجنون” والتي سنجد من يماثلها، بل حتى يكاد يتطابق معها في نصوص عدة من كتابات صاحب “الألف” و”حكايات” وسواها من مجموعات تجعل من غير الغريب ما عثرنا عليه وتحدثنا عنه في هذه الزاوية بالذات مرات عدة من ترجمة بخط بورخيس لبيت أبي الطيب الذي يقول فيه: “الخيل والليل والبيداء تعرفني/ والسيف والرمح والقرطاس والقلم”. وكأن التراث العربي قد لعب لعبته في الجمع بين الأميركي والأرجنتيني. البعد الراديكالي ويبقى هنا أن ثمة ما يتعين الالتفات إليه من ناحية تلك العناصر الأساسية التي تجمع بين هذين الكاتبين الكبيرين، اللذين لم يعيشا لا في مكان واحد ولا في الزمان نفيه، لكن ثمة علاقة غامضة تجمع بينهما وإن كان من منطقين مختلفين بالنسبة إلى كل منهما، وهي العلاقة التي يمكن تلخيصها بأنها ذلك “البعد الراديكالي الذي يربط بين الزمان والمكان في بوتقة واحدة، بل حتى في مكان يخرج عن الزمان والمكان”. صحيح هنا أن هذا القول الذي يكاد يلخص تعاطي بورخيس نفسه مع البعدين المذكورين المرتبطين لديه في كينونة واحدة، قد يبدو غامضاً وسوريالياً. غير أنه يشكل – بعد تمحيص في أدب لوفكرافت – الجامع الرئيس بين أدبين يبدوان للوهلة الأولى نقيضين تماماً إزاء بعضهما بعضاً، إذ يأتي أسبقهما من عالم الأدب الشعبي فيما يأتي الثاني من أرفع مستويات الأدب النخبوي. غير أن هذا لن يتعدى كونه خداعاً، بل إن هويلييه الذي بعيداً من أدبه الذي يكاد يكون عنصرياً، يبدو من أكثر الذين كتبوا عن لوفكرافت إدراكاً لتلك العناصر التي أعطت قدراً كبيراً من السمو لأدب، حتى صاحبه نفسه ما كان في إمكانه أن يخمن بنفسه أن مستقبل أدبه سيرتبط إلى حد مدهش بذلك السمو، وأنه سيوضع ذات يوم في مستوى واحد إلى جانب أدب كبير النخبويين في الأدب الكبير خلال الربع الثاني من القرن الـ20 في الأقل. وهو ما أتى إصدار المجلد الخاص بأدب لوفكرافت ليؤكده بصورة عملية بعد قرن من الحقبة التي كان فيها هواة الأدب الجماهيري الرخيص يقبلون على قراءة أدبه بشوق يصل إلى حدود الإدمان. وبقي أخيراً أن ننقل عن الباحث الفرنسي لوران فوليو، الذي حرر هذه المجموعة الضخمة وكتب مقدمتها، كيف أن لوفكرافت كان كما تقول الحكاية، في السادسة من عمره حين كتب روايته الأولى، ورحل كما تقول سيرته وهو في الـ46 بعد أن كتب شاهدة قبره بخط يده وفيها “إنني العناية الإلهية”، مشيراً بذلك إلى مسقط رأسه مدينة بروفيدانس (وتعني تحديداً العناية الإلهية) في مقاطعة رود أيلند إلى الشمال الشرقي من الولايات المتحدة، هو الذي، كما يتابع فوليو قائلاً “لم يترك وحسب، بل خلف وراءه كل إرهاصات تلك الثقافة المضادة التي ستزدهر في أميركا منطلقة منها إلى العالم بعد نصف قرن من رحيله وهو لا يتجاوز الـ40 من عمره”. المزيد عن: الكاتب الأميركي أتش. بي. لوفكرافتجورج لويس بورخيسالكاتب الفرنسي ميشال هويلبيك 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية next post حافظ الأسد كان قلقا من أن تلقى سوريا مصير أوروبا الشرقية You may also like يوسف بزي يتابع الكتابة عن العودة إلى دمشق:... 26 ديسمبر، 2024 كوليت مرشليان تكتب عن: الصحافي والكاتب جاد الحاج... 26 ديسمبر، 2024 إسماعيل فقيه يكتب عن: “دعوني أخرج”!… قالها الشّاعر... 26 ديسمبر، 2024 عقل العويط يكتب عن: سوف يصفّق في الظلام... 26 ديسمبر، 2024 روؤف قبيسي يكتب عن جاد الحاج … صفحات... 26 ديسمبر، 2024 بول شاوول يكتب عن: أمير القصة العربية يوسف... 25 ديسمبر، 2024 محمد أبي سمرا يكتب عن.. جولان حاجي: الكتابة... 25 ديسمبر، 2024 (20 رواية) تصدّرت المشهد الأدبي العربي في 2024 25 ديسمبر، 2024 “الحياة الفاوستية” رحلة في عوالم غوته السرية 25 ديسمبر، 2024 “أن تملك أو لا تملك” تلك هي قضية... 25 ديسمبر، 2024