ما تفرزه الجامعات دليل وإشارة إلى ثقافة ومعرفة الشعوب (غيتي) ثقافة و فنون البحث الاكاديمي العربي: متى نغادر الأطلال؟ by admin 4 مايو، 2025 written by admin 4 مايو، 2025 16 دراسات جامعية عليا في العلوم الاجتماعية والإنسانية تأتي في إطار الهوامش أو المثاقفة الجوفاء اندبندنت عربية / موسى برهومة بالقياس إلى غالبية الجامعات العربية، فإنّ ما ينجز من أطروحات جامعية عليا (على الأقل في أقسام العلوم الاجتماعية والإنسانية) يأتي في إطار الهوامش، أو المثاقفة الجوفاء، أو الاستخدامات اللغوية الشائعة، أو الأحكام الفقهية التي استقر عليها الوعي الديني، وما عاد البحث فيها والخوض في مائها يقدم إضافة نوعية إلى السلوك العام لطائفة المؤمنين. قبل سنوات، أعلنت جامعة كامبريدج عن نيتها منح درجة الدكتوراة لأحد الباحثين، الذي كُلف بالعمل على مشروع علمي متخصص يهدف للمحافظة على قوام قوالب الشوكولاته بحالتها الصلبة في المناطق ذات المناخ الحار. عمل، بلا ريب، يخدم البشر، وينفع الناس، ويبقى في الأرض، رغم أنه يتصل بموضوع قد لا تعتبره جامعاتنا ذا أهمية أو جدوى؛ فهي، جلها، مشغول بالأطروحات الجامعية التي تتحدث عن قضايا تنخرط في إطار اللهو العقلي، وثمة أقسام للغة العربية ينهمك طلبتها في البحث عن استعمالات “حتى” أو “لو” وسوى ذلك من موضوعات لا تنتسب إلى الترف بمقدار انتسابها إلى تصنيع العجز، ووضاعة التفكير، وقلة حيلة الباحثين والمشرفين عليهم. العلم ما نفع طلاب في امتحان الجامعة اللبنانية (خدمة الجامعة اللبنانية) ويروى عن الإمام الشافعي قوله “ليس العلم ما حفظ، إنما العلم ما نفع”، ما يستدعي ربط الأطروحات الجامعية بحاجات المجتمع. فالجامعات العريقة تنسق مع الحكومات والقطاع الخاص، لربط البحث العلمي بمتطلبات الحياة والمجتمع وحاجات السوق، وهذا يبدأ من الشكولاته، ولا ينتهي بالثقافة والفنون والدراسات الاجتماعية السبرية للبطالة (تصل نسبتها بين الشباب العربي 30 في المئة) والعطالة والفقر، ودوافع الانتحار والتمييز الجندري، وكيفية الاستفادة من ثورة الذكاء الاصطناعي، لا لكتابة الأبحاث في نصف ساعة، بل لتوظيف هذه الطاقة العبقرية في إنتاج معرفة تقلل نسبة الغباء فيما نفعل أو ما نقول. عند إنشائها عام 1913 حددت مؤسسة “روكفلر” الأميركية (Rockefeller Foundation ) رسالتها بأنها تهدف إلى تعزيز ارتقاء البشر في جميع أنحاء العالم، وأنّ قاعدتها المعرفة، وأنها تلتزم بالعمل على إثراء حياة الفقراء والمهمشين في العالم بأسره ودعم معيشتهم. لهذا قامت المؤسسة التي أنفقت زهاء ربع مليار دولار أعمالها الخيرية، من ضمنها تأسيس مدرسة جونز هوبكنز للصحة العامة، ومدرسة هارفارد للصحة العامة، وهما وفق “ويكيبيديا”، اثنتان من أوائل مدارس الصحة العامة في الولايات المتحدة. وساعدت “روكفلر” في تطوير لقاح الحمى الصفراء، وأتاحث المجال لاحتضان العلماء المضطهدين في بلدانهم، وأفسحت لعقولهم أن تشع في مناخ من الابتكار والتخطي. النسبة الضئيلة الأرقام الآتية من مراكز الأبحاث تشير إلى أنّ نسبة الإنفاق على البحث العلمي في العالم العربي، لا تتعدى 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، على الرغم من أنّ وعياً جديداً بدأ يتبلور في دوائر صنع القرار العربي بأنّ البحث العلمي هو خشبة النجاة، في عالم تقل فيه الموارد التقليدية وتشع الأفكار التي تبحث عن موارد بديلة، وأكثر إنتاجية، وأشد رفقاً بالبيئة والطبيعة والجهد البدني البشري. جَلد الذات إلى حد إسالة الدم لا يجدي نفعاً، لذا فإنّ تأمل انبعاث النهضة العربية (المتأخرة) في الإنفاق على البحث العلمي، بمقدار الإنفاق على الجهود العسكرية، ربما يقود إلى أن تغيّر الجامعات العربية أولوياتها وتتجه في أبحاثها إلى ما ينفع ويحسن حال الدول والمجتمعات، لأنّ تعريف المعرّف وإعادة شرح “لامية العرب” للشنفرى، والنبش في التاريخ لإثبات أنّ عالِماً عربياً قبل ألف سنة اكتشف علاجاً للسرطان، هو من قبيل إضاعة الوقت، وعدم الإحساس بالقوة الضاغطة للزمن. الأرقام الآتية من كوريا الجنوبية تفيد بأنّ نسبة نفقات البحث والتطوير في الناتج المحلي الإجمالي بلغ 4.96 في المئة. ونستذكر كوريا الجنوبية لأنها تنتمي (أو كانت) لما يسمى العالم الثالث، وكانت إلى ما قبل سبعة عقود من أفقر البلاد في آسيا، وبلغت آنذاك نسبة الأمية فيها أكثر من 90 في المئة من السكان، وكانت، وكانت.. وكل ما كانته من شأنه أن يثبط العزائم، ويمنع الهمم من الوثوب، لكنّ الدولة الخارجة من الحروب والاحتلالات التي أنهكتها، أنفقت في عام واحد أكثر من 21 مليار دولار على مشروعات البحث والتطوير. وقررت أخيراً أن تستثمر زهاء 410.4 مليون دولار أميركي، في قطاع واحد فقط، وهو تطوير التكنولوجيا الحيوية الأصلية، كما نقلت وكالة الأنباء الكورية “يونهاب” عن وزارة العلوم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وتخطط الوزارة لتخصيص نسبة كبيرة من هذه الموازنة في مشاريع البحث والتطوير التي تركز على الأدوية الجديدة والمعدات الطبية والطب التجديدي، وكذلك تطوير التقنيات الاستراتيجية الأساسية للبيولوجيا، بما في ذلك البيولوجيا التركيبية وعلم الأعصاب المتقدم، وإنشاء منظومة للأبحاث الرقمية. كوريا الجنوبية محاطة بالتهديدات الوجودية المباشرة، لكنها لم تهدر مواردها في سبيل التسليح والعسكرة، كما يحدث في بلاد أخرى كثيرة، بل ظلت تعمل وتبتكر وتنافس وتفرض شخصيتها، وهذا خير وسيلة للدفاع عن الذات والوجود. النموذج الكوري الجنوبي مغرٍ جداً للمقاربة، والاستفادة من التجربة المشعة، لاسيما في مجاليْ التعليم والزراعة، فهاتان المعضلتان كانتا علة البلد الفقير، وأصبحتا خلال عقود قليلة واحدة من روافعه الشاهقة. لقد أدركت هذه التجربة العبقرية أن إطعام الأفواه وإشباع العقول يسيران بشكل متواز. وتلك كانت الشرارة التي قدحت نار التحدي. تلك بلاد نهضت، لأنها حدقت في المستقبل فأدركته وانخرطت فيه وأبدعت ونافست، ولم تُطل النظر في المكان، ولم تنصب على أطرافه خيام الحنين، والشوق إلى زمن كانت شمس المعرفة تشرق من ضواحيه. الشمس انحسرت الآن عن تلك الحضارة، كما هو حال الأزمنة المتبدلة. ومن الأجدى أن نغادر الأطلال ونسكن في المستقبل. المزيد عن: العلوم الإنسانيةسوسيولوجياالدراسة الأكاديميةالجماعات العربيةالمثاقفةالحداثةالفكر 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post كيف انتقلت سينما أندرسون من خشونة النفط إلى هدوء عالم الأزياء وصمته next post الأوروبيون أضفوا طابعا أسطوريا على فرقة “الحشاشين” You may also like الأوروبيون أضفوا طابعا أسطوريا على فرقة “الحشاشين” 4 مايو، 2025 كيف انتقلت سينما أندرسون من خشونة النفط إلى... 4 مايو، 2025 ندى حطيط تكتب عن «الدّماغ المؤدلج»: حين يكون... 4 مايو، 2025 القوة الناعمة العُمانية من سلاسة ناسها إلى سلاسل... 3 مايو، 2025 محمد الحجيري يكتب رواية فشل الحياة على هامش... 3 مايو، 2025 هلا شقير تبحث عن النقطة المضيئة في صميم... 3 مايو، 2025 عندما أراد المفكر الفرنسي بيار بورديو اللجوء إلى... 3 مايو، 2025 «عيون مغلقة على اتساعها»… تحفة كوبريك الأخيرة 2 مايو، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: «سفنكس» عُمان 2 مايو، 2025 دراسة تبحث في «الشعر العُماني في العصر البوسعيدي» 2 مايو، 2025